الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أصلّي وأسلم على خير خلق الله وصفيه وخليله، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه.
وبعد: عباد الله، "إن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالبَ وصورٍ تناسبها من العقاب الرباني، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامّة، وتارة بهموم وآلام وغموم، وتارة بمنع بركات السماء والأرض، وتارة بتسليط الشياطين تؤزّهم إلى أسباب العذاب أزًا، والعاقل يسيِّر بصيرتَه بين أقطار العالم فيشاهده، وينظر مواقعَ عدل الله وحكمته".
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله فقال: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلاّ سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيّروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) أخرجه ابن ماجه (4009) وحسنه الألباني.
عباد الله، ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، ونعوذ بالله من الشماتة منا أو بنا، لكن لنأخذ العبرة، ونجتهد في التلاحم باسم الدين وللدين، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:13]. لا بد من بصرِ نظرٍ وبصيرةِ تدبرٍ، قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ [آل عمران:137]. سنن الله الكونية هي هي، والأرض كلّها واحدة، مسرح للحياة البشرية، وكتاب مفتوح، عبرة وذكرى، وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ [يونس:101]. فهل من مدّكر؟!
عباد الله، وماذا عن "حزب الله" الشيعي؟! "حزب الله" الذي رفعه وطوّره وأعطاه انتصارات وهمية هم اليهود، وذلك ليتم شنقه في الوقت المناسب ودون أن يذكر عليه اسم الله، وهكذا اليهود لا يصنعون كل الأحداث كما قد يتوهّم الموغلون في تضخيم الأعداء، ولكنهم يحسنون استغلالها، في الوقت الذي نحول الانتصارات إلى هزائم، فبماذا نفسر الخطوات العشوائية؟! هل يريد "حزب الله" صرف النظر عما يحدث في العراق من إبادة الشيعة للسنة؟! هل "حزبُ الله" عصًا أخرى لسوريا كما هي لإيران؟! وهل تستطيع سوريا فتح بقية الجبهات على إسرائيل خاصة ما يهدد أمنها، أم يريد الحزبُ التغطيةَ على دور حماس في المنطقة وربط الاتجاهين في سياق واحد وتغطية نجاحهم بعملية الوهم المتبدد؟! وهل الأسرى الذين اختطفهم الحزب كانوا من الدروز وليسوا يهودًا، فتصرُّفُ إسرائيل لا يدل على الطمع في نجاة هذين الدرزيين؛ لأنهما ليسا يهوديين، ومن ثم فهي تخبط وتضرب عشوائيًا؟! وقضية الأسرى مجرّد قلامة ظفر علق بها الجرس.
خُطَب حسن نصر الله كان يقول فيها: إن لديه قوى عظمى يدمّر بها إسرائيل، وانتهت بصاروخ الكاتيوشا، فأين ذهبت تلك القوى؟! وهل هذا تضليل للشعوب وإيهام الآخرين بأنهم أقوياء؟!
حرب غير قانونية، لا يعضدها سند من المشروعية حين تستهدف المدنيين والمنشآت، وتعيد ما سبق تحريره، ويظل المجتمع الدولي يتباكى على الأنقاض، ويندب القلوب الرحيمة، ويفتش في أوراق المعاهدات الدولية، ويطرح خيارات أسرعها تمديد فترة الاستنزاف، وبمزيد التصريحات تتّسع هوةُ الفرقاء، ويكشف التعري عن مزيد من البؤر المتجرثمة في جسم الأمة والتفاضح في قالب التناصح، والمأجورة والثكلى، وفي لحن القول تعرفهم بلمز المؤمنين وتصفية الحسابات، وهذه شنشنة تجترّ التاريخ بغية الإسقاط، ولو راموا المعاذير لأمعنوا في الاعتذار عن الشيطان، فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً [النساء:109].
ماذا سيطال الجاليات الإسلامية في كل بلاد العالم وبالذات أمريكا من الاستخفاف والاستهداف والضغط النفسي كأحد مخرجات الأزمة؟! وهناك من يخلط الأوراق، ويعتمد المقارنات برغم المفارقات بين المقاومة الوطنية والحق المشروع، كما هي حماس وبين "حزب الله" وتصرفاته.
هل هناك من يسعى لإشعال المنطقة بحيث يسوغ الدخول في ترتيب أوراق المنطقة كإيران والخروج من مأزق المفاعل النووي، أم هو تنسيق وتناوب أدوار يقرؤها الأنجال في مستقبل الأيام؟!
ماذا نستفيد من الدروس والعبر؟!
تحاشي جرّ المنطقة إلى حروب وتضييع الثروات في سبيل خطوات غير محسوبة.
تفويت الفرصة على المزايدات الوطنية؛ فلا يصح أن تكون مقياسًا لولاء أو براء؛ لأن مفردات التقويم غير منضبطة؛ لكن الدين ميزان ثابت، ويمكن القياس به والتحاكم إليه.
القارئ لأعداد الجاليات والسيّاح في لبنان دليل على عزوف السياح عن بلادهم والسياحة في بلادنا أقاليم وطبيعة خير منها كتفعيل وتسويق، فليست السياحة مراقص ومسارح وملاهي؛ بل هي مناظر وخدمات وتسهيلات مالية وترفيهية. إنَّ جذبَ الناس ليس باللهو بقدر ما هو برخص الأسعار وحفظ الآداب والأخلاق.
ماذا عليك أنت أيها الرجل العادي؟ هل أنت بمعزل عن الأحداث أم سيطالك الشرر والضرر؟
من قدرتك الدعاء والتضرع وعدم الاستجابة للاستخفاف وأخذ الأمور من مصادرها الموثوقة، والعبادة في الهرج كهجرة إلى رسول الله ، وحفظ الوقت من التقلب بين صراعات القنوات التي تستركض العجلى في غير طائل، وتشرف بهم على الفتن. فالسكوت الآن فيما يعني خير من العراك بلا جدوى إلا حصائد من الإحن والخصومات التي توغر الصدور.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على محمد كما صليت على إبراهيم في العالمين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...
|