أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى وتفقهوا في دين الله لتعبدوا الله على بصيرة فإن من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، فالفقه في الدين أساس الخير والعمل الصالح، فبه يعرف العبد كيف يعبد ربه، به يعرف كيف يتوضأ وكيف يغتسل، به يعرف كيف يصلي وكيف يصوم وكيف يزكي وكيف يحج وكيف يعتمر، به يميز بين الواجبات وبين السنن، به يعرف كيف يسير إلى ربه في نور العلم إذا انعقدت غيوم الجهل والفتن، به يعرف كيف يعامل، كيف ينكح وكيف ينفق وكيف يُكفّر عن آثامه، وكيف يعتقذ، به يكون العبد سراجا في أمته يهديهم الصراط المستقيم ويبين لهم النهج القويم بالعلم يستنير في حياته وبعد وفاته فهو نور القلب ونور القبر ونور الحشر ونور الصراط، العالم حي بعد مماته والجاهل ميت في حياته: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب . إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له، وما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى، من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء: وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
أيها الناس : من استطاع منكم أن يتفرغ للعلم وتحصيله فليفعل فإنه ليتأكد في هذا الزمان الذي قل فيه الفقهاء في دين الله وكثر فيه طلب الدنيا بشتى الوسائل والإقبال عليها ومن لم يستطع منكم ذلك فليستمع إلى الذكر وليجلس إلى أهل العلم فيستفيد منهم ويفيد غيره ومن لم يستطع فلا أقل من أن يسأل عن دينه؟ وعن طهارته وصلاته وزكاته وصيامه وحجه وبيعه وشرائه وأخذه وعطائه ونكاحه وغير ذلك مما له صلة بدينه إذا عرض له فيه إشكال واشتباه.
عباد الله :إن بعض الناس يصنع أمرا محرما لا يجوز في الاستفتاء، تجده يأتي إلى أحد ليستفتيه راضيا بفتواه معتقدا أن ما يقوله هو دين الله، وهو الحق الذي يجب عليه التزامه فإذا أفتاه بشيء ولم تناسبه الفتوى إما لاستبعاده لها وإما لصعوبتها عليه في نظره ذهب يطلب مفتيا آخر، لعله يكون أنسب له، وهذا العمل حرام عليه فإن المطلوب في حق المستفتي أن يتحرى من يظنه أقرب إلى الحق لكثرة علمه وقوة ورعه فإذا غلب على ظنه أنه أقرب إلى الحق من غيره فليسأله ثم ليأخذ بقوله ولا يستفتي غيره إلا أن يتبين له بعد ذلك أنه مخطئ مخالف للكتاب أو السنة فحينئذ يأخذ بما دل عليه الكتاب والسنة وقد ذكر الله تعالى في كتابه وظيفة الإنسان إذا لم يكن له علم فقال فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر [النحل:43-44]. فإذا كنت مأمورا بسؤال أهل العلم فإن العاقل لا بد أن يتحرى لدينه من هو أعلم وأورع، الأمثل فالأمثل، فاتقوا الله أيها الناس ولا تتلاعبوا بدينكم تسألون هذا وهذا وهذا فتختلف عليكم الأمور وتكونوا ممن اتبعوا أهواءهم، والإنسان متى قام بالواجب فسأل من يظنه أقرب إلى الحق فقد برئت ذمته فيما بينه وبين الله: قال في المنتهى وشرحه: ومن لم يجد إلا مفتيا لزم أخذه بقوله وكذا ملتزم قول مفت وثم غيره أي فإنه يلزمه الأخذ بفتوى من التزم بقوله وقال في نقلا عن شرح مختصر التحرير: لو أفتى المقلد مفت واحد وعمل به المقلد لزمه قطعا وليس له الرجوع إلى فتوى غيره في تلك الحادثة بعينها إجماعا نقله ابن الحاجب وغيره وقد ذكر ذلك صاحب الإقناع وشرحه والغاية وشرحها. نعم لو سأل أمثل من يجد من غير أن تسكن إليه نفسه ويطمئن إليه قلبه ولكن للضرورة فهذا يجوز أن يسأل غيره فيما بعد ممن يظن أنه أقرب إلى الخلق منه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم [آل عمران:18].
بارك الله لي ولكم . . . |