الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. الله أكبر عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. الله أكبر كلما رجع مذنِب وتاب، الله أكبر كلّما ندم عبدٌ وأناب. والحمد لله الذي منّ علينا بشهر رمضان وتمامه، ونسأله المزيد من توفيقه في شوال وسائر أيام زمانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من زكى وصام وصلى بالليل والناس نيام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها المسلمون، لقد شرع لكم نبيّ الهدى بعد رمضان صيام الست من شوال، قال النبي : ((من صام رمضان وأتبعه بستّ من شوال كان كصيام الدهر)).
فصوموها يا عباد الله، وحافظوا على الصلاة في وقتها، فإنها أول ما تحاسبون عنه يوم القيامة، ومن لم يؤدّ فريضة الحجّ بعدُ فليؤدّها قبل أن يحالَ بينه وبينها، ثم استوصوا بالوالدين خيرًا، وترحّموا على من مات منهما، تحبّبوا إلى أبنائكم، وصِلوا أرحامكم وأقاربكم، واحذروا قطيعتها، فإنّ صلتها من الإيمان، والرّحم معلّقة بالعرش يقول الله: ألا ترضَين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: نعم، قال: فذلك لك.
أحسنوا إلى الأيتام والأرامل والفقراء، وأوفوا المكيال والميزان، واجتنبوا الغشّ والكذب في البيع والشراء، وابتعدوا عن الغيبة والنميمة والكذب والغشّ والخداع.
مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، كلّ بحسب طاقته وقدرته، فقد قال تعالى: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، وقال : ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم، وقال : ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) رواه الترمذي.
عباد الله، في الحديث الثابت عن النبي قال: ((من أصبح آمنا في سربه معافًى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) وهو في صحيح الجامع الصغير. فبالأمن يأمن المسلم على دينه وعلى ماله وعلى عِرضه، ويتفرّغ لعبادة الله، ويسعى في إصلاح دينه ودنياه، فهذا الأمن مسؤوليةُ كل فرد منا.
ونحن بأمسِّ الحاجة إلى اجتماع الصفِّ ووحدة الكلمة والوقوف ضدَّ من يهدّد ديننا وأمنَنا، فعلينا تبديل مظاهر العنف بمظاهر العفو والتسامح التي تعلّمناها من رمضان، إذ كيف تناجي الله تعالى فتقول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا وأنت لا تريد أن تعفو عمن أساء إليك من أقاربك وأهل بلدك؟! أمَا تعلم أن الرحماء يرحمهم الرحمن؟! ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)). كنتَ في رمضان إن سابّك أحد أو شتَمك قلت له: إني صائم، فاستمرّ ـ أخي المسلم ـ على هذا الخلق، واعفُ عمّن ظلمك، تمالك نفسك عند الغضب، ولا تجعل للشيطان عليك سبيلا.
عباد الله، اعلموا أن السنةَ لمن خرج إلى صلاة العيد من طريق أن يرجع من طريق آخر.
معاشر المسلمين والمسلمات، لقد جرت عادة الناس أن يتصافحوا ويهنّئ بعضهم بعضا في العيد، وهذه عادة حسنة تجلب المودّة وتزيل البغضاء، فتصافحوا فإن النبي قال: ((إذا تصافح المسلمان تحاتّت ذنوبهما كما تتحاتّ أوراق الشجر)).
عباد الله، سأتكلم اليوم عن قضية المصافحة بين الجنسين: الذكر والأنثى، وقد كنت قد أرجأت الحديث عنها حتى يأتي وقتها المناسب، ورأيت أن اليوم هو وقتها.
إن معظم كتب الفقه تحرّم هذا الفعل وتعتبره مخالفًا لسنة النبي القولية والفعلية، حيث ثبت عنه أنه لم يكن يصافح النساء، وأنه نهى عن هذا الفعل بقوله: ((لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير لكم من أن يمس امرأة لا تحل له)).
ممكن أن يأتي إنسان ويستشهد بحديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، وبما أن نية المصافح سليمة وصافية تجاه الطرف الآخر ولا وجود لديه للشهوة ولا يخشى الفتنة من وراء ذلك فإنه لا مانع من المصافحة، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا: إذا كان مثل هذا الشخص قد أمن على نفسه الفتنة وعدم وجود الشهوة فهل يأمن ذلك من الطرف الآخر؟ وماذا يفعل هذا الشخص في حال صادَف وجود عدة أشخاص، فهل ينتقي من بينهم من تنتفي الشهوة ضدّه فيصافحه ويترك الآخرين؟! ثم ألا يمكن أن تتبدّل النية بعد الملامسة؟! خاصة إذا حدث أثناء الملامسة ما يستوجب هذا التغيير مثل تلاقي العيون والشد على اليد مثلاً؟!
يقول الدكتور عبد المجيد الزنداني مبينًا أحدَث النتائج التي جاء بها علم التشريح الحديث حول ما يحدث أثناء المصافحة بين الرجل المرأة: "إن هناك خمسَة ملايين خلية في الجسم تغطي السطح، كل خلية من هذه الخلايا تنقل الأحاسيس، فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرَى بينهما اتصال يثير الشهوة".
وهذا كلام رجال التشريح المادي من الطب يبيّنونه ويدرسونه تحت أجهزتهم وآلاتهم، ونحن نقول: سبحان الله الحكيم الذي صان المؤمنين والمؤمنات، فأغلق عليهم منافذ الشيطان وطرق فساده، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ.
ثم إذا كان مقياس الحكم هو أمن الفتنة وسلامة النية، فلماذا لم يصافح الرسول ؟! فهل يمكن لمسلم أن يشك بسلامة نية رسول الله في هذا المجال؟! يقول الشيخ الصابوني مبينًا هدف الرسول عليه الصلاة والسلام من وراء الامتناع عن مصافحة النساء: "ورسول الله عندما يمتنع عن مصافحة النساء مع أنه المعصوم فإنما هو تعليم للأمة وإرشاد لسلوك طريق الاستقامة، وإذا كان رسول الله وهو الطاهر الفاضل الشريف الذي لا يشكّ إنسان في نزاهته وطهارته وسلامة قلبه لا يصافح النساء ويكتفي بالكلام في مبايعتهن مع أن أمر البيعة أمر عظيم الشأن، فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة مع أن الشهوة منهم غالبة والفتنة غير مأمونة والشيطان يجري فيهم مجرى الدم؟!".
فابدأ ـ أخي المسلم ـ من اليوم وصاعدًا، لا تصافح امرأة من غير المحارم حرمة مؤبدة، وأنتِ كذلك أيتها المرأة المسلمة، وإن تسبّب ذلك لكم بالضيق والحرج والاتهام بالرجعية، فدين الله أحق أن يتبع.
فبذلك يخدم الإسلام ببيان حكم الشرع في هذه المسألة، ويعتذر بلباقة من الطرف الآخر، ويظهر له بأنه لم يقصد الإهانة والاحتقار، وإنما هو ينفّذ أحكام دينه، وفي هذه الحالة يكون موقف الطرف الآخر المؤكّد أنه لن يمدّ يده في المرّة القادمة كي يسلم عليه أو على أيّ شخص ملتزم.
معاشر الإخوة، لنرفع الأصوات بالتحميد، ولنرسل التهاني لكل قريب وعزيز وجار وحبيب، لنظهر الأفراح ويهنئ بعضنا بعضا بقول: تقبل الله منا ومنكم، أو عيد مبارك، وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة.
أما زيارة القبور في هذا اليوم بالذات فلم أعلم لها أصلا من الشرع، فزيارة القبور مشروعة في كل وقت، ولم يرد تخصيص يوم العيد بزيارتها.
أيها الناس، قبل انتهاء خطبتنا هذه أحب أن أوجه موعظة للنساء كما كان النبي يعظهنّ في صلاة العيد بعد الرجال، فأقول:
أيتها النساء، إن عليكن أن تتقين الله في أنفسكن، وأن تحفظن حدوده وترعين حقوق الأزواج والأولاد، فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـفِظَـٰتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ [النساء:34].
أيتها النساء، حافظن على لباس الحجاب والعفاف، واحذرن التبرج والسفور، فلقد قال النبي : ((صنفان من أهل النار لم أرهما بعد))، وذكر: ((نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)).
وإذا مشيتن فعليكن بالسكينة، ولا تزاحمن الرجال، ولا ترفعن أصواتكن، ولا تلبسن بناتكن ألبسة مكروهة، ولا تتشبّهن بالرجال، فإن النبي لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وقال للنساء: ((رأيتكن أكثر أهل النار؛ لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير)).
اللهم إن عبادك خرجوا اليوم لصلاة العيد يرجون ثوابك وفضلك ويخافون عذابك، اللهم حقق لنا ما نرجو، وأمِّنا مما نخاف، اللهم تقبل منا واغفر لنا وارحمنا، اللهم انصرنا على عدونا واجمع كلمتنا على الحق، ويسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، إنك جواد كريم...
|