.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الثانية/‏1446هـ

 
 

 

القاتلة

3430

الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الذبائح والأطعمة, الكبائر والمعاصي, قضايا المجتمع

ناصر بن محمد الأحمد

الخبر

26/4/1426

النور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حرمة اعتداء الإنسان على نفسه. 2- انتشار ظاهرة التدخين. 3- أضرار التدخين على البدن والدين والمال والمجتمع. 4- نصائح وتوجيهات للمدخنين. 5- أسرار عن الشركات المنتجة للدخان. 6- إحصائيات عن قتلى التدخين. 7- دراسة حديثة تكشف حجم الإنفاق على التدخين في المملكة ومعالجة أمراضه. 8- الأسباب التي يجب اتخاذها لتقليل مشكلة التدخين.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المسلمون، إن الله جل وتعالى أباح لعباده كلَّ نافع، وحرَّم عَليهم كلَّ ضارّ، فكُلُّ أمرٍ تحقَّقَ ضرَره وغلَب شرُّه وبَلاؤه فدينُ الإسلام حمَى المجتمعَ منه، فحرَّمه عليهم حمايةً لهم، وأَوجَب على المسلم المحافظةَ على نفسه، وحرَّم عليه التعدِّي عليها، قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، وقال عز وجل: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، فحرَّم عليه الاعتداءَ على أيِّ عضوٍ مِن أعضائه؛ لأنها ليسَت ملكًا له، بل هو مُؤتمَن عليها، وإنَّ التعدّيَ عَليها يُعد جريمة متوعد صاحبها بالعقاب من الله جل وتعالى.

أيها المسلمون، إن التغذّي بالطيبات له أثر حميد في صحة الإنسان وسلوكه، والتغذي بالخبائث يكون له أثر خبيث في الأبدان والسلوك كذلك.

ألا وإن من الخبائث التي ابتليت بها مجتمعات المسلمين اليوم ظاهرة التدخين الذي فشا شربه في العرب والعجم، والصغار والكبار، والأغنياء والفقراء، حتى النساء لم تسلم منه، وصار شُرَّابه يضايقون به الناس ويؤذون به الأبرياء من غير خجل ولا حياء؛ بحيث إن أحدهم يملأ فمه منه ثم ينفثه في وجوه الحاضرين من غير احترام لهم ولا مبالاة بحقهم، فيخيم على الحاضرين حوله سحابة قاتمة من الدخان الخانق الملوث بالريق القذر والرائحة الكريهة، ومصدر ذلك كله فم المدخّن، لا يراعي لمُِجَالسه حرمة، ولا يفكر في وخيم فعله، ولو أن إنسانًا تنفّس في وجه هذا المدخن أو امتخَط أمامه كم يكون تألمه واستنكاره لهذا الفعل، وهو يفعل أقبح من ذلك، ولكن الأمر كما جاء في الحديث: ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت)).

أيها المسلمون، إن شرب الدخان حارق للبدن والدين والمال والمجتمع، ومعلوم أن نوعًا واحدًا من هذه المضار كافٍ، فكيف بها جميعًا؟!

أما ضرره على البدن فهو يضعفه بوجه عام، ويضعف القلب، ويسبب مرض سرطان الرئة ومرض السل ومرض السعال في الصدر، ويجلب البلغم والأمراض الصدرية، ويضعف العقل بحيث يصبح المدخن ذا حماقة ورعونة غالبًا، ويسبب صداع الرأس، ويقلل شهوة الطعام، ويفسد الذوق والمزاج، ويفتر المجموع العصبي، ويضعف شهوة النكاح، ويشوّه الوجه بحيث يجعله كالحًا وتظهر على صاحبه زرقة وصفرة تعم بدنه.

ولقد ذكر الأطباء السبب في إحداثه لهذه الأمراض ونحوها؛ وهو اشتماله على المادة السامة وهي النيكوتين، ومع هذا نجد الإصرار ممن يتعاطونه، لذلك يشكو مدمنو التدخين الأرق والقلق والتحسس والكآبة ووهن الإرادة وضعف الذاكرة، وقد يظهر عليهم الكسل والخمول والتعب والنصب وغير ذلك من العاهات المصاحبة له.

ولقد أكثر الأطباء والحكماء الكتابة في التدخين وما ينتج عنه، وانتشرت أقوالهم وطبعت مؤلفاتهم، وكلها تدندن حول أضراره الصحية للبدن.

وما دام قد ثبت أن التدخين من أعظم ما يجلب الأمراض للجسد وأن البعض يسميه بالانتحار البطيء فإنه يخشى أن يكون متعاطيه ممن قتل نفسَه ودخل في قول النبي : ((ومن تحسى سمًا فقتل نفسه فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)) رواه البخاري ومسلم.

وأما ضرره على الدين فإن الله جل وتعالى يقول: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]. ذكر الله تعالى أن من أسباب تحريم الخمر والميسر الصد عن الذكر وعن الصلاة، وهذه العلة تتحقق في الدخان؛ فإن شاربه في العادة يهرب عن حلق الذكر والقراءة، ويألف اللهو والباطل عادة، وهو غالبًا السبب الرئيس لبعد المدخنين عن حضور المساجد إلا من شاء الله، وهكذا سائر العبادات، وما كرّه العبدَ للخير فهو شر، وكذلك فهو يدعو متعاطيه إلى مخالطة الأراذل والسفهاء والابتعاد عن الأخيار، فهذا يكون سببًا لما هو أكبر منه وهو تعاطي المخدرات، نسأل الله السلامة.

وأما ضرره على المال فاسأل من يتعاطاه كم ينفِق فيه من الريالات، وقد يكون فقيرًا ليس عنده قوت يومه وليلته، ومع هذا فهو يقدّم الدخان على شراء غيره من الضروريات ولو ركبته الديون الكثيرة، ولو فكر هذا المسكين في ما ينفق في هذا السم الخبيث وصرف هذا المال لمستحقيه من إخوانه المنكوبين ليجدوا لقمة يسدون بها رمقهم لكسب بذلك الأجر والمغفرة من الله والمثوبة، لكن من يتذكر ويتعظ؟! فهل ترضى ـ أيها المدخن ـ بأن تودِع النار في صدرك بثمن تدفعه مقدمًا، وأن تشرب نارًا وتدفع مقابل ذلك دينارًا؟!

وأما ضرر شرب الدخان على المجتمع فإن شارب الدخان يسيء إلى مجتمعه، ويسيء إلى كل من جالسه وصاحبه؛ بحيث ينفخ الدخان في وجوه الناس، يخنق أنفاسهم ويضايقهم برائحته الكريهة  حتى يفسد الجو من حولهم، امتد هذا الأذى فصار يلاحق الناس في المكاتب والمتاجر وفي السيارات والطائرات، حتى عند أبواب المساجد، بل إن بعضهم ما إن يخرج حتى يشعل السيجارة عند باب المسجد، بل إن التدخين يؤذي الملائكة الكرام ففي الصحيحين عن جابر أن النبي قال: ((إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)).

ثم كيف يليق بعاقل أن ينفخ الدخان في وجوه من حوله وينفثه بحضرة من هم أكبر منه سنًا وأعلى قدرًا؟! بل كيف يرضى بنفثه في وجوه من يجلسون من أبنائه وبناته وزوجته ويكدّر عليهم صفو جلستهم؟! أليس من حق الزوجة أن لا تجد من زوجها إلا رائحة زكية طيبة أم أن الزوج لا يرى إلا بعين واحدة؟! كيف وقد أكدت آلاف التقارير الطبية أن التدخين يسبب الضرر لغير المدخنين الذين يعيشون مع المدخن مثل الزوجة والأطفال وزملاء العمل؟! والله قد نهى عن أذى الآخرين فقال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]، وقال : ((من آذى مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله)) أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس بإسناد حسن. وإذا كان النبي قد نهى من أكل الثوم والبصل أن يغشى المجالس وأن يحضر صلاة الجماعة على أهميتها القصوى بسبب الرائحة فإن رائحة التدخين أشد من رائحة البصل والثوم؟! ناهيك عن أن البصل والثوم من المباحات والدخان ليس كذلك. وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن جابر قوله : ((من أكل ثومًا أو بصلاً فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته)).

ومن مضار التدخين الاجتماعية أنه يستنزف ثروة الأمة وينقلها إلى أيدي أعدائها من الشركات التي تصدر هذا الأذى الخبيث. ومع الأسف تنشر في بلاد المسلمين وفي صحفهم ومجلاتهم دعايات وإعلانات تشجع الشباب والمراهقين على التدخين، ويكتب والخط العريض "تعالَ إلى المتعة". وأقبح من ذلك أن مروجي الدخان من الكفرة وأذنابهم يصوّرون للشباب أن شرب الدخان شعار للرجولة والفروسية، كما هو مشاهد في دعايات بعض أنواع الدخان، يصوّرون رجلاً على فرس يمسك بالسيجارة. فتعجب من قلب المفاهيم وتغيير الحقائق. الفرس الذي هو شعار الجهاد في سبيل الله والنبي قد نص على أن الخير معقود في نواصيها إلى يوم القيامة صار اليوم شعارًا للتدخين والعياذ بالله، لكن يزول عجبك إذا علمتَ أن الذي يمارس هذا العبث الإعلامي هم أعداء الله وأعداء رسوله من اليهود والنصارى وأذنابهم من العلمانيين والشهوانيين، عليهم من الله ما يستحقون.

لقد نجح أعداء الملة وخصوم الشريعة في نشر هذا السم بين المسلمين؛ لأنهم يعلمون أن التدخين يهدم القِوى ويضعف الأجسام ويقضي على الصحة ويفسد أخلاق الشباب ويستنزف الثروات ويقلل الحياء ويزرع في النفوس اللامبالاة بالآخرين، وكل هذا يصب في صالح الأعداء.

ومن مضاره أنه يسبب الحرائق المروّعة التي تذهب بالأموال وتخرّب البيوت، فكم حصل بسبب أعقاب السجائر التي تلقى وهي مشتعلة من إضرام حريق أتى على الأخضر واليابس وأتلف أموالاً وأنفسًا بغير حق، تولى كبرها ذلك المدخن الذي قذف بسيجارته دون مبالاة.

هذه بعض أضرار التدخين الدينية والاجتماعية والبدنية والمالية، فهل يستطيع المدخنون أن يذكروا لنا فائدة واحدة أو بعض فائدة في شرب الدخان تقابل هذه المضار؟! فيا أسفاه كيف غابت عقولهم وسفهت أحلامهم وضاقت صدورهم من قبول الحق؟! بل إن التدخين ليس له حسنة واحدة يمكن أن تقال فيه، بل على العكس فكله مضار كما ذكرنا.

والتدخين في الحقيقة هو سفه ودناءة، ولو رأى أحدنا إمامًا أو واعظًا أو رجلاً من أهل القدر والرفعة يشرب الدخان لاستنكر هذا الفعل، ولشهّر به في المجالس؛ وما ذاك إلا لأنه ليس من مقام المروءة ومكارم الأخلاق، ومن رأى مجالس المدخنين ومن يرتادها ومجالس الصالحين ومن يحضرها لعرف الفرق، يكفي أن المدخنين يدخلون دورات المياه لكي يقضوا وطرهم منه.

فيا من ابتليت بشرب الدخان أسأل الله لنا ولك العافية، إنني أدعوك بدافع النصيحة الخالصة أن تبادر بالتوبة منه، وأن تتركه طاعة لربك وحفاظًا على صحتك ومالك، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه. ولا تنس ـ أيها المدخن ـ أنك ستكون قدوة سيئة لأولادك إن كنت والدًا، ولتلاميذك إن كنت مدرسا، ولأصحابك ومخالطيك، فتكون قد جنيت على نفسك وعلى غيرك، وإذا تركته وتبت منه صرت قدوة حسنة لغيرك، فكن قدوة في الخير ولا تكن قدوة في الشر، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولا يحملنك التقليد الأعمى والمجاملة الخادعة أن تتعاطى هذا الدخان وقد عافاك الله منه أو تستمر فيه وقد عرفت أضراره وأمامك باب التوبة مفتوح، فبادر قبل أن يغلق.

وقد أفتى كثيرٌ من العلماء المحققين بتحريمه؛ لما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد العظيمة، وقد أجمع العلماء على أن كل ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في المهالك يجب اجتنابه، وفعله محرم، وقد قال : ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه الإمام أحمد.

وكما يحرم شرب الدخان يحرم بيعه والاتجار به واستيراده، فثمنه سحت، والاتجار به مقت، وقد قال : ((إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه)) رواه الإمام أحمد وأبو داود. وعلى هذا فالاتجار به لا يجوز، وثمنه يحرم أكله، ومن تاجر فيه ـ أي: باعه ـ بعد معرفته بالتحريم ففيه شبه من اليهود؛ لمّا حُرمت عليهم الشحوم أذابوها فباعوها وأكلوا ثمنها، فاستحقوا اللعن على هذا الفعل، فالذي يبيع هذا الدخان قد ارتكب جريمتين عظيمتين:

الأولى: أنه عمل على ترويجه بين المسلمين، فجلب إليهم مادة فساد.

الثانية: أن بائع الدخان يأكل من ثمنه مالاً حرامًا، ويجمع ثروة محرمة، فالحرام لا يدوم، وإن دام لا ينفع، وتكون عواقبه وخيمة.

فاتقوا الله عباد الله، وانظروا في العواقب، فإن في الحلال غنية عن الحرام، وقد ورد في الحديث عنه قوله: ((إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا يطلب إلا بطاعته)).

ولو سألت أيّ مدخن عن هذه السيجارة التي يمسكها بين إصبعيه: هل هي من الطيبات؟ لأجابك بكل صراحةٍ واقتناع بأنها ليست من الطيبات، وإنها لا تجلب له منفعة ينفرد بِها عن الآخرين، بل هي كابوس جاثم على صدره، تتولد منه أنواع المآسي والأضرار، يكفيك قبحًا فيه أن جميع من يشربه يود تركه. نسأل الله تعالى أن يعينهم على تركه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما قلت، فإن كان صوابًا فمن الله وحده، وإن كان غير ذلك فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: أيها المسلمون، إن أول ظهور للتدخين في العالم الإسلامي كان في حدود الألف هجرية، وحاربه العلماء والحكام أول الأمر، ثم استطاع تجار التبغ أن يغروا الحكومات بوضع ضريبة على التبغ تشكل دخلاً للدولة، وكانت تلك بداية السماح به، وانتشر التدخين بسبب المصالح المتشابكة المالية للشركات الضخمة ووكلائها المحليين، وبوجود دَخل للدول. وهناك مئات الفتاوى الصادرة من كبار العلماء على تحريمه وتجريمه والمطالبة بوضع عقوبات على بائعه ومورده ومستخدمه، بل إن مستخدم التبغ كان يجلد أربعين جلدة تعزيرًا إلى عهد قريب.

والآن يبلغ عدد المدخنين خُمس سكان العالم تقريبًا، ويدخنون يوميًا أكثر من 18 ألف مليون سيجارة، ووراء هذا كله شركات ضخمة همّها جمع المال ولو كان على حساب صحة الإنسان ودينه وخلقه وماله.

وتفاقم الوضع طبيًا وعلميًا وقانونيًا حينما ثبت بما لا يدع مجالاً للشك العلاقة بين التدخين والسرطان، وقد رفع عدد من مرضى السرطان شكاوى قانونيّة ضد شركات التبغ لاتهامها بتضليلهم وتسويق منتجات مسرطَنة، وقد نجح عدد من الأشخاص في الحصول على تعويضات من هذه الشركات بلغت ملايين الدولارات. وقد أثبتت الأبحاث الطبية وجود سبع وثلاثين مادة مسرطنة في السيجارة الواحدة، ومئات المركبات السامة الأخرى. وبمجرد إثبات هذه الحقائق الطبية وظهور الدعاوى على السطح ونجاح بعض المحامين في إثبات الضرر الحاصل من التدخين فقد انخفض عدد المدخنين في أمريكا إلى النصف تقريبًا، وفي بعض الدول الغربية كذلك، وتزايدت حدّة التحذير الصحي من التدخين، وتزايدت المطالبات القانونية ضدّ شركات التبغ الغربية، مما حدا بمعظم شركات التبغ الغربية إلى القيام ببعض الإجراءات التكتيكية والقانونية لكي تتهرّب من قبضة القانون، ومن تلك الإجراءات نقل مكاتبها الرئيسية إلى دول أخرى وتسجيلها هناك، لكي تتهرّب من تلك الملاحقات القانونية، وقد كان نصيب الدول الآسيوية والشرق أوسطية مع الأسف نصيب الأسد من تلك الشركات، فكانت بعض الدول من العالم النامي تعطي التسهيلات والدعم لشركات التبغ من أجل الحصول على بعض المكاسب المادية.

وإننا لنعجب تمام العجب من غفلتنا وجهلنا بهذه الحقائق! ففي الوقت الذي يتنامى فيه الوعي الصحي لدى الشعوب الغربية بأضراره يزداد لدينا الجهل، وتزداد حملات التسويق، وتنهال على تلك الشركات التسهيلات والدعم.

هل تعلم ـ يا أخي الحبيب ـ أن الدخان أعظم قاتل للبشر، حيث يقتل سنويًا أكثر من خمسة ملايين شخص؟! إذا كان الإيدز ـ والذي يعد من الأمراض الخطيرة في العالم ـ قتَل خلال العشرين عامًا الماضية ما يقرب من عشرة ملايين شخص فقط، بينما قتل التبغ خلال القرن العشرين أكثر من مائة مليون شخص، القنبلتان الذريتان اللتان ألقيتا على هيروشيما ونكازاكي في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية قتلتا ربع مليون شخص فقط، بينما قتل التبغ في العام الماضي فقط خمسة ملايين شخص أي: أكثر من عشرين ضعفًا مما فعلته القنابل الذرية.

ففي سبيل المكاسب الضخمة للمبيعات يمكن أن تفعل هذه الشركات العملاقة كل شيء يخطر بالبال؛ ابتداءً من تكوين حكومات في العالم الثالث وشراء مسؤولين وإعلاميين، إنها حرب كاملة بكافة الوسائل، وهي لا تختلف في كثير أو قليل عن "مافيا المخدرات"، سوى أن المخدرات ممنوعة رسميًا، وتعاقب عليها الدول والحكومات عقوبات تصل إلى الإعدام، بينما يدخل التبغ إلى كل دول العالم بدون أي مساءلة.

وتقول الإحصائيات عن ضحايا التدخين في المملكة أنهم يبلغون الآن ثلاثة وعشرين ألف شخص كل عام.

إن قتل إنسان بريء يعتبر من أشنع الجرائم في جميع الأديان والقوانين والأعراف، والعالم كله يرتعب ويغضب ويثور عندما تقوم فئات بقتل عشرات أو مئات من سكان العالم الأبرياء، وهذه شركات التبغ تقتل كل عام خمسة ملايين شخص، وتصيب مئات الملايين بالأمراض والأسقام والعاهات دون أن تحاسب، بل على العكس من ذلك نعطيها مئات البلايين من الدولارات لقاء هذا العمل الإجرامي البغيض.

أيها المسلمون، لقد نهى الإسلام عن إضاعة المال والتبذير، وقد نهى رسول الله عن الإسراف في الوضوء والزيادة على ثلاث ولو كان الشخص على نهر جار، وقد قال الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]. نهى عن إتيان السفهاء أموالهم لأنهم يبذرونها واعتبرها أموال الأمة، ومن المعلوم فقهًا أن من يحرق عشرة ريالات عبثًا يحجر عليه باعتباره سفيهًا، فما بالك بمن يحرق كل عام أكثر من ألفي مليون دولار؟! نعم أكثر من ألفي مليون دولار، وهي ثمن التبغ الذي يستهلك في المملكة سنويًا، وأي تبذير وسرف وسفه أكبر من هذا؟! والأمة كلها تحتاج لكل دولار من هذه البلايين التي تصرف سفهًا في ثمن التبغ والتدخين.

ويؤدي التدخين إلى إصابة الملايين من الأشخاص بالأمراض، وبالتالي التغيب عن العمل وفقدان الدخل، وذلك يقدر بآلاف الملايين من الدولارات سنويًا. وأما ثمن التداوي من الأمراض ودخول المستشفيات فهي بمبالغ خيالية تبلغ التريليونات من الدولارات سنويًا على مستوى العالم، وقد حسب مستشفى التخصصي في الرياض خسائر علاج مرضى التدخين خلال عقدين من الزمن فوجدها تزيد على عشرة آلاف مليون ريال.

والمشكلة أن التدخين في العالم الثالث يزداد سنويًا بنسبة 10 في المائة، بينما تقوم الدول المتقدمة بخفض الاستهلاك بنسبة 5 إلى 8 في المائة سنويًا، وفي المملكة تم استيراد عام 1972م ـ وهي أول إحصائية مسجلة ـ 4.5 مليون كيلوجرام من التبغ، وبحلول عام 1984م ارتفع إلى 42 مليون كيلوجرام. بقي أن تعلم أن الكيلوجرام يساوي 1250 سيجارة. وبحلول عام 1994م وصل الاستهلاك إلى 45 مليون كيلوجرام، بلغ ثمنها الرسمي 1400 مليون ريال.

وهناك دراسة حديثة كشفت أن حجم الإنفاق على التدخين في المملكة ومعالجة أمراضه سنويًا يبلغ 14 مليار ريال. وبحسبة بسيطة فإن ما يصرف على التدخين في المملكة يكفي لبناء 1420 مدرسة، أو 58 ألف شقة سنويًا، وإنشاء 22 كلية في الجامعات بكامل ما تحتاج إليه. كما أن تكاليف التدخين تلك تكفي لبناء وتجهيز 27 ألف سريرٍ إضافيٍ في المستشفيات الحكومية، وإنشاء 7 آلاف كلم من الطرق السريعة المزدوجة، بالإضافة إلى أن تكلفة التدخين السنوية تلك تكفي لميزانية سنوية لأكثر من 14 جامعة، وتكفي لتقديم مساعدة لـ400 ألف عاطل عن العمل بمعدل 3 آلاف ريال شهريًا، عطفًا على توفير عدد كبير من فرص العمل الإضافية. فأين العقلاء؟!

وأخيرًا: فهذه نصيحة مشفق لمن ابتلي بهذا الداء العضال أن يلجأ إلى الله عز وجل أن يخلصه من هذا الإدمان، فكم من مدمن على التدخين لجأ إلى الله في السحر وصلّى ودعا وبكى فاستجاب الله له. وإننا نعرف أعددًا من هؤلاء المدمنين الذين توقفوا تمامًا عن الإدمان بعد صلاة خاشعة أو بعد دعوة صادقة أو بعد عمرة مقبولة أو حج مبرور.

ومع هذا فعلى الدول أن يكون لها دور، على الأقل تمنع الأطفال والمراهقين من الوقوع في مستنقع التدخين، فإذا انغرزوا فيه فمن الصعب جدًا إخراجهم من هذا المستنقع الآسن. وهذا يحتاج إلى دور متكامل من المدرسة ومناهج التعليم، وتكاتف دور الإعلام والمسجد، كما أن كافة دول العالم تضع عقوبات مالية كبيرة للذي يبيع السجائر لمن هم أقل من 18 عامًا، وإذا قمنا بوضع غرامة بخمسة آلاف ريال مثلاً لكل من يبيع التبغ للأطفال والمراهقين وأعطينا الشرطي صلاحية أخذ الغرامة بقسيمة مباشرة وشجعنا الشرطة على هذا النشاط بإعطائهم 10 في المائة مما يجمعونه فإنهم سيطاردون باعة التبغ ليكسبوا دخلاً مهمًا لأسرهم.

كما يجب أن لا ينقطع التحذير من التدخين، فالعلماء يحذرون، والأطباء يؤكدون خطره، ووسائل الإعلام المختلفة تتناول الموضوع بالأرقام.

أسأل الله تعالى أن يجنبنا الشرور والأمراض، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً