وبعد: أيها المسلمون، لم يرق لأعدائكم ومن والاهم ما رأوه من موقف صلب شجاع عبرت عنه شعوب أمتكم الإسلامية يوم هبت تدافع عن نبيّها ، وما زالت أمام استهداف مكانة النبي عليه الصلاة والسلام من قبل من أعماهم الحقد على نبي الإسلام ودعوته. هذا الموقف العظيم المدافع عن عقيدة الأمة ومقدساتها ورموزها، وقد توحّد أبناء الأمة سنةً وشيعة في الذود عن عقيدتهم ونبيهم عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم، ودعت الأمة لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع تكرار هذه الإساءات لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، فكانت المقاطعة الاقتصادية لمنتوجات البلد الذي صدرت منه الإساءة، وكانت الدعوة لسحب السفراء من البلاد التي تسيء أو شاركت في الإساءة للمسلمين ونبيهم ودينهم، وكذلك الدعوة إلى سن القوانين الدولية التي تحظر الإساءة للأديان والأنبياء والعقيدة. وفي مواجهة هذا الموقف الصارم لشعوب الأمة الإسلامية تسلّلت يد الغدر والفتنة إلى مقام ومسجد الإمام علي الهادي لنسف قبته وإلحاق الأذى بمسجده بهدف واضح ومكشوف، وهو بعث فتنة مذهبيّة بين أبناء المسلمين من الشيعة والسنة، وتقسيم أبناء الأمة إلى طوائف متنازعة متخاصمة، وفي ذلك ما فيه من تشتيت جهود المسلمين وتفريق صفهم.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن محبة آل بيت النبي هي محلّ إجماع المسلمين كافة، وإن رعاية مساجد الله هي من واجب المسلمين كذلك، قال الله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ [التوبة:18]. فأيّ جريمة نكراء تلك التي تستهدف بيوت الله وتسعى إلى خرابها والله يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا [البقرة:114]؟!
جدير بأبناء الأمة أن ينتبهوا لما يحاك ضدهم من مؤامرات ومخططات، ويوجّهوا جهودهم لكشف هذه المؤامرات وردّ كيد المدبّرين لها إلى نحورهم. وهنا نناشد أبناء المسلمين سنة وشيعة أن يبتعدوا عن كل ما يفرق صفّهم ووحدتهم، ويعملوا بقول الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]. ونقول لإخواننا في العراق: إن المحتلّ لا يريد لكم الخير، بل يريدكم ضعفاء مستكينين، فاحرصوا على وحدة صفكم وكرامة أرضكم التي كانت وما زالت عصية على الغزاة والمحتلين. احرصوا على حقن دمائكم، فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، واعملوا على وأد الفتنة في مهدها، واقطعوا الطريق على دعاة الفتنة والفرقة الذين يقودونكم إلى الضعف والهوان، وإلى تحقيق مآرب الاحتلال والاستعمار.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن ما يجري في ديارنا المباركة في ظل الضجة المفتعلة على نتيجة الانتخابات الفلسطينية لهو مؤشر خطير على نوايا الاحتلال وأفعاله ضد الأرض والإنسان، فإجراءات عزل الأغوار وإغلاقها ومنع أبناء شعبنا من الوصول إليها يكشف ويدلل على إمعان الاحتلال في السيطرة على مزيد من الأرض الفلسطينية لصالح الاستيطان الذي يتفشى في أرضنا وينتشر فيها انتشار النار في الهشيم. هذا الاستيطان الذي يحاصر شعبنا ويعزلهم في معازل ضيقة، ضمن السجن الكبير الذي يستوعب الأرض الفلسطينية، كما يستمر الاحتلال من خلال عدوانه في استهداف أبناء شعبنا بالاغتيالات والإعدامات بدم بارد، ويطارد أبناء شعبنا بالاعتقال والسجون، ويسرع وتيرة بناء جدار الفصل العنصري في البر والبحر، ويغلق المعابر، وكل ذلك يجري تحت مظلة الأمن التي أصبحت تستوعب كل جوانب النشاط الإنساني لحياتنا فوق هذه الأرض الطاهرة أرض الرباط إلى يوم الدين.
يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن هذه الأحوال تستدعي من جميع أبناء هذا الشعب وقواه الفاعلة أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية لتوحيد الصف ووقف كل مظاهر الفوضى والفلتان الأمني؛ لحماية هذا الشعب الصابر المرابط الذي يقدم التضحيات الجسام وما زال يقدم دفاعا عن حقه في الحياة، وذودا عن مقدرات الأمة ومقدساتها في هذه الديار الإسلامية التي تشرفت بإسراء ومعراج نبينا عليه الصلاة والسلام إليها ومنها، وأصبحت أمانة الأجيال المسلمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولله در القائل:
كونوا بني قومـي جميعا إذا اعترَى خطب ولا تتفرّقوا آحـادًا
تأبى الرمـاح إذا اجتمعت تكسّرًا وإذا افترقن تكسرت آحادًا
|