.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

استقبال العام الدراسي

4592

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

الآداب والحقوق العامة, التربية والتزكية, العلم الشرعي

عبد الله بن محمد البصري

القويعية

15/7/1424

جامع الرويضة الجنوبي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أثر العلم في بناء الأمم. 2- فضل العلم وشرف أهله. 3- حال السلف مع طلب العلم. 4- تيسّر سبل العلم في المجتمعات المعاصرة. 5- أحوال المسلمين في العصر الحاضر مع العلم. 6- أهمية الأدب لطالب العلم. 7- الهمة بين طلاب الماضي والحاضر.

الخطبة الأولى

أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله جل وعلا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:29].

أيها المسلمون، لا شك أن العلم من المصالح الضرورية والحاجات الملحّة التي عليها تقوم حياة الأمة أفرادًا وجماعات، وبها يستقيم حالها شعوبًا وحكومات، وبغيرها لا يصلح أمرها ولا يقوى شأنها، وحاجتها إليه لا تقل عن حاجتها إلى الطعام والشراب والملبس والمسكن والدواء، وإنما احتل الكفار بلاد المسلمين لأسباب كثيرة، كان من أهمها جهل المسلمين بأمور الدين والدنيا، وإنما انتشرت المذاهب الهدّامة والنِّحَل الباطلة لأنها وجدت قلوبًا جَوْفاء خالية من العلم، فتمكنت منها وتَغَلْغَلَت في سُوَيْدَائها، وهكذا فإن القلوب التي لا تتحصّن بالعلم والمعرفة تكون عُرْضَة للانخداع بالضلالات والوقوع في الانحرافات، وفريسة سهلة لذئاب الشر، ولقمة سائغة لكلاب الرذيلة.

ولقد جاءت نصوص الكتاب والسنة دالة على فضل العلم، حاثّة عليه، مرغّبة في طلبه، مبيّنة عظم أجره، قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، لا والله لا يستوون، لا يستوي من يعبد الله على علم وهدى وبصيرة بمن يتخبط في ضلالات الجهل والهوى والبدع والمحدثات، لا يستوي من هو عالم بسنة خير الورى متبع لها عاضّ عليها بالنَّواجِذ بمن هو متبع لآراء الرجال ومذاهبهم وأقوالهم عاملاً بما كان منها صحيحًا وما كان خطأ، أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122].

وقد أعلى الله سبحانه شأن أهل العلم، ورفع قدرهم، وبيّن أنهم هم أهل الخشية له والخوف منه، وهم أهل الرفعة والدرجات، وهم أهل الإيمان والتصديق، قال سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، وقال جل وعلا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، وقال سبحانه: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا [الإسراء:107]، وقال جل وعلا: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سبأ:6]. وقد أمر سبحانه نبيه أن يدعوه ليزيده علمًا، وبيّن أنّ: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين))، وأنّ: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة))، وقال : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)).

ولما كان هذا هو فضل العلم وشأن أهله فقد كانت حال السلف في طلبه عجيبة، استثمروا في طلبه دقائقهم وساعاتهم، وأفنوا في تحصيله شبابهم وأعمارهم، وأمضوا في مدارسته ومطارحة مسائله أغلى أوقاتهم، فحصلوا منه ما يدعو إلى الدهشة ويبهر الألباب ويستنهض الهمم ويقوي العزائم، رحل جابر بن عبد الله إلى بلاد الشام مسيرة شهر ليسمع حديثًا واحدًا من عبد الله بن أُنَيس ، ورحل أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر بمصر ليسمع منه حديثًا واحدًا، وقال أبو العَالِيَة: "وكنا نسمع الحديث عن الصحابة، فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهم"، وحفظ الإمام أحمد مليون حديث، وحفظ أبو داود أربعين ألفًا، وكان أبو زُرْعَة يحفظ مائتي ألف ويقول: "أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ". هكذا كان حال طلاب العلم في القرون الخالية والأزمنة الماضية، هِمّة يتقطع دونها السحاب، وعزيمة ينفتح لها مغلق الأبواب.

ولنا أن نسأل أنفسنا اليوم وقد سمعنا هذه النماذج المضيئة في جبين أمتنا: كم منا من يحفظ ألف حديث؟! بل من منا من يحفظ خمسمائة، بل مائة، بل أين هم حفّاظ الأربعين النووية؟! فضلاً عن أن كثيرًا من الناس لا يحسن قراءة القرآن كما ينبغي، بل بعضهم لا يكاد يقرأ الفاتحة التي هي ركن من أهم أركان الصلاة! إنه وإن وجد العذر لبعض آبائنا ممن عاشوا قبل ستين أو سبعين سنة بفقرهم وقلة ذات أيديهم وصعوبة وصولهم لمراكز العلم ومحاضنه وقلة المدارس وندرتها في ذلك الوقت، فإنه لا عذر لشبابنا اليوم ولا مبرر لهم في البقاء على الجهل أو الإقامة على الضلال، كيف والمدارس قد انتشرت في كل مدينة وقرية، والمعلمون وطلاب العلم موجودون في كل مكان، والوسائل ميسرة والاتصالات ممكنة، والكتب والأشرطة تباع بأبخس الأثمان، بل توزع بالمجان؟! فما على أحدهم إلا أن يخلص النية، ويحقق المتابعة، ويتصل بمن كان موثوقًا فيه من العلماء، ويختار الكتب النافعة والأشرطة المفيدة، فيقرأ ويستمع، ويتعلم ويعمل، ويفقّه نفسه ويرفع عنها الجهل، ويعلّم غيره، وينشر الخير في أمته.

وإن لشبابنا وطلابنا في مناهجنا الدراسية ومدارسنا النظامية سبلاً ميسّرة لنيل الفقه وتحصيل العلم الشرعي الذي به نجاتهم في أخراهم، وطرقًا كثيرة إلى بلوغ المقصود في كثير من فنون العلم الدنيوي الذي يجارون به من سواهم، ويتفوقون على من عداهم، فهل هم مقبلون على العلم والدراسة في حال صغرهم؟! هل هم حريصون على التفقه والتعلم في مرحلة فتوّتهم وقوتهم؟! هل يريدون أن يرفعوا عن أنفسهم الجهل ويستنيروا بنور العلم ما دام ذلك في إمكانهم؟!

إنها فرصة عظيمة، بل فرص متعددة، حري بالعاقل اغتنامها وانتهازها، فما يستطيعه المرء اليوم في شبابه وفتوته قد يعجز عنه غدًا في كبره وضعف قوته، وما يتهيأ له الآن في ظل وجود والديه وإنفاقهما عليه قد لا يتهيأ له غدًا لكثرة مشاغله وتعدد ارتباطاته. يقول الحسن رحمه الله: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"، ويقول عَلْقَمَة رحمه الله: "ما حفظت وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو رقعة"، وقال عروة بن الزبير رحمه الله لبنيه: "هلمّوا إلي، وتعلّموا مني، فإنكم توشكون أن تكونوا كبار قوم، إني كنت صغيرًا لا يُنْظَر إلي، فلما أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألونني، وما شيء أشد على امرئ من أن يُسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله".

أيها المسلمون، إن أمة قد تهيأت لها سبل العلم ومُهِّدَت لها طرقه وتيسرت لها أماكنه وتعددت بين يديها وسائله ثم هي بعد ذلك ترضى بالجهل وتتقاعس عن طلب العلم وتنصرف عن العناية به وبأهله وتنشغل بأمور ساقطة وشؤون سافلة وتتبع رؤوسًا جهالاً ضلالاً، إنها لخليقة بأن تدفع الثمن غاليًا، وحريّة بأن تنقد الضريبة أضعافًا مضاعفة، فلقد سطّر التأريخ فيما مضى من أيامه ونطق الواقع بما لا مجال لرده ودفعه بأن للجهل آثارًا ضخمة وسلبيات وخيمة، سواء على مستوى الأفراد والمواطنين، أو على مستوى الأمة والمجتمع، ومن أبرزها ضعف الإيمان وقلة التقوى، وازدياد المعاصي واقتراف السيئات، وكثرة الفواحش وظهور المنكرات، وبروز الفتن وانعقاد الإحن، وانتشار الحسد، وعبادة الدنيا، وسائر الآفات المهلكة. إن الجهل يقيد الأمة بأغلال التخلف في جميع المجالات، ويؤدي إلى ضعفها وقلة هيبتها أمام أعدائها، ويقودها إلى الحاجة إليهم وإلى مخترعاتهم ومصنوعاتهم، وبالتالي إلى ما يحملونه من انحرافات في الفكر والسلوك ولا بد. بسبب الجهل تكثر المشكلات الأسرية، وتضعف التربية، ويضيع الأبناء، ويجني المجتمع ثمارًا مرة موجعة.

أما الأمة التي تولي العلم وأهله عنايتها ورعايتها، فتُقْبِل على التحصيل، وتسخِّر طاقاتها في سبيله، ويدرك أفرادها أهمية انخراطهم في مدارسه ومؤسساته، وقيمة التحاقهم بمعاهده وكلياته وجامعاته، فإنها تعيش في ظلال العلم الوارفة، وتتقلب في رياضه الغَنَّاء، فتجدها أمة مؤمنة بالله، عارفة له حق المعرفة، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، تلفيها أمة عاملة بعلمها، مستفيدة من ثقافتها، متمسكة بفضائل الأخلاق ومحامد الآداب، تقل فيها الفواحش والمنكرات، وتكثر فيها الطاعات والقربات، يعرف كل فرد فيها ما له وما عليه، ويعطى كل ذي حق حقه، مما يشعر الجميع بالسعادة النفسية واللذة الحسية، ويوردهم موارد النجاة في الدنيا والآخرة.

أيها الإخوة، ونحن في بداية عام دراسي جديد فإنه يحسن أن ننبه أبناءنا الطلاب إلى أن للتعلم آدابًا لا بد من توفرها أو أكثرها لمن أراد التحصيل، فإنا نرى أكثرهم عن آداب التعلم معرضين، وفيما يناقضها ويضادها واقعين، ألا وإن من أهمها تقوى الله عز وجل القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29].

ومنها الإخلاص لله تعالى، وذلك بأن يبتغي الطالب بعلمه وجه الله والدار الآخرة، بنية إنقاذ نفسه وأمته من الجهل، لا أن يبتغي بعلمه الرياء والسمعة، أو عَرَضًا من الدنيا قليلاً كان أو كثيرًا، قال : ((من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة)).

ومن الآداب التي يجمل بطالب العلم أن يتحلى بها ويتجمل بلبسها الصبر وتحمل المشاق وسعة الصدر، فإن العلم جهاد وليس بشهوة. وعليه كذلك أن يكون متواضعًا في طلبه العلم، وأن يحذر من الكبر والغرور، فإنه لا ينال العلم مستح ولا مستكبر. ويحسن بالمتعلم كذلك أن يكون متفرغًا للعلم مقبلاً عليه، منصرفًا إلى تحصيله، متأدبًا مع معلمه ومدرسيه، بعيدًا عن الجدال والمراء، محسنًا التلقي والإصغاء، بلباقة في النقاش ولين في الجانب، وأن يكون شعاره الذي يرفعه دائمًا: ((الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها)).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [إبراهيم:1، 2].

الخطبة الثانية

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واجتنبوا نهيه ولا تعصوه.

واعلموا ـ أيها الشباب ـ أن طلب الشهوات والانسياق وراء العواطف وحب الراحة وإيثار اللذات هو الذي يسقط الهمم، ويفتر العزائم، فكم من فتيان يتساوون في نباهة الذهن وذكاء العقل وقوة البصيرة، ولكن المتفوق منهم في دراسته قليل، والناجح منهم في اختباره ضئيل، والكاسب منهم في حياته العملية نادر عزيز، بل إن بعض الشباب قد يكون أقل ذكاء وأضعف إمكانيات ووسائل، ولكنه يفوق زملاءه، ويغلب أقرانه، ويتعدى حدودًا بعيدة، ويتجاوز عتبات عالية، يقف عندها كثير منهم مقتنعين بما وصلوا إليه، فإذا بحثت الأمر وطلبت السبب وجدته في مقدار ما يملكه كل طالب ويحمله من إرادة وعزيمة وهمة، وفي نسبة ما يدفعه ثمنًا للنجاح ويبذله، من صبر وجد واجتهاد، إضافة إلى وضوح الرؤية والدقة في تحديد الهدف.

ومن هنا أيها الآباء الفضلاء والمعلمون النبلاء والأبناء الأعزاء، فإن لزامًا علينا أن نعرف ونتبين أن من مظاهر بخس حق العلم وعدم تقدير المعرفة ما يعايش في أروقة بعض مدارسنا أو يشاهد على أبوابها من ضعف في همم الطلاب ودنو في مطالبهم ودناءة في أهدافهم وخِسَّة في مآربهم، حيث يعيشون في واد والعلم في واد آخر، منحرفين عن الصراط المستقيم، منصرفين إلى سبل الشر والفساد، تصرفاتهم صبيانية، وحركاتهم شهوانية، بعضهم يروّج المخدرات والمفتّرات، وآخرون يتبادلون الصور الفاضحات، وتنشغل فئة منهم بمطاردة المُرْدَان ومضايقة الغلمان، وأخرى بأشرطة الغناء واللعب بالسيارات، كتابات سخيفة على الجدران والممرات وفي دورات المياه وعلى الكراسي والمكاتب والكتب والدفاتر، بل حتى على المصاحف وكتب التفسير والفقه والحديث، نجاح بوسائل ممنوعة غير مشروعة، وتضييع للمعلومات وإلقاء للكتب بعد الانتهاء منها مع المهملات، وكم ممن يكوّنون تحزّبات وتعصّبات مع من هم على شاكلتهم، فيؤذون زملاءهم ببذيء الكلام من السب واللعن الشتم، أو يعتدون عليهم بسيئ الفعال من الضرب والطعن، أو يقعون مع أمثالهم في مهاوشات ومناوشات، نهايتها إزهاق أرواح بعضهم وذهاب نفوسهم، أو إصابتهم بجراحات وإعاقات، ناهيك عما يطال الآباء من جراء ذلك، من تحقير وإهانات وبذل أموال ووجاهات ودخول مخافر والسير إلى مراكز وإنشاء مكاتبات وطرد معاملات والدخول في قضايا ومشكلات كانوا في غنى عنها وراحة منها لو اتجه أبناؤهم إلى ما جاؤوا إلى المدارس من أجله، ووفّروا جهودهم لما هو أنفع لهم ولأمتهم، وعرفوا الهدف المطلوب منهم فسعوا إلى تحقيقه، وتركوا الانشغال بما لا فائدة لهم فيه ولا نفع من ورائه.

والعلوم ـ أيها الإخوة ـ ما وُضِعت إلا لتهدي إلى العمل النافع والسلوك الحسن، فلا شرف لها في نفسها وذاتها، وإنما شرفها بما يترتب عليها من عمل صالح وأثر حسن. وكيف تكون المفاخرة بفتيان درسوا من العلوم التجريبية ما درسوا ثم لم ينفعوا بلادهم في معامل، ولم يخدموها في مصانع؟! بل لم تستقم طباعهم، ولم تحسن أخلاقهم، ولم تنضج عقولهم أو تزك تصرفاتهم. إنه يجب أن يقترن العلم بالعمل، وأن تتبع المعرفة بالتطبيق، فمن علم خيرًا فليبادر إلى فعله، ومن علم شرًا فليحذر الاقتراب منه.

لا تحسبنّ العلمَ ينفع وحدَه      ما لَم يُتَوّجْ ربُّهُ بِخَلاقِ

فاتقوا الله أيها الآباء والمعلمون، ولنكن يدًا واحدة ونوحّد الجهود، ولنبذل ما في وسعنا وما نستطيعه، ليصلح أبناؤنا ويفلحوا.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً