الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيّدنا محمّدًا عبده ورسوله الدّاعي إلى رضوانه، صلوات ربّي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدّين.
ثمّ أمّا بعد: أمّة الإسلام، لقد مَنّ الله عزّ وجلّ على هذه البلاد بنعمٍ كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى، أكبرها وأعظمها نعمة الإسلام والأمن والأمان، نسأل الله تعالى أن يُديمها علينا وعلى بلادنا، وأن يمنحها من حُرِمَها من المسلمين. مساجدنا بالخير صَدّاحة، وإعلامنا وتعليمنا لا يرفضُ الدّين ولا يزدري المتديِّنين، فنحن حكومةً وشعبًا ننتمي لهذا الدّين العظيم الّذي عُرِف بالتّسامح ونبذ العنف واحترام الغير وتجريم قتل النّفس بغير حقٍ، فكلٌ منّا يعلمُ في هذا البلد المبارك وعن طريق التّعليم الدّينيّ حُرمة الاعتداء على الآخرين، سواء في دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم ونحو ذلك، وقد قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيْهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيْمًا [النساء:93]، والرّسول يقول: ((لا يحلّ دم امرئٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: النّفسُ بالنّفس، والثّيبُ الزّاني، والتّارك لدينه المفارق للجماعة)). وحُرمة المسلم أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة المشرّفة.
معرفة هذه المسائل ونحوها هي الّتي تضبطُ الأمن في المجتمع المؤمن، ونحن في هذا البلد المسلم نعرفُ هذا وندركه، ونعرف أنّ ترويع المؤمن عند الله عظيم، فكيف بقتله؟! ألم يخبرنا النّبيّ أن من أشار إلى أخيه المسلم بحديدة لعنته الملائكة حتّى يضعها ولو كان مازحًا؟! هذه الأمور عرفناها من خلال تعليمنا الدّينيّ الّذي تربّينا عليه منذ نعومة أظفارنا في مراحلنا التّعليميّة الابتدائيّة، وإذا حُرِم غيرنا هذا ونحوه لعدم إدخالهم التّعليم الدّينيّ في المدارس فذاك خطأٌ شنيعٌ يتحمّلون نتيجته ويبوؤون بإثمه. ولهذا نرى النّاس من حولنا يدفعون ثمن التّعليم والإعلام العلمانيّ؛ دماءً تُسفك، وأعراضًا تُهتك، وأموالاً تُنهب، وعجزًا أمنيًا واضحًا في ملاحقة الجاني أو حماية المجني عليه. غير أنّ الانفتاح على ثقافة الآخر وسهولة التّواصل بين الشّعوب وازدحام الفضاء بالإرساليّات الإعلاميّة ووجود المغرضين لهذا البلد من أبنائه ـ بكلّ أسف ـ في الدّاخل بافتعال نقاط ساخنة يثيرونها حول الدّين والتّعليم الدّينيّ والهيئات الخيريّة ورجال الحسبة ونحو ذلك، تجعل بعضًا من الشّباب المتحمّس يُصدّق ما يُقال في الخارج عن هذا البلد وأهله حكّامًا ومحكومين.
ولا شكّ أن التّطاولَ من بعض الكتاب المشبوهين على الرّموز الدّينيّة قد يشكّل جماعات عنفٍ وتكفير يصعبُ احتواؤها وإقناعها، وما هؤلاء التّسعة عشر الّذين ظهرت صورهم وأسماؤهم في الصّحف المحليّة إلاّ دليلاً على ما أقول. يجب علينا ونحن نطارد الجاني الّذي يحمل سلاحًا أن نُطارد الجاني الآخر الّذي يحمل قلمًا مسمومًا، فذاك صنيعة هذا، وهذا ضحيّة ذاك، وكلاهما سفيهٌ يجب أن يؤخذ على يديه ويُؤْطَر على الحقّ أَطْرًا. يجب علينا ونحن نطارد أولئك أن نتلمّس الخللَ، وننظر من أين خرجوا، ولم خرجوا، فإذا عرفنا النّبع المُلْتَاث الّذي تلوّثوا به ردمناه؛ لئلا يلوّث غيرهم. يجب أن نضع النّقاط على الحروف، وأن نتحدّث بوضوح، وأن نستمع بشفافيّة، وأن نتعاون جميعًا، فكلّنا في سفينة واحدة، الرّبان مسؤول، والخادم مسؤول، فكلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته.
وحتّى نقضي على هذه الظّاهرة الخطيرة والغريبة على هذا البلد المبارك علينا ما يلي:
أوّلاً: تكثيف البرامج الدّينيّة إعلاميًا وتعليميًا، فما يُصادُ أمثال هؤلاء إلاّ من خلال جهلهم بالدّين.
ثانيًا: عدم السّماح للكَتَبَة المرتزقة أن يستغلّوا الحريّة الصحفيّة المسموح بها؛ ليوجّهوا نقدهم للدّين وللمتديّنين بحجّة بعض الأخطاء الفرديّة، أو بدعوى حريّة الرّأي. فديننا أعزّ من أرواحنا، وما كلّ واحد يقارع الحجّة بالحجّة، وما كلّ واحد يُحكّم العقل ويستشير أهل العلم والرّأي.
ثالثًا: يجب أن لا ندع فرصةً للأفّاكين في الخارج المتسوّلين على أبواب لندن وواشنطن لينفُذوا داخل عقول شبابنا، نقضي على البطالة والفقر، ونستثمر أموالنا داخل بلادنا، ونحمي علماءنا من همز العَلمانيين وغمزهم.
رابعًا: كما نحمي علماءنا من الهمز والغمز نحمي حكّامنا من ذلك أيضًا، فلهم علينا حقّ السّمع والطّاعة في المعروف، لا نعتقد عصمتهم، ولا نعتقد كفرهم، ليسوا ملائكة ولا شياطين، بل هم مثلنا يجورون ويعدلون، ويُخطئون ويُصيبون، وخير الخطّائين التّوابون.
خامسًا: أن من أحدث في هذا البلد فهو ملعون، ومن آوى محدثًا فهو ملعون أيضًا، وذلك بنص المعصوم .
سادسًا: أن نتعاون جميعًا على الإصلاح، فليس الخطأ عيبًا، ولكن العيب في التّمادي فيه والإصرار عليه.
سابعًا: فتحُ باب الحوار مع مثل هؤلاء الشّباب من قبل علماء متخصّصين يثق فيهم هؤلاء الشّباب؛ لمعرفة ما يدور في أذهانهم، وما ينقمون من غيرهم.
ثامنًا: طرح القضايا المهمّة ومناقشتها بشفافيّةٍ ومصداقيّة، وإظهار رأي الشّرع فيها مُدعّمًا بالدّليل الشّرعيّ والعقليّ؛ لقطع الطّريق على الجهّال أو أنصاف المتعلّمين أن يُفتوا في مثل هذه القضايا فيَضِلوا ويُضلّوا، شريطة أن يكون الحوار في منأى عن الأمن؛ لنأمن من ادّعاء القناعة أو التّدليس في المعلومات.
تاسعًا: يجب أن تُزوّد الهيئات بمجموعة من طلبة العلم المتخصّصين الحكماء العقلاء الّذين يعرفون ما يقولون وما يذرون، ومتى يكون ذلك القول والفعل.
عاشرًا: إبلاغ الخطباء بتجديد الطّرح، والابتعاد في خطب الجمعة عن المواضيع الّتي لا تمسّ حياة النّاس، فالنّاس عمومًا والشّباب على وجه الخصوص يتلقّون كمًّا رهيبًا من المعلومات من شتّى القنوات، منها المكذوب ومنها المبالغ فيه.
حادي عشر: نشر الوعي بين فئات النّاس عمومًا عبر وسائل الاتّصال المتنوّعة، وفضحُ مخطّطات الأعداء الحقيقيين والمقنّعين، انطلاقًا من قوله تعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِيْنَ سَبِيْلُ الْمُجْرِمِيْنَ [الأنعام:55]، ففي استبانة سُبُل المجرمين إيضاحٌ لسُبُل المهتدين، مع الحرص قدر المستطاع على الإصلاح الحقّ وعدم إعطاء الآخر فرصةً للتّخريب بدعوى الإصلاح.
هذه في نظري أسبابٌ مهمّةٌ لا أدّعي كمالها، وإن كنتُ أعتقد أّنها تلامس الواقع وتُشخّص الدّاء وتضع الدّواءَ، آمل أن تُؤخَذ بمحمل الجدِّ، كما آمل أن تُكلّف الجامعات بوضع الحلول المناسبة لهذه الظّاهرة الخطيرة، أعني ظاهرة الكتّاب المتمرّدين والشّباب المتحمّسين الجاهلين، كي نأمن من أولئك أن يستفزّهم هؤلاء، فالكل في سفينة واحدةٍ يجب أن نتشبّث بها؛ لنوصلها بإذن ربّها جلّ وعلا لبرّ الأمان، وجميع الرّكاب عليهم مسؤوليات على قدر أماكنهم، وكلٌّ مسؤولٌ عن موقعة.
أكثروا من الصّلاة على من أمركم الله بالصّلاة والسّلام عليه...
|