.

اليوم م الموافق ‏20/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

رسالة المعلم

4496

الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد

الأبناء, التربية والتزكية

عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

الرياض

5/8/1426

جامع الإمام تركي بن عبد الله

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حلول الدخول المدرسي. 2- ضرورة استشعار المعلمين لعظم الأمانة.3- أهمية العناية بتربية النشء. 4- تعرّض شباب الأمة لحملات تغريبية وأخرى تضليلية. 5- المعلّم قدوة. 6- تحصين الشباب من الأفكار الدخيلة. 7- تحسيس الشباب بنعمة الأمن. 8- الرد على الطاعنين في المناهج. 9- أهمية الدعوة إلى الله تعالى في العملية التعليمية.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التّقوَى.

عبادَ الله، غَدًا السّبت السّادِس مِن شهرِ شعبَان لعام ستٍّ وعشرين وأربعمائة وألف، يستقبل أبناؤنا وبناتُنا عامًا دراسيًّا جديدًا، أسأل الله أن يكونَ عام خيرٍ وبركة، وأن يزوِّد الجميع بالتقوى، ويجعل العمل خالصًا لوجهه الكريم، إنّه على كل شيءٍ قدير.

أيّها المسلم، ليس الحديثُ عن العلم وفضلِه وعلوِّ مرتبتِه ومرتبةِ أهله، فذاك أمر مستقرّ في نفس كلّ مسلم، ولكن الحديث اليوم موجّهٌ إلى شريحةٍ من شرائح مجتمعنا، هي شريحة المعلِّمين والمعلّمات، أتحدَّث مع إخواني المعلِّمين ومع أخواتي المعلّمات ابتداءً من الحضانةِ وانتهاءً بالتعليمِ العالي إلى غير ذلك.

هذا الحديث معَهم حديثٌ حمل عليه قولُ النبيّ : ((الدين النصيحة))، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابِه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامَّتهم))[1]، يقول جَرير بن عبد الله رضي الله عنه: بايعتُ رسولَ الله على إقامِ الصّلاة وإيتاءِ الزّكاة والنّصح لكلّ مسلم[2].

أيّها المعلّم، أيّتها المعلمة، أتحدَّث معكم اليومَ في أمورٍ:

أوّلاً: أن يكونَ لدَى كلِّ معلّم ومعلّمة يقين بأنّ الأمانةَ كبيرةٌ والمسؤوليّة جسيمة، كيف لا وهي أمانةُ تربيّةِ النّشء وتعليمهم وتوجيههم؟! هذا النشء الذين هم اليوم صغار غَدًا سيكونون كبارا، وهم اليوم طلاَّب وغدًا معلِّمون وخبراء ومهندِسون وأطبّاء وأهل عِلمٍ وفضل، وهم الذين سَينزلون في ميادينِ العَمل. هذه الفئةُ الكبيرة من أبنائنا وبناتِنا لا بدّ أن يعتنيَ المعلّم وأن تعتنيَ المعلمة بها، فيعتني المعلِّم بتربيةِ أبنائنا تربيةً صالحة.

أيّها المعلّم، أيّتها المعلمة، ليس الهدَف أن نحضرَ مبكِّرًا، وأن نسجِّلَ الحضورَ في الساعة الأولى، وليس المهمّ أن أقضِيَ حصَصَ التعليم ثم أغادِر الفصلَ وأغادر المدرسةَ إلى يومٍ آخر. هذا هدفٌ من الأهداف وغاية من الغاياتِ، ليس الهدف مجرّدَ أن أعتنيَ بالمنهج وأحاولَ إكمالَه أو أخذ معظَمِه، وذاك أيضًا غاية ومقصود، لكن هنا أمرٌ مهمّ فوق هذا كلِّه، فمَطلوبٌ من المعلّم ومطلوب من المعلمة الاعتناء بالوقت، مطلوبٌ الاعتناء بالحصصِ الدّراسيّة، مطلوب العنايةُ بالمناهِج، مطلوب إيصال المعلومةِ إلى أذهان الطلاب والطّالِبات. هذا أمر مهِمّ ومسؤولية مهمّة، ولكن فوقَ هذا كلِّه العنايةُ بالتّربِية، بالسلوك والأخلاق، بالمعتقد والفِكر، أن نعتنيَ بأفكارِ أبنائِنا وبناتنا، ثم نعتني بالأخلاق والسّلوكِ، أن نربِّيَ الجميعَ تربيةً إسلاميّة صالحة، أن نخرجَ جيلاً متربِّيًا على القيَم والفضائل وحبِّ الخير والتمسّك بالإسلام قولاً وعملاً.

أيّها المعلّم، أيّتها المعلّمة، غيرُ خافٍ على الجميع الحملاتُ الشّرِسة على الإسلامِ وأهله، على الإسلام ومبادئه، على قِيَمه وفضائله، على آدابه وأخلاقِه، حملاتٌ انطلَقَت من خلال قنواتٍ فضائيّة متعدِدة متنوِّعةِ المشارب، كثيرٌ مِنهم يسعَون في هدم الإسلام، إمّا مباشرةً أو من وراءِ الستار، فقَنواتٌ توجِّه سِهامَها نحوَ ثوابِتِ الأمّة، نحو عقيدتِها، نحوَ إسلامها؛ لتشكِّك نشأَنا في عقيدَتهم الخالِصةِ وإسلامهم الحقّ. تحارِب الإسلامَ ومبادئه وفضائله وأخلاقَه، تَطعن في الثوابتِ لهذه الأمّة، في توحيدِ الله وفي طاعةِ رسوله ، تريد أن تقطَعَ الصّلةَ بين نشئِنا وبين دينِهم، بينهم وبين ماضيهِم المجيدِ وبين أسلافهم الذين مضَوا على الأخلاقِ والفضائلِ.

قنواتٌ أخرى توجِّه سِهامَها على الأخلاق والفضائل والسّلوك، تريد أن تصبَغَ شبابنا وفتياتِنا بصبغاتٍ خارِجَة عن مبدأ الإسلام وفضائله ومبادئه.

أيّها المعلم، أيّتها المعلمة، إذًا ما الواجب؟ الواجبُ أداءُ الوظيفةِ حقًّا ومحاولةُ توصيل المعلوماتِ إلى الطالب والطالبةِ، ثم مع هذا فلا تنسَ ـ أيّها المعلم ـ ولا تنسي ـ أيتها المعلمة ـ أنَّ المعلِّم إن صدَقت نيتُه فهو داعٍ إلى الله، هو داعٍ إلى الله وإلى دينه، وإن صدقَت نيّة المعلِّمة فهي إذًا داعيَة إلى الله وإلى دينه، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

أيّها المعلِّم، أيّتها المعلِّمة، إن النّشءَ ينظرون إلى معلِّمهم وإلى معلِّمَتهم، يتكرَّر عليهم في اليومِ عددٌ من المعلّمين، وعلى الفتَيات عدَد من المعلمات، وإنَّ أفكارَ شبابنا تتوجَّه إلى ذلك المعلّم، وقُلوب الفَتَيات إلى تلك المعلّمة، فأقوال المعلِّم تثبت في القلبِ، وأقوال المعلّمة تثبت في القلب.

إذًا أخي المعلم وأختي المعلّمة، لا بدّ من تصوّرٍ حقيقيّ لهذه المسؤولية الكبيرةِ، أن نحرصَ مع أدائِنا لمنهَجِنا الدراسيّ أن نكونَ دعاةً إلى الخير، نرشِد هذا النشءَ إلى الطريق المستقيم، نحذِّرُهم من سلوكِ الطريق غيرِ السوِيّ، نرشِدهم للقِيَم والفضائل، نحاوِل غَرزَ محبّةِ الإسلام في قلوبِهم، محبّة الله ومحبّة رسولِه، نعرِز في نفوسهم حبَّ الإسلامِ، حبَّ فرائضه وواجباتِه، حبَّ فضائله وآدابِه، حبَّ أخلاقه وقِيَمه، يَرونَ ذلك المعلّمَ وهو إن تكلَّم تكلّمَ بخير، مهذَّبَ اللّسان، لا ينطق إلا بخيرٍ، فليس بالسّبّاب ولا باللَّعّان ولا بالفاحِش ولا بالبذيء، بل خلُقٌ كريم وقَول حسَن وتربِية صَالحة. إن نَظروا إلى مظهَرِه فمَظهَر تمسَّك بالإسلام؛ ذلك المعلّم، فيقتدِي به ذلك النّشء، إن سمِعوا أقوالَه فأقوال حقّةٌ لا باطلَ فيها.

أيّها المعلم، وأيّتها المعلّمة، يعلَم الجميع ماذا يعاني منه بعضُ شبابِنا الذين انخَدَعوا بالأفكارِ الضالّة والآراءِ المنحرِفَة، زيَّن لهم الباطلَ من لا فِقهَ ولا بصيرةَ عنده، وزجّوا بهم في هاوِيَة سحيقةٍ، حسَّنوا لهم الباطلَ، أبعدوهم عن العلم والدّروس، زهَّدوهم في التعليم، قضَوا على قِيَمهم وفضائلهم.

شبابٌ في أوّل أعمارهم، زلَّت بهم القدَم نتيجة لمن لا فِقهَ ولا بصيرةَ عنده، فحذِّروا أبناءَنا وحذِّري ـ أيّتها المعلّمة ـ بناتِنا من تلكم الأفكارِ المنحرفة والآراءِ الضالّة والتصوُّرات الخاطِئة التي أهلَكَت بعضَ شبابنا، فصارت سببًا لوقوعِهم في الشّرِّ، فأساؤوا إلى أنفسِهم وإلى دينِهم وللآبَاء والأمّهات وإلى مجتَمَعهم المسلِمِ الفاضل.

فحذِّروا شبابَنا وفتياتنا من هذه الأفكارِ الغَريبة، متى ما شممتَ ـ أيّها المعلِّم ـ فِكرًا سيِّئًا فحاوِل إقناعَ الشّباب بالرجوع عن تِلكم الأفكارِ، حاول حِوارَهم وإقناعهم؛ عسى أن توفَّق لذلك، فإنَّ هذا النشءَ بحاجةٍ إلى معلِّم فاضل، يحمِل فكرًا صَالحًا وتربيّة حسنة وحبًّا لهذا النشءِ أن تزلَّ قدمُه فيما لا خيرَ فيه.

عِندَما تسمَع منهم اغتِرارًا وانخِداعًا ببعضِ المسلسَلات الهابِطة أو البرامِجِ الفاسِدة فحاول تصحيحَ الوضع، وأرشِدهم إلى الخير، وأبعِدهم عن الشّرّ قدرَ مستطاعِك. عِندَما ترَى من هؤلاء الطلاّب أو ترَى المعلِّمةُ من هؤلاء الطّالبات تخلّفًا عن الدّراسةِ وتسكّعًا في الطرقاتِ وأن يمضي على الشابّ أو الفتاةِ وقتٌ ما حضَرَ الطالب ولا الطالِبة فلا بدّ للمعلِّم مِن موقفٍ، ليسأَل عن ذلك الطالِبِ، ولتَسأَل المعلّمةُ عن تلكم الطالبة: ما الذي أخَّرهم عن الدّراسة؟! حتى نأمَن بتوفيقِ الله على قِيَمهم وأخلاقهم، ونقطَعَ خطَّ الرجعة عن المتربِّصين بأبنائنا وبناتِنا ومَن يحاولون إيقاعَهُم في المهالك والزّجّ بهم في الترهاتِ التي لا خيرَ فيها لدينٍ ولا دُنيا.

أيّها المعلم، إنّك قدوةٌ بأفعالِك، كما أنّك قدوة بأقوالك، فاتَّق الله، وادعُ إلى الخير، ورَبِّ التربيةَ الصالحة، واربِط حاضِرَهم بماضيهم، بما تبثُّه من وعيٍ إسلاميّ بعيدٍ عن الغلوّ والجفاء.

أيّتها المعلّمة، اتَّقي اللهَ في بنات المسلمين، وكوني مثالاً صالحًا وقدوةً لهنّ في الخير؛ في ملبَسك، في مظهَرِك، فيما تقولين وفيما تتصوّرين.

أيّها المعلم، أيّتها المعلمة، كم من أبنائِنا من قَضوا إجازَتهم خارجَ البلاد الإسلاميّة، وقد يرجِع بعضُهم منخدِعًا بفكرٍ أو متصوّرًا لأمرٍ هو خاطئ ضدّ الإسلام؛ لما يسمعه من تلكم الحملاتِ الشّرِسة، فلا بدَّ مِن تصحيحِ الوضع، ولا بدّ من إقامة ما اعوجَّ من الأخلاق، ولا بدّ من ردِّ الشباب والشابّات إلى سبُل الخير وتحذيرِهم من الانخِداع بالباطِل وأهلِه.

أيّها المعلّم، أيّتها المعلمة، بلادُنا ولله الحمدُ تعيش أمنًا واستِقرارًا ورَغَدًا من العيش، فلا بدّ للمعلِّم وللمعلِّمة أن يشعِروا أبناءَنا أنَّ هذه النعمةَ العظيمة التي نعيشها إنما هِي توفيقٍ من الله قبل كلّ شيء سببُها تحكيم هذه الشريعة واجتماع الأمّة بقيادتها على خيرٍ وتعاونٍ فيما يسعِد الأمّةَ في حاضرها ومستقبلها، بيِّنوا لهم فضائلَ الأمن وآثارَه الطيّبة، بيِّنوا لهم فضلَ اجتِماعِ الكلمة واتِّحادِ الصفّ، حذِّروهم من أن تخدَعهم الدعاياتُ المضلِّلة الذينَ الأمّة في أمنِها واستقرارها.

أيّها المعلّم، أيّتها المعلِّمة، أبناؤُنا قد اعتُنِي بتعليمِهم، هيِّئَت لهم المدارس والمعلِّمون، هيِّئ لهم أسبابُ الخير، فأرشِدوهم إلى شكرِ الله على هذه النعمة، أرشِدوهم إلى بِرِّ الأبوين وصلَة الرحم، أرشدوهم إلى التعامُل فيما بينَهم بالأخلاق والسِّيَر الفاضلة، كونوا ـ أيّها المعلم وأيّها الإداريّ ـ عيونًا ساهرةً على أخلاق أبنائِنا، ولتَكن المعلِّمة والإداريّة عَينًا ساهِرَة على أخلاقِ فَتَياتنا؛ لأنَّ الواجبَ على الجميع تحصينُ هذا النشء من أن تتسرَّب إليه المبادئُ والأفكار الضالّة والتصوّرات الخاطِئة والدِّعايات المضلِّلة ضدَّ الإسلام وأهله. وعلى رِجال الصّحافةِ أن يتَّقوا الله فيما يكتُبون، فلا يكتبوا إلاّ خيرًا، ولا يدعوا إلاّ خيرًا.

أيّها المعلّم، أيّتها المعلمة، إنَّ الأمّةَ المسلمة بأمَّسِ الحاجة إلى أن يُربَطَ حاضرُها بماضيها، وأن تُقوَّى الصّلَة بين الماضِي والحاضر، فمن يريد الفَصلَ بين نشئِنا وبين ماضِيه فإنما يريد إفسادَ أخلاقِه وإبعادِه عن الخير.

كَم نسمَع من أفكار سيّئةٍ تجعل مناهجَنا الطيّبة سببًا من أسبابِ الفسادِ والشّرّ، وتريد أن تدمِّرَ مناهجَنا، ويقولون: إنَّ مناهِجَنا انغلاقيّة عن العالم، لماذا؟! لا يريدون لشبابِنَا أن يفهَمَ شيئًا من دينِه، ولا يريدون لشبابِنا أن يتعلّمَ مبادئَ إسلامه. نحن لا نحارب العلمَ، ونحن ندعو إلى العلوم المختلفةِ التي فيها مصالح الأمّةِ مهما تكن العلوم ما لم يصادِم الشرعَ، فكلّ علمٍ نافعٍ للأمّة فإنّا ندعو إليه ونطالِب بِوضعِه في مناهِج تعليمنا، لكن لا على حسابِ مبادِئنا وقِيَمنا، فمناهِجُنا يجب أن تلقِّن نشأَنا من الصّغَر مبادئَ الإسلام وأخلاقَه وفضائلَه وواجباتِه، إضافةً إلى العلومِ المختلفة، والأمّة إنما توزَن بوجودِ العِلم فيها، والعِلم في بلادنا شقَّ طريقَه، فتعدَّدَتِ المدارس والجامعات، نسأل الله أن يكونَ الجميع خالصًا لوجه الكريم، وأن يؤدّيَ كلاًّ مهمَّته على ما يرضِي الله.

رِجالَ الصحافةِ، [أناشِدكم] أن تتَّقوا الله في أنفسكم، ولا تسمَحوا لأيِّ كاتبٍ أن يكتبَ مقالاً يضادّ فيه الأخلاقَ والقِيَم، ويدعو إلى حَربِ المنهاج الطيّبة، لا بدّ أن يَتعاون الجميعُ في سبيل مصالح الأمّة، فالمعلِّمون والمعلماتُ ورجال الصحافة والإعلام لا بدّ من تعاون الجميع فيما يسعِد هذا النشءَ ويرتقي به إلى معالِي الأمورِ؛ لأنّا سنكون غَدًا إن شاء الله نجني ثمارَ علومِ أبنائنا وبناتِنا، ونجِد منهم إن شاءَ الله من يسُدّ الثّغرَ ومن يقوم بالمهمَّة في جميعِ ميادين التعليم، لكن مع هذا كلِّه لا بدّ أن يكونَ لأخلاق الإسلام دورٌ هامّ في مناهجنا؛ حتى يجمَعَ أبناؤنا بين خَيرَيِ الدنيا والآخرة بتوفيقٍ من الله.

فالمناهج الحقّةُ وتعاليم الإسلامِ الحقّة هي سبب تعين نشأَنَا لأَن يتزوَّدوا من العلم؛ لأنَّ دينَنا يدعو إلى العِلم والتزوّدِ من كلّ علمٍ نافع للأمّة على اختلافِ فنونِ العِلم، لكن ينبغي للمسلِمين أن يكونَ بين علومِهم المختلِفة وبين علومِ شريعتهم ارتباط وثيقٌ؛ لأنّ العلمَ الشرعيّ ضرورةٌ للإنسان أعظَم من ضرورتِه للطّعام والشّراب. إنّه العلم الذي يتخَلّص به العبدُ من ظلُماتِ الجهل والضّلالِ، ويدخل إلى نورِ العلم والهدى.

فشبابُنا لا بدّ لهم شرعيّ، وأن تكونَ المناهج كذلك، ولا تنافيَ بين منهجِنا الإسلاميَ وبين العلوم المتعدِّدة، فإنَّ الجمع بين هذا ممكِنٌ؛ أن يكونَ لدى الطالب معرفةٌ ولو يسيرة بعلوم شريعته، بما بَعَث الله به نبيَّه محمّدًا ، أن يغرسَ في قلبِه حبّ الإسلامِ وأهلِه واعتقاد كمالِ هذه الشريعة وتمامِها، ولنحذِّر أبناءَنا من الأفكارِ الغريبَةِ والآراء الضالّة ومن يحمِلون فكرًا سيِّئًا ضدَّ الأمة وضدَّ أمنها وضدَّ اجتماع كلِمتها، لنحذِّرهم من هذا الباطِلِ.

ولا بدَّ أن تربِطَ المدرسةُ العلاقةَ بين أولياءِ الأمور وبين الطالِبات والطلاّب؛ لنضمنَ لأبنائنا الانتظامَ، ونبعِدَهم عمّن يريد إفسادَ عقولهم وأفكَارِهم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العَظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيهِ منَ الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول قولي هَذا، وأستَغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.



[1] رواه مسلم في كتاب الإيمان (55) من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في الإيمان (57)، ومسلم في الإيمان (56).

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا كَثيرًا طيِّبًا مبَاركًا فيهِ كمَا يحبّ رَبّنا ويَرضَى، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وَحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورَسوله، صلَّى الله علَيه وعلى آله وصحبِه، وسلِّم تسلِيمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيَا أيّها النّاس، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوَى.

عبادَ الله، يقول : ((مَن دَعا إلى هدًى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبِعَه إلى يوم القيامة لا ينقُص ذلك من أجورِهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الوِزر مثلُ أوزار من تبِعَه إلى يوم القيامة لا ينقُص ذلك من أوزارِهم شيئًا))[1].

فكن ـ أيّها المعلّم ـ داعيًا إلى الله، وكوني ـ أيّتها المعلِّمة ـ داعيةً إلى الله، وكن ـ أيّها المدير وأيّها المفتِّش وأيّها المسؤول ـ داعيًا إلى الله.

إنَّ الدعوةَ إلى الله تكون بالتربيةِ الصالحة، بالقدوة الحسنةِ، بالكلِمات المؤثِّرة، بالنصيحة الهادفة؛ حتى يستقيمَ أبناؤنا. حذِّروا أبناءنا من دعاةِ الضلالِ، حذِّروهم ممّن يدعونهم إلى ترويجِ المخدِّرات والمسكراتِ، حذِّروهم ممّن يدعونهم إلى اجتِماعاتٍ مشبوهة لا يُعلم حقيقتُها، حذِّروهم مِن جلساءِ السّوء ومجالسِ الرّذيلةِ، الذين يحاوِلون الاختلاءَ بشبابنا ليُلقُوا في قلوبهم الشّرَّ والبلاء، يستخدِمونَهم ليروِّجوا المخدِّرات أو المسكرات، يستخدِمونهم ليبثُّوا السّمومَ المختَلِفة، فكونوا رُقَباءَ على أبنائنا وبناتنا.

وأيّها الآباء، وأيّتها الأمهات، لا بدَّ من حفاظٍ على أخلاقِ الأبناءِ والبنات، لا بدّ من الاحتياط دائمًا، والتوفيقُ بيَد الله، لكن من عمل صالحًا وجدَّ واجتهد فالله يعينُه ويوفِّقُه.

أسأل اللهَ أن يجعلَه عامَ خير وبركةٍ، وأن يزوِّد الجميعَ بالتقوى، وأن يحفظَ الجميعَ بالإسلام، إنّه على كل شيءٍ قدير.

واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديثِ كِتاب الله، وخيرَ الهديِ هدي محمّد ، وشرَّ الأمورِ محدَثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالَة، وعليكم بجَماعةِ المسلمين، فإنَّ يدَ الله علَى الجماعةِ، ومَن شذَّ شذَّ في النّار.

وصَلّوا ـ رحمَكم الله ـ على نبيِّكم محمّد كمَا أمَركم بذَلِك ربّكم، قال تعَالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبَارِك على عَبدِك ورَسولِك محَمّد، وَارضَ اللَّهمّ عَن خلَفائه الرّاشِدين...



[1] أخرجه مسلم في العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة (2674) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً