.

اليوم م الموافق ‏24/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

نعم الله على عباده

4477

الرقاق والأخلاق والآداب

أعمال القلوب

عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

الرياض

21/7/1426

جامع الإمام تركي بن عبد الله

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- عظم نعم الله على عباده. 2- وجوب شكر الله على نعمه بالقلب واللسان والجوارح. 3- الحث على التفكر في نعم الله تعالى وشكره عليها. 4- أعظم النِعَم نعمة الإسلام. 5- نعم الله وتوفيقه لعبده في أداء فرائض الإسلام ونوافل الطاعات. 6- من أعظم النعم بعد الإسلام نعمة الأمن في الأوطان.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقّ التقوى.

عباد الله، إن لله علينا نِعَمًا عظيمةً، نِعَمٌ عُظْمَى، نِعَمٌ متعدّدةُ، نِعَمٌ متوافِرةٌ، ولا توافيها حقّها إلا بكمال شكرها، وصدق الله: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]. وكل هذه النعم من الله بَذْل وإحسانٌ، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل:53].

والله الذي قد تأذَّنَ بهذه النعم، ومَنَّ بها علينا طلب منّا أن نشكره عليها، فقد أعطانا الكثير فضلاً وإحسانًا، وطلب منّا اليسير؛ أن نشكره على عموم نعمه، نشكره بقلوبنا، ونشكره بألسنتنا، ونشكره بجوارحنا، فشُكْرُنا له بالقلوب أن يكون في قلوبنا يقين جازم بأنّ الله المتفضِّل المُنعِم الذي سخَّرَ لنا ما في السموات والأرض جميعًا منه، فنوقن جميعًا أن هذه النعم فضل الله وإحسانه وجوده وكرمه. ونشكر بألسنتنا فنُثْنِي على الله بما هو أهله، ونشكره قائمين قاعدين مُضْطَجِعين راكبين ماشين، وليكن شكر الله على ألسنتنا ظاهرًا، في الحديث: ((إن الله يرضى عن العبد يأكل الأَكْلَةَ فيحمده عليها، ويشرب الشَّرْبَة فيحمده عليها))[1]. فما قُوبِلت نِعَمُ الله بأفضل من الثناء على الله وتعظيمه وتمجيده، وفي الحديث: ((لا أحد أحبّ إليه الثناء من الله، من أجل ذلك أثنى على نفسه))[2]. فله الحمد في الأولى والآخرة، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه. ونشكر هذه النعم بجوارحنا فنؤدّي الفرائض والواجبات، ونبتعد عن المحرمات، ونُصَيّر هذه النعم عونًا لنا على ما يرضي ربنا، ولا نجعل هذه النعم سببًا لأشَرِنَا وبَطَرِنَا وطُغياننا وإعراضنا عن الله، فالذي تفضَّل بهذه النعم قادر أن يسلبها ممن هي بيده إن لم يقُم لها بالحق الواجب؛ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53]، فإذا غَيَّرَ العبادُ نعمَ الله بأن استعملوها في المعاصي، وصارت سببًا للأَشَر والطغيان والبَطَر، يوشك أن يعاقبهم الله بزوال هذه النعمة. فعياذًا بالله من زوال نعمته، ومن تحوّل عافيته، ومن فَجَآت نِقْمته.

أخي المسلم، تأمّل نِعَمَ الله عليك على الحقيقة، لترى النعم العظمى والمِنَّةَ الكبرى، تأمّل حقًّا هذه النعمة وفكّر دائمًا في هذه النعمة، فإن التفكّر فيها يدعو إلى التذكّر، يدعو إلى القيام بالواجب، يدعو إلى محبّة الله، ويدعو إلى خوف الله، ويدعو إلى تعظيم الله، ويدعو إلى القيام بما أوجب الله.

أخي المسلم، أعظم النِعَم والمِنَّةِ نعمة الإسلام، فلا نعمة تساويها أو تُماثِلها، وقد ذَكَّرَ الله المسلمين هذه النعمة العظمى ليقابلوها بشكر الله، فهدايتك ـ أخي المسلم ـ للإسلام، وكون الله شرح صدرك، أن عرفت الحق فقبلته فعملت به فتلك نعمة كبرى، أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر:22]. قال تعالى مذكِّرًا عباده هذه النعمة: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]. أجل، كانوا قبل الإسلام في ضلال بَيّن الضلالة؛ في عبادة منحرفة وأخلاق فاسدة ومعاملات ظلم وعدوان، يعبدون الأشجار والأحجار، يعبدون الخلائق من دون الله، كانوا في ضلال مبين، كانوا في انحراف في سلوكهم وفي قيمهم وأخلاقهم، كانت نار العداوة مُشْتَعِلَة بينهم، والصراع قائمًا بينهم، والعصبية الجاهلية والظلم والعدوان سائدًا عليهم، كانوا في ذُلٍّ وهوان إلى أن أشرقت نور الإسلام على جزيرة العرب بمبعث محمد ، فأنشأهم الله نشأة أخرى؛ بدَّلَ الضلال هدى، والفقر والفاقة غنى، والفرقة اجتماعًا والتئامًا، والذلّة عزًّا ورِفْعة، فتبدّلت الحالة السيئة بحالة طيبة مباركة، ولذا ذَكَّرَ الله المسلمين في آخر عهد النبي بهذه النعمة أيضًا في يوم موسم الحج فقال: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ [البقرة:198]، وإن كنتم من قبل الإسلام لمن الضالين، إن كنتم قبل مبعث محمد لمن الضالين، واليوم هداكم الله لنسككم، واليوم أقمتم شعائر دينكم، واليوم تميزتم عن ماضيكم السيّئ بحاضرٍ مشرق.

أخي المسلم، نعمة الإسلام أكبر النعم، كم ضَلَّ عنها أقوام، وزال عنها أقوام، وأصبحوا كبهيمة الأنعام، بل البهيمة أهدى منهم سبيلا! وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]. فاحمد الله إن كنت مسلمًا، آمنت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا رسولاً، قبلت هذا الدين ورضيت به، وأطعت الله ورسوله، فقل: الحمد لله رب العالمين على هذه النعمة الكبرى.

أخي المسلم، ذَكَّرَ الله الصحابة أيضًا بقوله: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103].

أخي المسلم، نعمة الإسلام ـ بتوفيق الله ـ مآل صاحبها إلى الجنة وإن عُذَّبَ على ما خالف، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]. وأهل الجنة يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43].

أخي المسلم، يا من مَنَّ الله عليه بقبول فرائض الإسلام، فيسَّر الله له أداء الصلوات الخمس فأدّاها طيّبةً بها نفسُهُ، قارَّةً بها عينُهُ، فرِحًا مسرورًا بأدائها، فاحمد الله على هذه النعمة، وتذكّر قول الله: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:45، 46]، فالخاشعون الموقنون بلقاء الله يؤدون الصلوات الخمس بفرح وسرور، إذا دخل الواحد في الصلاة دخلها وقلبه مطمئن، وروحه في غاية الراحة والاطمئنان، يعلم عِظَمَ الموقف، ويشكر الله أن أعانه، وخلَّصه من وساوس الشيطان وتثبيطه، فأدّاها طاعة لله، ولذا يقول نبينا : ((حُبِّبَ إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجُعِلَت قُرَّةُ عيني في الصلاة))[3]. كم من متثاقل عنها! كم من إنسان يسأم الصلاة ولا يريدها! يسمع نداء الله فلا يجيب، ويَمُرُّ بالمسجد فلا يتحرّك له ضمير؛ لأن في قلبه غفلة وإعراضًا عن الله، وأنت قد منَّ الله عليك فأحببت هذه الصلاة، ورغبت فيها، فاشكر الله على هذه النعمة.

أخي المسلم، المال نعمة من الله، والقيام في المال بما يُحب الله هو الخير كله، فمن رُزِق مالاً ووفّقه الله لصرفه في وجوه الخير، وأعانه على تسخيره فيما يرضي الله، فليعلم أنها نعمة من الله، إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال:28]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ [المنافقون:9، 10]. الشاكر لنعمة المال عندما يحل وقت الزكاة يحصي ماله ويخرج زكاته، ويستصغر تلك الزكاة في عظيم ذلك المال الذي وهبه الله له، فيؤدي زكاة ماله طيبة بها نفسه، شاكرًا لله أن جعله يدًا تعطي ولم يجعله يدًا تأخذ، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103].

يُقْبِل رمضان فيستبشر به المسلم، ويفرح به، ويصومه طاعة لله، ويتضجّر منه المنافق، ويقلق منه، ويحب أن تنقضي أيامه؛ فهو في سجن في رمضان؛ خوفًا من المسلمين إن أظهر أكله وشربه وتمتّعه في نهار رمضان، فهو يسأم الشهر ويكرهه، أما المسلم فيشكر الله على أن بلّغه رمضان، ويشكر الله أن فرض عليه صيام رمضان.

يؤدي الحج ويشكر الله أن وفّقه لأدائه. إذن فأركان الإسلام يفرح بها، وأركان الإسلام يؤديها، ويشكر الله على ما فرض من الفرائض وشرع من الأحكام.

المسلم ينظر في نفسه، فإن وُفِّقَ لنوافل الصلاة ونوافل الصدقة ونوافل الصوم ونافلة الحج، حمد الله على هذه النعمة أن وفّقه لفعل الخير، وجعل الخير يسيرًا عليه، وإنه ليسير على من يسّره الله عليه.

كم تمضي أوقات أقوام في بَطَالات وجَهَالات، وسَفَه وروايات؟! وكم تمضي أوقات أقوام في ذكر وطاعة لله، وتقرب إلى الله بما يرضيه؟!

أيها المسلم، يا مَن مَنَّ الله عليه فكان لرَحِمِه واصلاً ومتفقّدًا ومحسنًا، فاحمد الله أن بوَّأك هذه المرتبة العُليا، أن جعلك واصلاً لرحمك، تصلهم وتحسن إليهم، وتتحمّل زلاّتهم وأخطاءهم وتقابلها بالإحسان، فتتخذ لك في الجنة درجات يعلو بها شأنك عند رب الأرض والسماوات. وكم من قاطع لرَحِمِه يرى رَحِمَهَ في فقر وفاقة وفي مسكنه وهوان، فلا تطيب نفسه أن يكسوهم أو يعينهم أو يفرج همومهم؟! وأنت قد مَلأ الله قلبك إيمانًا، وجعل فيك رقّة وعطفًا وإحسانًا، تصل الرحم وتحسن إليهم، وتكون فيهم مسؤولاً كبيرًا، يمدّونك بسؤال الله، ويسألون الله لك التوفيق والإعانة، فاحمد الله على هذه النعمة.

أخي المسلم، برّ الوالدين والإحسان إليهما أوجبه الله علينا، فالمسلم يشكر الله على هذه النعمة، ويحمد الله أن أوجب عليه برّ أبويه؛ لأنه يعلم أن البِرَّ رَدُّ بعض شيء من الجميل، فهو يبرّ بأبيه وأمه، وعندما يكبر الأبوان عند ذلك الولد البار المحسن، فيرى نفسه في نعيم في الدنيا، يرى نفسه في نعيم ولذّة؛ أنه يخدم أباه ويحسن إليه، ويتفقد طعامه وشرابه وفراشه وملبسه، وأنه يحسن إليه، ويتمنى ساعة أن يكون خادمًا لأبيه، رادًّا له شيئًا من معروفه. ينظر إلى الأم وقد كبر سنُّها، ورقّ عظمها، وقَلَّ سمعها وبصرها، فهي بأمس حاجة إلى من يرعاها، فيقول: الحمد لله الذي بلّغني برّهما، الحمد لله الذي جعلني أحسن إليهما، الحمد لله الذي قذف في قلبي الرقّة والرحمة بهما. ينظر إلى إخوانه وأخواته الصغار ولاسيما الأيتام، فيحسن إليهم ويرحمهم، ويحمد الله أن وُفِّق لهذا العمل الصالح، فإنّ شُكْر النعمةِ نعمةٌ من الله عليك أيها المسلم.

أخي المسلم، تُعامل الناس، فكم من مُعامِل للناس يضرّهم؟! وكم من مُعامِل لهم يفضحهم؟! وكم من مُعامِل لهم يغشّهم، ويسيء إليهم؟! وأنت تُعامل الناس بصدق، وتعاملهم بالوفاء، صادقًا في حديثك، وافيًا بعهدك، مؤدّيًا لأمانتك، السماحة تعلو عليك، والخلق الكريم يظهر منك، تيسّر على المعسرين فلا تشقّ عليهم، وتيسّر للموسرين فلا تتعبهم، فتعاملك طيّب، وأخلاقك حميدة، ورزق الله تَتْرَا عليك، ونعمه تترادف عليك، فقدّم لله شكرًا على هذه النعمة.

أخي المسلم، كم من أناس ابتُلوا بالدعاوى الكيدية والخصومات بلا حق، لا يهنأ عيشهم حتى يدعوا على هذا وعلى هذا، ولا يرتاحون في نهارهم وليلهم حتى يأتوا بهذا للمحكمة، ويشكوا هذا، ويخاصموا هذا، دعوى مبنية على كيد وظلم وعدوان، لكن يريدون بها إذلال إنسان أو أخذ شيء من ماله بغير حق؟!

كم من أناس لا يُبالون بالأيمان؛ يحلف بالله ولو كاذبًا، لا خَجَل ولا حياء؟! وأنت قد ملأ الله قلبك يقينًا، تُنصف من نفسك، وتؤدّي الحقوق التي عليك، وتحفظ أيمانك، فلا تكون فيها فاجرًا ولا كذّابًا.

كم من أناس خدعتهم الدنيا؛ فشهدوا على الناس ظلمًا وعدوانًا، وأدّوا شهادة زور هم فيها ظالمون وآثمون؟! وأنت تؤدي الشهادة بصدق ويقين، فاحمد الله واشكره على نعمته عليك بالصدق في أقوالك وأعمالك.

أخي المسلم، كم تشاهد من رجال مع نسائهم في قلق وتعب ومشاكل لا تنقضي؟! وأنت مع أهلك في راحة وطمأنينة وتفاهم وتعاون، تؤدي الواجب، وتؤدي امرأتك الواجب، فأنت في سعادة وهناء، فاشكر الله على هذه النعمة، وتأمّل حال من امتلأت بيوتهم شقاقً ونزاعًا، وكلمات بذيئة وسِبابًا... ساءت تربية الآباء وإهمالهم، وأنت قد منّ الله عليك بأولاد ربّيتهم على الخير والهدى، فهم لك مطيعون سامعون، والتعاون بينك وبينهم قائم، عرفت حقهم فعلّمتهم وثقّفتهم، فعرفوا حقوقك فأكرموك وأحسنوا إليك، فتلك نعمة فاشكر الله عليها، واحمد الله على هذه النعمة.

أخي المسلم، كم من أناس إذا جلسوا المجالس استُثْقِلوا في المجلس؟! كلماتهم بذيئة، أهل غيبة ونميمة، أهل كذب وبهتان، يملؤون المجلس بقيل وقال، ويكذبون ويفترون، وقد عافاك الله من هذه الأخلاق الرذيلة، فلست مغتابًا لمسلم، ولا ساعٍ بنميمة، ولا رامٍ أحدًا ببهتان، تذكر عيوب نفسك فتصلحها، وتسعى في إصلاح الآخرين من غير احتقار.

كم من أناس يسخرون بالناس، ويستهزئون بهم؟! يسخر من فقير لأجل فقره، ويسخر بمن ضعف عقله لضعف عقله، ويتمادى في طغيانه وبَطَره، وأنت تحمد الله على هذه النعمة؛ إن رأيت منكرًا قلت: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به، وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلاً.

كم من أناس ابتلوا بأنواع الأمراض والأسقام في ليلهم ونهارهم؟! فكم يراجعون الأطباء، ويعودون إلى المستشفيات، وأنت في صحة في بدنك وعافية، فاعرف قدر هذه النعمة، واشكر الله عليها، واسأل الله أن يجعل ما أعطاك من عافية في بدنك قوة لك على القيام بما أوجب الله عليك. فاشكروا الله ـ عباد الله ـ على عموم نعمه، واسألوه المزيد من فضله وكرمه.

كم من أناس ابتلوا بخيانة الأمانة؛ إن ائتمنوا على أوقاف ضيّعوها، وأكلوا غَلَّتَها، وإن عُهِد إليهم بوصايا أكلوها، وأنت في نعمة قد منحك الله الأمانة على الأموال التي اؤتمنت عليها، تحترم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، فاشكر الله على نعمة الأمانة وأداء الواجب، اشكر الله على هذه النعمة، واسأله المزيد من فضله وكرمه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.



[1] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (2734) من حديث أنس رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في التفسير (4634)، ومسلم في التوبة (2760) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، بنحوه.

[3] أخرجه أحمد (12294)، والنسائي في عشرة النساء (3939)، وأبو يعلى (3482)، والضياء في المختارة (1737)، من حديث أنس رضي الله عنه، وجوّد إسناده العراقي، وقواه الذهبي في الميزان (2/177)، وحسنه الحافظ في التلخيص الحبير (3/116).

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله، الأمن في الأوطان نعمة من أَجَلّ النعَم بعد نعمة الإسلام، ذَكَّرَ الله بها عباده ليعرفوا قدرها وفضلها، قال تعالى مذكّرًا سكّان الحرم: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت:67]، أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا [القصص:57]، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3، 4].

إخوتي، أطعمنا الله وسقانا، وأسدى علينا نعمه، فأمّنَنَا في أوطاننا، وجعلنا نتنقل من مكان إلى مكان في نِعَمٍ وسلامة وعافية، فلنشكر على هذه النعمة. أغدق الله علينا النعم، فلنشكر الله على آلائه وفضله ونعمه العظيمة.

أنعم الله علينا فجعل لنا قيادة حكيمة، فيها رعاية لمصالح الأمة ورفق بهم وإحسان إليهم، وبذل الجهود في سبيل راحتهم وتوفير أسباب عيشهم، وتلك نعمة من الله. فكم من أُمم تشقى بقياداتها؟! بقيادة تظلمها وتسلب أموالها ولا تبالي بها، ونحن في هذا البلد المبارك مَنَّ الله علينا بقيادة فيها رحمة ورفق وعطف على هذه الرعية، فجزاهم الله عما قدموا خيرًا، وفي الحديث: ((خير أئمتكم الذين تصلون عليهم ويصلون عليكم، وتحبونهم ويحبونكم))[1]. أي: تدعون لهم ويدعون لكم، وتبادل الحب فيما بينكم، بذلوا الذي عليهم ومستطاعهم وما بقدرتهم، فليقابل ذلك الأمة بشكر الله والثناء عليه، وأن يسألوا الله لهم التوفيق والسداد والعون على كل خير، ويبارك في أوقاتهم وأعمالهم، فإن الاعتراف بالجميل والشكر على الجميل من النعم العظيمة، وفي الحديث: ((من لم يشكر الناس لم يشكر الله))[2]. فنحن نشكر لولاتنا ما بذلوه من خير، وما سعوا فيه لهذا المجتمع من خير. ونسأل الله لهم المزيد والتوفيق، وأن يعينهم الله على كل خير، وأن يجعلهم رحمة على رعيتهم، وأن يحببهم لرعيتهم، ويحبّب رعيتهم إليهم، ويجمع القلوب على خير ونعمة، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا رحمكم الله...



[1] أخرجه مسلم في كتاب الإمارة (1855) عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه. بنحوه.

[2] أخرجه أحمد (2/295)، والبخاري في الأدب المفرد (218)، وأبو داود في الأدب (4811)، والترمذي في البر (1954) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (3407)، وهو في صحيح سنن الترمذي (1592). وفي الباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً