أما بعد: أيها المؤمنون، لماذا أنزل الله القرآن الكريم؟! أمن أجل التبرك به ووضعه على الرفوف أم من أجل أن يكون بركة في تطبيقه والعمل بهديه وتنفيذ أحكامه؟!
هناك من يقرأ القرآن بلسانه وعينِه فقط، وهناك من يقرؤه بلسانه وعينه وعقله، والواجب أن يقرأ القرآن باللسان والعين والعقل والقلب.
ربنا سبحانه ينكر على من يقرأ القرآن دون أن يعتبر بما فيه ويتأمل حِكَمه وأحكامه فيقول في سورة محمد: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [محمد:24]، ويصف المؤمنين الخاشعين بأن من أبرز صفاتهم التفاعل مع آيات الكتاب الحكيم فيقول سبحانه في سورة الأنفال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].
كما يبين ربنا عز وجل أن القرآن ميسر لكل أحد لحفظه والاعتناء به والتدبر في آياته والعمل به، ولكن أين هم؟! وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].
روى الحاكم في مستدركه قوله : ((من قرأ الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين))، قال عنه الحاكم: "صحيح الإسناد". فلماذا سورة الكهف بالذات التي يقدر لها هذا الفضل في قراءتها في يوم الجمعة؟!
وروى مسلم في صحيحه: ((من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال))، وما علاقة الدجال بسورة الكهف؟!
هذه السورة ـ أيها المسلمون ـ تعرض لنا أربع قصص لم تتكرّر أبدا في سور القرآن الأخرى، ولكل قصة منها قضيّة خطيرة ينبغي عليك ـ أيها المسلم ـ أن تعيها وأنت تقرأ السورة في كل جمعة: قصة أصحاب الكهف، قصة صاحب الجنتين...
سنقف اليوم وقفة تأمّل في القصة الأولى التي سمّيت السورة بسببها قصة أصحاب الكهف والرقيم، هذه القصة التي تأتي لبيان قضية الامتحان في الدين والابتلاء في التمسك بالعقيدة الصحيحة والإيمان الذي لا تشوبه شائبة.
إن المحور الرئيس في هذه القصّة هو المتعلّق بما يفتن به المرء بسبب دينه، ما صفة أولئك؟ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ [الكهف:13]، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا [الكهف:14]، ما الذي وجدوه من قومهم مقابل ذلك الإيمان؟ هل وجدوا الترحيب والاحتفاء والتكريم؟! هل وجدوا السماحة وترك حرية الاختيار لهم؟! لم يجدوا من قومهم سوى الاضطهاد والإيذاء والمطاردة والتضييق والتهديد بالقتل أو إرجاعهم إلى عقيدة الشرك والأوثان، إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف:20].
هكذا يبتلى المسلم في دينه أيها المؤمنون، هكذا نفتن في ديننا صباح مساء، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8].
في بعض الدول يودع المسلم في السجن لأنه ضبط متلبّسا بصلاة الفجر في المسجد، وفي بعضها الآخر تحرم المسلمة من الوظيفة لأنها ترتدي الحجاب، وفي غيرها يحارب الدعاة ويسخر منهم في الصحافة والتلفاز لأنهم يدعون إلى الفضيلة والطهر، وفي فلسطين يتهم شعبها بالإرهاب لأنهم لم يخنعوا للمحتل الذي غصب أرضهم وسرق ديارهم.
قبل يومين قرأنا في صحيفة محلية أن القوات المتعددة الجنسيات في العراق تمكنت من قتل 60 إرهابيا عراقيا، يا للعجب! لكن هذه بعض مظاهر الفتنة في الدين، فاللهم إنا نسألك أن تربط على قلوبنا وتثبت إيماننا ونحن نواجه مثل هذه الفتن حتى نكون ثابتين كثبات أصحاب الكهف، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا [الكهف:14]
أقول قولي هذا، وأستغفر الله... |