.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الشمائل المحمدية

3121

سيرة وتاريخ

الشمائل

محمد عز الدين توفيق

غير محدد

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الاقتداء بسنة النبي . 2- خلق الرسول . 3- كيف يكون تعظيمه عليه الصلاة والسلام.

الخطبة الأولى

أما بعد: محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام لم يكن ميلاده من الأهمية كمثل ميلاد أيّ رجل من الناس، فقد كانت الأرض على موعد بعد أربعين عامًا من مولده مع بعثةٍ هي آخر رسالات الله إلى أهل الأرض، وكان الزمن على موعد مع كلمةِ الله الخاتمة إلى الثقلين الجن والإنس.

بعث الله نبيه محمدًا على فترة من الرسل، ففتح الله بدعوته القلوب، وأنارت رسالته الصدور، وكان للناس كالنهار يأتي بعد الليل، وكالنور يسطع من بعد الظلام.

لقد انطلق نور الدعوة من جوار الكعبة بيت الله الحرام، ليضيء المشارق والمغارب، ولتتحقق دعوة إبراهيم وبشارة عيسى عليهما الصلاة والسلام: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَـٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [البقرة:127]، وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِى إِسْرٰءيلَ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف:6].

كان محمد هو الإجابة لدعوة إبراهيم، وكان هو التصديق لبشارة عيسى. أيّ نبيٍ كان؟! وأيّ رسول ؟!

إن العبارة لتنحني أمام شمائل هذا النبي وخصاله، وأي عبارة تصلح لترجمة ما كان عليه هذا النبي الكريم؟! وإنه لشرف كبير أن يكون المرء من أتباعه والمقتدين به، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَـٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَـٰلِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَـئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم:4].

لقد تشرف برؤيته وصحبته والإيمان به ونصرته جيلُ الصحابة الكرام، فكانوا شهادة أخرى لنبوته في إيمانهم وإسلامهم وجهادهم، ولكن هذه الصحبة ليست خاصة بهم، فكل مسلم يمكن أن يصحب رسول الله في حياته كلها.

إن الصحبة بهذا المعنى مفتوحة لكل الأجيال، فمن فاته أن يراه في الدنيا ويصحبه فيها فإنه يستطيع أن يدرك صحبته وجواره ورؤيته في الجنة.

هذا ميراثه بين الناس: ((كتاب الله وسنتي))، من أخذ بهما أدرك الصحبتين، لا أعني الصحبة الخاصة، فهذه فضيلة لأصحابه الأولين، لا يشاركهم فيها غيرهم، ولكن أقصد الصحبة العامة في الدنيا، والجوار الدائم في الآخرة.

إن رسول الله وإن كان غائبًا بشخصه عنا ـ لأنه مثل غيره من الأنبياء وافاه أجله ـ إلا أنه لم يغب أبدًا بأقواله وأعماله، فهو بيننا في كل وقت، ونحتاج يقظة وانتباهًا لنرى هديه أمامنا وسيرته حولنا وأخلاقه وفضائله عن يميننا وشمالنا. وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ [آل عمران:144].

أجل كانت سيرته ملهمة وموجّهة، فيها الشاهد لكل موقف من مواقف الحياة، لا يحتاج المسلمون سوى إلى البحث عنه.

كان خُلُقه القرآن، يأتمر بأمره وينتهي بنهيه، وهذه لقطات من هذا الخلق القرآني:

روى البخاري ومسلم ومالك عن عائشة قالت: ما خيِّر رسول الله في أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها. وعنها أيضا: لم يكن رسول الله فاحشًا ولا متفحشًا، ولا سَخَّابًا بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئَة، ولكن يعفو ويصفح. وعنها أيضا: كان النبي إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل: ما بال فلان يقول كذا؟! ولكن يقول: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)) رواه أبو داود. وعن ابن عباس قال: كان النبي أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله أجود بلخير من الريح المرسلة. رواه مسلم. وعن أنس قال: كان النبي أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس. رواه البخاري. وعن أنس كذلك قال: خدمت رسول الله عشر سنين، فما قال لي: أف قط ـ هل يقدر أحد أن لا يقولها لخادمة ولو ليوم؟! ـ وما قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟ رواه مسلم وأبو داود. وعن أبي سعيد الخدري : كان رسول الله أشد حياء من العذراء ـ أي: البنت التي لم تتزوج ـ في خدرها ـ أي: خبائها وخيمتها ـ، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه. رواه البخاري ومسلم وابن ماجه. وعن جابر بن عبد الله قال: ما سئل رسول الله شيئا قط فقال: لا. رواه البخاري ومسلم.

كان رسول الله إذا عمل عملاً من أعمال الخير أثبته وداوم عليه، وكان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله، طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة، يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشْره وخُلُقه، كان خافض الطرف، ينظر إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء. كان يعجبه اليمين، فيبدأ به في طهوره وتنعله وتَرَجّله وشأنه كله. لم يَعِب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه. ما ضرب بيده عبدًا ولا طفلاً ولا جارية.

كان على هذه الأخلاق كلها، وعلى ما هو أعظم منها.

ولقد شهد له ربه بهذه الخصال في كتابه العزيز: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128]، فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ [آل عمران:159].

هذا هو المبعوث في العرب، أهل العصبية والقبلية والجفاء والخشونة والغلظة؟! يقول عليه الصلاة والسلام: ((يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا))، ثم قال: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ إلى آخر الآية [الأنبياء:104]، ثم قال: ((ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب، أُصيحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:117]، فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)) رواه البخاري والترمذي.

انظر ما فارق عليه النبي أصحابه فالزمه فإنه طريق النجاة: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم يرى بعدي اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة)) رواه أبو داود.

اللهم اجعلنا من الذين آمنوا به وعزروه ونصروه.

الخطبة الثانية

أما بعد: فقد نشرت مجلة البيان التي تصدر عن المنتدى الإسلامي بلندن في عددها لشهر ربيع الأول ملفًا عن تعظيم الرسول بين إجلال المتبعين وإخلال المبتدعين، وقد تضمن الملف مقالات في التعظيم المفروض للنبي والتعظيم الممنوع، وهو المفضي إلى الشرك والابتداع.

واقتبست من المقال الأول في هذا الملف الفقرات الآتية، فإنها تبين منهج أهل السنة في تعظيم النبي ، وإذا عرف المسلم الطريقة الصحيحة في تعظيم النبي عرف أن ما يخالفها طريقة مبتدعة. وإنما دعاني لهذا ما يقع في هذا الشهر من أنواع الاحتفالات والمواسم والاجتماعات، فيسأل الناس عن المقبول والمردود من ذلك كله.

لا يخفى على مسلم أن الله سبحانه وتعالى أمر بتعظيم نبيه فقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَـٰهِدًا وَمُبَشّرًا وَنَذِيرًا لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفتح:8، 9]، وتعزيره نصره وتأييده ومنع كل ما يؤذيه، وتوقيره إجلاله وإكرامه وتشريفه، وقد أعطى المولى سبحانه لهذا النبي الكريم من الصفات العالية والأخلاق العظيمة ما يدعو كل مسلم أن يحبه ويعظمه، فهو محمد أي: المحمود عند الله وعند ملائكته، عند أهل أرضه وسمائه، محمود الخصال والصفات.

من نظر في أخلاقه علم أنها خير أخلاق الخلق وأكرم شمائل البشر، كان أصدق الناس حديثًا، وأعظمهم أمانة، وأجودهم كفًا، وأعظمهم عفوًا، وأوفاهم ذمة، وأشدهم تواضعًا. جاء في البخاري عن عبد الله بن عمرو في صفة رسول الله في التوراة: (أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفَظّ ولا غليظ ولا سَخَّاب بالأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا)). فكيف نعظم النبي ؟

تعظيمه يكون بعدة أمور منها:

1- الإيمان به وتصديق نبوته.

2- محبته وتقديم هذه المحبة على محبة النفس والأهل والولد والناس أجمعين.

3- الثناء عليه بما هو أهله، وأفضل ذلك الصلاة والسلام عليه.

4- التأدب عند ذكره، بأن لا يذكر اسمه مجردًا، بل يوصف بالنبوة والرسالة، كما كان دأب أصحابه عند ندائه.

5- الإكثار من ذكره، وتعداد فضائله ومعجزاته، وتعريف الناس بسنته.

6- استشعار هيبته وجلال قدره وعظم شأنه.

7- تعظيم ما جاء به من الشريعة، وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله.

8- توقير آل بيته، أزواجه وبناته وسائر آله.

9- توقيره في أصحابه، ومعرفة قدرهم، والترضي عليهم والاقتداء بهم.

10- التأدب في مسجده وعند قبره.

11- حفظ حرمة بلد هجرته ودار نصرته ومراعاة حق المجاورة.

قال الله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صلّ على محمد وعلى آله وذريته وأزواجه وسلم تسليمًا كثيرًا.

اللهم ارزقنا شفاعته يوم العرض عليك يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، يا من بعثت محمدًا رحمة للعالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً