أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، من حكمة ربنا تعالى أن فاوتَ بين العباد في أرزاقهم كما فاوتَ بينَهم في أخلاقهم، وفي الأثر: (إن الله قسَم بينكم أخلاقكم كما قسَم بينكم أرزاقَكم). وله الحكمة في تفاوت الخلق في أرزاقهم، فإنه فاوتَ بينَهم فجَعل أغنياءَ وفقراء، بل جعل الأغنياءَ متفاوتين في قدر الغنى، كما أن الفقراءَ متفاوتون في قدر الفقر، قال تعالى مبيِّنًا ذلك وأنه يبسط الرزق لمن يشاء: قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [سبأ:36]، لا يعلمون هذه الحقيقة، لا يدركون كُنهَها، والله جل وعلا هو العليم الحكيم الذي يقسم رزقَه بين عباده على كمال الحكمة والعلم والرحمة والعدل.
ثم إنَّه جلَّ وعلا حكيم عليم في هذا التفاوت؛ ليظهر شكرُ الأغنياء عندما يُعطَون من الرزق، ويظهر صبرُ الفقراء على ما أصابَهم، فالغنيّ مبتلى بماله؛ أيكون ذلك المال سببًا لشكر الله والقيام بحق الله، أم سببًا للأشر والبطر والترفُّع عن الخلق؟ كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّءاهُ ٱسْتَغْنَىٰ [العلق:6، 7]. وكم قصَّ الله علينا من قومٍ خدعتهم أموالُهم وغرَّتهم ثرواتهم حتى أخرجتهم عن منهج الله القويم، هذا قارون يقول الله عنه: إِنَّ قَـٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ [القصص:76]، وبيَّن جل وعلا [غناه] بقوله: مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِى ٱلْقُوَّةِ [القصص:76]، فمفاتح خزائنه تعجز عن حملها العصبةُ من الرجال، فكيف بالأموال؟! وهؤلاء أصحاب الجنة الذين قصّ الله علينا خبرهم: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ الآية [القلم:19، 20]، لمَّا منعوا حقَّ الله وتكبَّروا عاقبَهم اللهُ بما عاقبهم به.
وابتلى الفقراءَ؛ أيصبرون على ما قسم الله لهم أم يتسخَّطون؟ فمن كان منهم صابرًا محتسبًا فله الثواب العظيم، ((قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه)).
ثمَّ إنَّ من حكمته تعالى أن جعل حبَّ هذا المال غريزة في نفوس البشر، لكي يسعوا في جمعه وطلبه لتقوم بذلك مصالحهم، وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، وَإِنَّهُ لِحُبّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، لكن حبّ المؤمن للمال يختلف عن حبّ غيره، فحبّ المؤمن للمال ليؤدّيَ حقَّ الله، ليؤدّي الزكاة المفروضة، وتجود نفسُه بالصدقات النافلة، وليساهم في طرق الخير ما وجد لذلك سبيلا. وحبُّ غير المؤمن للمال حبٌّ لجمعه وتكديسه والمفاخرة به والتعالي به على الخلق، أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55، 56].
هذا المالُ الذي بأيدي الناس هو مالُ الله، ملّكه عبادَه ابتلاءً وامتحانًا، وَءاتُوهُمْ مّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى ءاتَـٰكُمْ [النور:33]. فهو مالُ الله خلقا وإيجادًا، وهو مالُ البشر من حيث التصرّف في هذا المال، ولكنَّهم مسؤولون عن تصرّفهم في أموالهم، فليس لهم الحرّّية المطلقة أن يعملوا ما شاؤوا بدون ضابطٍ شرعي، وفي الصحيح: ((إنَّ رجالاً يتخوّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة)). فأموالنا عاريةٌ عندنا، ومالُنا الحقيقي ما قدَّمناه لآخرتنا، فليس لنا من أموالنا إلا ما لبسنا فأبلينا، أو أكلنا فأفنَينا، أو تصدَّقنا فأبقينا، وما سوى ذلك فنفارقه وندعه للوارث. ولهذا النبي سأل أصحابه: ((أيكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من ماله؟)) قالوا: كلنا ذلك، قال: ((مالك ما قدّمت، ومال وارثك ما أخّرت)). فمالك الحقيقيّ ما قدَّمته لآخرتك، وعملتَ فيه عملاً صالحًا لآخرتك، وما سوى ذلك فمالُ لغيرك، عليك التّعب في الجمع والتوفير، ولغيرك المصلحة في الانتفاع، وسبحان الحكيم العليم.
أيها المسلم، إنَّ الله جلَّ وعلا فرضَ الزكاةَ على الأغنياء حقًا لإخوانهم الفقراء، وجعل هذه الزكاةَ ركنًا من أركان الإسلام التي يقوم عليها الإسلام، فالإسلام بُني على خمسة أركان: شهادة أن لا إلا إله الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.
إذًا فالزكاةُ هي الركن الثالثُ من أركان الإسلام، من جحدها وأنكر وجوبَها فذاك مرتدٌّ عن الإسلام والعياذ بالله، ومن بخِل بها واستخفَّ بها وتساهل بها فقد عرّض نفسَه لعقاب الله في الدنيا والآخرة.
أيها المسلم، الزكاةُ أحدُ أركان الإسلام، لا يكمُل إسلامُك إلا إذا أدَّيتَ الزكاةَ إن كنتَ ممن يطالَب بأدائها، فلا بدَّ في صحّة إسلامك من أدائك لهذه الزكاة، يقول النبي لمعاذ لما وجَّهه لليمن: ((فإن هم أجابوك ـ أي: وحّدوا وأدوا الصلاة ـ فأخبِرهم أنَّ اللهَ افترضَ عليهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم وتردّ إلى فقرائهم)).
أيها المسلمون، فالزكاة أحدُ أركان الإسلام ومبانيه العظام، دلّ على وجوبها الكتابُ والسنة وإجماع المسلمين، جعلها الله قرينةَ التوحيد والصلاح، وقرنَها في آي كثيرة بالصلاة: وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيّمَةِ [البينة:5]، جعل المانعين لها من المشركين: وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ [فصلت:6، 7]، وقال: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [آل عمران:180]. يؤتى يوم القيامة بماله شجاعًا أقرع، فيطوَّقُه، ويأخذ بشدقيه ويقول: أنا كنزك، أنا مالك. وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35].
أيها المسلم، إنَّ الله حكيم عليم في أوامره ونواهيه، والمسلمُ يقبل أمرَ الله علِم السببَ أو لم يعلم، لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ [الأنبياء:23]، ولكن إذا بُيِّن له السببُ صار بيان سببِ الأمرِ وسيلةً لقوة الإيمان واليقين، وربنا جل وعلا لما أوجب الزكاةَ بيَّن حكمتَها في جزء من آية فقال: خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]. كم يتحدَّث الناس، وكم يكتب الكتاب، وكم يقول من قائلٍ [في] حكمة الزكاة، وإذا تأمَّلت الأمرَ وجدتَ مرجعَه إلى هذه الآية: خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا.
فبيَّن تعالى حكمتين: حُصول الطهارة والزكاة لهذا المال، وأنَّ هذا المالَ إذا أُدِّيت زكاته أثمر أمرين: طهرة وزكاة، الطهر هنا طهرٌ أولاً للأموال، فالأموال التي لا تؤدَّى زكاتُها أموالٌ مشتملة على الأوساخ والأدناس والأقذار، فالماء إذا وقعت فيه النجاسة، وقعت عذرة أو بول في ماء، لرأيت هذا الماءَ ماءً مستهجَنا قذرًا يجب أن يراق، إذًا هذا المال الباقي فيه زكاتُه باقيةٌ فيه أدناسُه وأوساخه، فالزكاة تطهِّر هذا المال، وتجعله نقيًا خالصًا صافيًا. وهي أيضًا تطهِّر قلبَ المزكي، تطهِّره من داء الشحِّ والبخل والجشع، فإن المالَ محبوبٌ للنفس، يقول جل وعلا: وَلاَ يَسْـئَلْكُمْ أَمْوٰلَكُمْ وإِن يَسْـئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَـٰنَكُمْ [محمد:36، 37]، وهي تزكِّي مالَه فيعود إخراجُها على المال بالبركة، وما نقص مال من صدقة، بل تزيدُه، بل تزيده. وهي تزكِّي نفسَه، فتجعله زكيَّ النفس مهذَّبَ الأخلاق والسلوك. وهي تطهِّر المجتمعَ من داء الجريمة، عندما يبذل الأغنياءُ زكاةَ أموالهم، ويواسوا إخوانَهم الفقراء، فهذه الزكاة نقلّصُ الجريمة، وتقلِّل السرقةَ والنهبَ والتطلع إلى أموال الآخرين. وهي تربِط بين طبقاتِ المجتمع، بين الأغنياء والفقراء، عندما يؤدِّي الأغنياء زكاةَ أموالهم والنفوسُ مجبولة على حبِّ من أحسن إليها، فتعود تلك الزكاةُ برابطة قويّة بين طبقات المجتمع المختلفة، وتلك من حكمة الله العظيمة. وهي إحسان ورحمةٌ وعطفٌ ومواساة، ففيها الخير الكثير، والله حكيم عليم.
أيها الإخوة، هذه الزكاةُ ليست ضريبةً على الأغنياء، ولا نهبًا لأموالهم، لا، ولكنها بركة لهم، وخير يعود عليهم في دنياهم وآخرتهم. إنَّ ربَّنا جل وعلا لم يوجب الزكاةَ للإجحاف بأموال الأغنياء، ولكنه جعلها جزءًا يسيرًا في أموالهم، والفضلُ فضله والخير خيرُه.
هذه الزكاة إنما تجب في كلِّ عام، وهذه الزكاة تجب في أموال خاصَّة شَرطَ كمال النصاب، ومُضيِّ الحول، وتمكّن المزكِّي بأن يتمَ ملكه كاملاً على هذا المال.
أوجبها ربُّنا في أصناف من المال، أوجبها في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار المُكالة المدَّخرة: وَءاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، وفي الحديث: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر، وفيما سُقي بالنضح نصف العشر))، فجعل العشرَ في الحبوب والثمار إن سقِيَت بلا كلفة، وجعل نصفَ العشر إن سُقيت بالمؤونة والمشقة، ولم يوجبها في الخضروات والفواكه؛ لأنها لا تكال ولا تدَّخر، بل هي أشياء موسميّة، إلا إذا رصد قيمتَها ومضى عليها الحول.
أوجبها في بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، إذا كانت سائمة ترعَى بنفسها فلا يقرَّب لها العلف ولا الماء، ولكن ترعى وتشرَب الماءَ من غير أن يقرَّب لها شيءٌ من ذلك الحولَ أو معظمه، هذه السائمة من الإبل والبقر والغنم، فالإبل أولُ أنصبائها خمسة وفيها شاة، إلى أن تبلغ خمسًا وعشرين فيجب فيها من الإبل، والغنم أربعون أولُ نصابها، والبقر ثلاثون, ولا تجب إلا إذا كانت سائمة، أما إن كانت عنده ماشيةٌ اتَّخذها للدَّر والنسل، ويُنفق عليها يقرِّب لها العلف والماء معظمَ الحول، وقد يبيع منها إذا احتاج، لكن ليست للتجارة ولكنها لمنفعته الخاصة، وقد يبيع منها أحيانًا، فتلك لا زكاة عليها لأنها ليست سائمة، ولم تعدَّ للتجارة.
أوجبها ربُّنا علينا في النقدين من الذهب والفضة، وهما أصول الأموال، ولهذا النبي يقول في الكتاب الذي كتبه: ((في الرقّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم))، والذهب أخبر أنه إذا بلغ عشرين دينارًا ففيها أيضًا ربع العشر؛ لأن نصابَه عشرون مثقالاً، ففيها ربع عشرها نصفُ دينار. هذا الذهب والفضة أوجب الله فيها الزكاة إذا بلغت النصاب، فنصاب الفضة مائتا درهم إسلامي، وهي ما تعادل بالعربي السعودي ستة وخمسين ريالاً عربيًا، أو قيمتها بالأوراق الموجودة، فيها ربعُ عشرها اثنان ونصف في المائة. والذهب إذا بلغ عشرين مثقالاً، وهي أحد عشر جنيها سعوديًا ونصف الجنيه، أي: ما يعادل اثنين وتسعين غرامًا، ففيها ربع عشرها اثنان ونصف في المائة. فيزكي المسلم النقدين اللذين عنده من ذهب من فضة من أوراق نقدية قائمةٍ مقامَ الذهب والفضة على اختلاف تلك العملات الموجودة عنده، سواء عملة حاضرة أو غيرها، ويزكيها فيخرج ربعَ عشر قيمتها على مضيِّ الحول، في المائة اثنان ونصف، في الألف خمس وعشرون، في المائة ألف ألفان وخمسمائة، فيزكي النقدَ الموجود، ويزكي المال الموجود في ذِمم الناس له، إذا كان من في ذمته المالُ مليًا قادرًا على التسديد، وكذلك من يمتهنون مهنةَ التقسيط في السيارات أو غيرها، هؤلاء يزكّون المالَ الموجود عندهم، ويزكون الأموال في ذمم الناس؛ لأنهم غالبًا موثِّقون لها برهونٍ وكفلاءَ غرماء، فيزكّون تلك الأموال الموجودة في ذمم الناس، فمن عندهم مالٌ في ذمم الناس نتيجة التقسيط في السيارات أو كانوا أربابَ عقار يبيعون ويشترون، فهؤلاء يزكّون ما بأيديهم وما في ذمم الناس لهم في أولئك الأملياء الموثَّقةِ عقودُهم بكفلاءَ ورهون ثابتة.
أيها المسلم، فزكِّ تلك الأموالَ وأدِّها كاملة، كذلك الذين عملُهم بيعُ الأسهم وشراء الأسهم، يشترون الأسهمَ إذا رأوها رخيصةً، وينتظرون بها ارتفاعَ سعرها فيبيعونها إن هي غلت، هؤلاء يزكون هذه الأسهم بقيمتها الحاضرة الشرائية يوم مضيِّ الحول، أما الأسهم الثابتة التي تؤخَذ غلَّتُها ولا يتعرّض لأصولها، فهذه الغلَّة إن مضى عليها سنة بعد قبضها زكَّيتَها وإلا فلا.
وأوجبها ربُّنا جل وعلا في عروض التجارات، قال جل وعلا: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ ٱلأرْضِ [البقرة:267]، ويقول سمرة رضي الله عنه: أمرنا رسول الله أن نخرج الزكاة مما نعدُّ للبيع. فيزكِّي صاحبُ التجارة عروضَه التجارية وسلعَه التجارية على اختلاف أصنافها وأنواعها، يقدِّر موجوداته ومستودعاتِه كلَّ سنة، فيزكِّيها بقيمتِها التي يبيع بها في الحال، سواء كان بيعَ جملة أو بيع أفراد، فصاحب التفريد يقوِّمها على قدر ما يبيعها، وصاحب الجملة يقدِّرها على قدر ما يبيع بها، فالجميع يزكّون أنواعَ السلع على اختلافها وتنوّعها، يقوَّم الجميع عند الحول، فيخرَج زكاتُه، وهي ربع عشر قيمتها، اثنان ونصف في المائة.
أيها المسلم، إياك والتساهلَ بأمر الزكاة، وإياك والتهاونَ بها، فإنك إن أغفلتَها في الدنيا فسوفَ تحاسَب عليها يومَ القيامة، فحاسِب نفسَك في الدنيا وقدِّم عملاً صالحًا يُرضي اللهَ عنك، وبادر بزكاة مالك طيبةً بها نفسُك، واعلم أنها مغنمٌ لا مغرم، وأنها ربحٌ وليست بخسارة.
أيها المسلم، يتساءل البعضُ [ممن] يكون له في ذمة بعض الناس دين، ويرى أن هذا صاحبَ الدين يعجز عن الوفاء، هل يُسقطه ويعتبره من الزكاة؟ نقول: لا، لا تعتبره من الزكاة؛ لأنَّك لم تملِكه الآن وهو غائب منك، والله يقول: خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، فالصدقة فيها أخذٌ وعطاء، وهذا المال في ذمة الفقير ليس كذلك، ولكن إن تبرَّعتَ به له من باب الصدقة العامة فالله يقول: وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280].
فاتقوا ربكم ـ يا عباد الله ـ في زكاة أموالكم، وأحصوها قبل أن تُحصى عليكم، واحرصوا على أن تُوصلوها لمستحقِّيها، فهي أمانةٌ عندكم، أمانة الإخراج وأمانة إيصالها لمن هو أهل لها، نسأل الله العون والتوفيق على كل خير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
|