أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة المؤمنون، اجتماع الكلمة ووحدة الصف من الأمور المهمة التي حث عليها الدين، وأمرت بها الأدلة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه ، يقول تبارك وتعالى آمرا عباده المسلمين: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].
هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، قبيلتان من القبائل التي أسلمت في عهد النبي ، وكان بينهم حروب طاحنة، لما اسلموا صاروا كما قال الله تعالى: بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا. حاول يهودي ـ كعادة اليهود ـ أن يفرق بينهم، لما رآهم متفقين متآلفين ساءه ذلك، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم بما كان بينهم من حروب، وهذا شأن اليهود، يحاولون دائما التفريق بين المسلمين، ويعملون جاهدين على تمزيق وحدتهم. فانظروا ماذا فعل هذا الخبيث، أرسل رجلا ـ واليوم اليهود قد يفعلون ذلك، يفعلونه من خلال قنواتهم، أو من خلال وسائل إعلامهم، أو حتى عن طريق أذنابهم من بني جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا، الذين يلجؤون إليهم ويتلقونهم بالأحضان، ليستعملوهم من أجل تفريق المسلمين ـ فأثر ذلك الخبيث حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، فثاروا وحملوا السلاح، وتواعدوا الحرة، فعلم النبي ، فأخذ يسكنهم ويقول: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!)) وتلا عليهم الآية، فندموا واصطلحوا وتعانقوا رضي الله عنهم وأرضاهم.
أيها الإخوة المؤمنون، وأما اجتماع الكلمة في السنة ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة أنه قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويسخط لكم ثلاثا. يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويسخط لكم ثلاثا قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).
فاجتماع الكلمة ـ أيها الإخوة ـ من الأمور المهمة التي يجب وينبغي أن تكون بين المسلمين، ولهذا حرم الله عز وجل كل أمر من شأنه التفريق.
الله عز وجل ـ أيها الإخوة ـ يحب أن يكون المسلمون إخوة ليس بينهم فرقة، يحب جل جلاله أن يكون المؤمنون على مستوى من المحبة وعلى درجة عالية من الألفة والترابط، ولهذا يقول جل جلاله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10]، ويقول النبي : ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) متفق عليه.
أيها الإخوة المؤمنون، ولكي ندرك اهتمام الدين بوحدة الكلمة والحرص على عدم الفرقة والتحذير من الاختلاف نتأمل هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحنا، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)). فمغفرة الله عز وجل للعبد السالم من الشرك لا تكون إلا لمن اصطلح مع إخوانه، وقضى على ما بينه وبينهم من شحناء وبغضاء.
فلنتق الله يا عباد الله، ولنحذر الفرقة، ولنعمل على توحيد الكلمة ووحدة الصف؛ لأن التفرق يشل حركة المجتمع ويوهن البناء ويضعف الشوكة. ولنحذر ـ أيها الإخوة ـ الأهواء، ولنحرص على الحب والإخاء؛ لأن اتباع الأهواء يفرق، والحب والإخاء يجمع.
أسأل الله لي ولكم علما نافعا وعملا خالصا وسلامة دائمة، إنه سميع مجيب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. |