أما بعد: عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أن إيتاء الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (ثلاث مقرونة بثلاث، لا تقبل واحدة منهن إلا بالأخرى: لا تقبل طاعة الله إلا بطاعة رسوله، ولا تقبل الصلاة إلا بأداء الزكاة، ولا يقبل الله شكره إلا بشكر الوالدين).
وإن الزكاة دعامة أساسية من دعائم الإسلام العظيمة، وهي العبادة المالية الاجتماعية الهامة في المجتمع الإسلامي، ولذا فقد قرنها الله سبحانه وتعالى بالصلاة في عشرات المواضع، وذكرها أحيانًا بلفظ الزكاة، وأحيانًا أخرى بلفظ الصدقة، وأحيانًا بلفظ الإنفاق.
ولأهمية الزكاة في الحياة الاجتماعية فرضها الله تعالى على جميع أصحاب الشرائع السماوية، فذكرها الله في وصاياه إلى رسله، وفي وصايا رسله إلى أممهم، فيقول تبارك وتعالى عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلوٰة وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانُواْ لَنَا عَـٰبِدِينَ [الأنبياء:73]، وامتدح بها إسماعيل بقوله: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَوٰةِ وَٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيًّا [مريم:55].
وذكرها جل ذكره في مواثيقه لبني إسرائيل: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ [البقرة:83]، ويقول على لسان المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في مهده: وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم:31].
وكما ذكرنا فهي ركن من أركان الإسلام، وعنوان على الدخول في الإسلام واستحقاق أخوَّة المسلمين كما قال تعالى: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ [التوبة:11]، كما أنها صفة عباد الله المتقين كما قال جل وعلا: ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3].
واعلموا أن الزكاة فريضة لازمة يكفر من جحدها، ويفسق من منعها، ويقاتل من تحدّى جماعة المسلمين بتركها، وحسبنا أن الخليفة الأول أبا بكر رضي الله عنه جهز أحد عشر لواء لمقاتلة قوم امتنعوا عن أداء الزكاة وقال كلمته المشهورة: (والله، لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة. والله، لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)[1].
والزكاة ـ عباد الله ـ ليست تبرّعًا يتفضل به غني على فقير أو كبير على صغير، وإنما هي حق في أموال الأغنياء، لا بد أن يدفع لأصحابه المستحقين على وجه الإلزام.
ومن أجل هذا حدّد الإسلام الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومتى تجب الزكاة على المال، والمقدار الذي يجب إخراجه على كل منها. فهناك مال يجب فيه العشر كالزروع التي يخرجها الله من الأرض بغير جهد يذكر من الإنسان، فإن كانت تسقى بالآلات كان فيها نصف العشر، وهذه الزكاة تجب في كل زرع.
وهناك مال يجب فيه ربع العشر: 2.5 بالمائة، كالنقدين الذهب والفضة, وهذه الزكاة تجب في المال كلما حال عليه الحول، وهناك مال يتمثل في الحيوانات مثل الإبل والبقر والغنم، وقد وضع لها الإسلام نظامًا خاصًا منضبطًا.
فاتقوا الله عباد الله، وسارعوا لأداء هذه الفريضة طيّبة بها نفوسكم، لتفوزوا برضا ربكم الذي قال في محكم كتابه: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَمَا تُقَدّمُواْ لانْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ [البقرة:110]، وقال نبيكم عليه الصلاة والسلام: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه))[2].
وإياكم ـ إخوة الإسلام ـ من ترك الزكاة؛ فإن تركها مصيبة كبرى وعواقبها وخيمة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لانفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]، وحذار من التهاون بها أو التسويف في إخراجها، فإن ذلك قد يكون السبب في إتلاف المال كله، كما ورد عن بعض أهل العلم أنه ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة.
واسمعوا إلى الوعيد حيث يقول الرسول : ((من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته مثّل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع[3] له زبيبتان[4] يطوّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك))، ثم تلا: وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [آل عمران:180][5].
وفقنا الله لأداء الزكاة طيبة بها نفوسنا، وأعاذنا الله من الشح والبخل امتثالاً لما ورد في السنة والكتاب.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|