أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، فإن تقوى الله خير لباس، وتزودوا ليوم يجمع فيه الناس فريقان: فريق في الجنة وفريق في السعير، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ [الحشر:18-20].
أيها المسلمون، تكلمنا في الجمعة الماضية عن تاريخ الشيعة والمراحل التي مرّ بها التشيع عبر التاريخ وأهم فرق الشيعة المعاصرة، وذكرنا أن أكبر طائفة شيعية اليوم هي الشيعة الإمامية، وتسمى أيضا بالاثنا عشرية أو الرافضة أو الجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق.
نشأت هذه الطائفة في العراق وإيران، ولهم وجود في الشام ولبنان وباكستان وغرب أفغانستان والأحساء والمدينة المنورة، ومن أهم عقائدهم ما يلي:
الإمامة: يرون أن إمامة الاثني عشر ركن الإسلام الأعظم، وهي عندهم منصب إلهي كالنبوة، فالإمام عندهم يوحى إليه، ويؤيد بالمعجزات، وهو معصوم عصمة مطلقة، وأئمة الرافضة الاثنا عشر وهم: علي بن أبي طالب الذي يلقبونه بالمرتضى، والحسن بن علي ويلقبونه بالمجتبى، والحسين بن علي ويلقبونه بالشهيد، وعلي زين العابدين بن الحسين ويلقبونه بالسَّجَّاد، ومحمد الباقر بن علي زين العابدين ويلقبونه بالباقر، وجعفر الصادق بن محمد الباقر ويلقبونه بالصادق، وموسى الكاظم بن جعفر الصادق ويلقبونه بالكاظم، وعلي الرضا بن موسى الكاظم ويلقبونه بالرضا، ومحمد الجواد بن علي الرضا ويلقبونه بالتقي، وعلي الهادي بن محمد الجواد ويلقبونه بالنقي، والحسن العسكري بن علي عبد الهادي ويلقبونه بالزكي، ومحمد المهدي بن الحسن العسكري ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر، ويزعمون بأنه قد دخل سردابًا في دار أبيه بسامراء ولم يعد، وقد اختلفوا في سِنّه وقت اختفائه فقيل: أربع سنوات، وقيل: ثماني سنوات، ويطلقون عليه لقب المعدوم أو الموهوم أو الغائب أو المنتظر أو الخائف، غير أن معظم الباحثين يذهبون إلى أنه غير موجود أصلاً، وأنه من اختراعات الشيعة.
أيها الإخوة الكرام، يروي الشيعة في أئمتهم أحاديث كثيرة كلّها تتراوح بين البطلان والضعف، كروايتهم لحديث: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها))، وهذا الحديث باطل، ذكره ابن الجوزي في كتابه الموضوعات، واستقصى جميع طرقه، وبيّن أنها باطلة، كما ذكره ابن طاهر المقدسي في كتابه تذكرة الموضوعات والسيوطي في كتابه اللآلئ المصنوعة والشوكاني في كتابه الفوئد الموضوعة، وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا حديث ضعيف بل موضوع عند أهل المعرفة بالحديث".
أو كروايتهم لحديث: ((أنت ـ يا علي ـ تبيّن لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي))، وهو أيضا حديث باطل، قال النسائي والجوزجاني والأزدي والدارقطني وابن حجر: "ضعيف"، وأخرجه ابن الجوزي في كتابه الموضوعات وقال: "هذا الحديث لا يصح". أما ما يحتجون به من أحاديث صحيحة فيحملونها على غير معانيها.
أيها الإخوة الأفاضل، وينسب الشيعة إلى أئمتهم ما لا يتصوّره العقل فضلا عن الدين، وقد غلوا فيهم غلوا وصل بهم إلى حد تأليههم، جاء في الأنوار النعمانية (1/31) ـ وهو من الكتب المعتمدة عند الشيعة ـ عن علي بن أبي طالب أنه قال: (والله، لقد كنت مع إبراهيم في النار، وأنا الذي جعلتها بردا وسلاما، وكنت مع نوح في السفينة، وأنجيته من الغرق، وكنت مع موسى فعلمته التوراة، وكنت مع عيسى فأنطقته في المهد وعلمته الإنجيل، وكنت مع يوسف في الجبّ فأنجيته من كيد إخوته، وكنت مع سليمان على البساط وسخرت له الريح)، وذكر النوبختي في كتابه فرق الشيعة الكثير من هذه الفرق التي تدعي الألوهية في عليّ وأهل بيته فقال: "فهذه فرق الكيسانية والعباسية والحارثية ومنهم كان بدء الغلو في القول، حتى قالوا: إن الأئمة آلهة، وأنهم أنبياء، وأنهم رسل، وأنهم ملائكة، وهم الذين تكلموا في تناسخ الأرواح، أما فرقة الراوندية فقالت: الإمام عالم بكل شيء وهو الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وليس هذا فقط، بل وسرت هذه العدوى إلى تأليه أولاد عليّ أيضًا".
أيها الإخوة الكرام، ومن المعاصرين من الشيعة اليوم من أطنب في ذكر مناقب أئمتهم الاثني عشر، حتى جعلوا جاحد الأئمة كافرا، قال ابن بابويه القمي شيخ المحدثين عندهم: "إن منكر الإمام الغائب أشدّ كفرًا من إبليس"، ويقول أيضا: "من نفى العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر"، وأفرد صاحب كتاب أصول الكافي بابا في كتابه بعنوان: "إن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بُسُطَهُم وتأتيهم بالأخبار عليهم السلام"، ثم ساق روايات لا يقبلها العقل فضلا عن الدين، وفي بصائر الدرجات لأبي جعفر محمد الصفّار باب في أنهم يخاطبون ويسمعون الصوت ويأتيهم صور أعظم من جبريل وميكائل، ثم يذكر الكليني عدّة أبواب في بيان منزلة الأئمة عندهم، وأذكر لكم الأبواب فقط لأن ما في هذه الأبواب يثير ضحك الثكلى، فمنها: باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم، ومنها: باب أنَّ الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم، ومنها: باب أنّ الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء، ومنها: باب في الأئمة عليهم السلام عندهم الصحيفة التي فيها أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار، وروى عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله يقول: يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه، وعنه أيضًا: للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه، ومنهم من روى عن أئمتهم أنهم قالوا: من زار الحسين بن علي عارفا لحقِّه كان كمحدِّث الله فوق عرشه، وفي حديث آخر: كان كمن زار الله في عرشه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
|