أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب ما نهاكم عنه لعلكم ترحمون وتفلحون.
عباد الله، إن حديثنا في هذه الخطبة سيكون عن موضوع شغل بال الإنسانية قبل الإسلام وبعده، وقد جاء الإسلام بما ميزه الله عن سائر الأديان، ففصل فيه ووضع له الحل الكافي والدواء الشافي، ألا وهو موضوع المرأة؛ لأن أهل الشر اتخذوا من هذا الموضوع منطلقًا للتضليل والخداع عند من لا يعرف وضع المرأة في الجاهلية ومكانتها في الإسلام ووضعها عند الأمم الكفرية المعاصرة.
فقد كانت المرأة في الجاهلية تعد من سقط المتاع، لا يقام لها وزن، حتى بلغ من شدة بغضهم لها آنذاك أن أحدهم حينما تولد له البنت يستاء منها جدًّا ويكرهها، ولا يستطيع مقابلة الرجال من الخجل الذي يشعر به، ثم يبقى بين أمرين: إما أن يترك هذه البنت تعيش مهانة، ويصبر هو على كراهيتها وتنقص الناس له بسببها، وإما أن يقتلها شر قتلة، بأن يدفنها وهي حية ويتركها تحت التراب حتى تموت، وقد ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُون [النحل:58، 59]. وأخبر سبحانه أنه سينصف هذه المظلومة ممن ظلمها وقتلها بغير حق، فقال تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8، 9].
وكانوا في الجاهلية إذا لم يقتلوا البنت في صغرها يهينونها في كبرها، فكانوا لا يورّثونها من قريبها إذا مات، بل كانوا يعدونها من جملة المتاع الذي يورث عن الميت، فلهم الحق فيها، فنزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا [النساء:19].
وكان الرجل في الجاهلية يتزوج العدد الكثير من النساء من غير حصر بعدد، ويسيء عشرتهن، فلما جاء الإسلام حرم الجمع بين أكثر من أربع نساء، واشترط لجواز ذلك تحقق العدل بينهن في الحقوق الزوجية، قال تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ الآية [النساء:3].
نعم أيها الإخوة في الله، لقد جاء الإسلام والمرأة على هذا الوضع السيئ فأنقذها منه، وكرمها وضمن لها حقوقها، وجعلها مساوية للرجل في كثير من الواجبات الدينية وترك المحرمات وفي الثواب والعقاب على ذلك، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
ولقد فضل الله الرجل على المرأة ـ أيها المسلمون ـ في مقامات معينة، ولأسباب تقتضي تفضيله عليها، كما في الميراث، فتأخذ المرأة نصف ما يأخذ الرجل، وشهادة الرجل بامرأتين، والدية والقوامة والطلاق؛ لأن الرجل عنده من الاستعداد الخَلْقي والخُلُقي ما ليس عند المرأة، وعليه من المسؤولية في الحياة ما ليس على المرأة، كما قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، وقوله: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
جعل الله للمرأة حقًّا في الميراث: وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7]. جعل الله لها حق التملك والتصدق والإعتاق كما للرجل، قال تعالى: وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ [الأحزاب:35]. جُعِل لها حقٌ في اختيار الزوج، فلا تُزوّج بدون رضاها.
معاشر المسلمين، إن المرأة صانها الله بالإسلام من التبذل، كف عنها الأيدي الآثمة والأعين الخائنة التي تريد الاعتداء على عفافها والتمتع بها على غير وجه شرعي، وهكذا عاشت المرأة تحت ظل الإسلام وكرامته أمًّا وزوجة وقريبة وأختًا في الدين، تؤدّي وظيفتها في الحياة ربة بيت وأسرة، وتزاول خارج البيت ما يليق بها من الأعمال إذا دعت الحاجة إلى ذلك مع الاحتشام والاحتفاظ بكرامتها، ومع التزام الحجاب الكامل الضافي على جسمها ووجهها، وتحت رقابة وليها، فلا تخلو مع رجل لا يحل لها إلا ومعها محرمها، ولا تسافر إلا مع محرم.
هكذا ينبغي أن تكون المرأة في ظل الإسلام دين الرحمة والكمال والنزاهة والعدل، وقد أوصى بها النبي وصية خاصة في حجة الوداع فقال: ((واتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان)) أي: أسيرات، هذا وصف تقريبي للمرأة في الإسلام.
أما وصفها في المجتمعات المعاصرة الكافرة أو من تتسمى بالإسلام ولكن قد استوردت نظمها وتقاليدها من الكفار، إن وضعها اليوم مزري ومخجل وفاضح، فقد جعلت المرأة فيها سلعة رخيصة، تعرض عارية أو شبه عارية أمام الرجال في مواطن تجمعهم، على خادمات في البيوت أو موظفات في المكاتب والمؤسسات والشركات أو ممرضات في المستشفيات أو خادمات في الطائرات أو خادمات في الفنادق ومدرسات للرجال في دور التعليم وممثلات الأفلام التلفزيونية والسينمائية والفيديو، والآن صار العرض أغرى وأفضح، فالمرأة تظهر عارية تمامًا من خلال طبق الدش الخبيث، والذين عصمهم الله من التلفاز أو الأجهزة المرئية فإنهم بذلوها في وسائل أخرى بصوتها في المذياع مذيعة أو مغنية، وبصورتها الفوتوغرافية في الصحف والمجلات الدورية أو على أغلفة السلع التجارية، بل وللدعاية للشاحنات أو الحراثات الزراعية، فتجدهم يختارون أجمل فتاة يجدونها ويضعون صورتها على هذه الصحف والمجلات والسلع والدعاية؛ ليتخذوا منها وسيلة لترويج بضاعتهم، وليقرّوا أهل الفساد الخلقي بفسادهم ليفتنوا الأبرياء، هكذا أصبحت المرأة في عصرنا الحضاري، أقصد عصرنا الحضاري الجاهلي المتخلف بهذه الأفكار، يا لرخص المرأة ـ يا عباد الله ـ في المجتمع المتحضر! ويا لتبذلها بين الرجال دون حياء منها لأنها ألفت ذلك ورضيت به!
كانت قبل الإسلام مستعبدة، وهي اليوم طليقة من كل قيد، أما الإسلام الذي جعلها في حالة متوسطة لها حقوقها في حدود، ولها معالم تنتهي إليها ثم تعود، فلا يرغب فيه هؤلاء الناعقون، لقد ظلموها فخلعوا عنها لباس الستر، تركوها عارية مظهرة لمفاتن جسدها، تنفذها سهام الأنظار المسمومة من كل جانب، كانت في بيتها ترعى زوجها وأبناءها، فأخرجوها باسم الحرية والتقدمية والحضارة، فقذفوها في بحار الاختلاط العفن، حرموا عليها ما أحل الله كالميراث وغيره، وأحلوا لها ما حرم الله من التبرج والتبذل والفسوق والعصيان.
هذا هو فعل أعداء الدين وأعداء المسلمين في حق المرأة المسلمة العفيفة بدينها وخلقها، وإنك لتعجب ـ أخي المسلم ـ حين تعلم أن من بين المسلمين أبواقًا تنادي بمقالات وادعاءات الحرية للمرأة من العلمانيين أذناب الكفرة واليهود، يرددون أقوالهم، كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة:118].
أيها المسلمون، تنبهوا ـ رحمكم الله ـ لدسائس أعدائكم ومخططاتهم، متخذين المرأة سلاحًا ضدكم يشهره في وجوهكم بعض المخدوعين من أبنائكم، فسُدوا عليهم الطريق، واعرفوا من أين جاءت سمومهم، فامنعوا المجلات التي تحطم بيوتكم وتفسد نساءكم، فإن الخطر كل الخطر منها ومن غيرها من وسائل الإعلام الهدامة.
|