.

اليوم م الموافق ‏26/‏ذو الحجة/‏1445هـ

 
 

 

خطورة الفتوى والقول على الله بلا علم

4260

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

آفات اللسان, العلم الشرعي

عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

الرياض

27/7/1420

جامع الإمام تركي بن عبد الله

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- التحليل والتحريم حقّ لله تعالى وحده. 2- ذمّ من حلّل وحرّم بمجرّد الرأي. 3- أثر الإيمان بهذا الأصل العظيم في حياة المؤمن. 4- ذمّ استحلال ما حرّم الله تعالى بالحيل أو بدعوى مواكبة العصر. 5- تسليم الصحابة رضي الله عنهم لشرع الله.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله، في الصحيح أنَّ رجلاً أتى النبيَّ فقال: يا رسولَ الله، أرأيت إن أدَّيتُ الصلواتِ المكتوبة وصمتُ رمضان وأحللت الحلال وحرّمت الحرام أدخل الجنة؟ قال: ((نعم))[1]. قال العلماء: معنى أحللتُ الحلال فعلته معتقدًا حِلَّه، وتركت الحرام معتقدًا تحريمه.

أيّها المسلمون، إنّ المؤمنَ حقًّا يدين لله باتباع شرعه، ويعلم أنّ التحليل والتحريم حكم شرعيّ، يُتَلقّى من ربّ العالمين ومن نبيّه الكريم صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين، ولا حقَّ لأحدٍ أن يحكمَ على أيّ أمر بأنه حرام وبأنّه حلال إلا وهو مستنِد لدليل شرعيّ، يعلم أنّ الله حرّم هذا ولم يحرّم هذا، وأمّا الحكم على الأشياء بمجرّد الظن والتخرُّص فذاك أمر لا يحلّ للمسلم، وقد أنكر الله على من أحلّوا وحرّموا بتلقاء أنفسهم، قال تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116، 117]، فنهى اللهَ الأمّة أن يقولوا بما تصف ألسنتهم الأشياءَ بأنّها حلال وحرامٌ بلا برهَان ولا حجّة. وقال جل جلاله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مّن رّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ ءاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ [يونس:59]، نعم، إنّ من حلّل وحرّم بمجرّد رأيه وتخرّصه مفترٍ على الله الكذب. وقد نهى الله عباده المؤمن أن يحرِّموا طيّبات ما أحلّ لهم، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ [المائدة:87]، أي: لا تعتدوا في تناوُل المباح، وقال جلّ جلاله: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كَذَلِكَ نُفَصِلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف:32]، وقد عاتب الله نبيَّه محمّدًا عندما حرّم على نفسه إما شرب العسَل أو سرّيته مارية لما تظاهر عليه زوجاتُه، أراد أن يرضيهنّ بذلك، فقال الله له معاتبًا: يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوٰجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التحريم:1]. وقد ذمّ الله من تلقَّوا التحليل والتحريمَ من آراء الناس وتخرُّصاتهم، قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ [الشورى:21].

أيّها المسلم، إنّ المؤمنَ يعتقد تحريمَ ما حرّم الله، فما حرّم الله عليه من الفواحش فهو يعتقد تحريمَها، ويؤمن بذلك إيمانًا جازمًا، يعتقد أنّ ما حرّم الله فهو الحرام إلى يوم القيامة، لا يمكن أن يبدَّل وأن يُغيَّر، بل هو حرام إلى قيام الساعة كما حرمه الله وحرمه رسوله، يعتقد تحريمَ ذلك اعتقادًا جازمًا حتى لو زلَّت القدمُ والعياذ بالله فإنّه مع هذا يعتقد تحريمَ ما حرم الله.

والمسلمون مجمِعون على أنّ من أحلّ محرّمًا عُلم تحريمُه من دين الإسلام بالضرورة أنّ هذا المعتقِد بعد بلوغه الدليل الشرعيّ أنّ تلك ردّةٌ عن الإسلام؛ لأنها تكذيبٌ لله ورسوله وردٌّ على الله ورسوله، قال جل وعلا: قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ الآية [التوبة:29]، وأنكر على المشركين الذي كانوا يستعملونه فيستبيحون بعضَ أشهر الحُرُم ويأخّرونها إلى [ما] بعدها: إِنَّمَا ٱلنَّسِىء زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيّنَ لَهُمْ سُوء أَعْمَـٰلِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَـٰفِرِينَ [التوبة:37].

وذمّ الله مَن انخدَعوا بما يقوله عابدٌ أو عالم بغير هدًى، قال تعالى: ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ [التوبة:31]، قال عدي بن حاتم: يا رسول الله، ليسوا يعبدونهم!! قال: ((أليس يحِلّون لهم الحرام فيطيعونهم ويحرّمون عليهم الحلالَ فيطيعونهم؟ فتلك عبادتهم لهم))[2].

أيّها المسلم، إنّ التحريم والتحليلَ أمر شرعيّ، قال تعالى عن نبيّه : وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـئِثَ [الأعراف:157]، فالتحليل والتحريمُ إلى الله وإلى رسوله ، ليس لآراء النّاس وأهوائهم واختراعاتِهم.

أيّها المسلم، إنّ المؤمنَ يقرأ كتابَ الله، ويرى فيه آياتٍ فيها احترام أموالِ الناس ودمائهم وأعراضهم، فيعتقِد حرمةَ مال المسلم وحرمَة دَم المسلم وحرمةَ عِرض المسلم اعتقادًا جازمًا، يسمع الله يقول: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فهو يعتقد حرمةَ دم المسلم وحرمةَ دم المعاهد والمستأمن.

يتلو آياتِ الرّبا: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ  فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:278، 279]، وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرّبَوٰاْ [البقرة:275]، يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرّبَا أَضْعَـٰفًا مُّضَـٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:130-132].

ما موقف المسلم؟ موقفُه طاعة الله وطاعة رسولِه واعتقاد أنَّ الرّبا حرامٌ كما حرّمه الله ورسوله، ولا يزال حرامًا إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها وهو خير الوارثين. يعتقد ذلك اعتقادًا جازمًا لا شك فيه، ومن شكّ في تحريم الرّبا أو ارتاب فيه أو اعتقد أن الزمنَ الحاضر يلغي ما حرّم الله ويعطّل ما حرّم الله ويبيح ما حرّم الله فذاك مرتدٌّ عن الإسلام خارِج من ملّة محمّد .

يقرأ المسلم آيةَ الخمر والميسر في تحريم الخمر والميسر: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأنصَابُ وَٱلأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90] فيعتقد حرمةَ الخمر وحرمَة القمارِ اعتقادًا جازمًا، ولو شكّ إنسان في تحريمه بعدَ بلوغ الحجّة فذاك مُرتدّ عن الإسلام والعياذ بالله.

الزاني يقرأ: ٱلزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ [النور:3]، فيعتقد حرمةَ الزنا كما حرّم الله اعتقادًا لا شكّ فيه، وهكذا يعتقِد حرمَةَ السّحر والشّعوذة وحرمة أموال الناس وحرمة التعدّي عليهم. يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ [النساء:29]، فيعتقد حرمةَ غِشّ المسلمين. إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، فيعتقد تحريمَ ذلك. يعتقد حرمةَ اغتياب المسلمين لأنّ الله يقول: وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا [الحجرات:12]، وكلّ أمرٍ حرّمه الله ورسوله فالمسلم معتقِد ذلك اعتقادًا جازمًا، يدين لله بأنّ هذا حرام كما حرّم الله، وهذا حلال كما أحلّ الله، هذا اعتقادُ المسلم الذي رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمّد نبيًّا رسولاً.

أمّة الإسلام، للأسف الشديد أنّ بعضَ من ينتسب إلى الإسلام ـ وقد يُنسَب إلى العلم أحيانًا ـ تساهلوا في أمور المحرّمات وتجرّؤوا على الله، فأحلّوا ما حرّم الله، واحتالوا على الحرام بأمورٍ كثيرة، احتالوا على تحليلِ الحرام وتعطيلِ الحرام بأمور عِدّة وأساليبَ مختلفة، كلّ ذلك حِيَلٌ لتحليل ما حرّم الله.

وقد ذمّ محمّد من احتال على تحليل محرّمات لمّا قال: ((إنّ الله حرّم بيعَ الميتة والخمر والخنزير والأصنام))، قالوا: يا رسول الله، أرأيتَ شحومَ الميتة يطلَى بها السّفن ويستصبِح بها الناس؟ قال: ((هي حرام))، ثم قال: ((قاتل الله اليهود، إنّ الله لما حرّم عليهم الشحومَ أذابوه [وباعوه] فأكلوا ثمنه))[3].

إذًا أيّها المسلم، أولئك الذين يجرؤون على تحليل محرّمات وترويج تحليلها بدعوَى التّيسير على الناس أحيانًا، ودعوى سماحةِ الشريعة كما يزعمون، سماحةٌ للشريعة عطّلوا بها الواجبات، واستحلّوا بها المحرّمات، وعمدوا إلى آراء مهجورة وأقوالٍ شاذّة، قد يعذَر فيها قائلها لجهلِه بالدليل أو عدم بلوغ الحجة، ولكن لا يعذَر بها مَن عنده عِلم ومعرفة واطّلع على كتابِ الله وسنّة رسوله .

البعضُ من أولئك يقولون: هذا القرنُ العشرين، أو نحن على بوادئ القرنِ الحادي والعشرين، فلماذا نلتزم بحرامٍ وحلال؟ ولماذا نلتزم بشرع ودين؟ تلك ـ كما يقولون ـ تراث سابق مضى وانقضى، ويجب أن نسعَى ونتقدّم، فنحلّل ونحرّم بآرائنا وأهوائنا، وأن لا نتقيّد بشرعٍ ولا دين. تلك مقالةٌ ضالّة، لو يَتَصوَّر قائلها ماذا جنى على نفسه ودينه لتصوّر هذا الأمر.

إنّ شرعَ الله كما صلح به قومُ محمّد فهو الذي تصلح به القرونُ المتتابعة، ولن يصلح آخرَ هذه الأمّة إلا ما أصلح أوَّلَها، فصلاحنا واستقامةُ حالنا إنّما هو بما صلح به أوائلُنا من لدُن محمّد وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان، إيمانًا جازِمًا بأنّ اللهَ حكيم عليم فيما أباح وفيما حرّم، وأنّ هذا شرعُه الذي بعث به محمّدًا ، ولن يقبل من أحدٍ دينا إلا إذا كان متمسّكًا بهذه الشريعة، عاملاً بها، منفِّذًا لأوامرها، مبتعدًا عن نواهيها، معتقدًا الاعتقادَ الجازم أنّ شرعَ الله هو الصّالح والمصلح، وهو الهادي لكلّ خير، ومن حاد عنه وغيّر وبدّل فإنّما جنى على نفسه.

نسأل الله لنا ولكم الثباتَ على الحقّ والاستقامة على الهدى، وأن يجعلنا ممّن عمل بالقرآن فأحلّ حلاله وحرّم حرامه وعمل بمحكمه وآمن بمتشابهه وتلاه حقَّ تلاوته. اللهمّ اجعلنا ممّن يحلّ حلاله ويحرمّ حرامه ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه. اللهمّ اجعلنا ممّن يقيم حدودَه، ولا تجعلنا ممّن يقيم حروفَه ويضيِّع حدودَه. اللهمّ ثبّتنا على القرآن، وأمِتنا على العمَل به واتّباعه، إنّك على كلّ شيء قدير، ولا تزِغ قلوبَنا بعد إذ هدَيتنا، وهَب لنا من لدُنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب.

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.



[1] أخرجه مسلم في الإيمان (15) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

[2] أخرجه الترمذي في التفسير (3095)، وابن جرير في جامع البيان (10/114)، والبيهقي في الكبرى (10/116) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، وفي بعض نسخ الترمذي قال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث"، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2471). تنبيه: عزا ابن كثير في تفسيره (1/378، 2/349) هذا الحديث إلى مسند أحمد، ولم أجده فيه، وإنما فيه قصة إسلامه بين يدي النبي ، فالله أعلم.

[3] أخرجه البخاري في البيوع (2224)، ومسلم في المساقاة (1583) عن أبي هريرة نحوه. وفي الباب عن عمر وجابر وابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

إنّ الإيمان الصادقَ يدعو المسلمَ إلى التزام شرع الله، واعتقادِ حلّ ما أحلّ الله وتحريم ما حرّم الله، يعتقد ذلك بقلبه، فيعمَل بجوارحه على نحو هذا، هذا اعتقادُ المسلم الذي رضيَ بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمّد نبيًّا رسولا.

أنزل الله على نبيّه آيةً في البقرة: وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ [البقرة:284]، فأتى الصحابة رسولَ الله وجثَوا على الرّكَب، وقالوا: يا رسول الله، كُلّفنا مِن العمل ما نطيق؛ الصلاة والزكاة والصيام، ولكن آية في كتابِ الله لا نستطيع ذلك: وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ [البقرة:284]، إن حوسِبنا على ما في أنفسِنا هلكنا، فقال: ((أفتريدون أن تقولوا: سمعنا وعصينا؟! قولوا: سمِعنا وأطعنا غُفرانك ربَّنا وإليك المصير))، فلما اقترأها القوم وذلّت بها ألسنتهم نسخها الله بقوله: لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ [البقرة:286][1]، فعفَا الله عنهم عن أحاديث النّفس، وجعل الحسابَ والثواب على ما أظهَروا من العمل.

فلننقدْ بشرع الله، ولنؤمِن بذلك إيمانًا جازمًا.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على محمّد امتثالاً لأمر ربكم إذ يقول: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...


[1] أخرجه مسلم في الإيمان (125) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً