قال الله تعالى: ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188]، وقال : ((إنّ دِماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ)).
لا ترغبـنْ في كثيرِ المـالِ تكنـزهُ من الحرامِ فلا ينمى وإِن كَثُرا
واطلبْ حـلالاً وإِن قلَّتْ فواضلهُ إِن الحلالَ زكيٌ حيثما ذُكِرا
جاء رجلٌ إلى رسول اللّه فقال: يا رسول اللّه، إنْ جاء رجلٌ يريد أخْذ مالي؟ قال: ((فلا تعْطه مالك)), قال: أرأيْت إنْ قاتلني؟ قال: ((قاتلْه)), قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: ((فأنْت شهيد)), قال: أرأيت إن قتلْته؟ قال: ((فهو في النّار)). وقال : ((لعنْ اللّه الرّاشي والْمرْتشي))، إذا أخذ الموظف هديّةً فوق مرتّبه ولا يُتِمّ لك عملاً إلا بمقابل فوق مرتّبه فقد أكل السّحْت.
رأيتُ حَلالَ المالِ خيرَ مغَبةٍ وأجدرَ أن يبقى على الحدَثَانِ
وإِياكَ والمـالَ الحرامَ فإِنه وبالٌ إِذا مـا قدّم الكفـانِ
قدم معاذٌ من اليمن برقيقٍ في زمن أبي بكرٍ, فقال له عمر: ارفعهم إلى أبي بكرٍ، قال: ولِمَ أرفع إليه رقيقي؟ قال: فانصرف إلى منزله ولم يرفعهم, فبات ليلته ثمّ أصبح من الغد فرفعهم إلى أبي بكرٍ، فقال له عمر: ما بدا لك؟ قال: رأيتني فيما يرى النّائم كأنّي إلى نارٍ أُهدى إليها, فأخذت بحجزتي فمنعتني من دخولها, فظننت أنّهم هؤلاء الرّقيق، فقال أبو بكرٍ: هم لك. فلمّا انصرف إلى منزله قام يصلّي فرآهم يصلّون خلفه فقال: لمن تصلّون؟ فقالوا: للّه، فقال: اذهبوا أنتم لله.
واستعمل النّبيّ ابن اللّتبيّة على صدقات بني سليمٍ, فلمّا جاء قال: هذا لكم وهذا أُهدي لي، فقام النبيّ فخطب النّاس فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: ((ما بال رجالٍ نولّيهم أمورًا ممّا ولاّنا اللّه، فيجيء أحدكم فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي إليّ؟! أفلا يجلس في بيت أبيه أو بيت أمّه حتّى تأتيه هديّةٌ إن كان صادقًا؟!)).
ويقول رسول الله : ((من استعملناه منكم على عملٍ فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة)), فقام إليه رجلٌ من الأنصار كأنّي أنظر إليه فقال: يا رسول اللّه, اقبل عنّي عملك، قال: ((وما ذاك؟)) قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: ((فأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عملٍ فليأتنا بقليله وكثيره, فما أوتي منه أخذ, وما نهي عنه انتهى)).
قال موظف في حكومة علي أبي طالب رضي الله عنه: إنّي أهدي إليّ في عملي أشياء وقد أتيتك بها, فإن كانت حلالاً أكلتها, وإلا فقد أتيتك بها، فقبضها عليٌّ وقال: لو حبستها ـ أي: لو أخذتها ـ كان غلولاً.
قال الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]، وقال : ((الرّاشي والمرتشي في النّار))، وقال: ((ما من قومٍ يظهر فيهم الرّبا إلا أُخِذوا بالسّنة، وما من قومٍ يظهر فيهم الرّشا إلا أُخِذوا بالرّعب))، وقال: ((من شفع لرجلٍ شفاعةً فأهدى له عليها هديّةً فقد أتى بابًا كبيرًا من أبواب الرّبا))، وقال ابن مسعودٍ: (السّحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتُقضَى، فيهدي إليك هديّةً فتقبلها منه).
وجاء نصرانيٌّ إلى الإمام الأوزاعيّ وكان يسكن بيروت فقال: إنّ والي بعلبكّ ظلمني، وأريد أن تكتب فيّ إليه، وأتاه بقلّة عسلٍ فقال له: إن شئت رددت عليك قلّتك وأكتب إليه، وإن شئت أخذتها ولا أكتب، فقال النّصرانيّ: بل اكتب لي وارددها، فكتب له: أن ضع عنه من خراجه، فشفّعه الوالي فيه وحطّ عنه من جزيته ثلاثين درهمًا.
قال الشّافعيّ رضي الله عنه: "وإذا أخذ القاضي رشوةً على قضائه فقضاؤه مردودٌ وإن كان بحقٍّ، والرّشوة مردودةٌ, وإذا أعطي القاضي على القضاء رشوةً فولايته باطلةٌ وقضاؤه مردودٌ".
لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير حقه، وذلك لما حرم الله مال المسلم على المسلم، وقال الله في ذم اليهود: وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة:62، 63]، سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42]، أخذوا الرشوة وقضوا بالكذب، سمّاعون للكذب أكّالون للسحت، وهذه الآية في معرض وصف اليهود في أخس أوصافهم. وللأسف، أخلاق اليهود التي ذمّهم الله بها يتلبّس بها بعض أبناء هذا الدين طمعًا في الدنيا وزهدًا فيما عند الله.
من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمته أو يرد عليه حقًّا فأهدى له هدية فقبلها فذلك السحت، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، والسحت هو الرشوة، والسحت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدي لك فتقبله، فذلك السحت. ولما بعث النبي عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر أهدوا له فروة، فقال: سحت، لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما.
يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ [المائدة:106]، لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا أي: لا نأخذ به رشوة، وإن كان صاحبها بعيدًا.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:168، 169]، وقال: ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))، وقال: ((وإن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه فما يتقبّل منه أربعين يومًا، وأيّما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به))، وقال: ((لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت، النار أولى به))، وقال: ((الناس غاديان: فغاد في فكاك نفسه فمعتقها، وغاد موبقها))، وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة:62، 63].
المـالُ ينفدُ حِلّـهُ وحرامـهُ يومـا ويبقى بعد ذاكَ آثامُـهُ
ليـسَ التقـيُّ بمتّقٍ لإِلـههِ حتى يطيـبَ شرابُهُ وطعامُـهُ
ويطيب ما يجني ويكسبُ أهلهُ ويَطيب من لفظِ الحديثِ كلامُهُ
وقال : ((من يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفّه الله))، وقال: ((ومن ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه))، والله أكرم من أن تترك له شيئًا وينساك، ما هكذا حسن الظن بالله، وإن الفقر ليس عيبًا، وإن ضيق اليد لا يبيح لك الكسب الحرام، ولا تقل: إن أغلب المعاملات المالية لا تحقق إلا بالرشوة، إن الله لا يقبل منك أن تأكل إلا الطيب الحلال وأن تبتعد عن الحرام، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، والعبرة في الرزق البركة والنفع، وليست العبرة في كثرة المال تجمعه من كل أصنافه، ولا تؤدي حق الله فيه، فهذا شقاء في الدنيا، جري وراء المال ليل نهار، وفي الآخرة سؤال وتمحيص.
إِذا كان ما جمعتَ ليس بنافعٍ فأنتَ وأقصى الناسِ فيه سواءُ
على أن هذا خارجٌ من آثامِه وأنت الذي تُجْزَى به وتساءُ
|