.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أدب المسلم في أداء حق أخيه الميت والمريض

4206

الرقاق والأخلاق والآداب

الآداب والحقوق العامة

فرج بن حسن البوسيفي

بنغازي

الأرقم بن أبي الأرقم

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فوائد زيارة المريض. 2- من آداب زيارة المريض: عدم الإطالة عليه، النظافة والتطيب، عدم الحديث عما يغمه، سؤاله عن مرضه بغير استقصاء، الحذر من وصف الدواء من غير طبيب، اللباقة في إخباره عن المكروه. 3- أهمية التعزية وآثارها. 4- من آداب التعزية: الصلاة على الميت، تشييع الجنازة، ما يُندب قوله في التعزية.

الخطبة الأولى

من حق أخيك المسلم إذا مرض أن تعوده، ففي ذلك تعهد وسقي لشجرة الأخوة والرابطة الإسلامية، وفي ذلك أيضًا أجر جزيل لك، لا يفرط فيه الحريص على زيادة حسناته، قال سيدنا رسول الله : ((من عاد مريضًا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها)).

وعندما تزور المريض لا تنس أن لزيارته آدابًا تطلب من زائره، حتى تكون الزيارة منعشة له، رافعة من معنوياته، معينة على تخفيف آلامه، زائدة في صبره وراحته وأجره.

فينبغي لعائد المريض أن لا يطيل الجلوس عنده؛ لأن له من الحالات المرضية الخاصة ما لا يسمح بإطالة الجلوس عنده، فعيادة المريض كجلسة الخطيب يوم الجمعة بين الخطبتين في قصرها وخفتها، وقد قيل في هذا أيضًا:

أدب العيادة أن تكون مُسَلّ‍مًا   وتقوم في إثر السلام مودّعا

حُسن العيادة يوم بين يومين     واقعد قليلاً كمثل اللّحظ بالعين

لا تُبرمِنّ عليلاً فـي مساءلة    يكفيك من ذاك تسأله بحرفيـن

يعني تقول: شفاك الله.

قال الحافظ الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى في آخر كتابه الكافي في فقه السادة المالكية: "ومن زار صحيحًا أو عاد مريضًا فليجلس حيث يأمره، فالمرء أعلم بعورة منزله. وعيادة المريض سنة مؤكدة، وأفضل العيادة أخفها، ولا يطيل العائد الجلوس عند العليل، إلا أن يكون صديقًا يأنس به ويسره ذلك منه".

وينبغي لعائد المريض أن يكون نقي الثوب طيب الرائحة نظيفًا؛ لتنشرح نفسه، وتنتعش صحته، ولا يحسن أن يدخل إليه بملابس الزينة والأفراح، كما لا يحسن أن يكون متطيبًا بطيب شديد الرائحة، فقد يزعج المريض ويؤذيه؛ لضعف تحمله ووهن قوته.

وينبغي للعائد أن لا يخبر المريض أو يتحدث عنده بما يغمه، من خبر تجارة خسرت له فيها سبب أو صلة، أو ذكر ميت، أو خبر رديء لمريض، أو نحو ذلك مما يكدر المريض أو يحزنه أو يؤثر على صحته أو شعوره.

ولا ينبغي للعائد أن يستخبر عن مرض المريض استخبار متقصّ، فإن ذلك التقصي من العائد لا ينفع المريض، إلا أن يكون طبيبًا له اختصاص بمرضه.

ولا ينبغي للعائد أن يشير على المريض بدواء ولا بغذاء قد كان نفعه هو، أو سمع بأنه نافع، فإن ذلك ربما حمل المريض ـ بجهله أو لشدة ما به ـ أن يستعمله، فيضر به، ويفسد على الطبيب عمله، وربما كان ذلك سببًا لهلاك المريض.

ولا ينبغي للعائد أن يعارض الطبيب بحضرة المريض إذا لم يكن من أهل العلم والاختصاص، فيوقع للمريض الشك فيما وصفه الطبيب.

ومن الأدب أنك إذا اضطررت إلى الإخبار عن أمر مكروه أو وقوع حادث مفجع أو وفاة قريب أو عزيز على صاحبك أو قريبك أو ما شابه ذلك فيحسن بك أن تلطف وقع الخبر على من تخبره به، وتمهد له تمهيدًا يخفف نزول المصاب عليه، فتقول فيمن تخبر عن وفاته مثلا: بلغني أن فلانًا كان مريضًا مرضًا شديدًا، وزادت حاله شدة، وسمعت أنه توفي رحمه الله تعالى.

ولا تخبر عن وفاة ميت بنحو ما يقوله بعضهم: أتدري من توفي اليوم؟! أو بقولك: توفي اليوم فلان، بل ينبغي أن تبدأ باسم الذي تخبر عن وفاته قبل ذكر وفاته؛ لأن من تخبره بذلك حين تسأله: أتدري من توفي اليوم؟ أو تقول له: توفي اليوم، يتبادر فورًا إلى ذهنه المروعات الشداد، فيقدر أن الوفاة وقعت بأقرب الناس إليه من مريض أو كبير أو شاب، فيتروع بهذه الصيغة منك في السؤال أو الإخبار أشد الترويع، ولو قلت له: فلان توفي اليوم فبدأت باسم من تخبر عن وفاته لخفَّ الوقع عليه، وانتفى الترويع، وبقي أصل الخبر المحزن أو المكروه.

وكذلك ينبغي أن تراعي صيغة الإخبار عن الحريق أو الغريق أو الحادث، فمهّد له بالتمهيد الذي يخفّف شدة وقعه على النفس، واذكر اسم المصاب به متلطفًا، ولا تصكّ سمع صاحبك أو قريبك أو مجالسك بالخبر المفجع صكًّا، فإن بعض القلوب يكون تحملها ضعيفًا، فربما تأذَّى بالخبر المفجع أشد الأذى، وربما يصعق بعض الأفراد بذلك، أو يغمى عليه، أو يصاب في سمعه أو بصره، فتلطف في الإخبار عن المفجعات إذا اضطررت إلى ذلك.

وتحيّن الوقت الملائم لإخباره إذا كان هناك داع للإخبار، فلا تخبره بذلك وهو على طعام أو قبل النوم أو في حالة مرض أو استفزاز أو نحو ذلك من الأحوال، والحكمة والكياسة في هذا المقام من أفضل ما تتحلى به، والله يتولاّك ويرعاك.

وإذا أصيب قريب لك أو عزيز عليك بموت أحد من أسرته أو من يلوذ به أو يعز عليه فلا تنس تعزيته بمصابه، ولا تبطئ بها، وأظهر له المشاركة في أساه وحزنه، فإن ذلك من حق القرابة والصداقة والإسلام، وإن أمكنك تشييع الميت إلى قبره فافعل، فإن لك بذلك أجرًا كبيرًا، وموعظة بالغة صامتة، ودرسًا يعرفك ويذكرك بالمصير المحتوم لكل مخلوق.

وكانت في حياتك لي عظات     فأنت اليوم أوعظ منك حيًّا

قال سيدنا رسول الله : ((حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز...)) رواه البخاري ومسلم، وقال : ((عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة)) رواه الإمام أحمد.

وعند تعزيتك ومواساتك أخاك أو قريبك أو أحد معارفك بمصابه يستحب أن تدعو لأخيك الميت بمثل ما دعا سيدنا رسول الله لأبي سلمة رضي الله عنه حين توفي وعزَّى به أهله: ((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين ـ أي: كن له خليفة في ذريته الباقين من أسرته ـ، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونوّر له فيه)) رواه مسلم.

ويحسن أن يكون حديثك مع المعزَّى فيما يتّصل بتخفيف وقع المصيبة، بذكر أجرها وأجر الصبر عليها، وأن الحياة الدنيا فانية منقضية، وأن الآخرة هي دار القرار. ويحسن ذكر بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة المذكرة بذلك، وذكر بعض الكلمات البليغة لبعض السلف، فتذكر مثل قول الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]، ومثل قوله سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، ومثل قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26، 27].

وتذكر مثل قول النبي : ((اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها))، وقوله : ((إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى))، وقوله في توديعه لابنه إبراهيم عليه السلام حين توفي: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)).

ومن المناسب أن تذكر من أقوال السلف في شأن التعزية وتهوين وقع المصاب، من ذلك قول سيدنا عمر رضي الله عنه: (كل يوم يقال: مات فلان وفلان، ولا بد من يوم يقال فيه: مات عمر)، وتذكر قول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إن رجلاً ليس بينه وبين أبيه آدم أب حي لعريق في الموت"، وقول التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله تعالى: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك"، وقوله أيضًا: "إن الموت لم يجعل للمؤمنين راحة دون الجنة"، وقول مالك بن دينار تلميذ الحسن البصري رحمهما الله تعالى: "عرس المتقين يوم القيامة".

قال الشاعر:

وإنا لنفرح بالأيام نقطعها       وكل يوم مضى يُدني من الأجل

ومن لطيف الشعر الذي قيل في حال التعزية قول القائل:

إنا نعزيك لا أنا على ثقة       من الحياة ولكن سنة الديـن

فما المعزَّى بباق بعد ميته       ولا المعزِّي وإن عاشا إلى حين

ومن لطيف ما يناسب المقام قول القائل:

نموت ونحيا كل يوم وليلة       ولا بد من يوم نموت ولا نحيا

وقول آخر وقد صوّر الحياة والغفلة عن نهايتها صورة صادقة:

وإنا لفي الدنيا كركبِ سفينة   نظن وقوفا والزمان بنا يجري

 

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً