أما بعد: إخوة الإسلام، اتقو الله واتلوا كتاب الله وأطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا بالليل والناس نيام.
أيها المسلمون: وإذا كانت النفقة والجود والإحسان والبر وصلة الأرحام تطيب في كل حال وزمان فهي تزكو وتتضاعف حسناتها في شهر رمضان شهر الجود والإحسان.
وما دمتم في شهر القران فتاملوا خاشعين وقفوا متفكرين في آيات النفقة في القرآن، والحق تبارك وتعالى يقول: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم [البقرة:261].
قال سعيد بن جبير: (في سبيل الله ) يعني في طاعة الله وقال مكحول: يعني من الإنفاق في الجهاد … وقال ابن عباس: الجهاد والحج يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف.
وسواء أكان هذا أو ذاك، فهذا المثل التشبيهي محصلة سبعمائة ضعف، ولكن والله أعلم ذكر هذه الصيغة ليكون أبلغ في النفوس، إذ فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل لأصحابها كما ينمي الزراعة لمن بذره في الأرض الطيبة.
وجاء في صحيح السنة النبوية ما يؤكد مضاعفة الصدقة بل ومضاعفة كل عمل صالح يقول علية الصلاة والسلام في الحديث الذى رواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه ((كل عمل ابن ادم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة، إلى ما شاء الله، يقول الله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي.... الحديث))
وهل تظن بربك يا ابن آدم إلا كل خير حين يختص بالصيام له؟ وهل يراودك شك أنه سيجزيك به أضعافا مضاعفة وهو الكريم الجواد؟ بل ويضاعف لك أجر الصدقات أضعافا مضاعفة كما قال تعالى في الآية الأخرى من ذا الذى يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة
وتعال بنا لنقف سويا عند هذا الحديث الذى رواه أبو عثمان النهدي وتحمل في سبيله السفر حين يقول: لم يكن أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة مني، فقدم قبلي حاجاً وقدمت بعده، فإذا أهل البصرة يأثرون عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة))، فقلت: ويحكم والله ما كان أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة مني، فما سمعت هذا الحديث، قال: فتحملت أريد أن ألحقه فوجدته قد أنطلق حاجاً، فانطلقت إلى الحج أن ألقاه بهذا الحديث، فلقيته لهذا، فقلت: يا أبا هريرة ما حديث سمعت أهل البصرة يأثرون عنك؟ قال: وما هو؟ قلت: زعموا أنك تقول: أن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة، قال: يا أبا عثمان: وما تعجب من هذا والله يقول من ذا الذى يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة [البقرة:245] ويقول تعالى: فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل [التوبة:38].والـذي نفسى بيـده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة)).
وإذا كان هذا ما نقله أبو هريرة رضي الله عنه في مضاعفة أجر الصدقة، فاسمع إلى ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الصدد أيضاً، وقد روى ابن أبى حاتم بسنده إلى ابن عمر قال: لما نزلت هذه الآية: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل …… [البقرة:261]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رب زد أمتى، فنزلت من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة [البقرة:245]. قال: رب زد أمتي، فنزل: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر:10])).
إخوة الإيمان: إذا كان هذا في مضاعفة أجر الصدقة يوم القيامة، فللصدقة والإنفاق الخير بشكل عام آثار أخرى، تشمل الدنيا والأخرة، فثواب أصحابها محفوظ عند الله، وهم آمنون من مخاوف يوم القيامة حين يفزع الناس، وهم غير آسفين على ما خلفوا من الأموال والأولاد وزهرات الدنيا، لأنهم قد صاروا إلى ما هو خير من ذلك كله، يقول تعالى: الذين ينفقون في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة:262].
وهل علمت أخا الإسلام أن الصدقة تظلل صاحبها في وقت هو أحـوج مـا يكـون فيه إلى الظل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس)) .
وهـل علمت أن الصدقة طريق إلى الجنة وسبب من أسباب دخولها، يقول الله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء …… الآية [آل عمران :133-134].
يا أخا الإسلام، أنفق ينفق الله عليك وأعط يعطك الله، وهل يغيب عنك أن الله يعوضك عما أنفقت، وملَكان يناديان مع بداية كل يوم، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفاً، ويقول الأخر: اللهم أعط ممسكا تلفاً.
أعط يا أخا الإسلام وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، فهنا تنفع النفقة، وهنا تقبل الصدقة، وهنا يكون الامتحان وتصعب المنافسة …
أما إذا بلغت الروح الحلقوم وشعرت أنك ستخرج من الدنيا فهيهات وقد انتقل، أو قارب المال أن ينتقل إلى غيرك .. يقول عليه الصلاة والسلام موضحاً: ((أفضل الصدقة أن تصدق وأنت شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان كذا)).
يا أخا الإيمان: ومهما كان فقرك وقلتك فحاول المساهمة في الصدقات مع المتصدقين، وابدأ بالأقربين وإن كان المتصدق به قليلاً، فذلك جهد المقل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول)).
أيها المسلمون: ولا يفوتن عليكم البدء في صدقاتكم لذوي الأرحام والأقربين، فإن الصدقة على المسكين البعيد صدقة، وهي على القريب المحتاج صدقة وصلة.
ومهما وقع بينكم وبين أرحامكم من خلاف فلا يمنعكم ذلك من صلتهم، والتصدق عليهم، وإليكم توجيه المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك إذ يقول: ((أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح)).
والكاشح: العدو الذى يضمر عداوته ويطوي عليها. وكشحه باطنه، أو الذى يطوي عنك كشحه ولا يألفك .
يا أخا الإيمان: وإذا قدرك الله على شيء من النفقة فلا يخالطها شيء من المنّ بالعطية أو الأذى لمن تعطي فذلك مبطل للصدقة، كما يبطلها الرياء والسمعة، من أجل أن يقول الناس هو جواد أو كريم، يقول تعالى: يا أيها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر…الآية [البقرة:264].
وهل ترضى أن يعرض الله عنك يوم القيامة؟ والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزراه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)).
وإياك إياك أن تأكل الحرام، أو تتصدق بالحرام، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وجاهد نفسك عن إنفاق الخبيث والرديء، وافقه قوله تعالى: يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد [البقرة:267].
وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسنده إلى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((... ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث)).
أيها المسلمون: ولكم بمن سلف من صالحي الأمة مثل وعبرة، وقد استجابوا لله والرسول صلى الله عليه وسلم، فهذان الخيران: أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، يتنافسان في الصدقة، فيجىء عمر بنصف ماله، ويأتي أبو بكر بماله كله، ويكاد أن يخفيه من نفسه، ويقول له النبي صلى الله عليه وسلم: وما أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ فيقول: أبقيت لهما الله رسوله.
ثم يبكي عمر ويقول: بأبي أنت يا أبا بكر، والله ما استبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقا. ويقال فيهما نزلت: إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم … الآية [البقرة:271].
وهذا أبو الدحداح الأنصاري رضي الله عنه حين نزل قوله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة… [التوبة:38].
قال يا رسول الله: وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: ((نعم يا أبا الدحداح)) قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده، قال: فإني أقرضت ربي حائطي – وحائطه من سبعمائة نخلة – وأم الدحداح فيه وعيالها، فجاء إليهم ونادى: يا أم الحداح، قالت: لبيك، قال: أخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل.
|