ديننا الإسلامي دين علم ومعرفة، دين حارب الجهل والأمية من أول يوم، وفي أول كلمة من الوحي: اقْرَأْ، فظلّ يعلّم النبيّ بعدها حتى انتقل للرفيق الأعلى.
يقول المولى سبحانه وتعالى مشرّفًا أهل العلم بأنهم يشهدون مع الله والملائكة: شَهِد َاللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ [آل عمران:18]، وقال سبحانه وتعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِين لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، وقال سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر:28]، أي: إن العلماء هم الذين يخشون الله على الحقيقة، وقال سبحانه: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، ففي هذه الآية ألحق الله رتبة أهل العلم برتبة الأنبياء في الكشف عن كلمة الله عز وجل، وقال : ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ويلهمه رشده)).
واعلموا أنه لا رتبة فوق النبوة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة، وورثة النبي هم العلماء، كما قال : ((العلماء ورثة الأنبياء))، وبيّن أن العلم أفضل من العبادة فقال: ((فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي))، وقال لقمان الحكيم عليه السلام لابنه: (يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله سبحانه يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء).
لقد أوجب الله علينا طلب العلم، وجعله فرضًا، فعلى جميع الأمة أن تتعلم دينها، وفرض على جزء من الأمة أن تتخصص في باقي التخصصات المدنية والعسكرية، وكل علم شريف يثاب عليه المسلم وينال به عظيم الثواب، كما أن الأمة الآن جميعها عاصية لله وآثمة وعليها ذنب عظيم في تقصيرها في طلب العلم وتقهقرها في جميع الصناعات السلمية والحربية التي لا تقوم إلا بالعلم.
لقد رغّب الله سبحانه في التعلّم وأن يكون المسلم طالب علم بقوله سبحانه: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ [التوبة:122]، وقوله: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وقال : ((من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة))، وقال : ((ما من خارج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها))، وقال : ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)).
عندما علمت الأمة بفضل العلم فعلمت وعملت ولم تكتفِ بعلم على حساب آخر تقدّمت وازدهرت حياتها، وقادت جميع الأمم حولها، وأوصل المسلمون العلم إلى حدود فرنسا وغابات أفريقيا وأواسط آسيا، فظهر في الأمة العلم والاختراع والتخصصات المتنوعة، وكان ديدن الأمة العمل والاجتهاد المصاحبين للبحوث والدراسات المنطقية والعقلية والتجريبية، وفي الوقت ذاته كانت بعض الأمم تجادل في الله: هل هو واحد أم ثلاثة؟! وهل العالم قديم أم حادث؟! والفلاسفة يتفلسفون، والسوفسطائية يثرثرون، فبلغت الأمة في عزها أن غزتهم في عقر دارهم؛ لأنهم كانوا أناسًا يجيدون الفعال والأقوال.
وأما عن حال الأمة الآن فها هي قد تركت هذا التراث العظيم، وزهدت في العلم والمعرفة، ولجأ أبناؤها إلى القيل والقال، وترك الشباب حِلق العلم والمؤسسات العلمية، وعمّت فينا البطالة والجهالة.
ولا تجد صناعة واحدة من الإبرة إلى الصاروخ، لا تجد صناعة تعتمد على العلم إلا وجدتها مستوردة من أعدائنا، ما السبب في تقدمهم؟! وما السبب في تخلفنا؟! تعلموا وجهلنا، وعملوا وكسلنا، وعملوا لعز أنفسهم وأوطانهم، وعملنا لذل أنفسنا وإفساد أوطاننا، فأين الشباب الحريص على طلب العلم والمعرفة؟! وأين الهمم العالية والسهر والتعب في طلب العلم وإخماد الجهالة؟!
بقدر الكدّ تكتسب المعالي ومن رام العُلا سهر الليـالي
ومن رام العُلا من غير كدّ أضـاع العمر في طلب المحال
تروم العزّ ثم تنـام ليـلاً يغوص البحر من طلب اللآلي
إذا كان يؤذيك ريح الخريف ويؤذيك حرّ المصيف وبرد الشتا
ويُلهيك حُسن زمان الربيع فأخـذك العلم قـل لي: متى؟!
|