.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

شبهات المحتفلين بالمولد النبوي

3381

قضايا في الاعتقاد

البدع والمحدثات

مراد وعمارة

باب الوادي

التقوى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- بطلان الاستدلال بقوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا. 2- بطلان تخريج ابن حجر والسيوطي لعمل المولد. 3- كل بدعة ضلالة.

الخطبة الأولى

لا يزال أقوام لم تردعهم الحجج البيِّنات التي أقمناها لبيان حدوث بدعة عمل المولد واتِّخاذه عيدًا، فراحوا يفتِّشون جعبهم الخاوية، فلم يجدوا فيها سوى خيوطٍ واهية كخيوط العنكبوت، بل أوهى، فتعلَّقوا بها وتعلَّقت بهم، كما تتعلَّق الحشرات بحبال العنكبوت، بل الأمر أمرُّ وأدهى، فلا هم نجوا من قبضتها واستحكامها على قلوبهم، ولا هي أغنتهم بشيء في ميدان الحجاج إلاَّ الضجيج واللجاج.

وأنا أعرض لكم جملة شبهاتهم مكتفيًا من الجواب عنها بحسبها وضعف قدرها:

الشبهة الأولى: في قول الله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس:58]، قالوا: فعن عبد الله بن عباس أنَّ رحمة الله في هذه الآية هو النبي .

وهذا من تحميل النص ما لا يحتمله، فإنَّ تفسير الآية: فليفرحوا بالقرآن وبالإسلام. هكذا فسَّرها جميع من فسَّرها من السلف، وهو الثابت عن ابن عباس أيضًا، وأمَّا الرواية التي ذكروها عنه فلا يدرى ما إسنادها مع مخالفتها للثابت عنه، وهو المشهور المطابق لما عليه الجمهور. فمعنى الآية: فليفرحوا بنعمة القرآن وبالإسلام أن جعلهم من أهله.

ومن لطائف خذلان الله لأهل الأهواء والبدع أنَّهم لا يستدلُّون بآية أو حديث صحيح إلاَّ كان حجَّةً عليهم، وكذلك الأمر هنا في هذه الآية، فلو فرضنا أنَّ معنى رحمة الله هو النبيُّ فإنَّ في هذا حجةً عليهم، ألا ترون أنَّ المعنى حينئذ: فليفرحوا أن جعلهم من أتباع نبيِّه، وهو الرحمة المهداة للاهتداء والاتِّباع، فلا يخلو إمَّا أن يكون الفرح به فرحًا بذاته فقط أو باتِّباعه، فالأوَّل لا ينفع مخالفه العاصي لأمره، والثاني فأفرح الناس به أحرصهم على اتِّباع سنَّته، كما في حديث أبي هريرة لمَّا سأل النبيَّ : من أسعد الناس بشفاعتك، فأخبره النبيُّ أن لا أحد أولى بهذا السؤال منه لما رأى من حرصه على الحديث. فأفرح الناس بالنبي أكملهم اتِّباعًا لسنَّته وهديه، ولم يكن من هديه ولا من هدي أصحابه الاحتفال بمولده، فذلك مناف للفرح به، فتأمَّلوا.

الشبهة الثانية: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قد ظهر لي تخريجها ـ أي: بدعة المولد ـ على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أنَّ النبيَّ قدم المدينة فوجد أهلها يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجَّى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى. فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في يوم معيَّن من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كلِّ سنَة".

وهذا قاله ابن حجر بحثًا لا تقريرًا، فليفهم، فكأنَّه يتكلَّم على لسان من يجيز ذلك، ولذلك صرَّح في أوَّل بحثه أنَّ عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح.

والجواب أن نقول: إن هذا المعنى لو كان صحيحًا لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين وهم أعمق الناس علمًا وأصوبهم رأيًا. فهذا ليس تخريجًا على السنَّة، بل هو خروج عليها وعلى هدي السلف.

وهذا جار على قاعدة في العلم مقرّرة، يغفل عنها كثير من القرون المتأخِّرة، وهي أنَّ كلَّ نصٍّ شرعيٍّ لم يثبت عن السلف أنَّهم عملوا به على حال، فما زعمه المتأخِّرون دليلاً على تلك الحال فليس دليلاً، إذ لو كان دليلا لم يعزب عن السلف مجتمعين ثم يعلمه الخلف متفرِّقين.

وقد ردَّ السيد رشيد رضا على هذه الشبهة في فتاواه ردًّا قويًّا لا يتَّسع المجال لنقله، فنكتفي بهذه الإحالة عليه.

الشبهة الثالثة: قال السيوطي رحمه الله وغفر له: "قد ظهر لي تخريجه ـ أي: عمل المولد ـ على أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أنَّ النبيَّ عقَّ عن نفسه بعد النبوَّة، مع أنَّ جدَّه عبد المطَّلب قد عقَّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرَّةً ثانية، فيحمل ذلك على أنَّ الذي فعله النبيُّ إظهار للشكر على إيجاد الله إيَّاه رحمة للعالمين، وتشريع لأمَّته كما كان يصلِّي على نفسه، لذلك فيستحبُّ لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات".

الجواب: الجلال السيوطي على جلالته فهو من أنصار هذه البدعة وذلك من زلَّته، ويكفي في سقوط هذا التخريج أنَّه بناء عاطل على أساس باطل، أمَّا كونه بناء عاطلاً فلأنَّه يجري عليه ما تقدَّم في تخريج ابن حجر، ويزاد هنا بأنَّ أساس البناء باطل، لأنَّ الحديث الذي بنى عليه هذا التخريج حديث ساقط ضعيف باتِّفاق الحفَّاظ، والسيوطي خاتمتهم، فما باله تخلَّف هنا عنهم؟!

 

الخطبة الثانية

الشبهة الرابعة: ما ذكره ابن الجزري في كتابه "عرف التعريف بالمولد الشريف" قال: "قد رئي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار، إلاَّ أنَّه يخفَّف عنِّي العذاب بإعتاقي لثويبة عندما بشَّرتني بولادة النبيِّ وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمِّه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبيِّ به، فما حال المسلم الموحِّد من أمَّة النبيِّ يسرُّ بمولده".

وذكر الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه "مورد الصادي في مولد الهادي" أنَّه: "قد صحَّ أنَّ أبا لهب يخفَّف عنه عذاب النار في مثل يوم الإثنين لإعتاقه ثويبة سرورًا بميلاد النبيِّ ".

الجواب: أنَّ هذا الخبر مرسل، كما بيَّنه الحافظ في الفتح، وعلى فرض ثبوته فهو رؤيا منام، لا تثبت بمثلها الأحكام.

الشبهة الخامسة: قالوا: إنَّ عمل المولد وإن كان في الأصل بدعة فهو بدعةٌ حسنة، لأنَّه فعله أناسٌ صالحون، وقد قال ابن مسعود: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن). قالوا: وقد صحَّ عن النبيِّ أنَّه قال: ((من سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء)).

الجواب أن يقال: إنَّ تقسيم البدعة إلى سيِّئة وحسنة مصادمٌ لقوله : ((كلُّ بدعة ضلالة)). فمن قسم البدعة إلى حسنة وسيِّئة فقد زعم أن ليس كلُّ بدعة ضلالة، لأنَّ منها ما هو حسنٌ، وكفى بهذا سلبًا للعموم الظاهر المراد بتلك الكلمة الجامعة من رسول الله . وكلام ابن مسعود لا يدلُّ على هذا التقسيم، وإنَّما معنى كلامه: أنَّ ما أجمع على استحسانه الصحابة فهو عند الله حسن، هكذا فسَّره العلماء كابن حزم وابن القيم والشاطبي وغيرِهم.

وقضيَّة عمل المولد لم يستحسنها الصحابة ولا التابعون ولا أتباعهم، ولا أحد من الأئمَّة المتبوعين ولا أصحابهم المفتين، وإنَّما استحسنه طائفة من آخر المتأخِّرين، وهم دون المتقدِّمين علمًا وفضلا.

وأمَّا الحديث المذكور فسبب وروده يبيِّن المراد منه ويوضِّحه، ومعناه: من عمل بسنَّة ثابتة أو أحياها، وليس المراد من عمل بسنَّة اخترعها، أو عمل بسنَّة محدثة مبتدعة.

فمن زعم أنَّ الاحتفال بالمولد بدعة حسنة فقد ردَّ على النبيِّ قوله: ((كلُّ بدعة ضلالة)). وإن أراد أنَّها مستثناة من هذا العموم فليس معه من الأدلَّة ما يخرجها عنه، وأنَّى لهذه البدعة أن تكون حسنةً وهي من اختراع العبيديِّين غلاة الشيعة الباطنية؟!

 

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً