.

اليوم م الموافق ‏04/‏ربيع الأول/‏1446هـ

 
 

 

هلاك المكذبين والمستكبرين

3980

الرقاق والأخلاق والآداب

آثار الذنوب والمعاصي, الكبائر والمعاصي

خالد بن محمد بابطين

جدة

12/2/1424

مسجد الراجحي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الإصلاح والإفساد. 2- أعظم الفساد في الأرض. 3- قصص الأمم التي أهلكها الله تعالى. 4- قصة قارون. 5- اغترار الغرب بقوته. 6- توفر أسباب الهلاك في القوى الطاغية.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، إن الإصلاح والإفساد خلقان متضادان، حث الإسلام على الأول ونهى عن الآخر، بل واعتبره من الآثام العظيمة، وقد ورد لفظ الفساد والإفساد وما اشتق منهما في القرآن الكريم في نحوٍ من أربعين موضعًا، منها قوله تعالى في وصف المنافقين: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12].

وإن من أعظم الفساد في الأرض الكفر بالله تعالى والتكذيب بآياته ورسله، ولقد قص الله علينا أنباء القرى الظالمة المفسدة وما حل بهم من الدمار والهلاك، وإن المتأمل بل الناظر في كتاب الله تعالى ليرى ذلك واضحًا جليًا، فهؤلاء قوم نوح عُمِّرُوا ما لم يُعَمَّرْ غيرهم، ولبث فيهم نوحٌ ألف سنة إلا خمسين عامًا، ودعاهم ليلاً ونهارًا وسرًا وجهارًا، ولكنهم ضَجِروا به وبدعوته وقالوا: قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ [هود:32]، حتى بلغ بهم الصدود والجحود والكفر أن جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُم، كل ذلك إمعانًا في الكفر والتكذيب، وأخذوا يستهزئون به ويسخرون، بل توعدوه بالقتل: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ [الشعراء:116]، فلجأ نوح إلى ربه بعد أن يئس من قومه فقال: رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:17، 18]، فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]، فانتصر له ناصر الحق وأهله وحاقت بهم دعوة نوح: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]، فكان هلاكهم قال تعالى: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:11، 12].

وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ [هود:59]، عادٌ التِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاد، عاد ذوو القوة والشدة والبأس، ذَكَّرَهم هود عليه السلام فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً [الأعراف:69]، قال ابن كثير رحمه الله: "كانوا في غاية من قوةِ التركيبِ والقوة والبطش الشديد والطول المديد والأرزاق الدارة والأموال والجنات والأنهار والأبناء والزروع والثمار"، وقد اغتروا بقوتهم وشدتهم فقال لهم هود: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشعراء:128-130]، قال ابن كثير: "اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عند جَوادِ الطرق المشهورة، يبنون هناك بنيانًا محكمًا هائلاً باهرًا"، حتى وصل بهم الأمر أن قَالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّة، ونسوا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّة، فكيف كانت العاقبة؟! فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ [فصلت:16]، إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر:19، 20]، وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ [هود:60]. قام أبو الدرداء يومًا خطيبًا في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إنه قد كانت قبلكم قرون يَجمعون فيُوعون ويَبنون فيُوثقون ويُأمِّلون فيُطيلون، فأصبحَ أملُهم غرورًا، وأصبح جمعُهم بورًا، وأصبحت مساكنُهم قبورًا، ألا إن عادًا ملكت ما بين عدن وعَمَّان خيلاً وركابًا فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين؟!).

وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [هود:17]، خاطبهم صالح فقال: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، فقالوا: إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ [الشعراء:153، 154]، فلما جاءهم بما طلبوا قال لهم: هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأعراف:73]، وقد أوتوا قوة وشدة وبأسًا فذكرهم صالح فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا [الأعراف:74]، وحين ذكِّروا أتُراهم تذكّروا؟! لا، بل كفروا واستكبروا وعَدَوا على الناقة فقتلوها فقال لهم صالح: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [هود:65]، وقد تولى كِبْرَ هذا الجُرم تسعة منهم قال الله فيهم: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [النمل:48]، قال ابن كثير: "وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء، فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح وقالوا: إن كان صادقًا عجلناه قبلنا، وإن كان كاذبًا ألحقناه بناقته"، قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [النمل:49-51]، قال ابن كثير: "فلما عزموا على ذلك وتواطؤوا عليه وجاؤوا من الليل ليفتكوا بنبي الله أرسل الله سبحانه وتعالى ـ وله العزة ولرسوله ـ عليهم حجارة، فرضختهم سلفًا وتعجيلاً قبل قومهم، وأصبح ثمود يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح عليه السلام، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة، وأصبحوا في الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم مسودة، فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه عياذًا بالله من ذلك لا يدرون ماذا يفعل بهم ولا كيف يأتيهم العذاب وأشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم ففاضت أرواحهم وزهقت النفوس في ساعة واحدة، فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [العنكبوت:37]، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا [النمل:52]، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ [هود:68]".

أيها الإخوة، من أعظم أسباب الهلاك الكبر والبغي بالفساد في الأرض، وإمام هؤلاء قارون صاحب الأموال والكنوز والفخر والخيلاء، اسمع قصته كما ذكرها الله تعالى: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص:76-82].

بارك لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله عَظُمَ شأنه ودام سلطانه، أحمده سبحانه وأشكره عم امتنانه وجَزَلَ إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، به علا منار الإسلام وارتفع بنيانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في السر والعلن، واجتهدوا في تدبر آياته والاتعاظ بعظاته.

أيها الإخوة، ونحن حين ننظر في واقع العالم اليوم الذي بات يحكمه قانون الغاب نرى تجبر اليهود والنصارى واغترارهم بقوتهم وأنهم قد امتلكوا أسباب القوة والهيمنة على العالم وأنه لن تستطيع أيُّ قوة مهما كانت أن تقف في طريقهم، وأنه يجب على الناس أن يسيروا في ركابهم فيوالوا من والوا ويعادوا من عادوا ويحاربوا من حاربوا ويسالموا من سالموا، وأنه من ليس معهم فهو مع الإرهاب، ولا يتورعون عن انتهاك الأعراف والقوانين الدولية البشرية الوضعية فضلاً عن الشرائع السماوية، فقتلوا الشيوخ والأطفال، ودمروا البيوت والبلاد ونهبوا خيراتها، إلى غير ذلك مما يطول ذكره مما هو معروف ومشاهد في الواقع. إن ذلك كله ليذكرنا بأولئك المكذبين السابقين وكيف حقت عليهم كلمة العذاب والهلاك لما طغوا وعتوا وتجبروا وظلموا، فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40]، وإننا لنتربص بخَلَفِهم ما حل بأسلافهم وما ذلك على الله بعزيز. فليُبشر كل متكبر ومتجبر بالبوار والهلاك، ولْيُبَشَّرْ بنقمة الله جل وعلا وعذابه ولو ظن أنه بما يملك من أسباب القوة سيمنع نفسه أو غيره من عذاب الله، ولو نفعت القوةُ أحدًا لنفعت من قبلهم ممن قال الله فيهم: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [الأنعام:6].

وحين نتأمل واقعهم الذين يعيشونه نراهم قد استوجبوا عذاب الله ونقمته بما يفعلون؛ أليسوا قد ادعوا دعاوي الألوهية وتغطرسوا كثيرًا ومارسوا طريقة فرعون: أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى [النازعات:24]؟! ولكن ماذا كانت النتيجة؟ دَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:137]. أليسوا قد تألوا على الله وزعموا أنه أخرجهم لقيادة العالم، وكذبوا على الله وزعموا أنه اختارهم ليخلصوا البشرية وينقذوها وقالوا: فليباركنا الرب؟! أليسوا قد انغمسوا في الذنوب والمعاصي حتى صاروا قادة العالم في الموبقات: في الجنس والقذارة، في أنواع الفواحش، في الآراء الضالة التي فرضوها، في السياسة، في الاقتصاد وعالم السينما والإعلام والثقافة وغير ذلك؟! أليس قد وقعوا في الترف والإسراف وصناعة الترفيه والسياحة؟! وإن ذلك مؤذن بتدمير دولتهم، وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16]. ألم يغتروا بقوتهم ويقولوا مقالة عادٍ الأولى: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15]؟! وهم أصحاب مكر وخطط وحيل ودهاء وأساليبَ لضرب أهل الإسلام، وكل ذلك لا شك سيكون وبالاً عليهم، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43]، فكل هذه الأسباب للهلاك اجتمعت في حقهم، فكيف ستكون عاقبتهم؟!

أيها الإخوة المؤمنون، إنها سنة كونية من سنن الله تعالى في حق الظالمين والمجرمين، وهي واقعة لا محالة، ولكن حين يشاء الله تعالى بحكمته وعلمه، يقول تعالى: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم:84].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً