أما بعد:
فياأيها المؤمنون: قضت سنة الله سبحانه وتعالى وتبارك أن الأمم لا تفنى، والقوى لا تضعف إلا حين تسقط الهمم وتستسلم الشعوب لشهواتها فتتحول أهدافها من مثل عليا إلى شهوات دنيئة، فتسود فيها الرذائل، وتنتشر فيها الفواحش، بل تفتك بها الأمراض الخبيثة، فلا تلبث أن تتلاشى وتضمحل وتذهب ريحها ويحق عليها قول الله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16].
أيها المسلمون: إن من أفحش الفواحش وأحط القاذورات جريمة الزنا. حرمه ربكم، وجعله قريناً للشرك في سفالة المنزلة وفي العقوبة والجزاء. يقول عز من قائل: ٱلزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ [النور:3].
ويقول في الجزاء والعقوبة: وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:68-69].
وما ذلك إلا لأنه من أقبح القبائح؛ يبدد الأموال، وينتهك الأعراض، ويقتل الذرية، ويهلك الحرث والنسل. عاره يهدم البيوت، ويطأطئ عالي الرؤوس، يسود الوجوه البيضاء، ويخرس ألسنة البلغاء، ويهبط بالعزيز إلى هاوية من الذل والحقارة والازدراء، هاوية مالها من قرار. ينزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما علا.
إنه لطخة سوداء إذا لحقت بتاريخ أسرة غمرت كل صحائفها النقية. إنه شين لا يقتصر تلويثه على من قارفه؛ بل يشين أفراد الأسرة كلها، ويقضي على مستقبلها جميعها. إنه العار الذي يطول حتى تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل. بانتشاره تغلق أبواب الحلال، ويكثر اللقطاء، وتنشأ طبقات بلا هوية، طبقات شاذة حاقدة على المجتمع، لا تعرف العطف ولا العلاقات الأسرية فيعم الفساد، ويتعرض المجتمع للسقوط.
أليس يجمع خلال الشر كلها من الغدر والكذب والخيانة؟ أليس ينزع الحياء، ويذهب الورع والمروءة، ويطمس نور القلب، ويجلب غضب الرب.
إن مفسدته منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الأبضاع، وصيانة الحرمات، والحفاظ على روابط الأسر، وتماسك المجتمع.
يا أصحاب الغيرة : من أجل أن يزداد الأمر وضوحا تأملوا الفرق بين السفاح والنكاح.
السفاح متعة حيوانية بهيمية، وقضاء شهوة وقتية، اختلاس وخداع، وهروب من المسئولية، بل امتهان لكرامة الإنسان ذكرا كان أو انثى. إن الزاني والزانية لا يعنيهما إلا قضاء مآربهما الساقطة، بل كل واحد منهما يجعل الآخر قنطرة ومعبرا لهذه المآرب. إنه لقاء حيواني بحت لا غرض منه إلا قضاء الوطر المنحط.
أما النكاح فهو شهامة وعزيمة وكرامة معلنة، تحمل للمسؤولية، والتزام بالحقوق والواجبات، إنشاء وتعمير، وإصلاح وتربية وتوجيه للطاقات. بل إنه من أفضل ما يتقرب به إلى الله سبحانه حين تحسن النوايا وتصح المقاصد.
أيها الإخوة في الله: إن التقدير لحمى ذمار الأهل يفرض الإهتمام بالحرمات. لا بد من تقوى الله عز وجل ومراقبته. لا بد من الأخذ على أيدي السفهاء؛ لقد نهى الله عباده المؤمنين بالله واليوم الاخر أن تأخذهم بالزناة والزواني رأفة في دين الله وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ [النور:2].
مستحل الزنا في الإسلام كافر خارج من الدين، والواقع فيه من غير استحلال فاسق أثيم، يرجم إن كان محصنا، ويجلد ويغرب إن كان غير محصن.
بل لقد نفى النبي الإيمان عن الزاني في أكثر من حديث.
ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)).
وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي واللفظ له عن أنس رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإن تاب رد عليه)).
وفي المقابل أيها المؤمنون بالله واليوم الآخر: لا بد من إسكات هذه الأبواق المضللة التي تسعى في نشر هذا السقوط الاجتماعي، بل تزعم أنه خلق التحضر والارتقاء وتسميه بغير اسمه، ونبيكم سماها قاذورات، فلا يسطو على الأعراض إلا مجرم أثيم.. ساقط المروءة؛ يخرب بيته وبيوت المؤمنين. لا بد من حماية أبناء المسلمين مما يبتذل في أسواقهم ووسائل إعلامهم من الأغاني الماجنة، والصور الفاضحة، والقصص الساقطة، والأفلام الهابطة.
ماذا يريد المبطلون من هذه الاغراءات؟.
إن عذاب الله شديد. ألم يتبين لدى كل مطلع أن الزنا يعرض صاحبه بل يعرض المجتمع كله للإصابة بالأمراض السرية القاتلة كالزهري والسيلان؟ وما أمراض العصر الشهيرة من مرض الإيدز ومرض الهربس إلا وليدة هذه القاذورات.
اسمعوا إلى حديث المصطفى فيما أخرجه ابن ماجه وغيره من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله فقال: ((يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن وذكر منها: ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم)). ماذا بعد هذا أيها المسلمون؟ فنسأل الله السلامة والعافية.
أما عذاب الآخرة فأشد وأبقى، عذاب تذهل له النفوس، وتتقطع له الأفئدة.
جاء في صحيح البخاري وغيره عن سمرة بن جندب رضي الله عنه في حديث طويل في خبر منام النبي أن جبريل وميكائيل جاءاه قال: ((فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه لغط وأصوات قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا – أي صاحوا من شدة الحر – فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني؛ فهذا عذابهم إلى يوم القيامة)).
وقد جاء من غير طريق عن النبي أنه قال: ((إن ريح فروج الزناة والزواني يؤذي أهل النار شدة نتنها)).
وفي حديث عند أحمد وأبي يعلى وابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: ((إذا مات مدمن الخمر سقاه الله جل وعلا من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات – يعني البغايا – يؤذي أهل النار ريح فروجهم)). فأهل النار يعذبون بنتن ريح الزناة.
فاتقوا الله يا أمة الإسلام، وقفوا عند مسئولياتكم، خذوا على أيدي السفهاء تنجوا وتنج سفينتكم.
الزوج مسئول، والأم مسئولة، والأب مسئول، وولي الأمر مسئول، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. اطلبوا النجاة لأنفسكم وأولادكم وإخوانكم وكل من تحت مسئوليتكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [ الإسراء:32]. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد ، وهدانا صراطه المستقيم، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|