أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين، وفي الوقت الذي يحتفل فيه المسلمون بعيدِهم المباركِ عيدِ التوحيد لله تعالى وتكبيره وتمجيده وشكرِه، وعيدِ الإحسان لعباد الله وبذلِ المعروفِ لهم وإدخالِ السرور عليهم، عيدِ الطهرِ والنقاء والعفاف والصفاء، يحتفل غيرهم بعيدٍ يخالِف اسمه مسمّاه، يسمونه عيد الحب، وحقيقته الخنا والفجور والعهْر، يُرتَكَب فيه من الفواحش ما لا يخطر على بال ولا يقبله شريف، يستدرِجون به الناس إلى حمأة الشهوات والرذيلة.
وليس الحديث عنه ترويجًا، وإنما المقصود هو التحذير منه لأنه في الواقع عيد رائج لا يحتاج إلى ترويج، وإنما يحتاج إلى تحذير، يدل على ذلك الحركة التجارية التي تصاحبه والتي تؤكد تفشي هذا الوباء في قطاع من المجتمع لا يستهان به، وهم فئة الشباب من البينين والبنات، وهو عادة جاهلية وبدعة مذمومة وتقليد أعمى اخترقت به الفضائيات خصوصيات المسلمين. ولا شك أن هذا العيد إنما هو دعوة وراءها ما وراءها من إغراء بالشهوات وإشاعة للفحشاء والانحلال بين أبناء المسلمين تحت مسمى الحب ونحوه.
ولسنا نحرّم الحب إذا حرّمنا هذا العيد، فهذا عيد من أعياد الكفار، والمسلمون قد عوضهم الله بعيدين شرعيين لا يجوز لهم الاحتفال بغيرهما، والأعياد من خصائص الأمم، فلا يجوز لنا أن نشارك أمم الكفر الذين هم أعداؤنا في أفراحهم واحتفالاتهم، ولا شك أنه من الخطأ أن يخلط الإنسان بين ظاهر اسم اليوم وحقيقة ما يريدون من ورائه؛ فالحبّ المقصود في هذا اليوم هو العشق والهيام واتخاذ الأخدان، والمعروف عنه أنه يوم الإباحية والجنس عند الكافرين، لا قيود ولا حدود، ولا شك أنهم لا يتحدّثون عن الحب الطاهر بين الرجل وزوجته والمرأة وزوجها، وإنما عن علاقات محرمة.
أيها المسلمون، إن التعبير عن المشاعر والعواطف لا يسوِّغ للمسلم إحداثَ يوم يعظمه ويخصّه من تلقاء نفسه بذلك ويسميه عيدًا أو يجعله كالعيد.
ولا توجد أمة من الأمم ولا دين من الأديان يحث أبناءه على التحابِّ والمودة والتآلف كدين الإسلام، وهذا في كل وقت وحين لا في يوم بعينه، بل حث على إظهار العاطفة والحب في كل وقت، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه إياه)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب"، وجعل المحبة طريقًا إلى الجنة كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: ((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))، وهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام يضرب لنا أروع الأمثلة في محبته لأهل بيته كما جاء في السنة المطهرة؛ فيحرص عليه الصلاة والسلام أن يشرب من الموضع الذي شربت منه زوجه عائشة رضي الله عنها، وفي مرض موته يستاك بالسواك الذي رطبته له، ويموت عليه الصلاة والسلام بين سحرها ونحرها، فأي حبّ أشرف وأسمى من هذا؟!
بل إن المسلم تمتد عاطفته لتشمل حتى الجمادات، فهذا جبل أحد يقول عنه عليه الصلاة والسلام: ((هذا أحد جبل يحبنا ونحبه))، ولا شك أن الحب في الإسلام أعم وأشمل وأسمى من قصره على الحب بين الرجل والمرأة، بل هناك مجالات أشمل وأرحب وأسمى، فهناك حب الله تعالى وحبّ رسوله عليه الصلاة والسلام وصحابته وحب الدين ونصرته وحب الشهادة في سبيل الله وهناك محاب كثيرة، فمن الخطأ والخطر إذًا قصر هذا المعنى الواسع على هذا النوع من الحب.
أيها المسلمون، ولعل البعض يظن متأثّرًا بما تبثّه وسائل الإعلام ليل نهار أنه لا يمكن أن ينشأ زواج ناجح أو انسجام تام إلا إذا قامت علاقةُ محبة قبله بين الشاب والفتاة، وقد يغفل الإنسان حينما تتكرر عليه العروض الإغرائية عما تتضمنه من دعوة إلى الاختلاط والانحلال وكثير من الانحرافات الخلقية، وما ينشأ عنه من فساد كبيرٍ وجرائم عظيمة وضياع للحرمات والأعراض، لسنا في مقام بيانها، لكن نشير إلى أن الدراسات العلمية أثبتت نقيض هذا المفهوم الخاطئ الذي تروّج له وسائل الإعلام، ففي دراسة أجرتها جامعة القاهرة حول ما أسمته بزواج الحب والزواج التقليدي جاء في الدراسة أن الزواج الذي يأتي بعد قصة حب ينتهي بالإخفاق بنسبة ثمان وثمانين في المائة، أي: بنسبة نجاح لا تتجاوز اثني عشر في المائة، وأما ما أسمته الدراسة زواجا تقليديًا فهو يحقّق النجاحَ بنسبة سبعين في المائة، وبعبارة أخرى فإنّ عدد حالات الزواج الناجحة في الزواج الذي يسمونه تقليديًا تعادل ستة أضعاف ما يسمى بزواج الحب.
وهذه الدراسة أكدتها جامعة سيراكوز الأميركية في دراسة تبيّن منها بما لا يقبل الشك إطلاقًا أن الحب أو العشق ليس ضمانة لزواج ناجح، بل في الأغلب يؤدي إلى الإخفاق، وما هذه النسب المخيفة في حالات الطلاق إلا تصديق لهذه الحقائق. يقول أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة تولين: "إنّ الحب الرومانسي قوي وعاطفي جدًا، ولكنه لا يدوم، بينما الحبّ الواقعي مرتبط بالأرض والحياة ويستطيع أن يصمد أمام التجربة". وهذا الذي يسميه الحبَّ الواقعي هو ما عبر القرآن عنه بالمودة في قوله تعالى: وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجًا لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]. فالصلة بين الزوجين صلة مودة ورحمة، وليست علاقةَ عشق وهيام وصبابة وغرام، فهي صلة محبة هادئة، لا أوهامٍ عشقية لا تثبت على أرض الواقع، ولا خيالات غرامية لم يقم عليها أيّ زواج ناجح. وما أفقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال مخاطبًا النساء: (إذا كانت إحداكن لا تحبّ الرجل منا فلا تخبره بذلك؛ فإن أقلّ البيوت ما بني على المحبة، وإنما يتعاشر الناس بالحسب والإسلام).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم.
|