أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، العِلم نعمةٌ من الله يهَبُها لمن يشاء من عبادِه، فضلٌ يتفضَّل الله به على من يشَاء من عبادِه، ملائكةُ الرحمن يقولون: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32]، ويقول جلّ وعلا: عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:5]، ويمتنُّ بالعلم على العِبادِ بقولِه: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78].
العِلمُ يدعو إلى خشيةِ اللهِ ومخافتِه، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28]. العلم شَرفٌ لأهله ورِفعة لهم في الدّنيا والآخرة، يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]. العالِم والجاهِل ليسوا على حدٍّ سواء، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:9]. استشهَدَ الله بالعلماءِ على أعظمِ مشهودٍ عليه وهو توحيدُه وإخلاصُ الدّين له، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18]، وفي الحديث: ((من سلَكَ طريقًا يلتمِس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنّةِ)).
أيّها الإخوَة، غدًا يوم السّبت السادِس والعشرين من رجَب من عام خمس وعشرين وأربعمائة وألف، يتوجّه أبناؤنا وبناتنا إلى مراحِلِ التعليم المختلفة مِن جامعيّين وما دونها من التعليم الثانوي فالمتوسّط فالابتدائي، نرجو من الله أن يكونَ عامَ خيرٍ ونعمة للجميع.
فبهذه المناسبةِ العظيمة أذكِّر أبناءَنا وبناتنا نعمةَ الله عليهم إذ يسَّر لهم سبيلَ الحصول على العِلم، وهيّأ لهم تلك المراحلَ المتعدِّدة يؤمُّونها، وكلٌّ في بلدِه ما يكفيه من مراحِلِ التعليم، وتلك نعمةٌ منَ الله على العباد أن يقصِدَ هذا العدَد الكبير من أبنائنا وبناتنا في أرجاء هذه البلادِ العزيزة مراحلَ التعلم، وقد شُرِعت لهم أبوابها، ويُسِّر لهم سبيل الوصولِ إليها والالتحاق بها، فتلك نعمةٌ عظيمة يشكر العبدُ عليها ربَّه جلّ وعلا. فلقد كانت تُشدّ الرحالُ إلى العلم ويطلَب من أقاصي الدنيا، واليومَ والبلاد تعمُّها مراحل التعليمِ المختَلِفة، وكلٌّ يجد في بلدِه أو بالقربِ منه مراحلَ التعليم التي يحتاج إليها. فلنشكر الله على هذه النّعمةِ وعلى هذا الأمنِ والاستقرارِ وتسهيلِ المهمّات، فللَّه الفضلُ والمنّة أوّلاً وآخرًا.
أيّها الابنُ الكريم، أيّتها الفتاةُ العزيزة، إذا كانَت مراحِلُ التعليمِ قد يُسِّرَت سبُلُها وذُلِّلت الصّعابُ أمامَ أبنائِنا وبناتنا فما عَلى أبنائِنا وبناتِنا إلاَّ الجدُّ في التّحصِيلِ، الجِدّ وبذلُ الوُسعِ في التحصيل العلميّ؛ ليتزوَّدوا عِلمًا ومعرِفة.
أحذِّر أبناءَنا وبناتِنا منَ الكسَل والخمولِ والتَّسكُّع في الطّرقات وتَضييعِ هذه الفرصةِ حتى يمضيَ سنون عديدةٌ وما استفادَ الطالِب عِلمًا، تمرُّ بِه مراحِل التعليم وبينما يحتاج إلى ثلاثِ سنواتٍ ما قد تكون ستَّ سنَوات، لماذا؟ كسَلٌ، خمولٌ، وتسكّع في الطرق، اشتغالٌ بما لا ينفع، تضييعُ الفرَص النافعة حتى تَمضيَ زهرةُ شبابِه وما استفادَ عِلمًا ولا تحصيلا.
عارٌ عليك ـ أيّها الشاب المسلم وأيّتها الفتاة المسلمة ـ أن تمضيَ مراحلُ التعليم وقد جعلتَ كلَّ مرحلةٍ مرحلتين وكلَّ عامٍ عامين بلا سببٍ يقتضي ذلك، لكنّه الكسَلُ والخمول. إنّ هناك فئاتٍ من النّاس قد يثبِّطون طُلاّبَنا وطالباتِنا عن التعليمِ، يثبِّطونهم ويُضعِفون مِن عزائِمِهم ويفُتُّون في عضُدِهم ويدعونهم إلى الكسَلِ والخمولِ وإلى الذّهابِ هنا وهناك، سهرٌ في اللّيل طويل على غيرِ هدًى، وملتقى على غيرِ منفعة، ثمّ يأتي للمدرسة ونحو ذلك فارغَ الذهب قليلَ المعرفة، لا رغبةَ عنده، ولا ميولَ إلى الاستفادة، وإنما قد يأتي خوفًا من الأبِ أو الأم أو مساءلةِ المدرسة. عارٌ عليك ذلك ونقصٌ في حقِّك وأنت مؤهَّل فكريًا مؤهّل للعلم، لكن الخمول والكسَل يخيِّم على البعض ودعاةُ الفساد والتضلِيل ومن يريدون صرفَ أبنائنا وبناتِنا عن التزوُّد بالعِلم النافع ويدعونهم إلى البُعد عن ذلك؛ ليعيشوا جهلاً إلى جَهلهِم، وتمضي أيّامُ الشباب وما استفاد ذاك الشابّ ولا تلك الفتاة من ذلك العمُر خيرًا.
إذًا فعلى الجميعِ أن يستقبِلوا العامَ الدراسيَّ بكلِّ جدٍّ ونشاط وتحصيلٍ علميّ، فالأمّة بأمسِّ الحاجة إلى أبناء وبنات لديهم الفهمُ والتحصيل النافع؛ ليساهموا في بناء هذا المجتمعِ المسلم على أسُسٍ من الأخلاق والفضائلِ والعلوم النافعة.
إنَّ الأمّةَ تُقاس حضارتها بفُشُوّ العلم بين أبنائها، فالعِلم في المجتمعِ هو مِقياس تقدُّمه ورقِيِّه وكونه مجتمعًا نافعًا.
أيّها المعلِّم الكريم، أيّتها المعلّمة الكريمة، إنَّ خطابي معكَ أيّها المعلم ومعكِ أيّتها المعلمة لأذكِّر نفسِي وأذكِّر الجميعَ بالأمانةِ الملقَاة على كاهِلِ الجميع، فأنتَ ـ أيّها المعلم ـ مؤتَمَن، نعَم مؤتَمَن وعلى أيّ شيء؟ على فلذاتِ الأكباد، علَى عدّةِ المجتمع وأمَلِه بعد الله، على هَذا الجيلِ أنتَ مؤتَمَن حقَّ الأمانة.
أيّها المعلم، إذًا اعرِف مسؤوليّتَك، واستحضِر واجبَك، واعلم أنّك مسؤولٌ أَمامَ الله قبلَ كلِّ شيء، مسؤول عن هذه الأمَانةِ التي حَمَلتَها، هل حَمَلتها بحقٍّ فتكونَ ممن أدّى الأمانةَ، أم حملتَها بغيرِ حقٍّ وبكسَل وخمول فتكونَ ممّن خُنتَ تلك الأمانة؟
أيّها المعلم، أيّتها المعلمة، إنَّ أبناءَنا وبناتِنا يَرقُبون سُلوكَ ذلك المعلِّم وسُلوكَ تِلك المعلِّمة، يرقُبُون الأقوالَ والأخلاقَ والسّلوكَ والتّصرُّفات، فإن يكن ذلكَ المعلِّم رجلاً صالحًا مهذَّبَ السّلوك مهذّبَ القَول، إن تكلَّم تلفَّظَ بخَير، وإن تَصرَّف فتصرُّفٌ حسَن، مَظهرُه إسلاميّ، وأقوالُه طيّبة، وأعمالُه حَسَنة، يربِّي الجيلَ تربيةً صالحة، يغرِس في قلوبهم حُبَّ الله وحبَّ رسولِه وتعظيمَ دينِه وتعظيمَ الأوامِر وتعظيمَ النّواهِي، إن تكلَّم فالأقوالُ حَسَنة، فليسَ بالسّبَّابِ ولا باللَّعّان ولا بالفَاحِش ولا البذيء، منضبِطٌ أداءً ووقتًا، فالأمانةُ العلمية تقتضي منه أداءَها على المطلوب، وتقتضي أن يؤدِّيَ الوقتَ المحدَّد على المطلوبِ، وتقتضي أن يكونَ مِثاليًّا في انتظامِهِ في العمَل والسّلوكِ الحسن. إنّك قدوةٌ فأحسِن القُدوةَ، يقتدي بك أولئكَ النّشء، يسمَعون كلامَك، ويرَونَ مظهَرَك وتصرُّفاتِك وانضبَاطَك في الزمَنِ، فيكونون نقَلةً لكلّ تصرّفاتك، فهم مرآةٌ تعكِس أخلاقك وأعمالَك، فاتّق الله أيّها المسلم، اتّق الله في نفسِك تقوًى تحمِلك على أداء الأمانة والقيامِ بالواجب وتربيةِ هذا النشءِ تربيةً إسلامية صالحة مبنيّةً على أسُسٍ من الأخلاقِ والقِيَم والفضائل.
أيّتها المعلمة، بناتُنا يُصغون إليك، وينظرون حركاتِك وتصرّفاتك، فاتّقي اللهَ أيّتها المعلمة، وكوني قدوةً صالحة لهنّ في السلوك والمظهَر الحسَن، إيّاك أن يكونَ المظهَر سيِّئًا؛ من سفورٍ، من تبرّج، من عَدَم عِفّة في الملبس، من أقوالٍ سيّئة، فتنقل الفتاة الصغيرةُ عنك كلَّ ما عمِلت وقلتِ.
فليتَّق الجميع ربَّهم في تربيةِ نشئِنا من بنينَ وبنات، وليكن الجميعُ مراقبًا لأمرِ الله، مراقبًا الله في ما يأتي ويذَر.
أيّها المعلِّم، أيّتها المعلِّمة، إنَّ الأمّةَ تعصِف بها أفكارٌ سيِّئة، سببُها حَمَلاتٌ شرِسَة من لدُن أعداءِ الإسلام؛ ليفرِّقوا كلِمةَ الأمّة ويشتِّتوا شملَها ويَفتُّوا في عضدِها، فلا بدّ لرجالِ العلم والتربية ذكورًا وإناثًا أن يساهِموا في تخليصِ الأمّة من هذه الدّعوات المضلِّلة. أفكارٌ سيّئة ما بين غلوٍّ مشين وما بين جفاءٍ قبيح، فلا بدّ للمعلّم والمعلّمة من علاجِ هذا الفكر المنحرِف، سواءً كان من طريق الغلوِّ المذموم أو من جانبِ الجفاء الممقوت، فلا بدَّ أن نريَهم الحقَّ والطرِيقَ المستقيم ليسيروا عليه.
أبناؤنا وبناتُنا كم يشاهد الجميع بعضَ القنوات الفضائيّة التي تحمِل في طيّاتها إلحادًا وانحرافًا عقديًّا وسلوكيًّا ودعواتٍ مضلِّلة تشكِّك الأمة في ثوابِتها ومسلَّماتها. لا بد لذي العلمِ والتعليم عندما يشعُر عن بعض أبنائنا أو بناتِنا شيئًا من هذه الأفكارِ المنحرِفة أن نعالجَها بفكرٍ سليم صحيح، نصحِّح المسار ونطهِّر القلوبَ من أدران هذه الضّلالات والغوايات.
أيّها المعلِّمون رجالاً ونساء، أبناؤُنا بعضهم قد يكون تهيَّأت له الفرَص فذهب هنا وهناك واطَّلع على عالِم خارجيٍّ وشاهد من الإعلامِ في الصحافة والتلفاز وغيره والمنتديات وغيرها شاهدَ أمورًا عجيبةً وأمورًا غريبة عليه وعلى بيئته، وقد يكون متأثِّرًا بها، وقد تسمعه يتحدَّث عمّا رأى وما شاهد ومعجبًا ببعض الأمورِ التي هي ضارّة ولا بدّ، إذًا فلا بدّ لرجال التعليم من أن يستأصِلوا تلك الأفكارَ الخاطئة، بأن يوضِحوا لهم شريعةَ الله ويبيِّنوا لهم المنهجَ المستقيم، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].
أيّها المعلِّم، قد يكون عند بعضِ أبنائنا تبادُل لأشرطةٍ أو مقالاتٍ وأفلام هابطة، وقد تشعُر بشيء من هذا، فحاوِل من خلال تعليمِك أن توصيَ الجميعَ بتقوى الله، وأن تحذِّرهم من هذا الانحرافِ الفكريّ، الانحراف السلوكيّ أو الانحراف العقديّ، لتضَعَهم على الطريق المستقيم.
إنّ هذه الثوراتِ الإعلامية لن يستطيعَ أحدٌ إيقافَ زحفها ولا السيطرةَ عليها إلاَّ بفكرٍ سليم يغرِس في قلوب أبنائنا وبناتِنا حبَّ الخير والبعدَ عن الشر والفساد؛ إذ تلك القنواتُ الضالة التي تنقل في شاشاتِها كلَّ بلاءٍ ومنها ما يصوِّر الأشياءَ الضارّة والأخلاق الهابِطة فلا بدّ من فكر سليمٍ يحمله رجالُ العلم ذكورًا وإناثًا إلى شبابِنا من ذكور وإناث، ليوضِحوا لهم الحقَّ ويهدوهم الطريقّ المستقيم ويقابلوا الأفكارَ السيّئة بالأفكار السليمةِ المستقيمة، فالأمّة بأمسّ الحاجة إلى فهمٍ ووعي صحيح لهذه الأمورِ المخالفة ومعالجتِها بالفكرِ السليم الناضج المبنيِّ على الكتاب والسنة.
أيّها الأخ العزيز، أيّها المعلم العزيز، لا بدّ من جهادٍ في سبيل الله بدعوةٍ إلى الله وتبصيرِ النشء وحثِّهم على الخير حتى يسمَعوا ويقبلوا منك، فكلماتُك مقبولة، تسمعُها الأذُن، ويعيها القلب. فاتَّق الله، وأصلح فيما بينك وبين الله، وربِّ هذا النشءَ تربيةً صالحة ليكونَ ما يستمرّون عليه من خيرٍ وهدًى لك أجره إن شاء الله إلى قيام الساعة.
وعلى الآباء والأمّهات أن يكونوا عونًا للأبناءِ على الخير، يحثّونهم على العلم، ويرغِّبونهم في الجدّ، ويحاسبونهم على التخلُّف، ويحولون بينهم وبين وسائلِ التّثبيط عن الخير والهدَى. لا بدّ من تعاون الأبوين جميعًا، فإنّ هذا التعاونَ سببٌ لكلّ خير.
والمسؤولون عن إدارةِ المدارسِ والجامعات من ذكورٍ وإناث لا بدّ للجميع من تعاونٍ بينهم، لا بدّ للمعلِّم والمعلّمة أن ينظروا في واقع أبنائِنا وبناتنا، وأن يحذِّروهم من جلساءِ السوء ودعاةِ الرذيلة ومن يثبِّطون عن العلم ومن يدعون إلى هجرِ العلم ومن يزهِّدون في العلم ومن ينادون إلى أن يكونَ الناس على جهلٍ وبُعد عن الخير، مهما برَّروا تلك الدعواتِ فإنّها دعواتٌ ضالّة خاطئة، لا بدّ من رفضِها وتحذيرِ أبنائنا من أن يغترّوا بها.
أسأل الله للجميعِ التوفيق والسداد، يقول الله جلّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليلَ لي ولَكم ولسَائر المسلمين من كلّ ذَنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
|