أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله عز وجل يصل العبد إلى منازل الأبرار، وبتقوى الله ينجو من المهالك والأخطار، ويبتعد عن مسالك الشر والأشرار.
عباد الله، لقد أرشدنا المولى تبارك وتعالى إلى تتبع المجرمين والنظر في أفعالهم وطرقهم في هدم الدين فقال: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55]، وأمر عز وجل نبيه أن يجاهد المنافقين فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73]، فجهاد الكفار بالسيف والسنان، وجهاد المنافقين وأضرابهم من العلمانيين والمستغربين يكون بالحجة والبيان، لأنّ ظاهرهم الإسلام وباطنهم الكيد لأهل الإيمان.
أولئك هم المروّجون لتغريب المرأة المسلمة المحتشمة، وهم الذين يباركون ما يخطّطه أعداء الإسلام، فينشرون الأفكار ويسعَون إلى التنفيذ، يعلنون للناس أنهم دعاة إصلاح، حالهم حال أسلافهم: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12].
يخدعون المؤمنين بحلو الكلام، ويخفون ما تنطوي عليهم قلوبهم من الإجرام، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14].
يلبسون أفكارهم لباس الإصلاح والحرص على المصلحة، فانخدع بهم ضعاف الإيمان وناقصو العقول، فاستجابوا لدعوتهم، فجلبوا لبيوتهم الشرور والمفاسد، فقد تزعزعت العقيدة وتداخلت الشكوك وضعفت عند ذلك المناعة وغزتهم الأمراض.
عباد الله، كيد أعداء الإسلام عظيم وخطرهم جسيم، فمن ذلك ما يقومون به بين الفينة والأخرى من عقد المؤتمرات التي تتحدّث عن المرأة، مستهدفين بذلك المسلمات العفيفات حقدًا وحسدًا من عند أنفسهم، وما ذاك إلا لأنهم فطنوا لمكانة المرأة الأساسية ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع، فأيقنوا أنهم متى ما أفسدوها ونجحوا في تغريبها وتضليلها فعند ذلك تهون عليهم حصون الإسلام، بل يدخلونها وهي مستسلمة بدون أدنى مقاومة، لم يكفهم ما نعيشه هذه الأيام من ذل ومهانة، بل إنهم يريدون أكثر من ذلك، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].
يقول شياطين اليهود عليهم لعنات الله المتتابعة: علينا أن نكسبَ المرأة، ففي أيّ يوم مدّت إلينا يدها ربحنا القضية. ولذلك نجح اليهود في توجيه الرأي العام الغربي حينما ملكوا المرأة عن طريق الإعلام وعن طريق المال، فأصبح الغرب بين أيديهم. ويقول أحدهم: كأسٌ وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات.
عباد الله، لقد كانت المرأة في الجاهلية مهانة في الأسرة والمجتمع طفلةً وشابة، استعبدها الرجال في ذلة وامتهان، إن سأَلت لا تجاب، وإن احتيج إليها فللسّعي والاحتطاب، لا وزن لها إلا بمقدار ما تطلبه نزوة الرجل ورغبته، ويومُ خروجها إلى الدنيا يومٌ تسود فيه الوجوه، وبشرى البشير بها سخَطٌ وعقاب، وبشراها دفنها في التراب، عقول فارقها رشدُها لبعدها عن نور الوحي من السماء وهدي الأنبياء، رجال رضعوا الوثنية وتربّوا على الكهانة، فنالت الجاهلية من المرأة أقسى منال، فحرمتها الحياة، فسبِيت المرأة وبيعت ووئدت ووُرِثت كما يورث المتاع، لا شأن لها ولا كرامة، فبينما المجتمع الجاهلي يتخبّط في دروب الحياة خبطَ عشواء في ظلمة ظلماء وهمجية رعناء ينبعث من بين ذلك الظلام فجر الإسلام ويشعّ نور الهداية، فتسمع الدنيا لأول مرة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، ويسمع قوله: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، ويسمع قوله : ((استوصوا بالنساء خيرًا))، وبذلك يضع الإسلام الأسُس الكبرى لكيان المرأة الجديد، والذي ما لبث أن آتى ثمارَه في ظل المدرسة النبوية، فإذا المرأة إمام يستفتى في مسائل العلم، وإذا هي مُصلِحة وداعية إلى الله تعالى، بل زاد الإسلام المرأة كرامة على كرامة، فجعل الأم أحقّ بالإكرام من الأب، وحثّ على إكرام البنت والأخت، ورتّب الأجر العظيم على رعايتها والقيام بشؤونها والصبر عليها.
عباد الله، لقد وضع الإسلام للمرأة سياجًا قويًا مانعًا من الضياع، إذا هي أخذت به نجت، وإن هي أضاعته ضلت وهلكت، ذلكم هو سياج الحِشمة والعفاف الذي يكون من مقتضاه الحجاب الشرعي والقرار في البيوت والبعد عن مخالطة الرجال والبعد عن غشيان الأماكن العامة التي أقيمت بدعوى الترفيه وفيها ما فيها من إعطاء جرعات قوية في التفلّت من سياج الحشمة كما هو معلوم لديكم، ولا يخفى ذلكم عن ذي عقل مفكر وقلب واع.
وإن سياج الحشمة يجعل المرأة جوهرة في صدفة لا يعرفها إلا الخواص، فالإسلام يرى في الاختلاط خطرًا محقّقًا، فهو يباعد بينهما إلا بالزواج، وأعداء الإسلام يدركون قيمة هذا الحجاب وأثر قرار المرأة في بيتها في حماية نفسها وصيانة عفتها وطهارتها، لذلك تراهم يشنون حربًا على الحجاب فيصفونه بالظلم والجور وأنه دخيل على حياة المسلمين وأنه يحول دون تقدّم المجتمع ويؤدي إلى تدهور الاقتصاد.
وهم بذلك يزيّنون للمرأة الخروج من بيتها، حتى إنهم أغروها تارات وتارات بقيادة السيارة في هذا البلد الآمن المحافظ، وما بهم والله عطف على المرأة المسلمة ولا رحمة بها، وما بهم غيرة على الإسلام ولا حب بالمسلمين، وإنما هو الحقد الدفين والكيد المضمر والكراهية المكنونة في نفوسهم، هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ [آل عمران:119]، ولا أدل على ذلك من عقد المؤتمرات وتعالي الصيحات هنا وهناك لأجل تغريب المرأة وخاصة المسلمة.
إنه الحقد والكيد والحسد ملبّسًا بلباس الحرص على المصالح، لقد جرّبوا ذلك الضياع فعرفوه وحصلت لهم منه الويلات، تقول إحدى الإنجليزيات: "ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف والطهارة، نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بمخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال لسلامة شرفها" اهـ.
إن مَن عقَل مِن نسائهم ـ يا عباد الله ـ يقُلن بملء أفواههن: "يا نساء العالم، لا تصدّقن هذه الأكاذيب، ولا تغترِرن بهذه الكلمات المنمّقة التي يطلقها ذئاب البشر، فليس ما نحن فيه إلا واقع الخيبة والضياع، لا نشعر بسعادة حقيقية، ولا نحس بوجود حقيقي، فلا استقرار ولا أمن ولا طمأنينة، إنما هو القلق والحسرة والضيق النفسي والتبرم من كل شيء والانتقال من حضن رجل إلى حضن رجل آخر، نحن محرومات من الأمومة، محرومات من عشّ الزوجية الهانئ السعيد، محرومات من الاحترام الحقيقي النابع من قلب الإنسان وضميره، محرومات من أبسط حقوق الإنسان، لقد اضطرتنا حضارة الغرب المدمّرة بعد أن أخرجتنا من بيوتنا الزوجية وهدمتها فوق رؤوسنا إلى أن نعمل في المصانع والمتاجر والحقول والمناجم، فنرهق أبداننا بما لا نتحمله وبما لم نخلق له، بينما أهملت وظيفتنا الحقيقية ومهمتنا الطبيعية وهي إنجاب الأجيال وتربيتها، فأعطيت للمحاضن وأعطينا ما ليس لنا أصلاً، فأصبحنا نشقى لنأكل، ثم نضطر لإرضاء صاحب العمل ولو كان ذلك على حساب كرامتنا وشرفنا وعفتنا، فنقدّم أجسادنا قرابين له لكسب رضاه ولضمان استمرارنا في عمله".
عباد الله، هذا هو واقع تلك البلاد، أفَبَعد هذا كله يأتي من يقول: إن الإسلام ظلَم المرأة أو إن المرأة المسلمة سجينة مهانة لا شأن لها ولا كيان.
عباد الله،
أرى خلل الرماد وميض جمر وأخشى أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكـى وإن الحرب مبدؤها الكلام
فإن لم يطفها عقلاء قومـي يكون وقودها جثث وهام
عباد الله، إن بناتنا من أفضل ثمارنا وخير زروعنا، إنهن الرياحين الناظرة في حياتنا، إنهن فلذات الأكباد ومهج القلوب، وإن هذه الزروع يوشك أن تعصف بها ريح الإثم والجريمة، ريح التبرج والسفور، تنقلها إليهن وسائل الإعلام المختلفة والتي تنشد من المرأة وأد عفّتها وهي حية لا في التراب وإنما في براثن الرذيلة.
وإن المرأة بلا عفة ولا حشمة باطن الأرض خير لها من ظاهرها، إنها إذا وصلت إلى تلك الحال تكون سبة الدهر وعارًا لا تغسله مياه البحار.
فيا أيها الأولياء، ويا أيها الآباء، ويا أيها الغيورون، قولوا للمرأة: يا فتاة الإسلام، لا تسمعي كلام أعداء الدين، أولئك الذين يزينون لك حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية والتقدمية، فإن هؤلاء لا يهمهم منك إلا اللذة العارضة والشهوة العارمة والعشاء العامّ.
عجبت ـ يا عباد الله ـ لغيورٍ يذهب بنسائه وبناته إلى خارج هذه البلاد متبرّجات سافرات! هل هو معدوم الغيرة؟! هل أصابه جنون؟! لقد نقِل لي أن أحدهم أخذ بيد زوجته ليراقصها أمام الناس متبرّجة سافرة، أهذا فعل من نشأ في بلاد الحرمين؟! أهذا نهج من ولِد في مهبط الوحي ومنبع الرسالات؟! ألا نتقي الله؟! ألا نستحي من عباد الله؟! إن العالم الإسلامي ينظر إلينا بعين القدوة، ينظر إلينا أننا أحفاد الصحابة، فلماذا هذه الأفعال؟! لماذا لا نتناصح فيما بيننا؟! لماذا نخلي أنفسنا من مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
لقد سمعنا بانطلاقة الكثير في هذا الصيف إلى كثير من البلدان، زعموا جمال الطبيعة، زعموا رخص الأسعار، فوا عجبًا لمن يؤثر المال على الأعراض، وماذا يفيدك جمال الطبيعة إذا ذهب جمال الأخلاق؟!
عباد الله، لقد تحدّثت في خطبةٍ قبل ثلاثة أشهر عن خطر التبرّج والسفور، وذكرت كلامًا لا يسع المقام لإعادته، فخذوا من الإشارة ما يغني عن العبارة، وانصحوا لأنفسكم وأهليكم، واعلموا أنّ أعداء الإسلام لكم بالمرصاد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ [البقرة:109].
بارك الله لي ولكم...
|