أيها الناس، اتقوا الله واخشوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
عباد الله، تُسَرّ العين وتأنس الأذن وينشرح القلب وتطيب النفس عندما نسمع ونرى ذلك البناء العظيم الذي سيبدأ بنيانه، وأهله يعدّون العدة لإقامته وإتيانه، وكيف لا يكون عظيمًا والله سبحانه قد تفضّل به منة وإنعامًا؟! بل حثّ عليه، ونبيه وجَّه إليه صيانة للإنسانية وإكرامًا، به يقطع الشر ويشيع الطهر ويحفظ الفرج ويُغض البصر، علكم عرفتموه، وما رُمته فهمتموه، إنه الزواج، آية من آيات الله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
وفي مثل أيام الإجازات تكثر الزيجات، فلله الحمد والمنَّة، لكن المقام وحال كثير من الأنام في مثل هذه الأيام، يستوجِب العظة والذكرى، نصحًا وتذكيرًا لأولى الأحلام والنهى.
ذاكم ـ يا رعاكم الله ـ مما نشاهده بأمّ أعيننا، وأخباره تملأ أسماعنا، بل ولربما صنعته أيدينا ومن غيرنا وأهلينا من منكرات وخطيئات، تعجّ بها أفراحنا وتمحق بركة أعراسنا، دعونا ـ يا عباد الله ـ نتحسّس الداء، علّنا نتوب ونستغفر ونعرف وننكر ونجانب ونحذر، علَّ الله أن يرحمنا ويسبغ نعمه علينا ولا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
إن وليمة العرس ـ يا رعاكم الله ـ سنة مؤكدة وحثّ عليها الإسلام ورغّب، ففي الصحيحين أن النبي قال لعبد الرحمن بن عوف: ((أولم ولو بشاة))، ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية إجابة الدعوة لها، بل بعضهم يرى وجوب إجابتها لأمر الرسول بذلك، والناس في هذا الزمان ولله الحمد أولموا ولم يقصّروا، وأجاب كثيرهم ولم يتمنعوا، ولكن السؤال: كيف وضع هؤلاء عرسَهم؟ وما حدث فيه؟ وكيف أولئك أجابوا؟ وما صنعوا فيه؟
لقد عمت في هذا الزمان والعياذ بالله منكرات الأفراح وطمّت، وما منشأ ذلك إلا الجهل بدين الله وقلة الخوف من الله والأمن من مكر الله وتقليد الآخرين والتفاخر والرياء والسمعة وعدم القيام بالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضعف كثير من الرجال وتسليم القيادة والقوامة للنساء والتهاون واحتقار المعصية، كل واحدة مما مضى تسهم بسهمها في إشاعة منكرات الأعراس وكثرتها.
أما منكرات الأعراس فهي قسمان: مخالفات في الزينة لها، ومخالفات في ليلة الزفاف نفسها، أما مخالفات الزينة فهي كثيرة، من أهمها ما يلي:
أولاً: لبس غير الكاسي من الثياب بالنسبة للنساء حتى إن الداخل لأسواقنا ليرى ألبسة عجيبة يستنكر العقلاء فضلاً عن ذوى الإيمان أن تلبسها النساء، ثياب رقيقة وأخرى عارية تبدي جزءًا من المرأة، وألبسة مخرمة وكذا القصيرة والمفتوحة من الجوانب والضيقة التي تصف حجم الأعضاء، وحدث ولا حرج عن البناطيل والصدور والنحور بادية وأسافلها مفتحة، والحجة: موديل العصر ونحن أمام النساء. يا سبحان الله، أين هنّ مما جاء في مسلم يقول : ((صنفان من أهل النار لم أرهما قط))، وذكر: ((نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها))؟! ورد في تفسير كاسيات عاريات أنها تستر بعض بدنها وتكشف بعضه، أو تلبس ثوبًا رقيقًا تصف بدنها.
وفي جواب اللجنة الدائمة للإفتاء لمن تلبس ما شاءت مما سبق وتحتج أنها أمام النساء قالت اللجنة: وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في الكشف فعلاوة على أنه لم يدل دليل على جوازه، فهو طريق لفتنة المرأة وتشبه بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن، وقد ثبت عن النبي : ((من تشبه بقوم فهو منهم)).
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لابسة البنطلون تدخل في حديث: ((صنفان من أهل النـار)) الآنف الذكر حتى ولو كان واسعًا فضفاضًا".
2- عدم التزام الحجاب الشرعي، بل أصبح الحجاب ذاته عند بعضهن تجمّل ومباهاة، وذلك بلبس العباءات المطرّزة وأغطية الوجه المخالفة للشرع والنقابات الواسعة ووضع العباءة على الكتف ولبس الكاب وغيرها، وما سبق فتاوى العلماء فيه ظاهرة واضحة بالحرمة، لا يعرض عنها إلا المكابرون الذين يستمدون تحليلها من أهوائهم ورغباتهم والحجة: لا أظن أنه حرام، وماذا فيها؟!
3- ما تفعله كثير من المتزوجات من لبس ثياب بيضاء تسمّى التشريعة، وربما كانت طويلة ولا تستطيع المشي بها حتى يحمله معها عدد من النساء، وتلبس معها شرّابًا أبيض وقفازين أبيضين، وهي من الأعراف الفاسدة الدخيلة على المسلمين، ناهيك ما فيها من الرياء والسمعة والإسراف والتبذير، تُشرى بغالي الأثمان من أجل أن تلبس مرة واحدة ولمدة ساعـات، وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141].
4- المبالغة في تفصيل الثياب من الحاضرات والمباهاة بها لمجرد أن تلبس مرة واحدة في إحدى المناسبات، والراقية من تلبس الأغلى ونسيت حساب العلي الأعلى.
5- ومن المخالفات بالنسبة للرجال إسبال الثياب والمشالح إلى أسفل الكعبين، وقد أخرج مسلم في صحيحة أن النبي قال: ((ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) منهم المسبل إزاره.
6- لبس الباروكة وهي حرام فهي واصلة، وصح عن النبي : ((لعن الواصلة والمستوصلة)).
7- الذهاب إلى محلات تصفيف الشعر ووضع المساحيق وهي ما تسمّى بالكوافيره، فتدخل المرأة في مكان لا يؤمَن عليها فيه، بل قد تصوَّر وهي لا تعلم، بل بعضهن تبدي من جسدها ما لا يحلّ بحجة التنظيف، والله المستعان.
8- قص الشعور أو تسريحها على وجه يشبه ما عليه الكافرات وهذا محرم، أو تجمع الشعر بطريقة مائلة فوق رأسها فتدخل في وعيد نبيها: ((رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة)).
9- حلق ما يحرم حلقه من الشعر، فتحلق المرأة حواجبها وهذا هو النّمص، وقد صح عن النبي لعن النامصة والمتنمصة، وكذلك حلق الرجل لحيته يريدون الجمال زعموا، وهل عرفت الدنيا أجمل من محمد ؟! كان كث اللحية، وهو القائل: ((جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى)). ومن ذلك أيضًا تخفيفها أو تحديدها ونحو ذلك.
10- صبغ اللحية بالسواد، وهذا ما يفعله بعض كبار السن في المناسبات، وعند الإقدام على الزواج خاصة، فأين هم عما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس قال: قال رسول الله : ((يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة)). وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله بحرمته. ألا فليتق الله أولئك، وحجتهم: فلان يعمله وفلان يعمله، ألا إن كل نفس بما كسبت رهينة، ولن يحاجّ أحدٌ عن أحد.
11- خروج النساء من بيوتهن متعطرات ومرورهن أمام الرجال، وقد نهى النبي المرأة إذا مست بخورًا أن تأتي إلى المسجد، فكيف بالله إذا خرجت لغيره؟!
12- لبس الكعب العالي، وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بحرمته.
13- إطالة الأظفار، فإن كان تشبهًا فلا شك في حرمته، وإن كان هوى فهو خلاف الفطر المستقيمة.
حفظ الله أعراضنا وأعراضكم، ووقاني الله وإياكم الشر وأسبابه والحرام وبابه، إنه سميع قريب سريع الاستجابة.
|