أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى.
أيها الأحبة، قام أنبياء الله ورسوله بأعظم رسالةٍ في تاريخ البشرية، فقد أدّوا رسالات الله وجاهدوا وصبروا وبلّغوا وبيّنوا وأعذروا إلى الله وبلغوا رسالاته رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ [النساء:165]، أما رسالتهم فهي الحق، الحق الذي من أظهر صفاته وضوحُه وبيانه وقوة أدلته وظهور حججه، فللحق إشراق وضياء، وللباطل ظلمةُُ وغموضُُ وخفاء، والحقُّ أبلج، والباطل لجلج، والحق أبداً واضحُُ مبين يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ الآية [النساء:26].
لقد أنزل الله آياته مبيّنات، وأرسل رسله بالبيّنات، وجاءت أصول ديننا الإسلامي كالشمس وضوحاً لا ينكرها أو يتعامى عنها أحدٌ، حتى اللغة التي أرسلت بها الرسل كانت بلغة أقوامهم وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4]، وكان في مقدمة هؤلاء الرسل نبينا ورسولنا محمدٌ الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين ولحق بالرفيق الأعلى بعد أن ترك أمته على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا الهالكون.
ثم نقل الدين بعده أصحابه رضي الله عنهم، ففارقوا من أجل هذا البيان أوطانهم وأولادهم، وضحوا بكل غالٍ لديهم، من أرواحهم أموالهم وأعمارهم، ثم تناقل الدين العلماء المخلصون والمجددون العاملون حتى وصلنا الدين صافياً كما أُنزل على محمد فكتاب ربنا وسنة نبينا بين أيدينا، لكن هذه الأمة التي غادرها النبي قوية، عزيزةً موحدةً على كلمة الله قائمةً بأمر الله، وبعد أن تولّت عنها الأزمنة الفاضلة نفذت إليها عوامل الضعف والترّدي كما نفذت إلى الأمم السابقة، وأثرت فيها أسباب التفرق والاختلاف والتنازع حتى أصبحت أهواءَ شتى وآراء متباينة، وفرقاً يكفر بعضها بعضاً، ويقتل بعضها بعضاً إلا من عصم الله منهم.
ولذلك فقد جاءت النصوص الشرعية من قرآن وسنة مبينة افتراق الأمم واختلافها، وكذلك التحذير الصحيح من الفتن وأسبابها ودواعيها ومبينة أثر هذا الافتراق على الأمة، وهو علامة من علامات غربة هذا الدين التي بدأ بها وسينتهي إليها.
أخي المؤمن، إذا قلبت نظرك في حال المسلمين اليوم تتبين لك غربة الدين واضحة، تراها في حال المسلمين رغم هذا الضياء لدين الله، ترى حال الأمة يؤول إلى ما أخبر عنه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: ((إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرز إلى المسجدين كما تأرز ـ أي ترجع ـ الحية إلى جُحرها)) رواه مسلم وغيره.
استحكمت غربة الدين في مظاهر كثيرة في واقعنا المعاصر وفي مجتمعنا الإسلامي، منها ما نشاهده في كثير من بلاد الإسلام من انحراف خطير في عقيدتهم في رب العالمين والإيمان به وتوحيده بالعبادة ومن عودةٍ إلى الوثنية وانتشار مظاهر الشرك وعبادة القبور وتقديس الأولياء المزعومين، عادت الغربة عبر مظاهر مزرية من الانحلال الخلقي في السلوك. أصبح ظاهراً ومعلناً ومحمياً من قبل الدول، وترعاه مؤسسات وقنوات، ويدخل إلى الأسر والبيوتات.
عادت الغربة من خلال تساهل كثير من المسلمين في كبائر الإثم ووقوعٍ في الموبقات والفواحش، عادت الغربة من خلال التفريط في العبادات وتضييع أوكد المفروضات، وجهل كبير بأحكام الحلال والحرام، وغير ذلك من الآفات والآثام، حتى صار الإسلام في نفوس كثير من المسلمين بالاسم والهوية، ليس إلا عاطفةً باردة، أو فكرةً جميلة، أو عصبيةً أو عرقيةً، أو قصةً عبر التاريخ، لا يبذل لها شيئاً يكلفه، ولا يدافع عنها بشيء يخسره، ولا يضحي لأجل الدين، وهكذا بقي ما بينه وبين الإسلام إلا اسمه الذي سمي به، أو وطنه الذي يعيش فيه، التبست لدى كثير من الناس معالم الدين ومكارم الأخلاق، وتداخلت لديهم الحدود بين الحلال والحرام، والمعروف والمنكر، إما بسبب غزوٍ فكري خارجي أو تراخٍ علمي، أو تراجع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى رفعَ في هذه الأجواء أهلُ الجهل رؤوسَهم، وشحذ أهل الجاهلية ألسنتهم وأسنتهم، وبرَوا أقلامهم ليتربصوا بالدين وأهله الدوائر.
إن من أهمِّ أسباب غربة الدين ما ذكره الله تعالى وحذرنا منه حين قال معاتباً أهل الكتاب: وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:42]، إن لبس الحق وتزيين الباطل والتغرير بالأمة ومنع الحق وحبسه عن الناس ثم سوق الباطلُ في لباسِ الخيرِ، كلُّ ذلك سبب لضياع الحق وانتشار الباطل وظهور الفساد في البر والبحر، وهذا ما بليت به الأمة، فالحق كتمه أهله من العلماء والمصلحين، إما تواكلاً وفتوراً، وإما جبناً وخوراً، وإما جهلاً بوسائل نشره، وإما خشيةً من ذهاب بعض دنياهم، وإما طمعاً في جاه أو دنيا ينالونها بسكوتهم ويقدمون الثمن بالدين.
أليس من العار أن نرى الملايين من المسلمين يطوفون بالقبور ويتمسحون بالأوثان ويعظمون الأولياء ويقدسون الآيات في الحوزات، وقد فقدَ كثيرٌ منهم عقيدةَ الولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين، ويشرك بعضهم بالله الشرك الأكبر بكل وسائله، ثم لا يجد هؤلاء من العلماء في بلدانهم نكيراً ولا توجيهاً ولا تعليماً، بل قد يجد بعضهم أعذاراً يتعذرون لهم بها عن هذا الشرك إلا ما قلّ، فهل بعد هذا من غربة؟!
أليس من العار أن نرى العالم الإسلامي يحكم غالبه بالجبت والطاغوت، عبر قوانين وضعية يهمل فيها شرع الله ثم لا تجد من أهل العلم إلا تنديداً واهياً لا يسمن ولا يغني من جوع، أما أهل الباطل فمكروا كل المكر، وكادوا المكائد، وكان سلاحُهم لبسَ الحق بالباطل وتقديمُ المنكرات في ثياب التغرير والتلبيس على الأمة، وتزعموا منابر لتوجيه في الإعلام والتعليم فإذا هم دعاة على أبواب جهنم سخروا ألسنتهم وأقلامهم، وصحفهم وبرامجهم لهدم الإسلام في نفوس المسلمين، نمقوا الباطل وقدموه بأسماء مختلفة وذرائع شتى، وهذبوه حتى هان في قلوب كثير من المسلمين، أسسوا لفكر مشبوه، وجعلوا من أنفسهم مراجعَ سلوكية، ومصادر معرفية تضخُّ إعلاماً عفناً وعلماً إبليسياً، ويملؤون الساحة صياحاً ونباحاً كلما تصدى متصدٍ وقاوم مقاوم محاولتهم تغريب المسلمين، مناهج ومدارس وأنظمة علمية ومنظومات فكرية.
لقد روَّج أهلُ الباطل باطلهم وخلطوا معه شيئاً من الحق حتى تقبَّله الناس وعمَّ وطمَّ وفُرض على الأمة وأصبح واقعاً محتوماً لا ينكر، أما الحق فقد شككوا فيه وسخروا من أهله ووصفوه بأقبح العبارات ورموا الدعاة إليه بأنواع التهم التي تحول بين المسلمين وبين الاقتداء بهم.
ثم حاربوا الحق جهاراً لما ضعُف ناصروه وقلّ أعوانه وسلكوا في سبيل ذلك مسالك شيطانية، وصاغوا الباطل في قوالب شتى وشخصيات مختلفة، وإذا ما دعا عالم أو طالب علم إلى تأسيس المعرفة على الإيمان وإقامة الحياة على الإسلام، وإحياء الجهاد تنظيراً وتطبيقاً، والولاء والبراء معتقداً، وصيانة المرأة عقلاً وقلباً وحجاباً، نعقت تلك الغربان في صحفها وإعلامها، ورفعت عقيرتها بالتعجب تارة والتهكم تاراتٍ والتهجم على تلك الأفكار، في عالم نحِّي فيه الدين وحكم العقل وعُطلت المبادئ وأعملت المصالح وهمَّش العفاف وقُدِّم السفور والتبذل.
يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
تراهم يتهجمون على العلماء في بعض فتاويهم ودعوتهم وهم يعلمون أنهم إنما أفتوا بالإسلام، وحكموا بالكتاب والسنة حسب اجتهادهم، ولكنهم يهاجمون الإسلام ويحاولون نقض أساساته في صورة المفتين والدعاة، تراهم يسمُّون التمسك بالإسلام أصوليةً، والجهاد في سبيل الله إرهاباً، والبراءة من المشركين تشدداً، والتخاذل للأعداء سلاماً، وتعدد الزوجات والحجاب وقوامة الرجل على المرأة عاداتٍ وتقاليد بالية، وباتوا يتحججون بكتاباتهم في الجرائد، بمسمى الحرص والوطنية ونبذ الفتنة أَلا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ [التوبة:49].
وهكذا وبفعلهم هذا استحكمت غربة الدين لدى الأفراد والمجتمعات في عالمنا الإسلامي وانقلبت الموازين، المعروف أصبح منكراً، والمنكر معروفاً، وانقلب الإفساد في الأرض إصلاحاً، والإصلاح إفساداً، صار الصدق سذاجة، والكذب دهاء، وأصبحت الوقاحة والتبجح جرأة، وأصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتنةً وفضولاً وتدخلاً في شؤون الغير، وتُكال الهجمات المبطنة والظاهرة على جهاز الحسبة ورجاله، يريدون إسقاطه، أما المجاهرة بالمعاصي والاستعلان بالمنكر فحرية شخصية، وأما الاستهزاء بالدين والطعن فيه وفي جهاته فهذا من حرية التعبير والفكر التي لا يحاسب قائلها أو كاتبها.
لكن هذه الحرية تضيق جداً عن الجهر بالحق والدعوة إليه وتوضيح الحق للأمة، وهكذا أصبح وبات المسلمون، فشباب الأمة أغوتهم أنواع الانحلال وأغرتهم المحرمات من الشهوات، فإذا نظرت إليهم فإذا هم لاهون عن مصاب أمتهم التي يراق دمها وتدنس مقدساتها وتستباح أراضيها، وهم عكوف على دور اللهو والقنوات الفضائية حيث تذبح الفضيلة ويفْرى الحياء، وكأنهم يرقصون على جراح أمتهم، أو تراهم على مدرجات الملاعب حيث تبديد الطاقات والأوقات والأموال على الكرة.
أما الربا الذي هو حرب على الله وعلى رسوله من أكبر الكبائر واستحق مرتكبوه ومن شاركوهم فيه لعنة الله، خفّ كل ذلك في قلوب ومعاملة الكثيرين، وصار الربا مجرد فائدة أو عوائد بنكية، وأصبح مالاً حلالاً، له مؤسساته ومبانيه الشاهقة المحمية بقوة الأنظمة، أما المجون والعربدة والجنس الرخيص فصار يحاط بكلمة الفن من غناءٍ وتمثيل ورقص وغيرها، ومن ثم يتبجح به أهله وتقام له في بلاد المسلمين الدور والمعاهد لتعليمه للأجيال وتصرف من أجله الطاقات والأموال، لأنه بزعمهم من ضروريات الحياة العصرية، بل وتقام الحفلات والمهرجانات الغنائية الصيفية والشتوية بلا مراعاة لجراح الأمة ونكباتها، ويكرم أهل الفن وتصرف لهم الأوسمة، فأي غربة للإسلام نعيشها؟
كان لحـن الحيـاة فيـنا أذاناً يتغنـى بـه الأبـاة والصـيد
يملؤون الوجـود بـراً ونـوراً حين يصحو على الآذان الوجود
وإذا اللـحن صيحة مـن رقيع و إذا التـرس في المعامـع عود
كان أمس الأباة مشـرق مجـدٍ وإذا اليـوم في حمانـا اليهـود
وأذل العـدو منـا جـباهـاً وتلاشا مــن راحتينا الحديـد
ذل مـن يزعم الهزيمة نصـراً تتهاوى من راحيتـه البنــود
أيها الأحبة، كم زين دعاة الضلالة الباطل؟ كم هونوا من الجرائم الخلقية؟ كم حاولوا إبعاد الإسلام عن الصراع؟ وكم جابهوا الدعاة بأبشع الألقاب؟ وهم من بني جلدتنا ويتكلمون ويكتبون بألسنتنا، كم زيّنوا للمرأة عملها وإن كان بعيداً عن الحياء ؟ كم تجاهلوا عمل الأم في بيتها وتربيتها لأبنائها ليمجدوا خروجها من بيتها مهملةً أولادها ؟! كم حاربوا تعليم المرأة المستقل وسعوا بكل ما أُوتوا لاختلاطها مع الرجال؟! كم دعمت بعض وسائل الإعلام إن لم تكن أكثرها التغريب في عقول المسلمين وقلوبهم؟! وكما أن دعاة الباطل ورموزه قساة في حربهم على دعاة الحق فإنك تراهم رقيقين مع اليهود والنصارى ومن شايعهم من أديان الباطل يحزنون لمصابهم، ويتعاطفون معهم ضد المسلمين، ويتقاربون منهم.
أيها الإخوة المؤمنون، إن من غربة الإسلام اليوم أن يهان المسلمون ويذبحون ويحرقون وتطرح جثثهم في الشوارع والمخيمات لأجل دينهم، ثم لا تجد من ينصرهم من المسلمين، بل يتخاذلون عنهم، هذا إن لم تنبر فئة منافقةُُ لخيانتهم!!
إن من غربة الإسلام أن يصبح قاموس الأخلاق مبنياً على العبِّ من الشهوات بلا حساب وعلى كسب مادي يحرك هذه القنوات الفضائية بأفكار تدميرية تجوس في بيوت الناس!!
إن من الغربة المستحكمة أن يقوم كاتب أو روائيُُ في بلادنا بكتابةِ رواياتٍ ثلاثيةٍ ذات مفاسد أخلاقية، وامتلأت فسقاً ثم يعترف مؤلفها على رؤوس الأشهاد أنه بطل تلك الرويات ثم لا يجد محاكمة أو حتى محاسبة، هذا إن لم يكرم ويقدم ويؤخذ برأيه!!
إن من غربة الإسلام أن يلاحق الخيرون في عدد من بلاد العالم الإسلامي وتمتلئُ بهم السجون، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد!!
إن من غربة الدين أن يكرم الفنانون والمتلاعبون بمصير الأمة وأخلاقها وتصرف لهم الأوسمة، وكأن ما فعلوه في صالح الأمة، في حين أنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون!!
إن من غربة الإسلام أن يؤخذ رأي فئة من فساق من كتبة الصحف ممن يستغلون الأزمات كما المنافقين، تؤخذ آراؤهم في قرارات مصيرية تتعلق بأمن الأمة وتعليمها وأخلاقها، في ذات الوقت الذي يهمش فيه رأي العلماء والصلحاء الغالبية الذين ينصحون للأمة!!
إن من غربة الإسلام هذه الهجمات الشرسة التي تكال للأمة، هجمات شاملةُ متنوعةُ وإجماع من طوائف الكفر على محاربة الإسلام وأهله!!
إنها أمثلةٌُ عجلى من لبس الحق بالباطل وأوصاف ومظاهر للغربة تطال الدين وأهله، وهكذا أصبح الإسلام يموج وسط أمواجٍ من الغربة التي بدأ بها وانتهى إليها، فأين، أين المصلحون ؟ قال رسول الله : ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء))! قالوا: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: ((الذين يُصلحون إذا فسد الناس، ولا يمارون في دين الله، ولا يكفرون أحداً من أهل التوحيد بذنب)).
إن علينا أن نجد لأنفسنا دوراً نحتسب من خلاله إصلاح فساد الناس وتخفيف مظاهر الغربة والمساهمة في نصرة الأمة، كل بما يستطيع، إن علينا أن نوقظ في حس كل مسلم ووعيه أن يزن الأمور بميزان الشرع ويحتكم إلى الكتاب والسنة، وألا ينخدع بزخرف أهل الباطل وكذبهم، إن علينا أن نقيم في الأمة وسائل دفع هذه الغربة وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك الثبات في مواجهة الابتلاء وبناء الدول والمجتمعات على الحق دعوتهم للخير والتمسك برباط الطائفة المنصورة الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، فالعزة لأهل الإيمان والحق باقية ما استقاموا على النهج وأصلحوا أنفسهم ومن حولهم، وإن خيرية الأمة محفوظة ما استقامت على الطريقة، وإن على المسلمين اليوم وبين أيديهم كتاب الله وسنة نبيهم أن يتقوا ربهم وأن يراجعوا أحوالهم وينظروا في سنن الله وأحوال من قبلهم ومع غيرهم ثُمَّ جَعَلْنَـٰكُمْ خَلَـٰئِفَ فِى ٱلأرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:14].
إن الخلافة والتمكين مرتبطةُ بالأعمال الصالحة، والله سبحانه ناظر كيف يعملون وما يبرمون ومن ظلم وخالف فلن يفلت من سنة الله في الظالمين.
وإن مما جلب الغربة للأمة وأعاق نصرها وسبب ماحاق بها من بلاءٍ أنها دانت بمنهاج على غير دين الله، اختلطت عليها السبل، واصطبغت بغير صبغة الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً [البقرة:138]، تغيرت أحوالهم وفرطوا في دينهم، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وتركوا الجهاد، لم يكونوا أشداءَ على الكفار ولا رحماءَ بينهم، ولم يعدوا ما استطاعوا من قوة.
أما أعداء الأمة فإنهم مخذولون مهزومون بحول الله، وخَبَر الله فيهم لا يتخلف لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى [آل عمران:111]، إنه ضرٌ لا يؤدي إلى هدم كيان الأمة، وخبر الله فيهم مؤكد وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلاْدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ [آل عمران:111].
إن النصر الموعود لهذه الأمة وللطائفة المنصورة من الله، وهذا النصر ليس مرتبطاً بشخص أو دولة، يزول بزوالهم، بل إن جذوره لتضرب في الأرض وتقاوم عوادي الحوادث، وعلى مر العصور ظلت دولة الإسلام ـ رغم ما أصابها ـ قائمة ممكنة، يستظل المسلمون بظلها قروناً طويلة، وبالرغم من حرب وكيد اليهود والنصارى ومن عاونهم ظل الإسلام يشمخ برأسه عزيزاً، يمثله المؤمنون المتمسكون، والعلماء العاملون، والمجاهدون المستبسلون تصديقاً لموعود الله ببقاء الطائفة المنصورة وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ [الصافات:171-173].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
|