.

اليوم م الموافق ‏04/‏ربيع الأول/‏1446هـ

 
 

 

فلسطين: أمل بنصر الله

3024

العلم والدعوة والجهاد

القتال والجهاد

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

عنيزة

جامع السلام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- صبر يعقوب عليه السلام. 2- المنحة في طيات المحنة. 3- صور من ضعف المسلمين وذلتهم وتكالب العدو عليهم. 4- زراعة الأمل في زمن الشدة منهج نبوي. 5- صدق التوكل على الله في الشدائد. 6- دعوة لصدق النصرة والولاء للمسلمين.

الخطبة الأولى

أما بعد: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70، 71].

فقد الأب الشيخ الكبير ابنه الأثير لديه بعد أن تآمر على قتله أقرب الناس إليه من إخوته، ثم أصيب بفقد ابنه الآخر المقرب لديه فعلم أن أنفسهم سوّلت لهم أمراً، فصبر الصبر الجميل وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ يوسف:84]، لكن يعقوب عليه السلام المصاب بهذه المصائب بعد أن صبر صبر الأنبياء لم يشكُ إلا إلى ربه قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [يوسف:86]، ثم أوصاهم بفعل السبب بالبحث عن إخوتهم وبعدم اليأس وَلاَ تَايْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَايْـئَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ [يوسف:87].

أيها الإخوة المؤمنون، البلاء والمحن محكُُ تكشف ما في القلوب، وتظهر مكنونات الصدور ينتفي بها الزيف والرياء وتنكشف الحقيقة بكل جلاء، تطهيرُُ لا يبقى معه زيف ولا دَخَل، وتصحيح لا يبقى فيه غش ولا خلل، وذلك من فوائد الأزمات وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ [آل عمران:154].

إن من حكمة الله تعالى في الابتلاء والمصائب التي تصيب الأمة أن تستيقظ النفوس التي ابتعدت عن الله وتَرِقَّ القلوب بعد طول غفلة، فيتوجه الخلائق إلى ربهم، يتضرعون إليه، يطلبون رحمته وعفوه، يرجون تأييده ونصره، إعلان بالعبودية لله وتسليم كامل له، إنابة واستكانة وإصلاح للحال ونبذ للمنكر وتحررٌ من الشهوات والأهواء، فإذا ما فعلوا ذلك وجدوا بإذن الله الراحة والأمل والفرح بالنصر إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ [يونس:98]، وهل أعظم من الخزي ما نراه من حالٍ آلت إليه أمتنا هذه الأيام من ذبح وهتك الأعراض وحصارات وتخاذل عن النصرة.

عباد الله، في البلاء يتجلى توكل المتوكلين، ومن وجد في قلبه اعتماداً على غير ربه فليراجع إيمانه، وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:23]، إن على المؤمنين جميعاً أن يعلموا أنهم مكفيون سوء البلاء ما استقاموا على أمر الله دولاً وشعوباً، محفوظون من كيد الأعداء ما اعتصموا بالله، حقيق بالأمة أن تعي حالها وتنظر في واقعها لمستقبلها، مجازر دموية بالعشرات، ومهانة وذلة، وتسلط وعنت وجَور وظلم، اعتداءُُ صهيوني، وحيف صليبي، صمت عالمي، خور عربي، وذلة وانكسار.

هل يعقل أن يكون حال خير الأمم بنص القرآن كهذا الحال؟! هل نصدق أن أمة تدنس مقدساتها، ويذل رجالها، ويقتل أطفالها، وتهان كرامة نسائها، ثم تراها لاهية عن مصاب أمتها؟! لا تملك إلا الحوقلة والتظاهر والصياح ولا يستجاب لها بل تقمع لذلك؟! هل نصدق المهانة والذلة التي وصل إليها عالمنا الإسلامي لنستجدي السلام على أعتاب بيت أبيض امتلأً تاريخه حقداً وسواداً عبر مؤتمراته وخياناته السافرة ونهبه مدخرات البلاد والعباد وتصريحات رئيسه السافرة والمستهجنة ضد شعوب الإسلام وقياداته!! هل يكون دعاةُ السلام الأخضر ورجال الصليب الأحمر أكثر خوفاً على شعبنا الذي يراق دمه ويحاصر في فلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير والفلبين؟! في ذات الوقت الذي ترى فيه موالاة لأعداء الله من يهود ونصارى؟! موالاة تخلى فيها كثير من قيادات الأمة عن غيرتهم، ولم يسمعوا صراخ أو نصح شعوبهم وتاهوا في غبار النكسات، وتفاهة القرارات، ودهاليز المؤامرات أو المؤتمرات، وأصبح جهادهم المسطر مبادرات الشجب والاستنكار وشجاعة السلام المزعومة، والصهاينة اليهود جادون في بناء دولتهم، ينطلقون من تعاليم دينهم، يعتمدون على تلمودهم، مدعومين من أوليائهم النصارى المتآمرين على قضايانا وعلى إسلامنا، ألبسوا مؤامراتهم أنواعاً من الألبسة، فهذا تحالف دولي ضد الإرهاب، إما أن تكون معه أو ضده، فمقاومة اليهود وقتلهم إرهاباً، أما فعلهم في إخواننا في فلسطين من قتل وحصار وانتهاك حقوق فدفاع عن النفس!! وهذه قرارات للأمم المتحدة على دولة مسلمة كالعراق لم يطبقها كما يدعون فيحاصر شعب العراق سنوات ويموت معه مئات الآلاف من الأطفال ويستشري في أهل الرافدين المرض، وكل ذلك بإقرار وصمت عالمي!! وهذه عولمة اقتصادية تسوّق لاقتصاديات الكفار وتهلك الضعفاء!! وهذا إعلام يسوق في بلادنا من قبلهم يفسد الأخلاق ويبث المهاترات ويستهزئ بالشعوب، فاقد للمصداقية محكوم بالهوى والمذهبية، ثم بعد كل ذلك لا زلنا نستجدي من هؤلاء المفسدين في الأرض التدخل، ونبحث عندهم عن الحلول لقضايانا، ظانين أنهم يحفلون بنا وبمصيرنا ومصائب شعوبنا، في حين أنهم والله وبالله وتالله لا يبحثون إلا عن مصالحهم ولا يسعون إلا لإرضاء الصهاينة اليهود، يستجدون من خلالهم انتخاباتهم وليستروا على فضائحهم الأخلاقية والمالية فأي ذلةٍ وصلنا إليها؟! أي مصير آلت إليه شعوبنا؟!

يتحدث التاريخ أن امرأةً واحدة، نعم امرأة واحدة قبل عصر الإعلام والفضائيات وما تعرضه علينا يومياً من محن وويلات امرأة واحدة تصيح: وامعتصماه، فيهب المعتصم بجيشه لينقذها ويهزم الروم ويحرر عمورية.

واليوم ما أخبار المسلمين، كيف ضاعت صيحاتهم؟! يحاصرون في مدن فلسطين الحبيبة رام الله، وبيت لحم، ونابلس ومخيم جنين بعد أن حوصر إخوانهم المسلمين في أفغانستان وجبالها يحاصر العشرات منهم من رجال ونساء وأطفال في مخيم جنين وكذلك كل يوم في شقق صغيرة حيث يمنع عنهم الطعام والماء، وتقطع الكهرباء، وتهدم عليهم البيوت، وكل ذلك معروض علينا صباح مساء.

نرى كل ذلك إخوتي، فلا نملك حولاً ولا طولاً، وإن عجز الإنسان عن نصرة إخوانه يقتله أكثر مرة مرأى تلك المناظر لجثث مطروحة في الشوارع، وجرحى منع عنهم الإسعاف، ونساء وأطفال يؤذون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، إنها حال من المهانة وصلنا إليها، وتسلط لأعدائنا من صنع أيدينا حين تركنا الجهاد واستعضنا عنه بجهاد المبادرات والمؤامرات والمفاوضات ومؤتمرات الفنادق الفخمة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة -أي: الربا- وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حجر.

أيها الإخوة المؤمنون، إن أعظم الأسباب الجالبة لغضب الله والمؤدية للذل والهزيمة هي اليأس حين يتمكن من القلوب، يأس يفقد بعضنا به الأمل بنصر الله، يأس يضخم قوة أعدائنا، ويضرب في شد حبال قوتهم وجبروتهم، يأسٌ يسمح للخائرين والمتخاذلين أن يبثوا دعاوى الإرجاف في أوساطنا، يأس نجنب فيه النصوص الشرعية من القرآن والسنة التي تحدثنا عن بذل الجهد، ولمّ الشتات، ورأب الصدع وجمع الكلمة، إنه يأس نهمل فيه موعودات الله ورسوله لنا بالنصر والتمكين إن التزمنا بشرعه وأوامره، إنه يأس نتشبه به بمن كفر بالله فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

إن روح الفأل بموعود نصر الله هو ما ينبغي أن نعيش عليه بعد أن نقدم الواجب علينا تجاهه ونساهم بدورنا في تحقيق أسباب هذا النصر ونتوكل على الله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ليس فألاً مقصوراً على الأماني بدون عمل، أو على كلام أو جدل.

وعلى هذا كان حال نبينا صلوات الله وسلامه عليه ومقاله في سيرته العطرة التي امتلأت بالجهاد والمجاهدة، والصبر والمصابرة، آذاه المشركون وحاربوه، وضعوا الشوك في طريقه وسلا الجزور على ظهره وهو ساجد، وآذوا صحابته وعذبوهم فكان عليه الصلاة والسلام مقوياً للعزائم، شاداً على أيدي صحابته كلما جاؤوا إليه يشكون شدة العنت والعذاب والتضييق والحصار كان يبشرهم بالنصر والتمكين الذي فعلوا أسبابه قبل ذلك.

تروي السير أنه صلى الله عليه وسلم كان جالساً في ظل الكعبة فأتى إليه خباب ابن الأرت ومعه بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فشكوا إليه ما يجدون من شدة عذاب قريش وقالوا: يا رسول الله ألا تدعوا لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فقال لهم متفائلاً بالنصر: ((والله لقد كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤتى به فيوضع على حفرة فينشر بالمنشار إلى نصفين ما بين لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله لينصرن الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخشى إلا الله والذئب على غنمه)).

وتعترض طريق الصحابة صخرة عظيمة يوم حفر الخندق، والمشركون يحاصرون المدينة في أشد أزمة مرت عليهم، فيأتي عليه الصلاة والسلام فيكسرها في المرة الأولى ثم يقول: ((لقد أضاءت لي قصور الحيرة في المدائن، وفي الثانية: أضاءت لي قصور الشام، وفي الثالثة: أضاءت لي قصور اليمن، كل ذلك وهو يقول: وأمتي ظاهرة عليها))، إذاً فقد كان عليه الصلاة والسلام أشد ما يكون تفاؤلاً في الأزمات، وما لبث صحابته رضي الله عنهم أن رأوا مصداق موعود الله وإخبار رسوله بالفتوحات التي نشرت الإسلام في أصقاع الدنيا كما بشر به سابقاً.

وعندما انقض الصليبيون من الغرب في القرن الرابع الهجري ثم أتبعهم التتار من الشرق لاجتياح العالم الإسلامي واقتلاع الإسلام وقف أحد المؤرخين شاكياً باكياً قائلاً: من يهون عليه نعي الإسلام؟! ولم يطل به وقت حتى رأى انكسار الصليبيين واندحارهم وانتصار التوحيد وأنصاره، أما التتار فدخل كثير منهم في دين الله أفواجاً.

وها نحن الآن نعيش هجمات شتى ومتنوعة على الإسلام وحالاً من الحصار على بلدان المسلمين وشعوبهم، حصار يوشك أن يطال أسس الإسلام وثرواته، إسرافاً وتبذيراً، ونهباً وتهريباً، كما نرى عدواناً استئصالياً على إخوانٍ لنا في العقيدة، مدججاً بأسلحة الحقد الصليبية، وأمام هذه الأزمة المدلهمة، والمناظر المأساوية، هل يقول أحد بنعي الإسلام؟! إننا نقول: لا بأفواهنا، وبقلوبنا الواثقة بنصر الله لدينه وأهله وباستخلافهم في الأرض وإظهار الإسلام على الدين كله وعلى الكون كله ولو كره الكافرون.

إن وعد الله تعالى لآتٍ إن شاء الله، وإن تفريج الكرب لقادم طال الزمان أو قصر، اشتد الكرب أم انحسر، نثق بمستقبل الإسلام والمسلمين وبموعود ربِّ العالمين، فالإسلام ليس حزباً ينتهي بهلاك رؤسائه، نثق بمستقبل الإسلام والمسلمين وبموعد رب العالمين، لأن الإسلام لا ينتهي بنهاية معركة عسكرية، نثق بمستقبل الإسلام وبموعود رب العالمين، لأن الإسلام ليس عالماً أو شيخاً أو ملكاً أو رئيساً أو مفكراً يرتفع الإسلام بحياته وينتهي بنهايته فالإسلام أكبر من اختزاله بأشخاص مهما كبروا، وأعظم من ربط مستقبله بحكومات وأنظمة مهما عدّلوا وحرفوا، أو بعلماء مهما قصّروا وتغافلوا.

إننا نثق بمستقبل الإسلام لأنه ليس مرتبطاً ببلد واحد ينتصر بانتصاره وينكسر بانكساره، فالدين لله وليس لأحد سواه، ولن يقبل الله دين غيره، وكل أزمات البشر لا مخلص لها إلا الإسلام، وثبت كيف أن غيره من الديانات والمذاهب والحكومات لا تنتج إلا مزيداً من التأزم والتخبط وفقدان للعدالة والحقوق أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ [آل عمران:83].

أيها الأحبة، يجب أن يكون لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته القدوة، وكذلك في تاريخ أمتنا بعده وانتصاراتها وكيف يتحقق دائماً موعود الله بالنصر عبر الأمل بالتحقيق إن نصرنا الله وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].

فالتبشير خير من التنفير، والتفاؤل خير من التشاؤم، والصبر خير من الجزع واليأس، وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل في الأمر كله فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5، 6]، ولن يغلب عسر يسرين والعاقبة لعباد الله المؤمنين.

نعم نتفاءل مع ما نراه هذه الأيام، نتفاءل بقرب نهاية حكم طاغوت اليهود شارون وأعوانه بغرقهم على أيدي سواعد الأبطال والشهداء والنساء المجاهدين والمجاهدات في رام الله وجنين وغيرها، نتفاءل بقرب نهاية نظام عالمي صليبي ودولة صليبية ملأت الدنيا جوراً وظلماً وانحيازاً مقيتاً ضد العرب والمسلمين وخسرت القريب قبل البعيد.

نتفاءل ونحن نرى قوة إخواننا في فلسطين والشيشان وكشمير والفلبين وأفغانستان إن الإسلام منصور بإذن الله ولو بقلة قليلة إذا صدقوا مع الله كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ [البقرة:249].

وإذا كانت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تحمل بشائر النصر للإسلام والمسلمين فإن لذلك شروطاً لا بد من تحقيقها، النصر يأتي بإيمان قوي بالله واعتزاز بالإسلام وتطبيق لشرعه ونهجه، النصر يتحقق بالعلم والعمل ومكافحة أسباب العجز واليأس واستنبات بذور الأمل في صحارى الإحباط، واستشراف الآفاق الواعدة من ثقوب زنزان الذل والقهر والجهل،، واستغلال جهاد الأبطال الذي رفع هاماتنا في جنين ونابلس لتربية أطفالنا على ثقافة الجهاد وكيف يغرس العزة ويجلب النصر وينهي المذلة والهوان والقهر.

إن التمكين للإسلام ونصر أهله وانتصارهم لنا لا يكون بتبادل التهم، بل بتوفيق الله ثم بتبادل الرأي والرؤى حول أسباب التقدم والنصر.

إن التمكين ونصرة أهله لن يكون إلا في مناخ آمن ومجتمع متضامن وحكم يؤثر رضا الله على ما سواه ومن سواه ويجاهد في سبيله لا في سبيل مصالح شخصية، أو روايات جاهلية.

إن التمكين للإسلام ونصر أهله وانتصاره يجب أن يكون أساسه علم نافع وعمل متقبل وإخلاص لله ونية صادقة، وصدق الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ الرعد:11].

أيها المسلمون، إن المستقبل للإسلام بإذن الله أولاً وأخيراً، ولن نخاف على الإسلام، ولكن الخوف أن يستبدل الله تعالى قوماً غيرنا لتحقيق موعوده، مع هذا التقصير والخذلان من قبلنا، إن خيار الإسلام النصر والتمكين، أما المسلمون فعليهم أن يتساءلوا أين هم من هذا الخيار.

إننا من فوق هذا المنبر المبارك ندعو كل مسلمٍ، حاكماً أو محكوماً، عالماً أو مثقفاً، تاجراً أو عسكرياً أو فقيراً، رجلاً أو امرأة إلى أن يبادروا جميعاً إلى النصرة بعيداً عن الإثارة والتهييج وغرساً لنبات النصر وقلعاً لنبتة الخور والذلة والهوان التي تظلل الأعداء إن الأمل جزءُُ من عقيدتنا، إن الحرب على اليأس جزءُُ من إيماننا، وحذار ثم حذار أن نبني الأمل على شفا جرف هار فينهار، وحذار أن نحارب اليأس بالصمت والجزع.

إن حقاً على أهل الإسلام أن تربيهم التجارب والوقائع، وتصقلهم الابتلاءات والمحن، إن الأمر كله لله، بيده مصائر الأمور، كل شيء يجري في طريقه المرسوم حتى يبلغ أجله المحتوم، والموت أو القتل الذي نراه هذه الأيام طريق لنصر بإذن الله، لكنما الخوف والخور هو الداء العضال فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلاْخِرَةُ خَيْرٌ لّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء:77].

اللهم إنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد، نسألك اللهم أن تنصر إخواننا المسلمين في فلسطين وأفغانستان والشيشان، اللهم انصرهم نصراً مؤزراً، اللهم سدد رميهم وآمن خوفهم ووحد صفوفهم وفك حصارهم، اللهم خفف وطأتك عليهم، وكن لهم ولا تكن عليهم، اللهم احفظ عليهم دينهم ودماءهم واقتل اليهود والنصارى ومزقهم شر ممزق، اللهم أهلك طاغية اليهود شارون وأعوانه ودولة أمريكا ورؤساءها اللهم جمد الدماء في عروقهم اللهم اجعلهم أذلة صاغرين واجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم اشف صدور قومٍ مؤمنين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم تسليماً كثيراً.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه وتوفيقه وامتنانه، أحمده جل وعلا وأثني عليه الخير كله، وأصلي وأسلم على خير البرية وسيد البشرية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون، لقد بذل الأعداء جهدهم لصرف هذه الأمة عن دينها، فأبعدوا أهل الإسلام عن كل طريق جاد، ونفخوا في القوميات الإقليمية والنعرات الجاهلية، وقطعوا حبال الأخوة الجامعة، وسعوا في إضعاف العقائد والفضائل، وأغرقوا الميادين بالشهوات والشبهات، لكن هذا الضعف وحد الأمة وأعاد لها عزتها بعد أن علموا أن لا ناصر لهم إلا الله، وأن لا راية تستحق الرفع إلا راية الإسلام، وما كانت قبلة المسلمين واحدة إلا ليكون التوجه كله واحداً، وما ارتفع الآذان من المآذن إلا ليرتفع صوت الحق.

إن نكبة الأخ امتحان لمروءة أخيه، ومحنة شعب من شعوب المسلمين امتحان لضمائر المسلمين جميعاً وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً [النساء:75].

إن العدو ـ إخوتي ـ لا يتسلل إلا من خلال الصفوف المنافقة، ولا تكون عدوى الضعف والخبال والتفرقة إلا من قبل أصحاب المسالك الملتوية داخل الصف، فالحذر الحذر منهم لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولاَوْضَعُواْ خِلَـٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمِينَ [التوبة:47].

فاتقوا الله أيها المسلمون، وأجمعوا أمركم، وتفقدوا إخوانكم الذين هم أشد في ما يكونون حوجة لكم، ولئن كانوا قاموا عنكم بواجب الجهاد والمجاهدة لحماية بلاد المسلمين ومقدساتهم في فلسطين فقوموا أنتم بواجبكم اليوم في مدِّ يد العون لهم وبالسخاء والبذل أداءً للواجب ونصرةً لهم ودفعاً لشرِّ أعدائهم وإطفاء لغضب الرب، تقبل الله منا ومنكم.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً