الحمد لله على إحسانه...
أما بعد: قد يقول قائل :ما ذكر من بعض صور عقوبات الله للأمم والمجتمعات، بسبب المخالفات، هذا كلام عام. فما هي هذه المخالفات، التي قد تكون سبباً في أن يهلك الله أمة أو مجتمع أو قرية، بالغرق أو بالريح، أو بغيرها من العقوبات الإلهية.
فيقال أيضاً: إن الأسباب كثيرة، لكن إليك بعضها: فمن أسباب إهلاك الله للأمم، والمجتمعات الذنوب. قال الله تعالى: أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأنْهَـٰرَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ [الأنعام:6]. وقال عز وجل: فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40].
هكذا الذنوب تفعل بأصحابها، ونحن والله المستعان نستهين بها، بل أصبحت أشياءً عادية في حياتنا اليومية، وهي سبب رئيس في إهلاك الأمم والشعوب.
يقول أحدهم: كيف تريدون أن يلطف الله بنا؟ وينزل علينا نعمه ويرحمنا برحمته، وفي السابق كانت الأيدي ترتفع إلى السماء وتدعو ربها، والمولى يجيب سبحانه، والآن هذه الدشوش مرتفعة إلى السماء. والله المستعان.
ومن أسباب إهلاك الأمم والشعوب الظلم، قال الله تعالى: أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ [هود:18]، وقال سبحانه: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، وقال: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ [يونس:13]، وقال: وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَـٰهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا [الكهف:59]. وقال: وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]. كل هذا بسبب الظلم إذا انتشر في الأمة، فما بالك لو أضيف إليه دعوة المظلوم على من ظلمه:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخـره يأتيـك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنـم
ومن أسباب الهلاك أيضاً: تبديل أمر الله، أياً كان هذا التبديل، فالله جل وتعالى يأمر بأوامر ثم تأتي هذه القرية، وتبدل ما أمر الله به، بأشياء من عندها، ومن زبالة أفكارها، سواءً كانت قضايا معاملات من بيع أو شراء، أو غيره.
قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَـٰيَـٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مّنَ ٱلسَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [البقرة:58، 59].
ومن أسباب هلاك القرى، أن يكون أهلها، وأصحاب الشأن فيها، من أهل المكر والكيد والتدبير، الذي يتعارض مع الحق. قال الله تعالى: قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:26]، ـ كان هناك من قبلكم قد مكروا وخططوا ودبروا وفعلوا، فماذا كانت النتيجة ـ قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَـٰنَهُمْ مّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ [النحل:26]. وقال سبحانه: وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43]، وقال عز وجل: أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ [النحل:45]، يقول علماء التفسير عن هذا المكر السيئ، أنه: سعيهم إلى إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على وجه الخفية، واحتيالهم في إبطال الإسلام والكيد بأهله.
ومن أسباب الهلاك: عدم التناهي عن المنكر قال الله تعالى: لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79].
ومن أسباب الهلاك: موالاة الكفار، قال الله تعالى: تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ [المائدة:80، 81].
ومن أسباب الهلاك: ترك الجهاد في سبيل الله قال الله تعالى: إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التوبة:39].
أيها المسلمون، وكما قلنا في العقوبات نقول في الأسباب: إنها كثيرة، وهذه بعضها، فالحذر الحذر، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب، إنما أكرمكم عند الله أتقاكم. وعندما تأخذ أية قرية بسبب أو بعدة أسباب من أسباب الهلاك، فإنه من الطبيعي أن لا تأخذه فجأة، ودفعة واحدة، وإنما بالتدريج في البداية يكون بسيطاً ثم مستوراً، ثم أكثر ثم يظهر، حتى تصبح هي السمة البارزة، لتلك القرية، وبعدها ينزل عقاب الله والله المستعان.
|