أما بعد: أهم وأول سبب في ضعف الأمة، وتفرق كلمتها هو: خلخلة العقيدة في قلوب الناس، وسوء فهم العقيدة في قلوب الناس، عدم صفاء المعتقد الصحيح، معتقد أهل السنة والجماعة، ثم التطبيق والممارسة الواقعية لهذا المعتقد لدى كثير من أبناء الأمة. فإذا كان ما في قلوب الناس له مشارب شتى فكيف الاجتماع والوحدة.
إن للعقيدة الصحيحة أهميتها في تربية الأفراد وتوجيههم فإذا رسخت العقيدة في قلب الإنسان، فإنها سرعان ما تنعكس على جوارحه، وعلى خلقه وسلوكه ومعاملاته، ولهذا لا غرابة أن كثيراً من الآيات والسور المكية عالجت موضوع العقيدة بجميع جزئياتها. ولقد تربى المجتمع الإسلامي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على العقيدة السليمة، التي حررت الإنسان من عبادة العباد، ونقلته إلى عبادة رب العباد.
إن العقيدة يا عباد الله، هي الأساس الذي يبنى عليها النظام الأخلاقي، وهي التي تكون الأساس الفكري لعقلية المسلم، والأساس النفسي لسلوكه.
ومن العقيدة تنبثق نظرته إلى الحياة الاقتصادية والحياة السياسية وغيرها، وكذلك أيها الإخوة فإن العقيدة لها تأثير كبير في علاقة أفراد المجتمع بعضه ببعض، سواء الفردية أو الجماعية، ألا تجد بأن هناك موظفين في مكتب واحد، ومن منطقة واحدة، لكنك تجد النفرة والتباغض بينهما، لأن الأول على عقيدة أهل السنة والجماعة، والأخر على عقيدة أخرى كعقيدة الرافضة مثلاً، وإن كانا يحملان نفس الجنسية.
إذاً العقيدة ـ أيها الإخوة ـ هي الأساس، وهي القاعدة وهي المنطلق لجميع تصورات، وتصرفات الإنسان، ولكن المتأمل في واقع المجتمع اليوم. يجد أن هذا المجتمع مختلف في صفاته وخصائصه عن المجتمع الإسلامي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن أهم الأسباب سوء فهم العقيدة عند متأخري هذه الأمة. حتى وصل الحال عند بعض أهل السنة، أنه لا يبالى في مصاحبة وموالاة والثقة بأبناء غير أهل السنة.
إلى هذا الحد وصل التسيب في اعتقاد كثير من المسلمين. وبعد ذلك كيف لا يكون سوء فهم العقيدة من أهم الأسباب في هدم كيان الأمة.
ومن الانحرافات العقائدية الخطيرة أيضاً والتي تهدد كيان الأمة.ما حصل في كثير من بلاد المسلمين. وإن كنا نحن ولله الحمد في هذه البلاد سلمنا من هذا الانحراف شيئاً ما، وهو الاستغاثة والدعاء عند القبور والأضرحة. وإيقادها بالسرج، والتمسح بها، وذبح القربات لها، واعتقاد أنها تنفع وتضر من دون الله، وهذا والله أعلم شائع في كثير من الدول الإسلامية، وهناك الملايين من المسلمين من يعتقد بهذه الأمور، فإذا أصيب بمرض أو جاءته مشكلة أو مصيبة، توجه إلى هذه القبور، بالدعاء والبكاء والتقبيل، ليشفى من مرضه أو لتحل مشكلته. أو لتعود إليه زوجته.
لا تتصوروا ـ يا عباد الله ـ أن هذه أمثلة مبالغ فيها، بل إنها واقعة، وأكثر من هذا. كثير من بلاد الشام ومصر وغيرها مننتشر فيها هذه الاعتقادات الفاسدة، وهناك المزارات تبنى وتشيد لأجل هذا.
فأين يأتى نصر الله، وأين يأتي تمكين الله لهذه الأمة، وكيف لا ينهدم كيانها وينهدم بناؤها، وهذا حال أبنائها.
تركوا الله عز وجل وتوجهوا إلى غيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لا يجوز أن يتخذ شيء من القبور والآثار والأشجار والأحجار ونحوها، بحيث يرجى نفعه وبركته بالنذر له، والتمسح به، أو تعليق شيء عليه بل كل هذا من جنس الشرك".
وقال أيضاً: ومن أعظم الشرك أن يستغيث الإنسان برجل ميت عند المصائب، فيقول: يا سيدي فلان، كأن يطلب منه إزالة الضرر أو جلب النفع كما هو حال النصارى في المسيح وأمه، وأحبارهم ورهبانهم".
انحراف آخر في سوء فهم العقيدة، أيضاً منتشر في أوساط كثير من المسلمين. انحراف فهم القضاء والقدر.
كثير من المسلمين. عندما تأمل حال العالم الإسلامى ورأى الهزيمة والذل والإهانة للمسلمين من قبل أعدائهم، استسلم لهذا الواقع، وقال: هذا ما حصل إلا بقضاء الله وقدره.
وكذلك من رأى المنكرات والفواحش قد انتشرت في المجتمع، ورأى هذا الواقع السيئ من انحلال الشباب والشابات ووقوع كثير من الشباب في أسر المخدرات وفى أسر المغازلات والمعاكسات يئس من تغيير هذا الواقع السيء، ورماها على القضاء والقدر، ما حصل هذا في المجتمع إلا بقضاء الله وقدره. فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك الدعوة إلى لله، وترك النصح والإرشاد بحجة أن الله هو الهادي.
نقول نعم أيها الإخوة، لا يمكن أن يحدث شيء في الكون إلا بقضاء الله وقدره. لكن من سوء فهم العقيدة، أن تسلم لكل قضاء الله وقدره. اعتقد غالب الناس أن كل ما كان بقضاء الله وقدره يجب التسليم له. فنقول بأن هذا غير صحيح ولا يجوز أصلاً أن تسلم بكل ما قضاه الله وقدره. وسأضرب لذلك مثلاً: لو وقع أحدكم لا سمح الله، بجريمة زنا، فهل هذا الذي حصل منه ووقع فيه، بقضاء الله وقدر أم لا؟ لا شك أنه بقضاء الله وقدره. وحاشا أن يحصل شيء في الكون كله بغير إرادة الله عز وجل.
لكن السؤال؟ هل ترضى بأمر الزنا وتقول: حصل بقضاء الله وقدره. لا أتصور أن مسلماً عاقلاً سليم المعتقد يقول بهذا. لكن المطلوب في هذه الحالة أن نغير هذا القدر بقدر آخر وهو التوبة والاستغفار والإقلاع عن هذا الذنب. حتى التوبة لا يمكن أن تحصل منك إلا إذا قضاه الله وقدره.
فكيف بعد هذا يسلم بعض الناس لحال الواقع بحجة القضاء والقدر. يستسلمون للمنكرات ويستسلمون للانحرافات الموجودة بحجة القضاء والقدر، ولا شك أن هذا انحراف واضح في العقيدة، وسوء فهم للعقيدة الإسلامية الصحيحة.
انحراف آخر في العقيدة، أدى سوء فهم هذه القضية أيضاً إلى مفاسد كثيرة وحدث شرخ كبير في بناء الأمة، وهو عقيدة التوكل.
من الأمور التي أصابها تشويه أيضاً، مفهوم التوكل على الله، فقد فهم بعض أفراد المجتمع المسلم أن التوكل هو ترك الأخذ بالأسباب، مع أن هذا الأمر مخالف لدين الإسلام، ولو كان الأمر كذلك لطبقه سيد المتوكلين محمد صلى الـله عليه وسلم، فقد كان يأخذ بجميع الأسباب، فيتخذ للنصر عدته، وللسفر زاده، وللمرض دواءه، ويحث الصحابة على العمل والسعي في طلب الرزق.
ومن انحرافات فهم التوكل أيضاً. عدم التوكل على الله عز وجل التوكل الحقيقي في كل الأمور. فكم من المسلمين من يعتقد بأن رزقه في يد رئيسه في العمل. تجد بعض الموظفين مثلاً يعمل عملاً مخالفاً للنظام. ولو سألته لماذا؟ قال: لأن الرئيس طلب مني ذلك، ولو قلت له كيف تطيع رئيسك في أمر محرم ولا يجوز ويخالف النظام، لقال لك: إذا لم أفعل ما طلب، فسوف يقطع عليّ العلاوة، أو يفصلني من الوظيفة فيقطع رزقي. فأين صدق عقيدة التوكل على الله عز وجل. لقد ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى عند غالب المسلمين إلا من رحم ربي في كل شيء، وفي كل جانب. كم من المسلمين ومن الدول الإسلامية من يثقون بقوة أمريكا ويتوكلون عليها أكثر من ثقتهم بقوة الله عز وجل وتوكلهم عليه! كم من الدول من تعتمد كما يقال على الدول العظمى أكثر من اعتمادها على الله عز وجل. فأين عقيدة التوكل أيها الإخوة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)).
ولو قمنا ـ أيها الإخوة ـ بالتفصيل والتتبع لكثير من جزيئات العقيدة، لوجدنا سوء الفهم فيها.
فكيف بعد هذا لا يكون سوء فهم العقيدة من أخطر وأهم أسباب ضعف الأمة وتفرق كلمتها. وليس هناك طريق ولا أمل للقضاء على هذا السبب إلا عن طريق العلم، لابد من تعلم العقيدة ودراسة العقيدة وفهم العقيدة، على الوجه الصحيح. لأن العقيدة هي أساس كل شيء، ولو اهتزت القاعدة، سقطت القمة ثم بعد ذلك سقط ممارستها وتطبيقها.
أسأل الله عز وجل أن يبصرنا في أمور ديننا ودنيانا وأن يأخذ بأيدينا، إنه خير مسئول.
اللهم من أراد المسلمين بسوء...
|