.

اليوم م الموافق ‏04/‏ربيع الأول/‏1446هـ

 
 

 

أسباب ضعف الأمة وتفرقها

3420

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

ناصر بن محمد الأحمد

الخبر

10/10/1413

النور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تبدل أحوال المسلمين من العز إلى الذل. 2- غربة الإسلام بين أهله اليوم. 3- حال المسلمين اليوم مع الإسلام. 4- الانحراف العقدي أهم أسباب تخلف المسلمين وذلتهم.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المسلمون، لقد كثرت الشبهات.وأطلت البدع برأسها، وتغير الحال وتبدل، وتمكن الكفار من رقاب المسلمين في كل مكان، وأصاب المسلمون ضعف وتفرقة، وعاد الأمر غريباً كما بدأ غريباً، فكانت الحيرة وكانت التساؤلات، ولا يشك أحد من الناس من تباعد الدنيا بصفة عامة والمسلمون بصفة خاصة عن دين الله، والبون شاسع والفارق كبير بين ما كان عليه سلفنا الصالح من عز ونصر وتمكين وما عليه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وفشل وضياع.

وقد كتب عمر رضي الله عنه لأبي عبيده رضي الله عنه يوماً يقول له:إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما نطلب العز في غيره أذلنا الله، وقد استمرت هذه العزة الإيجابية في هذه الأمة جيلاً بعد جيل عندما استقامت على أمر ربها، حتى بعث هارون الرشيد: "إلى نقفور كلب الروم فإن الأمر ما ترى لا ما تسمع". وكان يحج عاماً ويغزو عاما وينظر إلى السحابة وكأنه يخاطبها يقول: "سيرى أينما شئت أن تسيري سيأتيني خراجك"، لقد تبدل الحال وتغير، وما ربك بظلام للعبيد، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، بدأت ومع الأسى تيارات غريبة في الأمة، فكيف لا يصيبها الضعف والتفرق، بدأت فئام من الأمة تعتقد بأن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم رجعية، والعمل بسنته تَزَمُّتْ. وبدأت أصوات تخرج في كل مكان، تسمى المتمسك بدينه أصولياً، فكيف يرجى حسن العاقبة في الآخرة ومصيرنا في الدنيا ظاهر معلوم، بل أصبحنا نعتز بكل معصية، ونشق الطريق لكل منكر.ونرى من يدعو إلى الكفر بعين مِلؤها غبطة، والمعترض على تحركات الكفر في ديار المسلمين، والمعترض على تغلغل النصارى في كل شيء، رجعياً أصولياً، يستحق الطرد أو الحبس لأنه يعوق المجتمع عن التقدم، ويحول دون طريقه إلى النهضة والمدنية.

أيها المسلمون، إذا كان الله لا يأخذنا بعذاب يفاجئنا، ونقمة تقضى علينا جميعاً، بسبب ما ترتكبه الأمة، فذلك بفضل رحمة الله علينا، ودعاء نبيه صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة أن لا يعمّها الله بعذاب، ولا يستأصل شأفتها وذلك لأن هذه الأمة، تحمل الأمانة الأخيرة، ولأنها أمل الإنسانية الأخيرة.

ما أعظم الفرق أيها الإخوة، بين أمسنا ويومنا، وما أعظم الفرق بين الإسلام ديناً، والمسلمين واقعاً. فيا له من دين لو أن له رجال. وما أجمله من دين، لو تمثله مجتمع. وما أحسنه من دين، لو طبق في واقع الناس.

لقد انفصلت بعض العقائد عن بعض، وبعض العبادات عن بعض، وتباعدت الدنيا عن الآخرة، والأرض عن السماء، وأصبح الدين في واد، والواقع في واد ثان، وحورب الإسلام بيد أبنائه، بعد أن كان وما يزال يحارب بيد أعدائه، واستبدل شرع الله بنظم وضعية، وقوانين كفرية، وأطلت البدع والشركيات برأسها، وابتلي المسلمون، وابتليت الأمة، ببعض علماء السوء، يلبسون على الناس أمر دينهم، ويفتون وهم أذناب وتبع لغيرهم، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله، فكانوا بمثابة قطاع الطريق إلى الله، وبالجملة فقد أصبح الإسلام غريباً وسط أهله وبنيه، وكأنه ينادى المسلمين من مكان بعيد من يوم بدر وأحد، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً [آل عمران:144].

أيها المسلمون، إن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم، يلاحظ كيف أنها وصلت إلى حالة سيئة، من ضعف ووهن وشتات واختلاف، ضعف في عقيدتها، وضعف في قوتها، وضعف في اقتصادها وضعف في قراراتها، وضعف في تسيير شئون نفسها، ثم ضعف في كل جانب من جوانبها، فأدى ذلك إلى تكالب أعدائها عليها، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، محاولين تحطيمها والإجهاز عليها، أما واقع المجتمع اليوم، مجتمع سيء، قد أصاب العلاقات الاجتماعية التي تربط أفراده، الضعف والوهن، والبعد عن منهج الله سبحانه وتعالى. كذلك أيها الإخوة، يجد المتتبع لواقع الأسرة، في الدول الإسلامية اليوم، التمزق والتباغض والتحاسد والانحلال، هو الذي أصاب أغلب الأسر اليوم.

أما بالنسبة للفرد، فقد تشوهت عقيدته، في كثير من الأمور، وحدث له قصور في الفهم، وضعف في شعوره بانتمائه للأمة الإسلامية. وجَهْل لكثير من أمور دينه، إلا من رحم الله عز وجل.

وهناك من أبناء المسلمين من وقع تحت تأثير الفكر المعادي للإسلام، الذي أوهم أبناء المسلمين أن السبيل الوحيد للخلاص من الفقر، والجهل والتخلف، هو التخلص من ربقة الإسلام، وأن تنهج الشعوب الإسلامية، نهج الغرب الكافر، في محاربة الدين، وتنحيته عن معترك الحياة.

إن المتفحص لكل ذلك يا عباد الله، ليشعر بالألم والحزن والمرارة لواقع المسلمين، ولكن الأمور لا يمكن أن تتغير بالأحزان والآلام والانفعالات، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، لكنا نقول بأن هذه الأحزان لعلها تكون بداية الوعي واليقظة، وبداية لطريق طويل في التصحيح والتغيير.

أيها المسلمون، إن الحديث عن أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم حديث طويل، وطويل جداً، لأنه يحكي قصة أربعة عشر قرناً من الزمان، فلا يكفيه حديث جمعة. ولا جُمَع سنة كاملة، لكن بعد توفيق الله عز وجل، نحاول بين فترة وأخرى إبراز بعض النقاط الهامة والكبيرة. والتي نعتقد أنها من أبرز أسباب ضعف المسلمين وتفرقهم، ولا شك بأن البعد عن الدين هو السبب الرئيس.لكن هذا كلام عام يحتاج إلى تفصيل ولفهم كيف بعد الناس عن الدين، لا بد من تجزئة هذا السبب الكبير.

أيها الإخوة في الله، لقد عاش المسلمون في العصور الأولى متشبعين بروح الإسلام وتعاليمه، تربوا تربية صحيحة، أنارت بصيرتهم، وصقلت نفوسهم، وهذبت سلوكهم، ذلك أنهم أخذوا بتعاليم القرآن الكريم، وتأسوا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهموا الإسلام فهماً صحيحاً، وعملوا واجتهدوا في نطاق المنهج الرباني وحدوده. فاستطاعوا بذلك أن ينهضوا نهضة عظيمة في مدة وجيزة، فأقاموا حضارة زاهية ومجتمعاً متماسكاً قوياً، واستمر ذلك المجتمع بقوته وريادته ونوره المشع على أرجاء المعمورة، عدة قرون، ثم بدأ ذلك النور المشع ينحسر شيئاً فشيئاً، فعاش أبناء المجتمع في ليال سوداء قاتمة، وهم ضعفاء أذلاء، تفرقت الكلمة، وتصدع البنيان، وتداعت عليهم الأمم من كل حدب وصَوب، فذهبت الهيبة، وانهار كيان المجتمع، ولم يكن ذلك عن قلة، ولكن أصبحوا كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((غثاء كغثاء السيل)) فزحف المستعمر من كل مكان، لينهش من هذا الجسم المريض, وبدأ الاستعباد والذل والهوان، كل ذلك حدث عندما هانت الأمة على نفسها، حتى فقد المجتمع الإسلامي ثقته بنفسه، وأصبح الإسلام في نفوس أصحابه ألفاظاً بلا معنى، واتجه شرار المجتمع صوب المستعمر الآثم، يتبعون خطواته حذو القذة بالقذة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: ((ليحملن شرار هذه الأمة، على سنن الذين خلوا من قبلهم، أهل الكتاب، حذو القذة بالقذة)) وانقسم المجتمع إلى فئات ثلاث:

الفئة الأولى: انطفأ نور الإيمان في قلبها، فانصرفت عنه إلى نوع من الإلحاد، وشكت في صلاحية الإسلام للحياة، واعتقدت أن الأخذ بأسباب المدينة الغربية، والانغماس والاستمتاع بشهواتها هو كل الحياة. أما الإسلام في نظرها، فهو سبب التخلف والجمود والرجعية.

الفئة الثانية: اكتفت من الإسلام بالمظهر، اكتفت منه بالأحوال الشخصية، من زواج وطلاق.وصار الواحد منهم يؤدي بعض المظاهر من الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، و كذا الصيام وغيرها.

أما الفئة الثالثة: فهي المؤمنة، المتمسكة بجوهر الدين القابضة عليه كالقابض على الجمر، غريبة في وطنها، تصلح ما أفسد الناس، فهي محط الأمل وموضع الرجاء نسأل الله القدير أن يأخذ بيدها لتعيد الأمة إلى مجدها وعزها.

أيها المسلمون، وقبل ذكر بعض أسباب ضعف الأمة وتفرق كلمتها، فإن هناك سنة ثابتة في هذا الكون ذكرها الله تعالى في كتابه، تختص بهلاك ودمار الأمم، وسقوط الدول، وتخلخل المجتمعات، وهي قول الله جلا وعلا: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16].

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها وذلك بمخالفتهم أمر الله وخروجهم عن طاعته، فحق عليها القول أي فوجب عليهم بمعصيتهم وفسوقهم فيها وعيد الله الذي أوعد من كفر به وخالف رسله من الهلاك بعد الإعذار والإنذار".

أيها المسلمون، إن هذه الآية الكريمة من سورة الإسراء تشير إلى أن مراحل الانحدار إلى الهاوية، يبدأ من انحلال وفساد القمة الاجتماعية في هيكل المجتمع.ففساد القمة نذير صارخ بإفساد المجتمع، وبالإضافة إلى ما ذكر، فإن الترف عامل من أقوى عوامل الانحلال، وأسرعها وأخبثها في انهيار المجتمع، إذ أنه يفتت روابطه.لأن الانغماس في واقع الشهوات وإشباع الغرائز المنهومة، يميت الشعور بالنخوة ويقتل الإحساس بالعزة والغيرة، ويجعل الرذائل مألوفة في هذه المجتمعات المنحدرة إلى هاوية الانهيار، بل يجعل الرذائل ميداناً للتنافس الفاجر.

إذا فسدت القمة ووقعوا في الترف، وصار الترف هو الغالب في طبقات المجتمع، فقل على هذا المجتمع: السلام، فلا يهتم أحد برفع رأسه إنكاراً لها، بل يجد المجتمع في كبرائه المترفين، من ينكر على من ينكر هذه الرذائل. وتصبح الفضائل الخلقية والقيم الروحية غرائب في نظر هذا المجتمع المنحل المتحلل، وعندئذِ تحق عليهم كلمة الله، ويحل بهذا المجتمع الضعف والتفرق. اكتفى بهذه المقدمة.

وسأبدأ في الخطبة الثانية، بالسبب الأول الذي أضعف المسلمين، وفرق بينهم.

اللهم علمنا ما ينفعنا...


 

الخطبة الثانية

أما بعد: أهم وأول سبب في ضعف الأمة، وتفرق كلمتها هو: خلخلة العقيدة في قلوب الناس، وسوء فهم العقيدة في قلوب الناس، عدم صفاء المعتقد الصحيح، معتقد أهل السنة والجماعة، ثم التطبيق والممارسة الواقعية لهذا المعتقد لدى كثير من أبناء الأمة. فإذا كان ما في قلوب الناس له مشارب شتى فكيف الاجتماع والوحدة.

إن للعقيدة الصحيحة أهميتها في تربية الأفراد وتوجيههم فإذا رسخت العقيدة في قلب الإنسان، فإنها سرعان ما تنعكس على جوارحه، وعلى خلقه وسلوكه ومعاملاته، ولهذا لا غرابة أن كثيراً من الآيات والسور المكية عالجت موضوع العقيدة بجميع جزئياتها. ولقد تربى المجتمع الإسلامي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على العقيدة السليمة، التي حررت الإنسان من عبادة العباد، ونقلته إلى عبادة رب العباد.

إن العقيدة يا عباد الله، هي الأساس الذي يبنى عليها النظام الأخلاقي، وهي التي تكون الأساس الفكري لعقلية المسلم، والأساس النفسي لسلوكه.

ومن العقيدة تنبثق نظرته إلى الحياة الاقتصادية والحياة السياسية وغيرها، وكذلك أيها الإخوة فإن العقيدة لها تأثير كبير في علاقة أفراد المجتمع بعضه ببعض، سواء الفردية أو الجماعية، ألا تجد بأن هناك موظفين في مكتب واحد، ومن منطقة واحدة، لكنك تجد النفرة والتباغض بينهما، لأن الأول على عقيدة أهل السنة والجماعة، والأخر على عقيدة أخرى كعقيدة الرافضة مثلاً، وإن كانا يحملان نفس الجنسية.

إذاً العقيدة ـ أيها الإخوة ـ هي الأساس، وهي القاعدة وهي المنطلق لجميع تصورات، وتصرفات الإنسان، ولكن المتأمل في واقع المجتمع اليوم. يجد أن هذا المجتمع مختلف في صفاته وخصائصه عن المجتمع الإسلامي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.

ومن أهم الأسباب سوء فهم العقيدة عند متأخري هذه الأمة. حتى وصل الحال عند بعض أهل السنة، أنه لا يبالى في مصاحبة وموالاة والثقة بأبناء غير أهل السنة.

إلى هذا الحد وصل التسيب في اعتقاد كثير من المسلمين. وبعد ذلك كيف لا يكون سوء فهم العقيدة من أهم الأسباب في هدم كيان الأمة.

ومن الانحرافات العقائدية الخطيرة أيضاً والتي تهدد كيان الأمة.ما حصل في كثير من بلاد المسلمين. وإن كنا نحن ولله الحمد في هذه البلاد سلمنا من هذا الانحراف شيئاً ما، وهو الاستغاثة والدعاء عند القبور والأضرحة. وإيقادها بالسرج، والتمسح بها، وذبح القربات لها، واعتقاد أنها تنفع وتضر من دون الله، وهذا والله أعلم شائع في كثير من الدول الإسلامية، وهناك الملايين من المسلمين من يعتقد بهذه الأمور، فإذا أصيب بمرض أو جاءته مشكلة أو مصيبة، توجه إلى هذه القبور، بالدعاء والبكاء والتقبيل، ليشفى من مرضه أو لتحل مشكلته. أو لتعود إليه زوجته.

لا تتصوروا ـ يا عباد الله ـ أن هذه أمثلة مبالغ فيها، بل إنها واقعة، وأكثر من هذا. كثير من بلاد الشام ومصر وغيرها مننتشر فيها هذه الاعتقادات الفاسدة، وهناك المزارات تبنى وتشيد لأجل هذا.

فأين يأتى نصر الله، وأين يأتي تمكين الله لهذه الأمة، وكيف لا ينهدم كيانها وينهدم بناؤها، وهذا حال أبنائها.

تركوا الله عز وجل وتوجهوا إلى غيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لا يجوز أن يتخذ شيء من القبور والآثار والأشجار والأحجار ونحوها، بحيث يرجى نفعه وبركته بالنذر له، والتمسح به، أو تعليق شيء عليه بل كل هذا من جنس الشرك".

وقال أيضاً: ومن أعظم الشرك أن يستغيث الإنسان برجل ميت عند المصائب، فيقول: يا سيدي فلان، كأن يطلب منه إزالة الضرر أو جلب النفع كما هو حال النصارى في المسيح وأمه، وأحبارهم ورهبانهم".

انحراف آخر في سوء فهم العقيدة، أيضاً منتشر في أوساط كثير من المسلمين. انحراف فهم القضاء والقدر.

كثير من المسلمين. عندما تأمل حال العالم الإسلامى ورأى الهزيمة والذل والإهانة للمسلمين من قبل أعدائهم، استسلم لهذا الواقع، وقال: هذا ما حصل إلا بقضاء الله وقدره.

وكذلك من رأى المنكرات والفواحش قد انتشرت في المجتمع، ورأى هذا الواقع السيئ من انحلال الشباب والشابات ووقوع كثير من الشباب في أسر المخدرات وفى أسر المغازلات والمعاكسات يئس من تغيير هذا الواقع السيء، ورماها على القضاء والقدر، ما حصل هذا في المجتمع إلا بقضاء الله وقدره. فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك الدعوة إلى لله، وترك النصح والإرشاد بحجة أن الله هو الهادي.

نقول نعم أيها الإخوة، لا يمكن أن يحدث شيء في الكون إلا بقضاء الله وقدره. لكن من سوء فهم العقيدة، أن تسلم لكل قضاء الله وقدره. اعتقد غالب الناس أن كل ما كان بقضاء الله وقدره يجب التسليم له. فنقول بأن هذا غير صحيح ولا يجوز أصلاً أن تسلم بكل ما قضاه الله وقدره. وسأضرب لذلك مثلاً: لو وقع أحدكم لا سمح الله، بجريمة زنا، فهل هذا الذي حصل منه ووقع فيه، بقضاء الله وقدر أم لا؟ لا شك أنه بقضاء الله وقدره. وحاشا أن يحصل شيء في الكون كله بغير إرادة الله عز وجل.

لكن السؤال؟ هل ترضى بأمر الزنا وتقول: حصل بقضاء الله وقدره. لا أتصور أن مسلماً عاقلاً سليم المعتقد يقول بهذا. لكن المطلوب في هذه الحالة أن نغير هذا القدر بقدر آخر وهو التوبة والاستغفار والإقلاع عن هذا الذنب. حتى التوبة لا يمكن أن تحصل منك إلا إذا قضاه الله وقدره.

فكيف بعد هذا يسلم بعض الناس لحال الواقع بحجة القضاء والقدر. يستسلمون للمنكرات ويستسلمون للانحرافات الموجودة بحجة القضاء والقدر، ولا شك أن هذا انحراف واضح في العقيدة، وسوء فهم للعقيدة الإسلامية الصحيحة.

انحراف آخر في العقيدة، أدى سوء فهم هذه القضية أيضاً إلى مفاسد كثيرة وحدث شرخ كبير في بناء الأمة، وهو عقيدة التوكل.

من الأمور التي أصابها تشويه أيضاً، مفهوم التوكل على الله، فقد فهم بعض أفراد المجتمع المسلم أن التوكل هو ترك الأخذ بالأسباب، مع أن هذا الأمر مخالف لدين الإسلام، ولو كان الأمر كذلك لطبقه سيد المتوكلين محمد صلى الـله عليه وسلم، فقد كان يأخذ بجميع الأسباب، فيتخذ للنصر عدته، وللسفر زاده، وللمرض دواءه، ويحث الصحابة على العمل والسعي في طلب الرزق.

ومن انحرافات فهم التوكل أيضاً. عدم التوكل على الله عز وجل التوكل الحقيقي في كل الأمور. فكم من المسلمين من يعتقد بأن رزقه في يد رئيسه في العمل. تجد بعض الموظفين مثلاً يعمل عملاً مخالفاً للنظام. ولو سألته لماذا؟ قال: لأن الرئيس طلب مني ذلك، ولو قلت له كيف تطيع رئيسك في أمر محرم ولا يجوز ويخالف النظام، لقال لك: إذا لم أفعل ما طلب، فسوف يقطع عليّ العلاوة، أو يفصلني من الوظيفة فيقطع رزقي. فأين صدق عقيدة التوكل على الله عز وجل. لقد ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى عند غالب المسلمين إلا من رحم ربي في كل شيء، وفي كل جانب. كم من المسلمين ومن الدول الإسلامية من يثقون بقوة أمريكا ويتوكلون عليها أكثر من ثقتهم بقوة الله عز وجل وتوكلهم عليه! كم من الدول من تعتمد كما يقال على الدول العظمى أكثر من اعتمادها على الله عز وجل. فأين عقيدة التوكل أيها الإخوة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)).

ولو قمنا ـ أيها الإخوة ـ بالتفصيل والتتبع لكثير من جزيئات العقيدة، لوجدنا سوء الفهم فيها.

فكيف بعد هذا لا يكون سوء فهم العقيدة من أخطر وأهم أسباب ضعف الأمة وتفرق كلمتها. وليس هناك طريق ولا أمل للقضاء على هذا السبب إلا عن طريق العلم، لابد من تعلم العقيدة ودراسة العقيدة وفهم العقيدة، على الوجه الصحيح. لأن العقيدة هي أساس كل شيء، ولو اهتزت القاعدة، سقطت القمة ثم بعد ذلك سقط ممارستها وتطبيقها.

أسأل الله عز وجل أن يبصرنا في أمور ديننا ودنيانا وأن يأخذ بأيدينا، إنه خير مسئول.

اللهم من أراد المسلمين بسوء...

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً