أما بعد: عباد الله، كثير من الناس يشتكي من عدم استقرار الأوضاع في بيته، قلة في البركة، وعدم استقرار النفس في المنزل، بعض الناس يقضي كثيراً من الوقت خارج البيت، هروباً منه، يحس بالضيق والانزعاج في منزله. ولهذا الانزعاج، وعدم الطمأنينة أسباب، ويمكننا التعرض لهذا الموضوع من عديد من الجوانب، لكن سأقف على جانب واحد منه، ربما تكون بقية الأمور مرتبطة بهذا الموضوع.
هذه القضية أيها الأخوة، والتي سببت الشكوى من البيوت، هو هجر الملائكة لبيوتنا.نعم، إن عدم دخول ملائكة الرحمة.الذين يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار لبيوت المسلمين، لهو من أعظم الأسباب في شكوى كثير من الناس.من عدم الاستقرار والطمأنينة في البيوت.
وعندما نقول بهجر الملائكة لبيوتنا، فإننا نقصد ملائكة الرحمة، وإلاّ فإن ثمة ملائكة لا يخلو منهم بيت، كأولئك الذين لا يفارقون ابن آدم، لأنهم مأمورون بإحصاء أعمال بني آدم، وكتابتها.وكذلك ملائكة الموت.
فأقول أيها الإخوة، هل فكر أحد منا في هذه المسألة، هل طرأت هذه القضية في بيته، أو عندما يشتكي ولا تستقر نفسه في منزله، هل طرأ عليه، بأن هجر الملائكة لبيته من أعظم الأسباب في ذلك، ولعل هذه القضية ينقلها إلى صلب الموضوع الذي أريد أن أتكلم فيه.وهو ما هي الأسباب، وما هي الأمور التي لو حصلت في بيت المسلم، خرجت الملائكة منها، ما هي البيوت التي لا تدخلها الملائكة، من بيوت المسلمين؟. فنقول أولاً: بيت قاطع الرحم. اعلموا رحمكم الله، فإن الملائكة لا تتنـزل على القوم فيهم قاطع الرحم أو ولقد تعهد ربنا سبحانه وتعالى، بوصل من وصل رحمه، وقطع من قطعها. فكن حريصاً أخي المسلم، إذا أردت أن لا تخرج الملائكة من بيتك، وأن تطمئن في منزلك، أن تصل رحمك، وتزور أهلك ورعيتك، وتتعهدهم بما يصل شئونهم، وتقضي لهم حاجاتهم، حتى تنال رضى ربك ورحمته، ودعاء الملائكة لك.عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم)).
إن صلة الرحم ـ أيها الأخوة ـ بين المسلمين. من الأسس التي يبني عليها الإسلام، لذلك نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ذلك فيقول: ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا إن شئتم)) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ [محمد:22، 23].
ويا أخي المسلم، يكفيك زاجراً أن قاطع الرحم تحرم عليه الجنة، فعن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة))، وذكر منهم: ((قاطع رحم)). وروى مسلم في صحيحه، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل الجنة قاطع)). فانتبهوا رحمكم الله لأرحامكم، يا من تشكون من القلق في بيوتكم، فإن لقطع الأرحام سبباً في ذلك. والله المستعان.
البيت الثاني من البيوت التي لا تدخلها الملائكة والذي يكون بيته وبالاً وشقاء عليه، بيت العاق لوالديه.أيها المسلمون. إن ملائكة الرحمة، لا تدخل بيتاً ترتكب فيه كبيرة من الكبائر، وأي كبيرة أعظم من عقوق الوالدين، كيف تريدون أن يهنأ في بيته من يعق والديه، كيف تريدون أن يرتاح في منزله ولا يصيبه الشقاء والضنك من يعق والديه، ولطالما أوصى ربنا تبارك وتعالى بالوالدين خيراً، وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوَالِدَيْهِ [العنكبوت:8]، وقد أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات))، وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) قلنا بلى يا رسول الله قال: ((الإشراك بالله وعقوق الوالدين))، وكان متكئاً فجلس، فقال: ((ألا وقول الزور وشهادة الزور)).
عليك ببر الوالدين كليهما وبر ذوي القربى وبر الأباعد
ولا تصبحن إلا تقياً مهذباً عفيفاً ذكياً منجـزاً للمواعـد
فيا أيها المضيع لآكد الحقوق، والمعتاض عن بر الوالدين العقوق، الناسي لما يجب عليه، الغافل عما بين يديه، بر الوالدين عليك دين وأنت تتعاطاه باتباع السنين، تطلب الجنة بزعمك، وهي تحت أقدام أمك، حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج، وكابدت على الوضع ما يذيب المهج، وأرضعتك من ثديها لبناً، وأطارت لأجلك وسناً، وغسلت بيدها عنك الأذى. وآثرتك على نفسها. وإن أصابك مرض أو شكاية أظهرت من الأسف فوق النهاية. ولو خيرت بين حياتك وموتها. لطلبت حياتك بأعلى صوتها. هذا وكم عاملتها بسوء الخلق مراراً، فدعت لك بالتوفيق سراً وجهاراً، فلما احتاجت عند الكبر إليك، جعلتها من أهون الأشياء عليك. فشبعتَ وهي جائعة. ورويت وهي ظامئة، وقدمت عليها أهلك وأولادك بالإحسان، وقابلت أياديها بالنسيان وصعب عليك أمرها وهو يسير، وطال عليك عمرها وهو قصير، وهجرتها ومالها سواك من نصير، هذا ومولاك قد نهاك عن التأفيف. وعاتبك في حقها بعتاب لطيف، ستعاقب في دنياك بعقوق البنين، وفي أخراك بالبعد من رب العالمين، يناديك بلسان التوبيخ والتهديد، ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلعَبِيدِ [الحج:10].
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله في الوالدين.فإن حقهما من أعظم الحقوق، وعقوقهما من أكبر الكبائر والآثام.واسمعوا رحمكم الله إلى نصيحة هذا الشاعر، حيث يوجه الأبناء تجاه والديهم فيقول:
قضى الله أن لا تعبـدوا غيـره حتما فيا ويـح شخص غير خالقـه أمـا
وأوصـاكم بالوالديــن فبـالغـوا ببرهمـا فالأجــر في ذاك والرحما
فكـم بـذلا مــن رأفـة ولطافـة وكم منحا وقت احتياجك من نعما
وأمـك كـم باتت بثقلـك تشتكي تواصل ومما شقها البــؤس والغما
وفي الوضع كـم قاست وعند ولادها مشقا يذيب الجلد واللحم والعظمـا
وكـم سـهرت وجدا عليك جنوبها وأكبادها لهفا بجمر الأسا تحمــى
وكـم غسلت عنـك الأذى بيمينها حنـواً وإشفاقاً وأكثـرت الضمـا
فضيعتهـا لمــا أسـنت جهالــة وضقت بها ذرعا وذوقتهـا سـما
وبت قرير العيـن ريـان ناعمــا مكبا على اللذات لا تسمع اللومـا
وأمـك في جـوع شـديد وغربـة تلين لها مما بهـا الصخـرة الصمـا
أهـذا جزاها بعـد طـول عنائهـا لأنت لـذو جهـل وأنت إذاً أعمى
اللهم إنا نسألك أن توفقنا في بر والدنيا وأن تجمعنا وإياهم في جناتك يا رب العالمين.
البيت الثالث من البيوت التي لا تدخلها الملائكة بيت فيه كلب. روى البخاري في صحيحه حديث أبي طلحة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة))، إن دين الإسلام دين نظافة وطهارة، والدين الكريم يرشدنا إلى أضرار اقتناء الكلاب ويحذر من لعابها وينهى عن اقتنائها إلا لفائدة مرجوه مثل وجوده في زراعة أو حراسة يقول الحافظ بن حجر رحمة الله تعالى: قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تدخل الملائكة بيتاً)) ظاهرة العموم أي جميع الملائكة وقيل: يستثنى من ذلك الحفظة فإنهم لا يفارقون الشخص في كل حالة، والمراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بيتاً أو خيمة أو غير ذلك وقد ذكر العلماء أسباباً في امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه الكلب، فقيل لكونها نجسة، وقيل لكونها من الشياطين، وقيل لأجل النجاسة التي تتعلق بها.
فاتقوا الله أيها المسلمون، حافظوا على بيوتكم، صونوها مما يبعد ملائكة الرحمة عنكم حتى لا تشقوا في بيوتكم وحتى لا ينقص أجركم فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث ابن عمر عند مسلم وغيره: ((من اتخذ كلباً إلا كلب زرع أو كلب صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط)) وفي رواية أخرى عند مسلم: ((من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم)).
وبذلك يتضح أيها الأخوة أنه طالما لا توجد منفعة محققة لاقتناء الكلاب فيجب على المسلم ألا يدخلها بيته تقليداً لعادات الكفار حتى يفوز هو وأهل بيته بصحبة ملائكة الرحمة.
اللهم أرنا الحق حقاً.
|