وبعد: أيها المسلمون، أيها المؤمنون، أيها المرابطون ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فإن المجتمع الصالح الراشد هو المجتمع الذي يتعاون أفراده على الخير، وتتضافر جهودهم لدفع الشر ونفي الخبث والأخذ على يد الظالم، وذلك ما ينطبق تمام الانطباق على المجتمع الصالح الذي وصف واقعَه ربُ العزة بقوله: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
وأوضح سبحانه أن عوامل الصلاح والرشاد هي الأخذ في سبل الطاعة، وفي طليعتها أداء الفرائض، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأسس الصحيحة التي وضعها الإسلام، وأمر بها وشجع عليها رب العالمين بقوله: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، فالمرء يكمل نفسه ويزكيها بالطاعة، ويكمُل مجتمعه ويرتفع إلى مراقي الفلاح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أيها المسلمون، وقديماً رد الخليفة أبو بكر رضي الله تعالى عنه على من يتنصل من إقامة الأمر بالمعروف بدعوى أن ذلك لا يعنيه، فقال: يا أيها الناس إنكم تسمعون هذه الآية: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأو الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه))، والظالم هو كل من تعـدى حقوق الله وانتهك محارمه بأي قول أو فعل، فإن جنايته ـ إذا لم يُقَوّم ويؤخذ على يديه ـ سوف تعُمُّ الصالح والطالح كما قال تعالى: وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ [الأنفال:25].
أيها المسلمون، وإن السعيد من وعظ بغيره، وكم سمع الناس من أخبار الماضين وأخْذِ الله للطغاة الظالمين، لمجاوزتهم حدود الله، مما فيه عظة وعبرة، كما قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَـٰلِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءاخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مّنْهَا يَرْكُضُونَ لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُواْ إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَـٰكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَـٰهُمْ حَصِيداً خَـٰمِدِينَ [الأنبياء:11-15].
وفيما صح به النقل عن سيد المرسلين من أخبار بني إسرائيل قوله: ((إن أول النقص في بني إسرائيل، أنه كان الرجل يلقى الرجل ـ أي على المعصية ـ، فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79])).
أيها المسلمون، ولقد حذر الرسول صلوات الله وسلامه عليه في كثير من أحاديثه الأمةَ الإسلامية أن يصيبها مثل ما أصاب بني إسرائيل، إذا سلكوا مسالكهم واقتدوا بأفعالهم، بإضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلاً عن التضامن في الباطل والتضافر على هدم معالم الحق.
أيها المؤمنون، إنها والله مسؤولية عظيمة حمّلها رسول الهدى كلَ فرد في الأمة حسب إمكانياته للأخذ في سبل الصلاح والإصلاح، وللقضاء على الفساد في مهده، على القريب والبعيد، والرئيس والمرؤوس على حد سواء، إنكم إن فعلتم ذلك كنتم على جانب عظيم من الصلاح والحفاظ على تراث سلفكم الصالح الذين رفع الله ذكرهم، وامتدحهم في محكم الكتاب بجميل أعمالهم فقال: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110].
التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.
|