.

اليوم م الموافق ‏24/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الأمر بالمعروف

3386

العلم والدعوة والجهاد

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إسماعيل الحاج أمين نواهضة

القدس

3/11/1424

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الأمر بالمعروف من سمات المجتمع المسلم. 2- تصحيح الصديق لمفهوم خاطئ في الأمر بالمعروف. 3- عذاب الله للأمم حين تركت الأمر بالمعروف. 4- الأمر بالمعروف مسئولية كل مسلم بحسبه. 5- أحوال المسلمين في أرض فلسطين. 6- دعوة للاستمساك بهدي الله واجتناب المعاصي أسباب الهزيمة والخور.

الخطبة الأولى

وبعد: أيها المسلمون، أيها المؤمنون، أيها المرابطون ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فإن المجتمع الصالح الراشد هو المجتمع الذي يتعاون أفراده على الخير، وتتضافر جهودهم لدفع الشر ونفي الخبث والأخذ على يد الظالم، وذلك ما ينطبق تمام الانطباق على المجتمع الصالح الذي وصف واقعَه ربُ العزة بقوله: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].

وأوضح سبحانه أن عوامل الصلاح والرشاد هي الأخذ في سبل الطاعة، وفي طليعتها أداء الفرائض، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأسس الصحيحة التي وضعها الإسلام، وأمر بها وشجع عليها رب العالمين بقوله: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، فالمرء يكمل نفسه ويزكيها بالطاعة، ويكمُل مجتمعه ويرتفع إلى مراقي الفلاح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أيها المسلمون، وقديماً رد الخليفة أبو بكر رضي الله تعالى عنه على من يتنصل من إقامة الأمر بالمعروف بدعوى أن ذلك لا يعنيه، فقال: يا أيها الناس إنكم تسمعون هذه الآية: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأو الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه))، والظالم هو كل من تعـدى حقوق الله وانتهك محارمه بأي قول أو فعل، فإن جنايته ـ إذا لم يُقَوّم ويؤخذ على يديه ـ سوف تعُمُّ الصالح والطالح كما قال تعالى: وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ [الأنفال:25].

أيها المسلمون، وإن السعيد من وعظ بغيره، وكم سمع الناس من أخبار الماضين وأخْذِ الله للطغاة الظالمين، لمجاوزتهم حدود الله، مما فيه عظة وعبرة، كما قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَـٰلِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءاخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مّنْهَا يَرْكُضُونَ  لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُواْ إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَـٰكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَـٰهُمْ حَصِيداً خَـٰمِدِينَ [الأنبياء:11-15].

وفيما صح به النقل عن سيد المرسلين من أخبار بني إسرائيل قوله: ((إن أول النقص في بني إسرائيل، أنه كان الرجل يلقى الرجل ـ أي على المعصية ـ، فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79])).

أيها المسلمون، ولقد حذر الرسول صلوات الله وسلامه عليه في كثير من أحاديثه الأمةَ الإسلامية أن يصيبها مثل ما أصاب بني إسرائيل، إذا سلكوا مسالكهم واقتدوا بأفعالهم، بإضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلاً عن التضامن في الباطل والتضافر على هدم معالم الحق.

أيها المؤمنون، إنها والله مسؤولية عظيمة حمّلها رسول الهدى كلَ فرد في الأمة حسب إمكانياته للأخذ في سبل الصلاح والإصلاح، وللقضاء على الفساد في مهده، على القريب والبعيد، والرئيس والمرؤوس على حد سواء، إنكم إن فعلتم ذلك كنتم على جانب عظيم من الصلاح والحفاظ على تراث سلفكم الصالح الذين رفع الله ذكرهم، وامتدحهم في محكم الكتاب بجميل أعمالهم فقال: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110].

التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.


الخطبة الثانية

الحمد الله ثم الحمد الله، الحمد لله يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بعدله، نحمده سبحانه على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، رفع من شأن التضامن والتعاون في الإسلام وشجع عليه بقوله وفعله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

وبعد: أيها المسلمون، إن المجتمع الصالح الراشد هو المجتمع الذي يتخذ من إشعاع الوحيين ـ أي القرآن والسنة ـ دستوراً يطبقه بكل دقة وأمانة، سواء ما يتصل بحقوق الخالق في الطاعة وإخلاص العبادة، أو ما يتصل بحقوق المخلوق من الاعتصام والتضامن ونبذ الفرقة، استجابة لقول الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:102، 103]، واستجابة لقوله تعالى: وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [الأنفال:46].

أيها المؤمنون، إن المسلمين إذا لم يجتمعوا على الحق فرّقهم الباطل، وإذا لم يتضامنوا على جمع الكلمة ونصر الله، مزقهم الأعداء، وكان لهم معهم في كل يوم معركة، مستغلين انقسامهم وتفرقهم، إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

إن القافلة يجب أن تسير حتماً إلى الأمام لكسب الوقت ولتحقيق الأهداف المرجوة، فمقدساتنا وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال يقع تحت الاحتلال، والأرض تصادر هنا وهناك لإنشاء المستوطنات عليها، جدار الفصل العنصري يبتلع الأرض ابتلاعاً، وهدم البيوت لا يتوقف، والحصار يفرض على المدن والقرى بجميع أشكاله وألوانه، والناس لا يستطيعون الوصول إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه، والدماء البراءة تسفك صباح مساء، فنحن في وضع لا نحسد عليه، فاللهم لا حول ولا قوة إلا بك.

ولكن أيها المرابطون، أمام الصبر والثبات والتعاون على البر والتقوى، وأمام اتحاد الكلمة ستفشل كل هذه المحاولات والممارسات التي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، وستتحطم بمشيئة الله على صخرة صماء، وعندها ستتحرر البلاد من نير الاحتلال ويسود الأمن والسلام مصداقاً لقوله تعالى: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ [الروم:47].

أيها المؤمنون، ولنتذكر وصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في رسالته التي وجهها إلى قائد معركة القادسية، سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، والتي يقول فيها: (فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب)، وفي فقرة أخرى من هذه الوصية يشدد ويدعو للابتعاد عن المعاصي فيقول: (وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليكم من عدوكم، إنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عُدتنا كعِدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا بالقوة، و إن لم ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا)، ونسألك اللهم العون على أنفسنا والنصر على أعدائنا.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً