.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الأمانة

3292

الإيمان

خصال الإيمان

يزيد بن الخضر ابن قاسي

بوزريعة

28/11/1423

علي مغربي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- معنى الأمانة وبيان عظمها. 2- الأمانة صفة الأنبياء والصالحين. 3- الأمور التي تندرج في أمر الأمانة. 4- عاقبة الخيانة. 5- أعظم ما تكون به الخيانة. 6- أمانة تربية الأولاد ورعايتهم.

الخطبة الأولى

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى.

قال الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:72، 73].

إن من أهم الأمور وأعظمها ـ يا عباد الله ـ وأشدها خطرًا صفةُ الأمانة التي عظّم الربُ شأنها، وعرضها على أعظم مخلوقاته من سماوات وأرض وجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، أي: لم يُطقن حملها، وحملها الإنسان، هذا الإنسان الضعيف، لظلمه ولجهله بعِظم هذه الأمانة، وما يترتب عليها، والمقصود بالأمانة في الآية الكريمة الطاعة والواجبات، فمع الإحسان يكون الجزاء، ومع الإساءة تُستحق العقوبة.

إنها الأماناتُ ـ عباد الله ـ التي أوصى الله عز وجل بها من فوق سبع سماوات، فقال جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].

فهي الأماناتُ التي أمِرنا بحفظها ورعايتها والقيامِ بها وأدائِها إلى أصحابها, فالأمانة ـ عباد الله ـ صفة الأنبياء والمرسلين، وهي صفة نبينا الملقب بالأمين، وأخبر سبحانه وتعالى أن القيامَ بها والعنايةَ بها شيمةٌ من شيم المؤمنين، وخصلةٌ من خصال الأخيارِ الصالحين، فقال في كتابه المبين وهو يُثني على عباده المؤمنين المفلحين: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ إلى أن قال: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:1-8].

إنها الأمانة ـ عباد الله ـ التي أخبر النبي أن أداءها والقيامَ بها إيمان، قال : ((لا إيمان لمن لا أمانة له)). فمن حُرم الأمانةَ فقد حُرم كمَالَ الإيمان الواجب.

فمِن كمال الإيمان أن يتصف الرجلُ بالأمانة، ومن تمام الرجولةِ والمروءة أن تكون للرجل أمانة، فإذا رأيت الرجلَ يحفظ الأمانة ورأيته يؤديها إلى أصحابها على أتم الوجوه وأكملِها فاعلم أن وراء ذلك قلبًا يخاف الله جل جلاله ويتقيه, وأن هذا العبد يعلمُ عِلمَ اليقين أن الله محاسبُهُ وسائِلُه ومجازيه.

وإن الأمانةَ ـ أيها الإخوة المسلمون ـ لا تنحصر في جانب من جوانب المعاملات؛ كحفظ المال والوديعة، بل هي أشملُ من ذلك، فهي أصلٌ في جميع العبادات والمعاملات، فالصلاة أمانة في عنقك، تؤديها في أوقاتها كاملة الشروط والواجبات، والصيامُ أمانةٌ بينك وبين الله، والزكاةُ أمانة والله مطلعٌ عليك في أدائها كاملةً أو ناقصة، والأيمانُ والعهود والمواثيق والالتزامات والمواعيد أمانة كذلك، والصحة أمانة، وسمعك وبصرك ولسانك وفؤادك أمانةٌ عندك، وسوف تسأل عنها، قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].

كما أخبرنا أن تضييعَ الأمانةِ والاستهتارَ بها وخيانتَها نفاقٌ وعصيان، روى البخاري في صحيحه أن النبي قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)). فالخيانة صفة من صفاتِ المنافقين، و الخيانة دليلٌ على سوء البطانة، دليل على ضعف الإيمان بالله جل جلاله.

وإن في تضييع الأمانةِ لوعيدًا شديدًا، أخبرَ النبي أنه يؤتى يوم القيامة بجهنم والناس في عرصاتها ـ أي: في عرصات يوم القيامة ـ حفاةً عراة غُرلاً، في ذلك الموقف العظيم يؤتى بجهنمَ تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، فلا يبقى ملكٌ مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، ثم يُضرب الصراط على متن جهنم, وينادي الله جل جلاله بأن يسيرَ العبادُ عليه، وعندها تكون دعوةُ الأنبياء: اللهم سلّم سلم. فإذا ضُرب الصراط على متن جهنم قال كما في صحيح مسلم: ((قامت الأمانة والرحم على جَنبتَي الصراط))، أما الأمانة فإنها تُكبكِب في نار جهنم كلَّ من خانها، وأما الرحم فإنها تزِلّ قدمَ من قطعها وظلمها.

فتأمل ـ أخي المسلم, أختي المسلمة ـ ما جاء في هذا الحديث من الوعيد الشديد لمن خان الأمانة.

وأعظم ما تكون به خيانةُ الأماناتِ إذا كانت خيانةً لله والرسول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: 27]. نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه وأرضاه؛ وقف النبي محاصرًا ليهود بني قريظة بعدما نقضوا العهد, فبعث النبي إليهم أبا لبابة لينزلوا على حكم رسول الله، فاستشاروه في ذلك، فأشار بيده إلى حلقه أنهم يُقتلون. فبهذه الإشارة فقط عَظُم ذنبه, وأنزل الله فيه من فوق سبع سماوات قرآنًا يُتلى، فبقي في المسجد، وحبس نفسه يبكي، حتى أخبره النبي بتوبة الله عليه.

أعظم ما تكون الخيانة إذا كانت لله والرسول بالكذب على الله، والكذب على رسول الله ؛ الكذب على الله بتكذيب دينه، والكذب على الله بتحليل الحرام وتحريم الحلال، والفتوى في دينه دون حُجة ولا برهان من الله جل جلاله.

وأعظم ما تكون الخيانةُ إذا كانت بالكذب على رسول الله ؛ كالكذب على سنته، والتحديث بالأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي .

وأعظم ما تكون به الخيانة إذا كانت خيانة لعباد الله المؤمنين؛ بأكل أموالهم بالباطل ظلمًا وعدوانًا، وما نسمعه اليوم ونراه من فشو الكذب والخداع والغش والتزوير والسرقة والاختلاس و كثرة شهادة الزور وقول الزور والمطل بالحقوق وانتشار الرشوة، كل هذا من الخيانة للأمانة، حتى أصبح الكثيرون اليوم لا يعبؤون بالأمانة، ولا يقيمون لها وزنًا، ترى العامل في عمله لا يقوم به على وجهه الصحيح، ويتباطأ فيه، ولا يؤديه في الوقت الملزم به، لا يبالي بحاجة الناس، وقد ينتظر الناس يومًا أو يومين أو أسبوعًا أو أسبوعين، حتى أصبح بعضنا لا يقضى طلبه إلا بعد جهد مرير، ولا يصل في الغالب إلى حقه إلا بعد مشقة شديدة، والله المستعان.

 ومن الخيانة للأمانة أن يسرّ إليك أحد من الناس بأمر، طالبًا منك النصيحة والإرشاد، فتبوح أنت بذلك السر، و تذيعه وتنشره بين الناس، والنبي يقول: ((المجالس بالأمانة)).

وأعظم ما تكون الخيانات ـ عباد الله ـ إذا كانت بهتك عورات المسلمين وتتبع ما فيهم من العيوب، ونشرها بين الناس، وأشد ما يكون ذلك بين الأرحام وبين الزوجين. ولنأخذ مثالاً على ذلك الزوجين اللذين قال الله فيهما: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21]، فالزوجان بينهما أسرار كثيرة لا يعلمها إلا الله جل جلاله، ثم إن الزوج يطلع على عيوب امرأته، وعيوب أهلها وقرابتها، والزوجة كذلك تطلع على عيوب زوجها، وعيوب أقاربه. وإفشاء هذه الأسرار وإخراجها للناس تعد من الخيانة للمؤمنين والمؤمنات, واعتداء على حدود الله جل جلاله، خاصة إذا وقعت الخصومات والنزاعات، فيذهب الزوج إلى قرابته يُحدثهم بما يكون من زوجته، ولربما حدثهم عن أدق الأمور وأخفاها، كذلك الزوجة بمجرد أن تكون الخطيئةُ من زوجها تذهب إلى أهلها وقرابتها؛ لكي تخون الله في أماناتها، فتهتك العورات، وتكشف السوءات، دون خوف من الله جل جلاله. ثم يقع بعد ذلك ما لا تحمد عقباه. وما نراه اليوم في المحاكم من كثرة الطلاق و مشاكله إلا بسبب ضياع الأمانة بين الزوجين، والله المستعان.

وأشد ما تكون الخيانة إذا كانت بين الجيران, لأن خيانة الجار من أعظم الخيانات عند الله, فالجار له حقوق عليك, وأنت تَعلم أخباره، تعلم مدخله ومخرجه وصدقه وكذبه، تعلم وقت غيابه ووجوده، وأنت مؤتمن على أن لا تخونه في شيء من عرضه وماله.

وللحديث بقية فارتقبوه بعد حين، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

عباد الله، تضييع الأمانات خسارة وحسرة وندامة يوم القيامة.

وأعظم ما تكون الخيانة إذا كان فيها ظلم للأبناء والبنات بتضييع حقوقهم، والاستهتار في واجباتهم، وترك النفقة عليهم خيانة للأمانة، وإهمال وترك الأبناء والبنات هاملين ضائعين عابثين في الطرقات يتسكعون، يخوضون مع الخائضين، دون حسيب ولا رقيب، هو خيانة للأمانة. وترك تربيتهم وتوجيههم وتعليمهم وإرشادهم خيانة للأمانة, ترى في أهلك وأبنائك وبناتك الخطأ والمعصية والزلل والاعوجاج، فلا تكون لهم لسانًا ناصحًا ولا يدًا رادعة، ترى فيهم ترك الصلاة و تضييعها، وقد قال : ((علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر)). فالأبناء أمانة في أعناقنا، وسيسألنا الله عنها يوم نقف بين يديه، ولنتذكر قوله : ((كلكم راع, وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته)) وتذكروا ـ عباد الله ـ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]. أنجوا أنفسكم وأهليكم وأبناءكم وبناتكم من النار.

 فيا معشر الآباء، ويا معشر الأمهات، لو سألتكم: ما أغلى ما تملكون في هذه الدنيا بعد دينكم؟ وما أحب شيء لكم في حياتكم؟ ومن هؤلاء الذين تفرحون لفرحهم، وتحزنون لحزنهم، وتغضبون لغضبهم؟ من هؤلاء الذين تسعى طيلة نهارك لتُحصِّل لهم معيشتهم وتسعدهم في حياتهم؟ من هؤلاء الذين هم عصَب حياتك، وعنوان سعادتك وسرورك؟ فستجيبون جميعكم: إنهم الأبناء. فإن كانوا بهذه المنزلة في قلوبنا، فهل نريد لهم أن يكونوا من الخاسرين يوم القيامة، قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]. هل بعثت منزلتهم في قلوبنا إرادة وحرصًا على تربيتهم؟!

فاتقوا الله عباد الله, اتقوا الله في أهليكم وأبنائكم, واتقوا الله في بناتكم, واتقوا الله في بناتكم, واتقوا الله في بناتكم, فقد قال عليه الصلاة والسلام كما روى الإمام أحمد بسند صحيح: ((من كان له ثلاث بنات ـ وفي رواية: ثنتين ـ فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار))، وعند مسلم: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار))، فمن كانت له بنات فأطعمهن وسقاهن وكساهن وأحسن إليهن ورباهن وصبر عليهن كن له حجابًا من النار يوم القيامة، وقد أكد النبي على البنات دون الأبناء ودون الأولاد، وخصّهم بالذكر وعدّه ابتلاء للآباء والأمهات، فقال: ((من ابتلي بشيء من هذه البنات))، وما ذلك إلا لأن تربية البنات تتطلب صبرًا وحرصًا أكثر وحيطة أكبر ومراقبة دائمة، لحفظ حيائهن وعفتهن وشرفهن وإيمانهن، ففساد البنات يورث فسادًا عظيمًا في المجتمع، ولهذا كانت تربيتها ابتلاء يتطلب حذرًا وحيطة ومراقبة.

فيا عبد الله، ويا أمة الله، من ربى بنته أو بناته تربية إسلامية صحيحة على الحياء والحشمة والعفة والإيمان كن له حجابًا وسترًا من النار، كما أخبر الصادق المصدوق، ومن أهمل ذلك وتساهل فيه فهي خيانة للأمانة، وسوف يسأل عنها يوم القيامة فتكون خسارةً وحسرةً وندامة.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لتربية أبنائنا وبناتنا لأنهم أمانةٌ في أعناقنا.

عباد الله، إنّ الأماناتِ حقوق وواجبات ومسؤولياتٌ وتَبعَات، شَمِلَت الصغيرَ والكبير، والجليلَ والحقير، ولن يضيع فيها مثقالُ حبة من خردل أو قِطمير، فاتقوا الله عباد الله: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً