.

اليوم م الموافق ‏24/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أمة واحدة

3285

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

عكرمة بن سعيد صبري

القدس

7/8/1424

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وحدة الأمة واجب ديني. 2- الحدود التي بين أقطار المسلمين حدود مصطنعة زرعها المستعمرون. 3- التحذير من الفرقة والاختلاف والدعوة للوحدة والاتحاد. 4- التفرقة بين اجتهاد العلماء وافتراق المسلمين. 5- جدار الفصل العنصري في أرض فلسطين.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، ويقول عز وجل في سورة (المؤمنون): وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ [المؤمنون:52]، صدق الله العظيم.

أيها المسلمون، هاتان الآيتان الكريمتان تؤكدان على أن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة، فقد بدأت كل آية منها بلفظ التوكيد" إن"، كما أن الله رب العالمين قد ربط وحدة الأمة بالتقوى والعبادة، للتأكيد على أن تحقيق الوحدة هو واجب عقدي وواجب تعبدي على جميع المسلمين شعوباً وحكاماً، وأن الوحدة يجب أن تكون على أساس متين، باعتبار أن المسلمين يمثلون أمة واحدة، لا تفصلهم حدود وهمية ولا كيانات هزيلة اصطنعها الاستعماريون الاحتلاليون في العالم الإسلامي من الحرب العالمية الأولى، وحتى الآن، إنهم قد مزقوا العالم الإسلامي بموجب اتفاقيات ظالمة غير مشروعة، منها اتفاقية "سايكس بيكو"، التي وضعت حينئذ بلاد فلسطين تحت الانتداب البريطاني البغيض.

أيها المسلمون، إن هذه الحدود المصطنعة بين الأقطار الإسلامية هي حدود غير مشروعة، لأن ديننا الإسلامي العظيم لا يعترف إلا بدولة واحدة للمسلمين، عليها حاكم واحد يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وإن ديننا الإسلامي العظيم قد أقر بالإدارة اللامركزية للدولة قبل خمسة عشر قرناً، وذلك ليكون المجال متاحاً لأقطار أخرى للانضمام إلى هذه الدولة، وللتيسير على المواطنين في إنجاز معاملاتهم من خلال الإدارة اللامركزية، ولا يخفى عليكم أن الحدود القائمة بين الأقطار الإسلامية قد أوجدت الخصومات والمنازعات وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح دون وجه حق.

وإنه لمن المؤلم أن المسلمين في هذه الأيام قد استسلموا لوجود هذه الحدود المصطنعة، وأن المسلم يعد أجنبياً في قطر إسلامي آخر، في حين أن غير المسلمين يصولون ويجلون في الأقطار الإسلامية.

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، نحن في وقت أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة وجمع الكلمة، ومن حقنا ذلك، بل هو أمر واجب، وإن الوضع القائم من التفكك والاختلاف ينذر بتطاير ريح المسلمين، والله سبحانه وتعالى يقول: وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [الأنفال:46]، وإن الذئاب في العالم الغربي قد جهزت نفسها لتأكلنا واحداً واحداً، ألم تسمعوا قول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: ((ما من ثلاثة من قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))[1]، صدقت يا سيدي يا رسول الله، إنما يأكل الذئب القاصية من الغنم، أي البعيدة عن مجموعة الأغنام، فإن الذئب يتجرأ ويعتدي عليها.

وهذا التشبيه النبوي قد انطبق على واقعنا اليوم في العالم الإسلامي، فما حصل في أفغانستان والعراق أقرب دليل على ذلك، وهناك تهديدات أمريكية ظالمة لأقطار إسلامية أخرى، وكأن عرب عدنان وقحطان لم يسمعوا قول أحد الحكماء في نصحه لأبنائه:

كونـوا جميعـا يـا بنـي إذا                    اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا             وإذا افترقـن تكسـرت أفـرادا

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لقد نهى ديننا الإسلامي العظيم عن التنازع والتفرق والتخاصم في كثير من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، منها قوله سبحانه وتعالى: وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:103]، وقوله: وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]، وقوله أيضا: وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، وقوله: إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْء [الأنعام:159]، وقوله: وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:31، 32].

أيها المسلمون، من الأحاديث النبوية الشريفة قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث مطول: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض))[2]، يعني أن هذا العراك الدامي هو شأن الكافرين، شأن الكافرين فلا يجوز أن ينطبق عليكم أيها المسلمون، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا من ولاه الله أموركم، ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال))[3].

ففي هذا الحديث النبي الشريف توجيه عظيم للأمة الإسلامية أفراداً وجماعات وحكاماً لتحقيق الوحدة باجتناب مسببات الفرقة الخلاف والنزاع، ففيه أمر بالاعتصام بكتاب الله الذي لا خلاف عليه بين الأمة، وهو الراية التي تجمعهم، وهو اللواء الذي يقودهم.

ويذكر هذا الحديث من أسباب الخلاف القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، وذلك بإنفاق المال في غير موضعه كما نشاهد في عالمنا العربي في هذه الأيام، حيث تذهب المليارات هدراً لوجه الشيطان، لإرضاء دول الكفر والاستعمار، وفي المعاصي الموبقات والبارات.

أيها المسلمون، ينبغي أن نوضح الفرق بين النزاعات والخصومات بين المسلمين وبين اجتهادات العلماء في الأمور الفرعية المستجدة، فالنزاعات والخلافات والخصومات هي أمور منهي عنها، وهي مرفوضة في المجتمع الإسلامي، ولا يجوز شرعاً أن تقع بين المسلمين، أما الاجتهاد من قبل العلماء والمجتهدين في المسائل اليومية الفرعية فهو أمر مرغوب فيه ومشروع، وقد أقره رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم وحث عليه، حتى لا يقع الناس في حرج وضيق، فلا تعارض بين الاجتهاد في الفقه الإسلامي وبين وجود الوحدة، وعليه لا يجوز أن يؤدي الخلاف الفقهي إلى خصومات بين المسلمين.

ومن المؤسف والمؤلم أنه حصل شجار بين المسلمين في أحد المساجد بشأن عدد ركعات التراويح هل هي ثماني ركعات أم عشرين ركعة، فاحتكموا إلى أحد العلماء فقال لهم: أغلقوا المسجد بعد صلاة العشاء، فاستهجنوا إجابته فقال لهم: "إن وحدة المسلمين واجبة، أما صلاة التراويح فهي سنة، والواجب مقدم على السنة".

أيها المسلمون، إن ديننا الإسلامي العظيم حريص كل الحرص على سلامة الأمة الإسلامية وعلى وحدتها وحفظ كيانها، لذا فهو يطفئ بوادر الخلاف والنزاع والشقاق، ونهيب بالمسلمين جميعاً أن يتآلفوا، فالألفة تجمع الشمل وتمنع الذل، وأن يتكاتفوا على إخراج الأمة من النزاعات والشقاقات، والله سبحانه وتعالى يقول: قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]، ويقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: ((يد الله مع الجماعة))[4]، ويقول أيضاً: ((من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه))[5].

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.


 



[1]  أخرجه أحمد (21203) وأبو داود في الصلاة،باب: التشديد في ترك الجماعة (547) والنسائي في الإمامة، باب: التشديد في ترك الجماعة  (847) عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وصحح إسناده النووي في المجموع (4/182)، والألباني في صحيح الترغيب (427).

[2] أخرجه البخاري في العلم، باب: الإنصات للعلماء (121)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم )): لا ترجعوا بعدي كفارًا ...)) (65)، عن أبي الدرداء رضي الله عنه،                                                                                                                 

[3] أخرجه البخاري في الزكاة باب قول الله تعالى: (لا يسألون الناس إلحافًا.....) (1477)، ومسلم في الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل ... (593) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

[4] أخرجه الترمذي في الفتن، باب: ما جاء في لوزم الجماعة (2166) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه النسائي في تحريم الدم، باب: قتل من فارق الجماعة (4020) عن عرفجة بن شريح رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1760).

[5] أخرجه البخاري في الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سترون بعدي أموراً ....)) (7054)، ومسلم في الإمارة، باب: وجوب ملازمة الجماعة ... (1849)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو عندهما بلفظ: ((من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتتة جاهلية))، واللفظ للترمذي في الأمثال، باب: ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة (2863) عن الحارث الأشعري رضي الله عنه. وقال: حسن صحيح غريب.

الخطبة الثانية

نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، صلاة وسلام دائمين إلى يوم الدين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، سرطان آخر يضاف إلى سرطان المستعمرات والمستوطنات، إنه السرطان الذي يلتهم الأرض ويمزق البلاد ويشتت العباد، إنه ما يطلق عليه بالجدار الأمني، وفي واقع الحال إنه جدار عنصري عدواني غير أمني، إن الجيش الإسرائيلي المحتل قد بدأ بتنفيذه منذ العام الماضي بدعوى توفير الأمن لشعب إسرائيل، وبزعم منع تسلل الفلسطينيين إلى الداخل.

أيها المسلمون، إن المواطنين لم يدركوا خطورة هذا الجدار إلا بعد أن بدأت سلطات الاحتلال تطبيقه على أرض الواقع، من عزل للمناطق وقلع للأشجار وهدم للمنازل والتهام للأراضي، إن هذا الجدار اللعين غير الأمني يكلف ما يزيد عن مليار دولار، وطوله 750 كم بارتفاع 8 أمتار، وهو عبارة عن سلسلة من الخنادق والقنوات العميقة والجدران الإسمنتية المرتفعة والأسلاك الشائكة المكهربة وأجهزة مراقبة مزودة بأسلحة رشاشة تنطلق منها النار تلقائياً، كلما اقترب منها شخص.

أيها المسلمون، إن هذا الجدار اللعين غير الأمني قد طال مدينة القدس من ثلاث جهات، من الشمال والجنوب و الشرق، بحيث يعزلها تماماً عن سائر المناطق الفلسطينية، أما الجهة الغربية فتقع القدس الغربية، ويمتد هذا الجدار من منطقة صور باهر جنوباً، وحتى مدخل مستعمرة معلي أدوميم شمالاً، بطول يزيد عن 17 كم، ويبلغ مجموع الأراضي التي تم وضع اليد عليها في منطقة القدس حوالي 800 دونم، ويمنع هذا الجدار العنصري حال إقامته، يمنع من التقدم والنمو العمراني في هذه المناطق، كما يمنع مئات الآلاف من المواطنين من التحرك بحرية إلى مدينة القدس.

مررت على القدس الشريف مسلما                  على ما تبقى من ربـوع وأنجـم

ففاضت دمـوع العين مني صبابة                   على ما مضى من عصره المتقدم

كما أن هذا الجدار المزعوم سيحاصر مناطق سلفيت وطولكرم وقلقيلية ومناطق أخرى، والسؤال هل هذا الجدار سيوفر الأمن والسلام لشعب إسرائيل؟ والجواب: لا بالطبع، لأن أساليب القهر والقمع والعنف والاغتيال والاعتقال والمصادرات لا تؤدي حتماً إلى الأمن أو الاستقرار، وإن شعبنا الفلسطيني المرابط يدرك تماماً أنه المستهدف وأن بلاده مستهدفة أيضاً، ولن يستسلم لهذه الإجراءات العنصرية الظالمة، ويتوجب على الأنظمة العربية أن تفيق من سباتها، وأن تتحمل مسؤولياتها تجاه الأخطار المحدقة بفلسطين وشعب فلسطين، وإن تنفيذ هذا المشروع العدواني لا قدر الله سيعرقل نهضة الأمة الإسلامية أجيالاً وأجيالاً، هذا أوان الشد فاشتدي، فعلى العرب المسلمين في العالم أن يجمعوا أمرهم لا بالقرارات التي تدون في محاضر الجلسات، وإنما لتترجم ذلك عملياً على أرض الوقع حماية للقدس وفلسطين ومحافظة على المقدسات، وإلا أتت ساعة ندم، حيث لا ينفع الندم.

ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ربنا لا تجعنا فتنة للذين كفروا، واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً