أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، في شهر رجب من كل عام يحتفي المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى الإسراء والمعراج، هذه الذكرى العظيمة والمناسبة الجليلة التي تمثل عقيدة وأمانة.
أما العقيدة فلكون الإسراء والمعراج من المعجزات التي أيد الله بها نبينا عليه الصلاة والسلام، والإيمان بالمعجزة جزء من العقيدة الإسلامية، وبهذا كان التصديق بمعجزة الإسراء والمعراج ترسيخاً لإيمان المؤمنين وامتحاناً للنفاق المنافقين الذين ارتدوا عن الدين لضعف إيمانهم وقلة يقينهم، وفاز بالصدق والصديقية أبو بكر رضي الله عنه فسمي صديقاً، لإيمانه وتصديقه الجازم بمعجزة الإسراء والمعراج، ومثله الصحابة الكرام ممن امتحن الله قلوبهم بالتقوى، ففازوا بالإيمان الراسخ والعقيدة الثابتة التي تمثل المعجزة جزءاً منها.
وأما الأمانة فإن ديار الإسراء والمعراج التي ربطها الله برباط العقيدة هي أمانة في أعناق المسلمين جميعاً، فكما لا يجوز التفريط بالمسجد الحرام الذي ابتدأت منه معجزة الإسراء، لا يجوز التفريط بالمسجد الأقصى الذي انتهت فيه هذه المعجزة وابتدأت من أرضه الطاهرة معجزة المعراج بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلى، إلى سدرة المنتهى، وقد سجل القرآن الكريم هذه المعجزة في سورة النجم في قول الله تعالى: وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ وَهُوَ بِٱلأفُقِ ٱلاْعْلَىٰ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ [النجم:1-10].
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء المعراج، هل وقف المحتفون في العالم الإسلامي بذكرى الإسراء والمعراج على هذه المعاني العقدية، والروابط الإيمانية بين المسجدين المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد الأقصى في القدس الطاهرة؟ هل عملوا على رعاية أرض المسجدين وحمايتها من الغزاة والمحتلين ؟ هل نهضوا بالأمانة التي كلفهم الله بها وجعلهم قيمين عليها؟ هل سلكوا طريق الذين سبقوا من الصحابة الكرام والقادة المحررين العظام أم رضوا من الغنيمة بالإياب؟ وقبلوا بأن يكونوا مع الخوانس؟ ففرطوا بأرض الإسراء والمعراج، ويحهم ويحهم من الله سبحانه وتعالى.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن حال هذه الديار شاهد على تقصير المسلمين حكاماً ومحكومين في حمل الأمانة التي كلفهم الله بها وجعلهم الأوصياء عليها وعلى مقدساتها وديارها، فهذا شعبكم المرابط الذي حمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن هذه الأرض المباركة، وأكرمه الله بشرف السدانة لمسجدها الأقصى، يذود عنه وعن هذه الأرض المباركة بالتضحيات الجسام من أبنائه ومقدراته في مواجهة آلة الاحتلال العسكرية، التي استهدفت وما زالت تستهدف الأرض والإنسان، وراحت تقطع أوصال الوطن ببناء جدار الفصل العنصري الذي يحول بين المدينة وقراها وبين أبناء البلدة الواحدة، كما يفصل بين مؤسسات التعليم وطلابها، كما هو حاصل في جامعة القدس التي فصل هذا الجدار بين أجزائها ومرافقها، زد على ذلك ما يمارسه جيش الاحتلال من اجتياحات للمدن والقرى والمخيمات وما يقوم به من قتل واغتيالات للأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، وما يفرضه من عقوبات جماعية بحظر التجول وإغلاق المؤسسات.
أيها المسلمون، يا أبناء هذه الأرض المباركة، وتأتي ذكرى الإسراء والمعراج في هذا العام مع الذكرى الثالثة لانتفاضة الأقصى التي فجرها شعبكم دفاعاً عن قدسية المسجد الأقصى وحفاظاً على حريته من الانتهاك، ودفعا لأطماع الحالمين بهيكل مزعوم على أنقاضه، وقد قدم شعبكم آلاف الشهداء من خيرة أبنائه وعشرات الآلاف من الجرحى، وما زال الآلاف من الأسرى يقبعون خلف القضبان، وهم رواد حق وطلاب عدالة، نسأل الله تعالى أن يسكن الشهداء الفردوس الأعلى من جنانه وأن يمن على الجرحى الشفاء العاجل وعلى الأسرى بنيل الحرية والخلاص من قيد السجن وظلم السجان، ومع كل هذه التضحيات مازال الاحتلال ممعناً في عدوانه على الآمنين من أبناء شعبنا يواصل اغتياله وإعداماته دون وجه حق من أبناء المقاومة، ممن يسميهم النشطاء من أبناء هذا الشعب.
أما المسجد الأقصى المبارك محور معجزة الإسراء والمعرج فقد غدا مستباحاً ـ يا مسلمون ـ من قبل عصابات المتطرفين والمستوطنين اليهود، الذين سمحت لهم سلطات الاحتلال بالدخول إليه بالقوة وفي ظل حماية الشرطة وأذرع الأمن الإسرائيلية، هذا الأمن الذي حول المسجد الأقصى المبارك إلى ثكنة عسكرية، فأي أمن هذا؟ في الوقت الذي تمنع فيه سلطات الاحتلال أبناء المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى، وتعرقل الإعمار ومواد الصيانة اللازمة، مما يؤدي إلى إمكانية الانهيار في مرافق المسجد كما حصل قبل أيام بجدار المتحف الإسلامي الغربي الواقع في المسجد الأقصى المبارك، وتصدر سلطات الاحتلال أوامرها بمنع عدد من حراس المسجد من الوصول إلى المسجد الذي يعملون فيه، كما تحظر على كثير من أبناء مدينة القدس الدخول إلى المسجد بموجب أوامر عسكرية.
إنها أيها الإخوة حرية العبادة وحرية الوصول إلى أماكنها!! في ظل قانون الاحتلال والخروج عن إرادة رب العباد الذي يمهل ولا يهمل، وصدق الله العظيم: وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [إبراهيم:42]، جاء في الحديث الشريف عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]))، أو كما قال.
فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
|