.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الإسراء والمعراج

3282

الرقاق والأخلاق والآداب, قضايا في الاعتقاد

فضائل الأزمنة والأمكنة, معجزات وكرامات

محمد أحمد حسين

القدس

29/8/1424

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- رحلة الإسراء والمعراج ودورها في ترسيخ الإيمان وكشف النفاق. 2- المسجد الأقصى وأرض الإسراء أمانة في أعناق المسلمين. 3- وجوب نصرة المسلمين على أرض فلسطين. 4- الممارسات والجرائم اليهودية في فلسطين. 5- دعوة للمحافظة على الصلاة والاستقامة على الدين.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، في شهر رجب من كل عام يحتفي المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى الإسراء والمعراج[1]، هذه الذكرى العظيمة والمناسبة الجليلة التي تمثل عقيدة وأمانة.

أما العقيدة فلكون الإسراء والمعراج من المعجزات التي أيد الله بها نبينا عليه الصلاة والسلام، والإيمان بالمعجزة جزء من العقيدة الإسلامية، وبهذا كان التصديق بمعجزة الإسراء والمعراج ترسيخاً لإيمان المؤمنين وامتحاناً للنفاق المنافقين الذين ارتدوا عن الدين لضعف إيمانهم وقلة يقينهم، وفاز بالصدق والصديقية أبو بكر رضي الله عنه فسمي صديقاً، لإيمانه وتصديقه الجازم بمعجزة الإسراء والمعراج، ومثله الصحابة الكرام ممن امتحن الله قلوبهم بالتقوى، ففازوا بالإيمان الراسخ والعقيدة الثابتة التي تمثل المعجزة جزءاً منها.

وأما الأمانة فإن ديار الإسراء والمعراج التي ربطها الله برباط العقيدة هي أمانة في أعناق المسلمين جميعاً، فكما لا يجوز التفريط بالمسجد الحرام الذي ابتدأت منه معجزة الإسراء، لا يجوز التفريط بالمسجد الأقصى الذي انتهت فيه هذه المعجزة وابتدأت من أرضه الطاهرة معجزة المعراج بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلى، إلى سدرة المنتهى، وقد سجل القرآن الكريم هذه المعجزة في سورة النجم في قول الله تعالى: وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ وَهُوَ بِٱلأفُقِ ٱلاْعْلَىٰ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ [النجم:1-10].

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء المعراج، هل وقف المحتفون في العالم الإسلامي بذكرى الإسراء والمعراج على هذه المعاني العقدية، والروابط الإيمانية بين المسجدين المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد الأقصى في القدس الطاهرة؟ هل عملوا على رعاية أرض المسجدين وحمايتها من الغزاة والمحتلين ؟ هل نهضوا بالأمانة التي كلفهم الله بها وجعلهم قيمين عليها؟ هل سلكوا طريق الذين سبقوا من الصحابة الكرام والقادة المحررين العظام أم رضوا من الغنيمة بالإياب؟ وقبلوا بأن يكونوا مع الخوانس؟ ففرطوا بأرض الإسراء والمعراج، ويحهم ويحهم من الله سبحانه وتعالى.

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن حال هذه الديار شاهد على تقصير المسلمين حكاماً ومحكومين في حمل الأمانة التي كلفهم الله بها وجعلهم الأوصياء عليها وعلى مقدساتها وديارها، فهذا شعبكم المرابط الذي حمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن هذه الأرض المباركة، وأكرمه الله بشرف السدانة لمسجدها الأقصى، يذود عنه وعن هذه الأرض المباركة بالتضحيات الجسام من أبنائه ومقدراته في مواجهة آلة الاحتلال العسكرية، التي استهدفت وما زالت تستهدف الأرض والإنسان، وراحت تقطع أوصال الوطن ببناء جدار الفصل العنصري الذي يحول بين المدينة وقراها وبين أبناء البلدة الواحدة، كما يفصل بين مؤسسات التعليم وطلابها، كما هو حاصل في جامعة القدس التي فصل هذا الجدار بين أجزائها ومرافقها، زد على ذلك ما يمارسه جيش الاحتلال من اجتياحات للمدن والقرى والمخيمات وما يقوم به من قتل واغتيالات للأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، وما يفرضه من عقوبات جماعية بحظر التجول وإغلاق المؤسسات.

أيها المسلمون، يا أبناء هذه الأرض المباركة، وتأتي ذكرى الإسراء والمعراج في هذا العام مع الذكرى الثالثة لانتفاضة الأقصى التي فجرها شعبكم دفاعاً عن قدسية المسجد الأقصى وحفاظاً على حريته من الانتهاك، ودفعا لأطماع الحالمين بهيكل مزعوم على أنقاضه، وقد قدم شعبكم آلاف الشهداء من خيرة أبنائه وعشرات الآلاف من الجرحى، وما زال الآلاف من الأسرى يقبعون خلف القضبان، وهم رواد حق وطلاب عدالة، نسأل الله تعالى أن يسكن الشهداء الفردوس الأعلى من جنانه وأن يمن على الجرحى الشفاء العاجل وعلى الأسرى بنيل الحرية والخلاص من قيد السجن وظلم السجان، ومع كل هذه التضحيات مازال الاحتلال ممعناً في عدوانه على الآمنين من أبناء شعبنا يواصل اغتياله وإعداماته دون وجه حق من أبناء المقاومة، ممن يسميهم النشطاء من أبناء هذا الشعب.

أما المسجد الأقصى المبارك محور معجزة الإسراء والمعرج فقد غدا مستباحاً ـ يا مسلمون ـ من قبل عصابات المتطرفين والمستوطنين اليهود، الذين سمحت لهم سلطات الاحتلال بالدخول إليه بالقوة وفي ظل حماية الشرطة وأذرع الأمن الإسرائيلية، هذا الأمن الذي حول المسجد الأقصى المبارك إلى ثكنة عسكرية، فأي أمن هذا؟ في الوقت الذي تمنع فيه سلطات الاحتلال أبناء المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى، وتعرقل الإعمار ومواد الصيانة اللازمة، مما يؤدي إلى إمكانية الانهيار في مرافق المسجد كما حصل قبل أيام بجدار المتحف الإسلامي الغربي الواقع في المسجد الأقصى المبارك، وتصدر سلطات الاحتلال أوامرها بمنع عدد من حراس المسجد من الوصول إلى المسجد الذي يعملون فيه، كما تحظر على كثير من أبناء مدينة القدس الدخول إلى المسجد بموجب أوامر عسكرية.

إنها أيها الإخوة حرية العبادة وحرية الوصول إلى أماكنها!! في ظل قانون الاحتلال والخروج عن إرادة رب العباد الذي يمهل ولا يهمل، وصدق الله العظيم: وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [إبراهيم:42]، جاء في الحديث الشريف عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]))[2]، أو كما قال.

فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.




[1] قال المنبر: لا يعرف على وجه التحديد العام والشهر الذي حدث فيه الإسراء والمعراج، ولم ينقل عن سلف الأمة الاحتفاء والاحتفال بهذه المناسبة أو غيرها من المواسم التي ابتدعها الناس بلا دليل ولا حجة. 

[2]  أخرجه البخاري في التفسير (4686)، ومسلم في البر (2583).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن اقتدى واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

وبعد: أيها المسلمون لقد جاءت معجزة الإسراء والمعراج في وقت فقد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الناصر من الأهل والعشيرة، كما سدت في وجه دعوته أبواب الأرض، إلا أنه لم يفقد عزيمته في مواصلة الدعوة، بل التجأ إليه في دعائه المعروف بعد عودته من الطائف التي لم تكرم وفادته، بل أغرت به السفهاء يرمونه بالحجارة، فتوجه إلى ربه داعياً: ((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي))[1]، اللهم أنت ربنا فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، لقد فتح الله لرسوله عليه الصلاة والسلام أبواب السماء، فأكرمه بالإسراء به إلى المسجد الأقصى.

وفي هذا دلالة واضحة بأن ديار هذا المسجد هي أرض إسلامية، إن المسجد الأقصى المبارك للمسلمين وحدهم ولا يشاركهم فيه أحد، وإن دعوة الإسلام ودولة المسلمين ستصل إلى هذه الديار التي فرضت في سمائها الصلاة على المسلمين ليلة المعراج بنبينا عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلا، إلى سدرة المنتهى، إذ أوحى إليه ربه ما أوحى من البينات والهدايات التي يجب على المسلمين التأسي بها واتباعها لتفتح لهم أبواب السماء بالفضل والعناية، وتنقشع عن أرضهم أرجاس الضلالة والغواية، ليعودوا كما أخبر الله عنهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله إيماناً صادقاً، لا تزعزعه أهواء الباطل، ولا تفتّ في عضده مكائد الكفر، ولتقم الصلاة ـ أيها الإخوة ـ التي جعلها الله عماد هذا الدين وأحد أركانه، وفرضها من فوق سبع سماواته معراجاً لكل مسلم إلى رضوان ربه، تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتحثه على الخير ويستعين بها في مواجهة البلاء في قول الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [البقرة:153].

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن هذه الذكرى العطرة تهتف بكم أن تتنبهوا للأخطار المحدقة بأرضكم وبمدينة القدس وبمسجدها الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلا.

فالمسجد الأقصى ينادي عمّاره من المرابطين لشد الرحال إليه والالتفاف حوله في جميع الأوقات، وحسبكم أيها المرابطون شرفاً أن تكونوا الطليعة المتقدمة من أمتكم في الذود عن عقيدتها ومقدساتها وقدسها التي شرفها الله بمعجزة الإسراء والمعراج وجعل سكناها علامة على رضوان الله، والخروج منها علامة على سخطه.

 فالله نسأل أن يجعلنا من المرابطين في هذه الديار، الحائزين على رضوانه، إنه قريب سميع مجيب.

 كما نهيب بكم إلى توحيد صفكم وجمع كلمتكم ونبذ كل خلاف ووأد كل فتنة يسعى إليها الطامعون بكم، لكسر إرادتكم وتفريق صفكم، بما يخدم أهداف الاحتلال والمحتلين، بل كونوا ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].

أيها الإخوة المصلون، تهيب بكم شركة كهرباء القدس إلى التعاون معها ومع موظفيها، وعدم الاعتداء على هؤلاء الموظفين الذين يقومون بواجباتهم في جمع فواتير الكهرباء، لأن هذه المؤسسة هي إحدى المؤسسات الوطنية التي تقوم على خدمتكم وتقدم بلا كلل ولا ملل خدماتها إليكم، كما يهيب بكم مستشفى المقاصد الخيرية بعد صلاة الجمعة لمن وجد في نفسه الطاقة أن يتبرع بشيء من الدم لحاجة المستشفى لذلك، جزاكم الله خيراً، وأدامكم ذخراً لمقدساتكم وقدسكم ولوطنكم ولمؤسساتكم.  

 

 



[1] رواه الطبراني في الكبير، وابن جرير في التاريخ، وابن سعد في الطبقات؛ عن ابن إسحاق؛ بدون سند؛ حيث قال: ((وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذُكِرَ لي)).

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً