أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، قبل بضعة أيام بدأ العام الدراسي الجديد وقد توجه إلى المدارس ما يزيد على المليون طالب وطالبة من أبناء هذا الشعب الصابر المرابط؛ لينتظم هؤلاء الطلبة في تحصيل العلم والاستزادة من المعرفة التي حث الله على طلبها في أول سورة نزلت من القرآن الكريم على قلب نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]، وحسب العلم شرفا أن تكون أول الآيات المنزلة من القرآن الكريم تحث على القراءة والكتابة، وهما من أهم الوسائل الموصلة إلى العلم والثقافة وحفظ المعارف المختلفة.
وترتكز هذه العملية التربوية التعليمية على الإيمان بالله الذي أراده الله لكل بني البشر، فبالعلم والإيمان تستقيم أحوال الإنسان وتصلح المجتمعات الإنسانية، ولعل إهتمام شعبنا بالعلم وطلبه هو من أهم المقومات التي حافظت على تماسك هذا الشعب وإبقاء قضيته حية، على الرغم مما أصابه من نكبات وويلات ولجوء وتشريد وإضطهاد وإحتلال.
أيها المسلمون، أيها المربون، إن عملية التربية والتعليم تحتاج إلى تكافل كل الجهود لإنجاحها وتقدمها وضبطها، فلا تقع المسؤولية على عاتق المعلمين والمربين وحدهم، بل لا بد من مشاركة الأسرة والمجتمع بهذه المسؤولية العظيمة، خاصة في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها عملية التعليم في ظل تقطيع أوصال الوطن وفرض الأطواق والحصار ومنع التجوال، ما يستوجب جهدا مضاعفا من المعلمين والطلاب وأولياء الأمور والمشرفين على العملية التعليمية بالوزارات والجامعات.
رسالة التربية والتعليم رسالة شريفة وغايتها نبيلة، اضطلع بها العظماء من المربين والفضلاء من المعلمين، الذين وهبوا ويهبون حياتهم في سبيل نهضة أمتهم وبعث عزها وحضارتها.
إن الأجيال التي تربت في مدرسة الغزالي والجيلاني وابن تيمية والعز ابن عبد السلام، هي التي قادة الأمة وردة غزو المغول وطهرت البلاد من دنس الصليبيين وأعادة للأمة مجدها المسلوب وحقها المغصوب؛ لأن تلك الأجيال تربت على العقيدة الإسلامية التي تقوم على الإيمان والعلم والعمل والأخلاق، فالنهوض بالعملية التعليمية يحتاج إلى غرس القيم الإيمانية والأخلاقية في نفوس الأبناء، إذ كيف يمكن للمرابط أن يصمد في أرضه ويتابع مسيرة علمه إن لم يكن محصنا بالعلم والأخلاق، فانهيار الأخلاق يؤذن بعواقب وخيمة على الشعب والأرض والأمة، فليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تموت فيه الفضائل لتحيا الرذائل، ويقدم أهل الفجور ويأخر المتقون، ويكذب الصادقون ويصدق الكاذبون، وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يظلم فيه المحق ويحابى المبطل، وتفسد فيه الذمم وتدمر الضمائر.
أيها المسلمون، أيها المرابطون في ديار الإسراء والعراج، إن المجتمع المسلم الذي يقوده أهل العلم والذي تربوا الأمة إلى الوصول إليه، هو مجتمع العلم النافع والتربية الفاضلة، فلا انفصال في المجتمع المسلم بين العلم والأخلاق، ولا بين السياسة والأخلاق، ولا بين السلم والأخلاق ولا بين الحرب والأخلاق، فالمجتمع المسلم هو مجتمع العلم والمعرفة والإيمان والعمل والعدل والإحسان والبر والرحمة والصدق والأمانة، والعزة والتواضع والحياء والعفاف والمروءة والنجدة والغيرة على الحرمات والإستعلاء على الشهوات، وهذا لا يكون إلا بالتربية الفاضلة التي يوجهها العلم النافع الذي يربط الإنسان بربه ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ.
وإذا أردنا أن نكون كذلك فلا بد من انتهاج سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالتربية والقدوة، يقول سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه: (كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن) ولله در القائل:
إذاً هاتوا المصاحف كي نربي على التقوى لنا طفلا وطفلة
إذاً هاتوا الحديـث لكي نربي على الإيمان في الميدان أهله
إذاً هاتـوا نقيـم الطهر فينـا ونضع فوق هذا الطهر دولة
جاء في الحديث الشريف عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضل العالم على العابد، كفضلي على أدنى رجل من أصحابي))[1]. أو كما قال.
فيا فوز المستغفرين استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقون بالإجابة.
[1] أخرجه الترمذي في العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة (2685)، والطبراني في الكبير (8/233)، بلفظ: ((كفضلي على أدناكم)). من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. قال الترمذي: "حسن غريب صحيح". وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2161).
|