.

اليوم م الموافق ‏26/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أهمية العلم وفضله

3270

الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد

العلم الشرعي, قضايا الأسرة, قضايا المجتمع

محمد أحمد حسين

القدس

8/7/1424

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل العلم وأهله. 2- أهمية العلم. 3- التربية العلمية مسؤولية الجميع. 4- مقومات التربية. 5- التربية وعلاقتها بالأخلاق. 6- معالجة لظاهرة التسرب من المدارس وترك التعليم في سن مبكرة. 7- نصائح عامة.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، قبل بضعة أيام بدأ العام الدراسي الجديد وقد توجه إلى المدارس ما يزيد على المليون طالب وطالبة من أبناء هذا الشعب الصابر المرابط؛ لينتظم هؤلاء الطلبة في تحصيل العلم والاستزادة من المعرفة التي حث الله على طلبها في أول سورة نزلت من القرآن الكريم على قلب نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]، وحسب العلم شرفا أن تكون أول الآيات المنزلة من القرآن الكريم تحث على القراءة والكتابة، وهما من أهم الوسائل الموصلة إلى العلم والثقافة وحفظ المعارف المختلفة.

وترتكز هذه العملية التربوية التعليمية على الإيمان بالله الذي أراده الله لكل بني البشر، فبالعلم والإيمان تستقيم أحوال الإنسان وتصلح المجتمعات الإنسانية، ولعل إهتمام شعبنا بالعلم وطلبه هو من أهم المقومات التي حافظت على تماسك هذا الشعب وإبقاء قضيته حية، على الرغم مما أصابه من نكبات وويلات ولجوء وتشريد وإضطهاد وإحتلال.

أيها المسلمون، أيها المربون، إن عملية التربية والتعليم تحتاج إلى تكافل كل الجهود لإنجاحها وتقدمها وضبطها، فلا تقع المسؤولية على عاتق المعلمين والمربين وحدهم، بل لا بد من مشاركة الأسرة والمجتمع بهذه المسؤولية العظيمة، خاصة في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها عملية التعليم في ظل تقطيع أوصال الوطن وفرض الأطواق والحصار ومنع التجوال، ما يستوجب جهدا مضاعفا من المعلمين والطلاب وأولياء الأمور والمشرفين على العملية التعليمية بالوزارات والجامعات.

رسالة التربية والتعليم رسالة شريفة وغايتها نبيلة، اضطلع بها العظماء من المربين والفضلاء من المعلمين، الذين وهبوا ويهبون حياتهم في سبيل نهضة أمتهم وبعث عزها وحضارتها.

إن الأجيال التي تربت في مدرسة الغزالي والجيلاني وابن تيمية والعز ابن عبد السلام، هي التي قادة الأمة وردة غزو المغول وطهرت البلاد من دنس الصليبيين وأعادة للأمة مجدها المسلوب وحقها المغصوب؛ لأن تلك الأجيال تربت على العقيدة الإسلامية التي تقوم على الإيمان والعلم والعمل والأخلاق، فالنهوض بالعملية التعليمية يحتاج إلى غرس القيم الإيمانية والأخلاقية في نفوس الأبناء، إذ كيف يمكن للمرابط أن يصمد في أرضه ويتابع مسيرة علمه إن لم يكن محصنا بالعلم والأخلاق، فانهيار الأخلاق يؤذن بعواقب وخيمة على الشعب والأرض والأمة، فليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تموت فيه الفضائل لتحيا الرذائل، ويقدم أهل الفجور ويأخر المتقون، ويكذب الصادقون ويصدق الكاذبون، وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يظلم فيه المحق ويحابى المبطل، وتفسد فيه الذمم وتدمر الضمائر.

أيها المسلمون، أيها المرابطون في ديار الإسراء والعراج، إن المجتمع المسلم الذي يقوده أهل العلم والذي تربوا الأمة إلى الوصول إليه، هو مجتمع العلم النافع والتربية الفاضلة، فلا انفصال في المجتمع المسلم بين العلم والأخلاق، ولا بين السياسة والأخلاق، ولا بين السلم والأخلاق ولا بين الحرب والأخلاق، فالمجتمع المسلم هو مجتمع العلم والمعرفة والإيمان والعمل والعدل والإحسان والبر والرحمة والصدق والأمانة، والعزة والتواضع والحياء والعفاف والمروءة والنجدة والغيرة على الحرمات والإستعلاء على الشهوات، وهذا لا يكون إلا بالتربية الفاضلة التي يوجهها العلم النافع الذي يربط الإنسان بربه ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ.

وإذا أردنا أن نكون كذلك فلا بد من انتهاج سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالتربية والقدوة، يقول سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه: (كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن) ولله در القائل:

إذاً هاتوا المصاحف كي نربي     على التقوى لنا طفلا وطفلة

إذاً هاتوا الحديـث لكي نربي    على الإيمان في الميدان أهله

إذاً هاتـوا نقيـم الطهر فينـا ونضع فوق هذا الطهر دولة

جاء في الحديث الشريف عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضل العالم على العابد، كفضلي على أدنى رجل من أصحابي))[1]. أو كما قال.

فيا فوز المستغفرين استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقون بالإجابة.




[1] أخرجه الترمذي في العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة (2685)، والطبراني في الكبير (8/233)، بلفظ: ((كفضلي على أدناكم)). من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. قال الترمذي: "حسن غريب صحيح". وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2161).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى أله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين ومن إقتدى وإهتدى بهم إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم حتى يفوزا بنعم الله وينالوا رضوانه.

وبعد أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسرء والمعراج لنجاح العملية التربوية لا بد من القضاء على الظواهر السلبية التي تتفشى بين الطلبة، ومن هذه الظواهر ظاهرة التسرب من المدارس وترك التعليم في سن مبكرة، ومما يعين على هذه الظاهرة عدم اهتمام الأهل بمتابعة الأبناء وحثهم على طلب العلم، وصحبة السوء التي تقود إلى رذائل الأخلاق كتعاطي المخدرات وانتشارها بين أبناء المدارس، هذه الظاهرة التي اجتاحت أخلاق أبناء هذه المدينة المقدسة، ولم تقتصر على الطلاب بل شملت فئات كثيرة وقعت في براثن المتاجرين والمروجين لهذه السموم التي تفتك بالعلم والأخلاق وبالدين والأجسام، وتؤدي إلى انتشار الفاحشة والوقوع في شَرك الإسقاط والخيانة والعمالة، فهلا أدرك المربون والمعلمون والآباء والأمهات وكل صاحب مسؤولية ما لهذه الآفات من مخاطر على الجيل ومستقبله؟!، وعملوا على محاربة هذه الظواهر وتكاثفت كل الجهود للقضاء عليها.

أيها المسلمون، لقد حرص الإسلام منذ يومه الأول على نشر العلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع))[1]، وقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام فداء بعض الأسرى بعد معركة بدر قيام الأسير من مشركي مكة بتعليم عشرة أولاد من أبناء المسلمين، حرصا منه عليه الصلاة والسلام على نشر العلم بين جميع المسلمين، وقد كلف أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه عدداً من أعوانه بتفحص الناس، فمن وجدوه لا يعرف القراءة والكتابة ألزموه بذلك، وفي هذا دلالة على إلزامية التعليم ومجانيته في ظل الدول الإسلامية، وقد عرف عن الوزير نظام الملك أنه كان ينفق الأموال الطائلة على التعليم وعلى إقامة المدارس والجامعات والمكتبات، مما دفع بالحاكم السنجوقي إلى توجيه اللوم والعتاب له لهذه النفقات، فاجابه الوزير بقوله: "لقد أقمت لك جيش يسمى جيش الليل، وهم الطلاب، إذا نامت جيوشك ليلا قامت جيوش الطلاب على أقدامهم صفوفا بين يدي ربهم، فأرسلوا دموعهم وأطلقوا ألسنتهم ومدوا إلى الله أكفهم بالدعاء لك ولجيوشك، فأنت وجيوشك في خسارتهم تعيشون، وبدعائهم تبيتون، وببركاتهم تمطرون وترزقون"، فتأثر الملك بهذه الإجابة وشكر الوزير على عمله ومنجزاته العلمية، وهكذا أخوة الإيمان هو العلم مع الإيمان والعمل.

أيها المسمون، أيها المرابطون، هل عمل ولاة الأمور في هذه الأيام على إعداد الجيل على هذه التنشئة، وأنصفوا القائمين على عملية التربية والتعليم لتهيئة وسائل العيش الكريم لهم حتى يتفرغوا للعلم والعطاء، متحلين بالإخلاص والصبر والصدق فيما يعلمون ويدعون إليه، ويأدونه لهذه الرسالة الجليلة في التربية والتعليم.

إن الأمة تعقد الآمال على هذه الأجيال الصاعدة للخلاص من مرحلة الضعف والهوان، والعودة إلى مراقي العلم والعز والمعرفة في ظلال الإسلام ودولته الراشدة التي تسوس الرعية تحكمها بالعدل والسوية، وتعيد للمسلمين عزهم وللمؤمنين مجدهم، "فلن يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها"، وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:21].

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج في الوقت الذي تسمح سلطات الاحتلال بدخول السياح واليهود المتطرفين والمستوطنين إلى المسجد الأقصى بالقوة تمنع هذه السلطات المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة فيه، متذرعة بحجج الأمن ومنع الإخلال بالنظام وهي حجج واهية، وتحدد أعمار الداخلين إلى المسجد وكأنها فرضت نفسها مكان رب العالمين، والعياذ بالله من هذا العمل الظالم لتكليف الناس عند سن محددة بأداء العبادة، هذا بالإضافة إلى إقامة الحواجز لإعاقة وصول المسملين إلى المسجد الأقصى والتدقيق في هوياتهم، وغير ذلك من الإجراءات التعسفية التي تتعارض مع أبسط الحقوق الإنسانية، التي توفر للإنسان حق العبادة وحرية الوصول إلى أماكنها.

إن المسلمين في هذه الديار المباركة يرفضون هذه الإجراءات ويعتبرونها عدوانا على مقدساتهم وعباداتهم، كما يرفض شعبنا الفلسطيني إقامة جدار الفصل العنصري الذي يمزق أحياء المدينة المقدسة، ويمس حقوق أهلها في أرضهم ومنازلهم وجامعتهم ومدارسهم، لأن جامعة القدس يلتهم جدار الفصل هذا جزءا كبيرا من حرمها الجامعي، وهذا الجدار طال ضرره مساحات واسعة من مدن وقرى وأراضي الضفة الغربية حيث فصل بين الأهل وأبناء الأسرة الواحدة.

يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن تعاونكم على نشر الأخلاق وتمسككم بعقيدتكم والمحافظة على وحدة صفكم والتنبه لما يحاك ضدكم من مؤامرات، كل هذا كفيل بمواجهة مخططات الاحتلال وإفشالها، في الوقت الذي يعزز صمودكم وثباتكم في أرضكم الطاهرة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.



[1] أخرجه الترمذي في العلم، باب: فضل طلب العلم (2647)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وقال: "حديث حسن غريب، ورواه بعضهم فلم يرفعه". وحسن إسناده الضياء القدسي في المختارة (6/125)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2047).

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً