نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، صادفت أمس الخميس ذكرى النكبة نكبة عام 1948التي لم ولن تنسى من ذاكرة أهل فلسطين بخاصة، والأمة الإسلامية بعامة، وقد واكب هذه الذكرى المؤلمة في هذا الأسبوع أمور ساخنة لها علاقة مباشرة بها:
أولاً: بشأن حق عودة اللاجئين، فقد أقيمت في هذه الأيام عدة اجتماعات بحثت فيها مواضيع حول حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، وللتأكيد على هذا الحق الشرعي، وللرد على الذين ينادون بالتعويض، وللرد أيضاً على الاقتراح الذي يتضمن عودة اللاجئين إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية فقط،لا بد في هذا المقام من توضيح الحكم الشرعي إزاء هذا الموضوع بأنه لا يجوز شرعاً أخذ التعويض عن أرض فلسطين، لأن التعويض يأخذ حكم البيع، والبيع ـ كما هو معلوم بداهة ـ غير جائز شرعاً، ويُخرج عن الملة، وما ينطبق على الأفراد، فإنه ينطبق على الدول والحكومات.
ثم إن الميراث الشرعي هو أن يأخذ الابن ما تركه والده، فلا يحق لأي شخص أن يتكلم باسم الوارث الشرعي، ومعلوم أيضاً أن الحق الشرعي لا يسقط بالتقادم ما دام وراءه مطالب.
ثانياً: بشأن السيادة على الأقصى والمقدسات الإسلامية، إن هذا الموضوع مرتبط بأمر إيماني عقدي، بالإضافة إلى كونه أمراً تعبدياً، فهذا الموضوع لا مجال للاجتهاد فيه، لأنه منصوص عليه سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلاْقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ [الإسراء:1]، صدق الله العظيم.
فالذي يزعم بأنه لا سيادة لأحد على الأقصى وعلى المقدسات الإسلامية، قد خالف مخالفة صريحة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وإن هذا الزعم مردود على صاحبه، ولا يمثل وجهة نظر ولا اجتهاداً سائغاً، لأن الأمور الإيمانية والتعبدية لا تخضع للاجتهاد ولا للمساومة ولا للمفاوضة ولا للتكتيك، كما ونرفض ونستنكر التصريحات التي أدلى بها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أمس الخميس بشأن إعادة زيارة الأقصى لغير المسلمين، فإن إدارة الأقصى شأن إسلامي، وإن السيادة على الأقصى للمسلمين وحدهم، فالأوقاف الإسلامية هي صاحبة الصلاحية والاختصاص، وإن وسائل الأعلام في العالم قد أعطت هذا الموضوع حقه أمس واليوم، ونستنكر ما تقوم به الشرطة الإسرائيلية الآن من منع المصلين الذين تقل أعمارهم عن أربعين عاماً، وهذا حرمان ما بعده حرمان، وإن هذه الإجراءات باسم الأمن هي مخالفة صريحة لأحكام ديننا الحنيف.
ثالثاً: بشأن اعتقال خمسة عشر قيادياً في الحركة الإسلامية في الخط الأخضر، ينبغي أن نؤكد بأن الشعب الفلسطيني بغض النظر عن تواجده يمثل أسرة واحدة، وأن هذا الشعب هو جزء من الأمة الإسلامية.
نعم، إن الظروف القاسية القاهرة قد فرضت التشتت على الشعب الفلسطيني، ولكن رابطة الإيمان تجمعهم جميعاً، فلا غرابة أن يقبل إخوتنا في الخط الأخضر لنجدتنا وللوقوف إلى جانبنا، فهو أمر قد أوجبه الإسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً))[1]، وإن إخوتنا في الخط الأخضر قد قاموا بأعمال رائعة في المجال الديني والاجتماعي والإنساني، ونتساءل هل إعمار الأقصى وترميمه وزيارته والصلاة فيه أصبح تهمة ومخالفة قانونية؟ هل رعاية الأيتام أصبحت إرهاباً؟ إن إعمار بيوت الله هو أمر واجب شرعاً، وكما هو معلوم أن الأقصى لجميع المسلمين في أرجاء المعمورة وإن أولى الناس بترميمه وإعماره وزيارته هم أقرب الناس موقعاً وإقامة وموطناً له.
ثم إن ديننا الإسلامية العظيم قد حث على رعاية الأيتام، فيقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا))[2] وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما.
ولم يطلب منا ديننا الحنيف أن نسأل عن والد اليتيم، هل هو شهيد أم استشهادي أم غير ذلك؟
ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك وباسم المصلين في هذا المسجد، نعلن وقوفنا إلى جانب إخوتنا في الخط الأخضر، فهم منا، ونحن منهم، ونحن على يقين أن إخوتنا في الخط الأخضر سيستمرون في إعمارهم للأقصى المبارك، من خلال مشروع البيارق ومشروع شد الرحال، وسيستمرون في أعمالهم الاجتماعية والخيرية والإنسانية.
الثبات الثبات يا أهل فلسطين أينما وجدتم، ولن يتخلى الله عنكم ما دمتم معه، ولن يتِركم أعمالكم، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
[1] رواه البخاري (467) ، ومسلم (2585).
[2] رواه البخاري في صحيحه (6005) كتاب الأدب.
|