أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أقف اليوم على أبواب عام هجري جديد، فبعد بضعة أيام يهل علينا هلال المحرم بالعام الهجري الجديد ألف وأربعمائة وأربعة وعشرين للهجرة النبوية الشريفة، نسأل الله تعالى أن يجعله عام خير ونصر وعز للمسلمين وأتباع هدي سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فمذ تنكبت أمتنا هدي صاحب الذكرى الشريفة ولم تقف على دروس هذه الهجرة العظيمة أصابها الهوان واستبدت بها الفرقة وأصبح حالها كما قال الشاعر:
محرم عاد والأيام واحـدة
ونحن في نفـق الأيام أشـباه
أهواؤنا أنزلتنا كل مفـترق
والخصم عاث وقد غالى بطغواه
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن ذكرى الهجرة الشريفة تطالعنا في عامنا الجديد وأمتنا الإسلامية بعربها وعجمها، تمر في موكب الزمن بما يشبه الأحلام، فأراضيها تنتهك وتجيش فيها جيوش الغزاة والمعتدين من أحفاد الصليبيين وأحقادهم، وسيادة دولها تنتهك من القاصي والداني، حتى غدا حكامها لا يردون كيد غاز، ولا يدفعون طمع طامع.
أما الشعوب فما زالت سادرة في لهوها وعبثها لم توقظها القوارع على شدتها، ولا تنبهها الخطوب على هولها، ولم تثر حميتها ما تتعرض لها أوطانها من أخطار الغزو والتقسيم وفق مصالح الكافر المستعمر، ولم تستنهض همتهم ما يلاقيه أبناء دينهم وجلدتهم من قتل وتشريد وتدمير وهوان، بل تراهم خاضعين مستسلمين تتقاذفهم الأمم من كل اتجاه وتتجاذبهم المؤامرات من كل ناحية وتلقي بهم الأيام على هامش الحياة وفي مؤخرة الركب إن وجدوا لهم مكاناً نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ [الحشر:19].
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، فبين العام المنقضي والعام الجديد تعيش الأمة وهي تحبس أنفاسها بانتظار القادم الأسوأ، وقد هالها حشد الباطل وخيلائه فوق أرضها وفي ديارها، هذه الأرض التي هيأت لهذه الحشود الغازية التي جاءت لغزو الديار الإسلامية وإن تظاهرت بغزو العراق وشعبه تحت ذريعة التخلص من أسلحة الدمار الشامل العراقية، مع أن الدمار الشامل للمنطقة وربما للعالم بأسره يسير في ركب الغزاة والمعتدين، ولكن المنافقين يتجاهلون ويعرضون، وما دروا أن الغزاة كمثل الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَـٰنِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّى بَرِىء مّنكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [الحشر:16].
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وفي ظل قرع طبول الحرب الصليبية الجديدة التي يقودها فرعون العصر ينعقد مؤتمر القمة العربية غداً في مصر، وبالتحديد في منتجع شرم الشيخ ترويحاً عن نفوس قادة الأمة العربية، فقد أعياهم البحث عن الوسائل التي تمكنهم من إرضاء أسيادهم بخصوص العدوان على العراق وشعبه وضرب عاصمة الخلافة الإسلامية حاضرة المعتصم الذي جهز جيشاً لرد العدوان عن عرض امرأة مسلمة واحدة، وبغداد الرشيد الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً، ويخاطب السحابة قائلاً: "أمطري حيث شئت فخراجك محمول إلينا" والذي لقن علوج الفرنجة دروساً في عزة المسلمين، لعلها الباعث اليوم في غزو العراق في هذا الزمان، إنها بغداد حاضرة الرافدين، وقد تحدت الغزاة والمعتدين على امتداد تاريخها، فماذا عسى أن يفعل قادة العرب في مؤتمر لنصرتها والذود عنها؟ أم أن مؤتمرهم سيسفر عن توصيات تمنح شرعية للعدوان والمعتدين تحت شعار تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي يلتزم بها حكام العالم الإسلامي أكثر من التزامهم بالشريعة الإسلامية؟.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن من يصف حكام أمتنا بالعاجزين عن التأثير على مجريات الأحداث في الساحة الدولية بعد عجزهم في التأثير في الأحداث الجارية في الساحة العربية لا يجانب الحقيقة ولا يتجنى عليهم، فقد جاءت قمتهم بعد بلورة كثير من المواقف الرسمية والشعبية لدول كثيرة في العالم رفضت الهيمنة الاستعمارية ودافعت عن مصالحها، مع أن أوطانها وشعوبها لا يهددها الغزو والعدوان، هذا الغزو الذي حدد أهدافه بالسيطرة على الأرض العربية والإسلامية ونهب ثرواتها وتقسيمها سياسياً وجغرافياً بما يحقق مصالحه ويخدم ثقافته التي يحاول فرضها على عالم المسلمين.
إن شعوب الأمة الإسلامية ومنها الشعوب العربية لن تقبل من قمة العرب ولا من القمة الإسلامية التي ستعقبها أقل من موقف واضح رافض للغزو والعدوان على العراق وشعبه وأية أرض أو أي شعب من شعوب الأمة الإسلامية والعمل على الوقوف في وجه أي عدوان يستهدف الأمة أو أحد شعوبها أو بعض أقطارها، فهلا تحركت الأمة التي أصبحت عقيدتها وأمنها القومي وأوطانها مهددة بالضياع قبل فوات الأوان، فما زال في القوس منزع، وإلا ندمت الأمة، ولات ساعة ماندم، ولله در القائل:
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً
ندمت على التفريط في زمن البذر
جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا)) أو كما قال، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة.
|