.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

ضريبة البعد عن الدين

3075

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

محمد أحمد حسين

القدس

20/12/1423

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1-أصابنا الهوان والذل عنهما بعدنا عن منهج النبوة. 2-أحوال المسلمين في ظل الهيمنة الصليبية. 3- الاعتداء اليهودي على حرمة الأقصى. 4-لا عز لنا إلا بالإسلام والعود إليه. 5-تحذير في المشاركة في العدوان على العراق.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أقف اليوم على أبواب عام هجري جديد، فبعد بضعة أيام يهل علينا هلال المحرم بالعام الهجري الجديد ألف وأربعمائة وأربعة وعشرين للهجرة النبوية الشريفة، نسأل الله تعالى أن يجعله عام خير ونصر وعز للمسلمين وأتباع هدي سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

فمذ تنكبت أمتنا هدي صاحب الذكرى الشريفة ولم تقف على دروس هذه الهجرة العظيمة أصابها الهوان واستبدت بها الفرقة وأصبح حالها كما قال الشاعر:

محرم عاد والأيام واحـدة

                        ونحن في نفـق الأيام أشـباه

أهواؤنا أنزلتنا كل مفـترق

                        والخصم عاث وقد غالى بطغواه

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن ذكرى الهجرة الشريفة تطالعنا في عامنا الجديد وأمتنا الإسلامية بعربها وعجمها، تمر في موكب الزمن بما يشبه الأحلام، فأراضيها تنتهك وتجيش فيها جيوش الغزاة والمعتدين من أحفاد الصليبيين وأحقادهم، وسيادة دولها تنتهك من القاصي والداني، حتى غدا حكامها لا يردون كيد غاز، ولا يدفعون طمع طامع.

أما الشعوب فما زالت سادرة في لهوها وعبثها لم توقظها القوارع على شدتها، ولا تنبهها الخطوب على هولها، ولم تثر حميتها ما تتعرض لها أوطانها من أخطار الغزو والتقسيم وفق مصالح الكافر المستعمر، ولم تستنهض همتهم ما يلاقيه أبناء دينهم وجلدتهم من قتل وتشريد وتدمير وهوان، بل تراهم خاضعين مستسلمين تتقاذفهم الأمم من كل اتجاه وتتجاذبهم المؤامرات من كل ناحية وتلقي بهم الأيام على هامش الحياة وفي مؤخرة الركب إن وجدوا لهم مكاناً نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ [الحشر:19].

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، فبين العام المنقضي والعام الجديد تعيش الأمة وهي تحبس أنفاسها بانتظار القادم الأسوأ، وقد هالها حشد الباطل وخيلائه فوق أرضها وفي ديارها، هذه الأرض التي هيأت لهذه الحشود الغازية التي جاءت لغزو الديار الإسلامية وإن تظاهرت بغزو العراق وشعبه تحت ذريعة التخلص من أسلحة الدمار الشامل العراقية، مع أن الدمار الشامل للمنطقة وربما للعالم بأسره يسير في ركب الغزاة والمعتدين، ولكن المنافقين يتجاهلون ويعرضون، وما دروا أن الغزاة كمثل الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَـٰنِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّى بَرِىء مّنكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [الحشر:16].

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وفي ظل قرع طبول الحرب الصليبية الجديدة التي يقودها فرعون العصر ينعقد مؤتمر القمة العربية غداً في مصر، وبالتحديد في منتجع شرم الشيخ ترويحاً عن نفوس قادة الأمة العربية، فقد أعياهم البحث عن الوسائل التي تمكنهم من إرضاء أسيادهم بخصوص العدوان على العراق وشعبه وضرب عاصمة الخلافة الإسلامية حاضرة المعتصم الذي جهز جيشاً لرد العدوان عن عرض امرأة مسلمة واحدة، وبغداد الرشيد الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً، ويخاطب السحابة قائلاً: "أمطري حيث شئت فخراجك محمول إلينا" والذي لقن علوج الفرنجة دروساً في عزة المسلمين، لعلها الباعث اليوم في غزو العراق في هذا الزمان، إنها بغداد حاضرة الرافدين، وقد تحدت الغزاة والمعتدين على امتداد تاريخها، فماذا عسى أن يفعل قادة العرب في مؤتمر لنصرتها والذود عنها؟ أم أن مؤتمرهم سيسفر عن توصيات تمنح شرعية للعدوان والمعتدين تحت شعار تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي يلتزم بها حكام العالم الإسلامي أكثر من التزامهم بالشريعة الإسلامية؟.

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن من يصف حكام أمتنا بالعاجزين عن التأثير على مجريات الأحداث في الساحة الدولية بعد عجزهم في التأثير في الأحداث الجارية في الساحة العربية لا يجانب الحقيقة ولا يتجنى عليهم، فقد جاءت قمتهم بعد بلورة كثير من المواقف الرسمية والشعبية لدول كثيرة في العالم رفضت الهيمنة الاستعمارية ودافعت عن مصالحها، مع أن أوطانها وشعوبها لا يهددها الغزو والعدوان، هذا الغزو الذي حدد أهدافه بالسيطرة على الأرض العربية والإسلامية ونهب ثرواتها وتقسيمها سياسياً وجغرافياً بما يحقق مصالحه ويخدم ثقافته التي يحاول فرضها على عالم المسلمين.

إن شعوب الأمة الإسلامية ومنها الشعوب العربية لن تقبل من قمة العرب ولا من القمة الإسلامية التي ستعقبها أقل من موقف واضح رافض للغزو والعدوان على العراق وشعبه وأية أرض أو أي شعب من شعوب الأمة الإسلامية والعمل على الوقوف في وجه أي عدوان يستهدف الأمة أو أحد شعوبها أو بعض أقطارها، فهلا تحركت الأمة التي أصبحت عقيدتها وأمنها القومي وأوطانها مهددة بالضياع قبل فوات الأوان، فما زال في القوس منزع، وإلا ندمت الأمة، ولات ساعة ماندم، ولله در القائل:

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً

                                 ندمت على التفريط في زمن البذر

جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا))[1] أو كما قال، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة.



[1]  رواه البخاري من حديث ابن عباس (2783)، كتاب الجهاد، باب فضل الجهاد والسير، ومسلم عن عائشة (1864)، كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد الفتح.

الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

وبعد، أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، طالعتنا الصحف المحلية الصادرة في هذا اليوم بتصريح خطير ينسب إلى قائد شرطة الاحتلال في القدس، ومفاده أن الحكومة الإسرائيلية ومعها الشرطة ستسمح للمستوطنين والمتطرفين بالدخول إلى المسجد الأقصى وإقامة الصلاة كما يزعمون في مكان الهيكل. انتهى الخبر.

إننا نقول ومن علياء منبر المسجد الأقصى المبارك، إن المسجد الأقصى مسجد إسلامي، وسيبقى كذلك، ولن يكون مكاناً لعبادة غير المسلمين مهما كانت التضحيات، ومهما قدم هذا الشعب الذي اختاره الله للرباط في هذه الديار من تضحيات من أجل عقيدته ومقدساته ودينه، فلا يغتر أعداء الله بالوضع الذي تمر به الأمة الإسلامية وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ [آل عمران:140].

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، جدير بالمسلمين حكاماً ومحكومين أن يتمثلوا دروس الهجرة النبوية الشريفة ويقفوا على العبر والمبادئ التي أثبت لها هذا الحدث العظيم في حياة الأمة ويتأثر بصاحب الذكرى إن هم أرادوا الخروج من هذه المحن التي تحاصرهم من كل جانب، والله يقول: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، كونوا مع الله أيها المسلمون يكن الله معكم، لقد عرضت الدنيا بما فيها من مباهج ومفاتن على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأعرضوا عنها في سبيل عزة الدين وسلامة العقيدة، وخرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة في درس عظيم يعلم المسلمين طريقة العودة إلى ديارهم والتمسك بأوطانهم، فلم يطل غياب المهاجرين بل عادوا فاتحين منتصرين يتلون قول ربهم وَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]، وعلى نداء التوحيد على البيت الحرام معلناً: الله أكبر الله أكبر.

أيها المسلمون، لقد أسس نبيكم صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة دولة الإسلام الأولى، يقودها رسولنا الأكرم وجندها المهاجرون والأنصار الذين آخى النبي بينهم، وشكلوا ومن معهم من المسلمين دولة الإسلام، أمة من دون الناس يجير عليها أدناها، وهم يد على من سواهم، يتمثلون قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))[1] ما أحوج أمتنا اليوم وقد فرقتها الأهوال واستهان بها الأعداء إلى هذا الهدي النبوي الشريف، يعيد للأمة وحدة صفها وقوة نفوذها وشوكة إيمانها، حتى تتميز الأمة الإسلامية بهجرة إلى الله بهجرها المعاصي والفرقة، وتعود إلى نعيم عزتها ودينها التي لم يصلح آخر هذه الأمة إلا به، فنحن كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه: (أمة أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله).

حذار أيها المسلمون من الولوج في دماء المسلمين وأعراضهم وكراماتهم تحت شعارات الشرعية والدولية، ومعاونة الكافر المستعمر، في ظل اتفاقات ثنائية ومعاهدات دفاعية، لا تغني من الحق شيئاً، بل تجلب العار على أصحابها في الدنيا وسوء العذاب في الآخرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض))[2].

 



[1]  رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو (10)، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون.

[2] رواه البخاري من حديث جرير (121)، كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء، ورواه مسلم(65)، كتاب الإيمان، باب معنى قول النبي: لا ترجعوا بعدي..

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً