.

اليوم م الموافق ‏21/‏شوال/‏1446هـ

 
 

 

الخوف من الله

2778

الرقاق والأخلاق والآداب

أعمال القلوب

عادل بن عدنان النجار

الكويت

1/11/1421

العثمان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الخوف من الله شغل قلوب الصالحين. 2- الخوف من الله شرط الإيمان. 3- نماذج من خوف الصالحين من السلف.

الخطبة الأولى

بسبب طول الأمل وسكرة الهوى ونسيان الأجل، تدافع الناس إلى المحرمات دفعاً، وتهاونوا في الطاعات، فما أقاموا لها وزناً. فأصبح التسويف ديدنهم حاجزاً لهم عن توبة ربهم، فما خافوا سطوته وما تألمت قلوبهم حذراً من نقمته.

أحسنت ظنك بالأيام إذ أحسنت                    ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها               وعند صفو الليالي يحدث الكدر

إن الخوف من الله ورجاء رحمته وعفوه ومغفرته قطع قلوب المؤمنين الصادقين، شغل بالهم وأقلق مضاجعهم، فقاموا بين يدي الله فارين منه إليه َتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [السجدة:16، 17].

قـــوم إذا جـن الظلام عليهم                  بــاتوا هناك سـجداً وقيامـاً

خمص البطون من التعفف ضمرا           لا يعرفون سوى الحلال طعاما

وقفوا بين يدي الله يدعونه ويناجونه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر لهم ذنوبهم ويكفر عنهم سيئاتهم، وما كان لهم ذلك الخوف والخشية إلا لعلمهم بالله تبارك وتعالى،             إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء [فاطر:28]، فهو القوي وهو العظيم الجبار، وهو الرؤوف الرحيم.

فسعوا سعياً حثيثاً لطاعته جل وعلا، فأعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار          وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]. قال مجاهد: "هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر الله فيدعها من خوفه".

وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: ((وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمِنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي)). وقد جمع الله لأهل الخوف الهدى، والرحمة والعلم، والرضوان، فقال تعالى: هُدًى وَرَحْمَةٌ لّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ [الأعراف:154] وقال: إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28] وقال: رّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ [البينة:8].

وقد أمر الله بالخوف منه وجعله شرط الإيمان فقال عز وجل: وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، فلذلك لا يتصور أن ينفك مؤمن عن الخوف وإن ضعف، ويكون ضعفه بحسب ضعف معرفته وإيمانه، قال النبي : ((لا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ))، قال الفضيل بن عياض: "من خاف الله دله الخوف على كل خير".

قال الله تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ أُوْلَـئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ [المؤمنون:57-61].

روى الترمذي عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمِ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: ((لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمِ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)).

قال تعالى: يَخَـٰفُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلاْبْصَـٰرُ [النور:38]، يوم عظيم يوم القيامة يوم الحسرة والندامة يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].

قال الحسن: "ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لا يأكلون فيها أكلة ولا يشربون فيه شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أجوافهم جوعاً، انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد آن حرها، واشتد لفحها".

ومن تأمل أحوال الصحابة، رضي الله عنهم، ومن بعدهم من الصالحين من سلف هذه الأمة، وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن في التقصير بل التفريط والأمن إلا من رحم الله.

فهذا الصديق عنه يقول: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن، وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل.

وهذا عمر بن الخطاب عنه قرأ قولَ الله عز وجل وَٱلطُّورِ وَكِتَـٰبٍ مُّسْطُورٍ فِى رَقّ مَّنْشُورٍ وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ [الطور:1-7]، بكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه، وقال لابنه وهو يموت: ويحك ضع خدي على الأرض عساه يرحمني. ثم قال: (ويل أمي إن لم يغفر لي ـ ثلاثاً ـ ثم قضى).

وكان يمر بالآية في ورده بالليل تخيفه، فيبقى في البيت أياماً يعاد يحسبونه مريضاً، وكان في وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء. وكان يسأل حذيفة بن اليمان، أنشدك الله: هل سماني لك رسول الله ، يعني من المنافقين. فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحدا. وهاهو ينقش على خاتمه: (كفى بالموت واعظاً يا عمر).

وهذا عثمان بن عفان كان إذا مر بالقبر يبكي حتى يبلّ لحيته، قال:(لو أنني بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتهما أصير لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير).

وكان لابن عباس أسفل عينيه مثل الشراك البالي من كثرة الدموع.

قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما.

أين نحن من أولئك القوم؟

مستوفين على رحـــل كأنهم                    ركب يريدون أن يمضـوا وينتقلوا

عفت جوارحهم عن كل فاحشة           فالصدق مذهبهم والخوف والوجل

عباد الله، كثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، فضيعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين. فليس الخوف من يبكي ويمسح عينيه، بل من يترك ما خاف أن يعاقب عليه. وقيل لذي النون المصري: متى يكون العبد خائفاً ؟ قال: إذا نزّل نفسه منزلة السقيم الذي يحتمي مخافة طول السقام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخوف المحمود ما حجز عن محارم الله.

عباد الله، من لامس الخوف شغاف قلبه وسرى في عروقه أورثه ذلك عملاً وصلاحاً.. أولئك الذين سئل عنهم ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قلوبهم بالخوف فرحة، وأعينهم باكية، يقولون كيف نفرح والموت من ورائنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنم طريقنا، وبين يدي الله موقفنا.

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً