.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

حقوق الزوجة على زوجها

2756

الأسرة والمجتمع

المرأة, قضايا الأسرة

عبد العزيز بن الطاهر بن غيث

طرابلس

15/1/1423

بلال بن رباح

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تبادل الحقوق والواجبات بين الزوجين. 2- تقرير حق الزوجة على زوجها. 3- حسن العشرة أول حقوق الزوجة. 4- من حقوق الزوجة على زوجها (التوجيه والنصح والنفقة والغيرة). 5- صور من معاملة النبي لأهل بيته.

الخطبة الأولى

وبعد:

نتكلم اليوم كما سبق وأشرنا في موضوع حقوق الزوجة على زوجها، والله سبحانه جعل هذه الحقوق الزوجية متبادلة، إذا تحققت من الطرفين استقامت الحياة واعتدلت الأمور، وإذا تحققت من طرف واحد كانت الأمور مختلة وكان الظلم واقعاً على هذا الطرف، لأنه يؤدي حق غيره ولا يحصل على حقه، وإذا غابت من الطرفين فسدت الحياة الزوجية وانهارت الأسرة، ولو كنا نراها أمامنا قائمة.

 والعجيب أن كلاً من الطرفين لا يرى إلا حقوقه هو، ولا يرى حقوق الطرف الآخر، فالرجل لا يشعر بحقوق زوجته ولكنه يطالب بحقوقه كاملة، والمرأة أيضاً لا تشعر بحقوق زوجها وواجبها نحوه، ولكنها تطالب بحقوقها فقط، وهذا عباد الله ليس من العدل في شيء، بل العدل أن تؤدي ما عليك وتطلب ما لك.

 كلامنا اليوم موجه إلى الأزواج، نُذكِّر فيه أنفسنا وإخواننا بحقوق أهلنا، فيا أيها الزوج، إن عليك حقوقاً نحو كثير من الأطراف أنت ملزم بأدائها، ومن بين هذه الأطراف وأهمها زوجتك، وقد أقر رسول الله سلمان عندما قال لأبي الدرداء: (إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه). وقال : ((صدق سلمان)) رواه البخاري.

إن للزوجة حقوق عظيمة لأنها أقرب الناس إلى الزوج، فهي قرينته والمطلعة على أسراره وشريكته في فراشه وأم أبنائه ورفيقته في درب الحياة، فلابد أن يعرف لها حقوقها ويؤديها على أتم وجه.

إن كثيراً منا ـ عباد الله ـ يظن أنه لا حقوق لهذه المخلوقة التي كتب الله عليها أن تكون زوجة له، بل هو صاحب الحقوقٌ والتي يجب أن تؤديها له زوجته بل ويعاملها، وكأنه اشتراها بماله، فيدخل بيته فيملؤه بالصراخ والغضب حتى ولو لم يكن غاضباً، لأنه يظن أنه بذلك يفرض سيطرته، بل إن كثيراً من الرجال يكون منبسطاً بشوشاً رقيقاً مع الناس خارج البيت، فإذا دخل البيت انقلب إلى وحش كاسر، ليس لديه إلا الصراخ والأوامر والشجار لأتفه الأسباب، وهذا النوع عباد الله من شر الناس، لأن أولى الناس بحسن معاملتك وأولى الناس برحابة صدرك ولطف معشرك أهلُك وعلى رأسهم زوجتك، يقول : ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)) رواه الترمذي عن عائشة، وفي صحيح الجامع من حديث ابن عباس: ((خيركم خيركم للنساء)).

وأول حقوق الزوجة على زوجها حق التوجيه، وهذا تطرقنا إليه في خطبة ماضية، فمن حقوق الزوجة على زوجها أن يوجهها إلى عبادة الله سبحانه، وقد أمر الله سبحانه رسوله عليه الصلاة والسلام بهذا، فقال عز من قائل: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]، فإذا لم يعط الزوج لزوجته حق النصح والتوجيه، لم تعطه هي حق الطاعة والامتثال، فهو إذاً أول المستفيدين حين يقوم بهذا الحق، وما عناء أكثر الرجال في بيوتهم إلا بسبب تضييعهم لهذا الأمر.

ومن حقوق الزوجة على زوجها حق النفقة، فلا بد للزوج أن ينفق على زوجته ولا يُقتِّر عليها، لأن حق النفقة ليس حقاً اختيارياً كما يظن الكثير من الناس، بل هو حق واجب بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول سبحانه: لِيُنفِقْ ذُوسَعَةٍ مّن سَعَتِهِ [الطلاق:7]، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي والنسائي عن عمرو بن الأحوص: ((ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)). ويقول : ((حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طعِم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه ولا يُقبِّح، ولا يهجر إلا في البيت)) رواه الطبراني والحاكم عن معاوية بن حيدة.

ونلاحظ من هذين الحديثين أن من أهم وجوه الإنفاق والتي لا يمكن أن يُسمح فيها بالتقصير: الطعام والكسوة، فلا يحق للرجل أن يبخل على أهله في هذين الأمرين بالذات.

ومن حقوق الزوجة أيضا أن يغار عليها زوجها ويبعدها عن مواطن الزيغ والانحلال، فعدم الغيرة على الأهل تقصير في حقهن، وعدم الغيرة على الأهل من الدياثة يقول : ((ثلاثة قد حرَّم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر والعاق والديوث، الذي يقرُّ الخبث في أهله)).

ومن حقوق الزوجة أيضاً حق المبيت، حق إعفافها وإتيانها من حيت أمر الله، فلا يجوز للزوج أن يقصر في هذا الجانب حتى لا يعرِّض زوجته للفتنة، حتى ولو كان هذا التقصير بسبب العبادة لأن لكل ذي حق حقاً يجب أن يأخذه، ولا يصح أن نؤدي حقاً على حساب حقوق أخرى، فللعبادة نصيب، وللعمل نصيب، وللزوجة نصيب، وللأبناء نصيب، يقول لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما حين رآه يبالغ في العبادة ويجهد نفسه، يقول: ((فإن لجسدك عليك حقاً، وان لعينيك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً)) رواه أحمد.

فانظروا إلى هذا الدين الذي ليس فيه رهبانية ولا انقطاع عن ملذات الدنيا، لا يسمح بالتقصير في إعفاف المرأة ومتعتها، حتى ولو كان ذلك بسبب العبادة، فما أرحب هذا الدين وما أيسره!

ومن حقوق المرأة حق العشرة بالمعروف يقول سبحانه وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [النساء:19]، ويقول جل في علاه: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ]الطلاق:2]، والعشرة بالمعروف تقوم على النية الحسنة والمعاملة الطيبة، فلا معاشرة بالمعروف إلا بنية طيبة، فليست العبرة في أن تُبقي المرأة في بيتك أو تفارقها، فقد تبقيها في البيت وأنت لا تنوي لها خيراً، يقول سبحانه وتعالى: وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ [البقرة:231].

فأول جوانب العشرة بالمعروف النية الطيبة أي أن تكون النية مخلصة في العشرة بالمعروف، وثاني جوانب العشرة بالمعروف المعاملة الطيبة بلا ظلم أو إجحاف وقد أوردنا قوله : ((ولا يضرب الوجه ولا يُقبِّح ولا يهجر إلا في البيت)).

 وجوانب العشرة بالمعروف والمعاملة الطيبة كثيرة منها: القول الطيب والملاطفة وخدمة الأهل ومساعدتهم والمزاح والتزين للأهل، إلى غير ذلك من أمور هي من أساسات العشرة بالمعروف، فلا عشرة بالمعروف بدون قول معروف يقول سبحانه: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، وأولى الناس بهذا القول الحسن زوجتك، فما فائدة أن توزع الأقوال الحسنة على كل الناس، فإذا تكلمت مع شريكتك في هذه الحياة لم تقل إلا هَجْراً، ولم تنطق إلا كفراً.

ومن جوانب المعاملة الطيبة أن تتهيأ لزوجتك كما تتزين هي لك، فليس من العدل أن تطلب منها أن تتهيأ لك بالزينة ثم تأتيها أنت برائحة العرق ورائحة الدخان والملابس المتسخة، فإنها بشر مثلك تتأذى مما تتأذى أنت منه، وقد كان رسول الله علبه السلام يبتدئ بالسواك إذا دخل بيته حتى لا يُشم منه إلا طيّب، عن عائشة رضي الله عنها أنه ((كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك )) رواه مسلم وأبو داود.

ومن جوانب المعاشرة الطيبة أن تعذرها إذا قصَّرت في شيء بسبب كثرة مشاغلها أو لخطأٍ بشري، وقد كان أكمل الناس في هذا، وهو قدوتنا ، فمن ذلك تقول عائشة رضي الله عنها فيما رواه البخاري: ((ما عاب رسول الله طعاماً قط، إن اشتهى شيئاً أكله، وإلا تركه))، أما عندنا ـ عباد الله ـ فكم من حالة طلاق كان سببها أن الزوجة تأخرت في إعداد الطعام أو أن الطعام لم يعجب الزوج.

أليس من المؤسف ـ عباد الله ـ أن تنهار بيوت على رؤوس أصحابها من أجل أمور بسيطة يسيرة تحتاج

منا إلى صبر وسعة صدر وخوف من الله الذي لا يحب الظلم ولا يرضاه فاحذروا عاقبة الظلم والتسرع.

أقول قولي هذا وأستغفر إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية

 الحمد لله يسر لليسرى من اتقاه، ويسر للعسرى من عصاه، والصلاة والسلام على النبي الأوَّاه محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

وبعد:

نكمل الكلام عن جوانب المعاملة الطيبة، فمن هذه الجوانب أيضاً الملاطفة، لأن المرأة شديدة الحساسية، ملتهبة العاطفة يقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث أبي هريرة: ((استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً)) متفق عليه.

فلا بد إذاً من المساعدة والملاطفة، والقدوة المثلى في هذا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فرغم أعباء الرسالة والقيادة والوحي إلا أنه كان خير الناس مع أهله ـ بأبي هو وأمي ـ فهل تعجبون مثلاً أن يقوم بمسابقة أهله؟ عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي في سفر قالت فسابقته (أي أجريت معه سباقا) فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم (أي سمنت) سابقته فسبقني فقال: ((هذه بتلك السبقة)) رواه أبو داود.

بل إنه يُطيِّب خاطر زوجته حتى في أكله وشربه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أتعرق العظم وأنا حائض (آي تأكل اللحم اللاصق بالعظم) فيأخذه رسول الله فيضع فمه حيث كان فمي، وأشرب من الإناء فيأخذه رسول الله فيضع فمه حيث كان فمي)، أخرجه ابن ماجه، وليس مقصوده من تتبع موضع فمها إلا تطييب خاطرها والتعبير عن محبته لها.

هذه ـ إخوة الإيمان ـ بعض آداب وتوجيهات رسول الله في هذا الشأن، ونحن لا نطمع أن نصل إلى هذا المستوى النبوي الرفيع في التعامل مع أهلنا، ولكن على الأقل علينا أن نبتعد عن ظلم الزوجات وأن نقيم هذه العلاقة على الاحترام المتبادل، وعلى مخافة الله ورسوله حتى نكون عادلين في تعاملنا صادقين مع أنفسنا ومع الله.

إخوة الإيمان، إخوانكم في فلسطين وفي أكناف بيت المقدس يتعرضون هذه الأيام إلى أعنف وأشد عدوان ويُشردون نساء وأطفالاً وشيوخاً، وإن مما لا نعذر فيه على أسوأ الأحوال أن يكونوا حاضرين في قلوبنا وأن ندعو لهم بظهر الغيب فلا تنسوهم من دعواتكم

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً