وبعد:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
الزواج نعمة من الله أنعم بها على عباده رحمة منه وفضلاً، وقد خلق سبحانه الكون كل الكون وفق هذه الحكمة، حكمة التزاوج يقول سبحانه: وَمِن كُلّ شَىْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49].
وذلك لإعمار الأرض وتكاثر المخلوقات، وقد جعل الله الرجل سكناً للمرأة، والمرأة سكناً للرجل، يتعاشران في مودة ورحمة، بل جعل الرجل لباساً للمرأة، والمرأة لباساً للرجل، فقال عز من قائل: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ [البقرة:187]، فإذا ما قامت هذه العلاقة الزوجية على ما يحب الله ورسوله من حكم وغايات دامت واستقرت وارتاح فيها الطرفان، ونتج عنها نسل طيب يفيد البلاد والعباد ويرضى عنه رب الأرض والسماوات، وإذا قامت على أسس واهية وأهواء أرضية وتعدَّى كل طرف على حقوق الطرف الآخر كانت هذه العلاقة وبالاً على الطرفين وأصبح عش الزوجية جحيماً لا يطاق وكانت الزوجة بالنسبة للزوج، والزوج بالنسبة للزوجة عدواً لدوداً بدل أن يكون سكناً في ظل المودة والرحمة، ونتج عن هذا نسل حائر بين الطرفين، ضائع هائم على وجه.
إخوة الإيمان، وحتى تكون العلاقة القائمة بين الزوجين علاقة صحيحة، وحتى لا يشوب هذه العلاقة شائبة فإن لكل طرف من الطرفين حقوقاً لابد أن يؤديها الطرف الآخر، فللزوج حقوق لابد للزوجة أن تؤديها، وللزوجة حقوق لابد للزوج أن يؤديها، نتكلم في هذه الخطبة عن حقوق الزوج.
فمن حقوق الزوج ـ عباد الله ـ حق القوامة وهو أول الحقوق، فهذا حق للزوج لا يمكن أن تقوم البيوت إلا به، والرجل بمميزاته هو الأقدر على هذا الأمر، هذه المميزات أعطاها الله للرجل لحكمة يعلمها سبحانه كما أعطى حرارة العاطفة للمرأة لحكمة يعلمها، فالرجل أقدر على أمر القوامة والقيادة.
وأهم وظيفة في الحياة: الرسالة، لا تكون إلا للرجل، فلم يجعل الله سبحانه من النساء رسولاً إلى الناس لأنه يعلم سبحانه من يصلح لهذه المهمة أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ [الملك:14]، فلا بد أن يقوم الرجل بأمر البيت ولابد أن يدير شئونه، وإذا صار الرجل في البيت تبعاً للمرأة ضاع البيت واختلت الموازين يقول سبحانه: ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ [النساء:34].
وحق القوامة هذا لا مجال فيه للظلم والتجبر والاستعباد، يقول العلماء: إن حق القوامة حق توجيه وإرشاد وتعليم، وليس حق استبداد واستعباد وقهر وأذيَّة، فإذا اعتدت المرأة على هذا الحق وتدخلت في كل الأمور وتصرفت برعونة تنكد العيش وفسد الأبناء، وإذا تعودت على هذا استرجلت وحقَّت عليها اللعنة، روى الترمذي والبخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس أن رسول الله قال: ((لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء)).
ويتفرع عن حق القوامة حق الطاعة، فعلى المرأة طاعة زوجها في كل ما يأمرها به إلا أن يكون حراماً، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن الأمور التي يجب أن تطيع فيها الزوجة زوجها، أن تطيع أوامره لها بطاعة الله ورسوله، لأن هذه من أهم مسؤوليات الرجل يقول سبحانه: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ [التحريم:6]، فإذا دعا الرجل زوجته إلى طاعة الله سبحانه فلا يجوز لها عصيانه.
وعلى المرأة أيضاً أن تطيع زوجها في إعفاف نفسه إذا دعاها إلى ذلك، وإلا حقت عليها اللعنة يقول في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)).
وعلى المرأة أيضا عدم الخروج من البيت إلا بإذن زوجها يقول فيما اتفق عليه الشيخان من حديث ابن عمر: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها))، قال أهل العلم: إذا كان الزوج يُستأذن في الخروج إلى أهم أمر في الحياة وهو العبادة، فمن باب أولى أن يُستأّن فيما دون ذلك، لذلك لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، فإذا تعوَّدت على الخروج بدون إذنه عُدّ ذلك من النشوز والتمرد.
وعلى المرأة أن تكون أمينةً على أمور زوجها، ومن هذه الأمانة أن لا تأذن لأحد أن يدخل بيت زوجها إلا برضا زوجها، روى الترمذي والنسائي عن عمرو بن الأحوص قوله : ((فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون))، فإذا أخلت المرأة بهذا عرَّضت بيتها للدمار وعرَّضت نفسها للطلاق وعرضت أبناءها للضياع.
ومن لوازم الأمانة أيضاً حفظ مال زوجها، صح عنه من حديت عائشة رضي الله عنها أنه قال لهند بنت عتبة حين استأذنته في الأخذ من مال زوجها الذي يُقصِّر في الإنفاق، قال لها : ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)). متفق عليه، فيجب إذاً أن تنفق المرأة من مال زوجها بالمعروف، ومن الأمانة حفظ زوجها في عرضه، فلا تتبذل ولا تتبرج ولا تخون زوجها في فراشه لأن في هذا غضب الله، وفساد الذرية واختلاط الأنساب، يقول تعالى في ثنائه على المؤمنات الحافظات لأزواجهن: أَمْوٰلِهِمْ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـفِظَـٰتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ [النساء:34].
ومن الأمانة أيضا حفظ أسرار الزوج وأموره الخاصة وما يكون بينها وبينه، فلا تبوح بهذا حتى على سبيل المزاح لأن إفشاءها لأسراره وأموره الخاصة من خيانة الأمانة.
ومن حقوق الزوج أيضاً خدمته في البيت، فمن خصائص المرأة قدرتها على القيام بشئون البيت وما يتبعها يقول فيما رواه الشيخان عن ابن عمر: ((والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها))، وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنا نُعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره)).
وعلى الزوجة وهي تؤدي هذه الحقوق أن تستحضر أموراً منها: أن تستعين بالله في القيام بما عليها نحو زوجها، فلولا إعانة الله سبحانه لَمَا قام إنسان بطاعة، وهذا مما ييسر على المرأة القيام بواجبها، ومن ذلك أن تهيء نفسها للاستجابة فتعلم أنها مأمورة من الله سبحانه بطاعة زوجها ومعاملته بالمعروف، يقول فيما صح عنه: ((لو أمرت أحداً بأن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها)). رواه ابن ماجه، والحديث في صحيح الجامع.
ومما يعينها أيضاً أن تعلم أن قيامها بهذه الحقوق الزوجية لا مكافأة له إلا مرضاة الله سبحانه، وهذا مما يزيدها في طاعة زوجها وأداء حقوقه، ومن ذلك أيضاً اتباع المرأة للأسباب التي تعينها على أداء حقوق زوجها مثل: قراءة سِيَر الصحابيات ونساء السلف الصالح وأزواج رسول الله ، فهؤلاء هن قدوة المرأة المسلمة، وليس بطلات المسلسلات والأفلام اللاتي ما فسدت البيوت إلا بتقليدهن.
ومما يعين المرأة أيضاً على قيامها بهذه الحقوق حسن النظر في العواقب الحميدة في الدنيا والآخرة من قيامها بهذه الحقوق والعواقب السيئة المخيفة إذا أخلت بها يقول : ((يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير))، وكفران العشير هو جحد نعمة الزوج وإنكارها.
هذه عباد الله نبذة عن حقوق الزوج على زوجته، أسال الله أن ينفعنا بما سمعنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله.
|