أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
أيها الإخوة، العلم شرفٌ لأهله، وقد رفع الله قدرَ العلماء وأثنى عليهم فقال: يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ [المجادلة:11]، واستشهد بهم على أعظم مشهود عليه وهو توحيده وإخلاص الدين له: شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ [آل عمران:18]، وأخبرنا تعالى أن لأهل العلم تميزاً عن غيرهم: قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلألْبَـٰبِ [الزمر:9]، وأخبرنا تعالى أن أهل العلم هم أهل خشية الله ومخافته: إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء [فاطر:28]، وأثنى جل وعلا على الدعاة إليه والمبلغين لشرعه: ٱلَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالـٰتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً [الأحزاب:39]، وبيّن لنا نبينا أن العلم عملٌ صالح يصلُ ثوابه إلى العبد في لحده، فيقول : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))[1]، فالعلم الذي علَّمه والعلم الذي نشره والأمة التي رباها على الخير ودعاها إلى الهدى ورسم لها الطريق المستقيم، فانتفع بعلمه من انتفع، هذا العلم يجري عليه ثوابه في لحده؛ لأنه ترك عملاً صالحاً لا يزال ثوابه يصل إليه، ومن دعا إلى خير وهدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
أيها المعلم الكريم، أيتها المعلمة الكريمة، بين أيديكم شباب الإسلام، بين أيديكم أولاد المسلمين ذكورا وإناثاً، بين يديك ـ أيها المعلم ـ أبناء المسلمين، وبين يديك ـ أيتها المعلمة ـ بنات المسلمين، فالحرص كل الحرص على هداية الجميع، والأخذ بأيديهم لما فيه خيرهم في العاجل والآجل.
أمانة التعليم أمانةٌ عظيمة ومسؤولية كبيرة لمن عقلها وأدَّى حقها وأخلص لله فيها فقام بها خير قيام. المعلم والمعلمة ذو الصلاح والتقى يحرص كلٌّ منهم على غرس الفضائل في قلوب أبنائنا وبناتنا، غرس العقيدة السليمة، والأخلاق الكريمة، والسيرة النبيلة.
أيها المعلم، أيتها المعلمة، الحرص على أن نقوي صلةَ أبنائنا وبناتنا بربهم وبدينهم ونبيهم، ليعظموا الله في قلوبهم، فتقوى ثقتُهم بربهم وتوكّلُهم عليه واعتمادهم عليه، نحبِّب إليهم فعلَ الخير من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج، والاستقامة على الخير، بر الوالدين، وصلة الرحم، والآداب الحسنة والأخلاق الكريمة.
أيها المعلم المسلم، إن التعليم أمانة في أعناق المعلمين، والله سائلهم عن تكلم الأمانة.
أيها المعلمون الكرام، إن هناك تياراتٍ تموج بالأمة، وتعصف بها بكل جانب، هناك دعاياتٌ مضلِّلة، هناك قنواتٌ منحرفة بعيدة عن الهدى والخير، آخذة على عاتقها السعي في تفريق الأمة وتشكيكها في قيَمها وفضائلها، بل تشكيكها في عقيدتها وثوابت دينها.
أيها المعلم الكريم، إن أعظم واجب عليك أن توجِّه هذا النشء إلى الخير والصلاح، وأن تتحسَّس مشاكلَهم، وأن تعالج قضاياهم، وأن تكون عيناً ساهرةً على اتجاههم وسلوكهم ما وجدتَ لذلك سبيلا.
أيها المعلم، في هذا العصر نهضةٌ إعلامية عظيمة، ولكن كثيرا منها أو جلَّها تعادي الإسلام وعقيدتَه، وأخلاقه وقيَمه وفضائله، وللأسف الشديد قد تكون من بعض المحسوبين على الأمة والإسلام، ولكن هذه القنوات المنحرفة تسعى جاهدةً في بذل الشقاق والفرقة بين أبناء المسلمين.
أيها المعلم، إن شبابَ الإسلام اليوم يتعرَّض لحملاتٍ شرسة، ودعايات مضلِّلة، كلٌّ منها يقصد إبعادَ شبابنا عن دينه، إبعادَه عن قيمه وفضائله، بأي وسيلة تمكنهم، إما بغلوٍّ يبعدهم عن طريق الله المستقيم، فيفهمون الإسلام على غير فهمه، وعلى غير ما أريد منه، يلبسونهم ثوبَ الإسلام وقصدُهم وغايتهم إبعادُ شبابنا عن الطريق المستقيم، وإما انحراف ينأى بهم عن الطريق المستقيم، فيوقعهم في الحضيض، فينأى بهم عن الخير والصلاح.
إذاً فالمعلم المسلم يرصد هذه الأشياء، ويحاول توجيهَ الشباب، وامتصاصَ ما علق بنفوسهم من هذه الشرور والشبهات الضالة والآراء الباطلة والدعايات المضللة، يبصرهم في دينهم، يوجِّههم إلى الخير، يرسم لهم الطريق المستقيم، يحذِّرهم من الغلوّ الذي يبعدهم عن الخير، ومن الانحراف الذي يبعدهم عن الخير، وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [الأنعام:153].
إن أعظم ما نواجه به هذه القنوات المنحرفة أن نربيَ شبابنا، وأن نحصِّنهم من هذه الشرور، ونبَيِّن لهم الحقَّ، ونحذرهم من الباطل، ونعلمهم أن أولئك لم يقصدوا خيراً، ولم يريدوا خيراً، وإنما هم ينفذون مخططات الأعداء، ويخدمون أعداء الأمة بما يبثونه وينشرونه من الآراء المضلِّلة، بدعوة شبابنا إلى أمور تبعدهم عن الحق وتنأى بهم عن الطريق المستقيم، ليلقوا في نفوسهم أمورا ينسبونها إلى الإسلام، والإسلام بريء منها.
إن دين الإسلام دين الخير والرحمة والعدالة، ليس دينَ إجرام وظلم للعباد، ولكن أولئك يدعون شبابنا إلى أمور لا تليق بهم، وإلى أمور يريدون منها زعزعةَ كيان الأمة وتفريق كلمتها وإحداثَ الفرقة بين صفوفها.
فالواجب على رجال التعليم والواجب على المعلمات جميعاً أن تتضافر الجهود في تصحيح المفاهيم، والنأي بالأمة عن هذه القنوات الضالة، وتبصيرهم بعيوبها وأخطارها وأضرارها؛ ليكون أبناؤنا على وعي صحيح وفهم جيد، فلا ينخدعوا ولا يغترّوا.
إن المنافقين من هذه الأمة هم أضرُّ على الإسلام من كافر أظهر صراحةً كفره وضلاله، فالكافر العدو المعلن لعداوته الأمةُ على حذرٍ منه، ولكن المنافق الذي يظهر الخير والصلاح، ويتظاهر بالنصيحة والتوجيه، والله يعلم أنه خلاف ذلك، وَإِذَِا قيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12]. إن فرعون يقول عن موسى: إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأرْضِ ٱلْفَسَادَ [غافر:26]، فوصف موسى بأنه يظهر في الأرض الفساد، وفرعون مع طغيانه وكفره يرى أنه المصلح، وأن موسى هو المفسد، كرَّم الله نبيه عما يقول الضال المضل.
إذًا أيتها الأمة، فالحذر من أولئك المنافقين، من أولئك المنحرفين الضالين، الذين لا تزال أبواقهم توجَّه ضدَّ الأمة المسلمة من أمةٍ تُحسب على الأمة وهم أعداؤهم بالأخص، وهم أعدائهم الألدَّاء.
إن المعلم المسلم يحذّر شبابَنا وينصحهم ويأخذ بأيديهم لما فيه خيرهم وصلاحهم، كلما سمع مقالة أو فكرًا يحملونه من هذه القنوات الضالة حاول التصحيح، وحاول أن يقيم الاعوجاج، وحاول أن يبصِّرهم بأن ما سمعوا أمر باطل لا حقيقة له؛ لتستقيم الأمة على منهج الله.
تحصين شبابنا بالتوعية الصادقة والنصيحة الهادفة والدعوة الصالحة لننقذهم من الانخداع بكل ما يقال ويعرض. إن هذا الزمن زمن ثورة إعلامٍ عظيم، لكن الأمة يجب أن تواجه بأن تقارع الحجة بالحجة، وأن تحصِّن أبناءها بالوعي الصحيح، بالعقيدة السليمة، بارتباطها بدينها، لتكون على حذر من مكائد أعدائها الذين يتربصون بالأمة الدوائر، ويسعون في إفساد الأخلاق والقيَم والفضائل، ونسبةِ أمورٍ الإسلامُ منها بريء، ينسبونه إلى الإسلام ليروِّجوا الباطلَ والضلال، فالمعلم المسلم والمعلمة المسلمة الغيورون على الأمة وعلى شبابهم وفتياتهم يحاول المعلم وتحاول المعلمة من خلال منهج الدراسة توعيةَ الشباب وإنقاذهم من الانخراط في هذه الأمور الباطلة التي لا حقيقة لها.
فليتق المعلمون ربهم، وليحرصوا على تحصين شبابنا بالوعي السليم، بالنصيحة بالارتباط بالعقيدة السليمة، لننجو من هذه الضلالات والدعايات المضللة التي يحاول أربابها إبعادَ الأمة عن منهجها القويم، وإيقاعها في الضلالات والغوايات.
أسأل الله أن يرزق الجميع الاستقامة على طاعته، وأن يحفظ بلادنا وشبابنا من كل سوء، وأن يكفيهم شر الأشرار وكيد الفجار، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، أستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه مسلم في الوصية (1631) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
|