.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

فضيلة الصدقة

2564

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الزكاة والصدقة, فضائل الأعمال

خالد بن محمد الشارخ

الرياض

اللحيدان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تسابق الصحابة في الإنفاق في سبيل الله. 2- فضل الصدقة على المؤمن في الآخرة. 3- العاملون على جمع الصدقات شركاء في الأجر. 4- أفضل الصدقة. 5- أنواع الصدقة. 6- صور من إنفاق الصحابة.

الخطبة الأولى

أما بعد, فاتقوا الله تعالى عباد الله, حيث أمركم بذلك في قوله: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].

وبقوله يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70، 71].

عباد الله, يقول الله تعالى: مَنْ ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245].

لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون في الإنفاق في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله في الأرض ولكي يُعبد الله وحده لا شريك له. وربما قصر أحدهم بالنفقة على نفسه وعياله في سبيل المساهمة في سبيل الله، وكانوا يكرهون الشح.

كيف لا, وهم يسمعون النبي يقول: ((اتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم)) رواه مسلم عن جابر[1].

وكانوا يتسابقون في الإنفاق أشد المسابقة، فما إن يسمعون النبي يحث على الصدقة ويدعوهم إليها حتى يتسابقوا, فهذا يأتي بماله كلّه، وهذا يأتي بالقطعة من الفضة.

هكذا كانوا، وهكذا ينبغي أن نكون؛ ولذلك اصطفاهم الله واختارهم وأحبهم ورفع مكانتهم, قال تعالى حاثاً عباده على الإنفاق في سبيل الله: مَن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وقال أيضًا: وَٱلْمُتَصَدّقِينَ وَٱلْمُتَصَدّقَـٰتِ وفي آخر الآية قال: أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35]. وقال تعالى يصف عباده المؤمنين مثنياً عليهم أنهم قد جعلوا في أموالهم نصيبًا في سبيل الله: كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلاْسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّائِلِ وَٱلْمَحْرُومِ [الذاريات:17-19].

واعلم أن الإنفاق من المال لا يزيده إلا بركة, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما نقصت صدقة من مال, وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا, وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل)) رواه مسلم[2].

واعلم أن الصدقة وكثرة الإنفاق في سبيل الله وإطعام الفقراء والمحاويج سببٌ لإنزال الرحمات من رب البريات, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((بينا رجل في فلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقتة يحوّل الماء بمسحاته فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال له: فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ قال: سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه صوتًا يقول: اسق حديقة فلان, لاسمك، فما تصنع فيها قال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل منها وعيالي ثلثًا وأرد فيه ثلثه)) رواه مسلم[3].

نعم, إن الصدقة تقي مصارع السوء، وتبارك بالمال, وهي حجابك من النار, قال : ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))[4].

وعن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله يقول: ((كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس))[5]. وعن يزيد بن أبي حبيب قال: (كان مرثد بن عبد الله المزني أول أهل مصر يروح إلى المسجد, وما رأيته داخلاً المسجد قط إلا وفي كمه صدقة، إما فلوس، وإما خبز، وإما قمح، قال: حتى ربما رأيت البصل يحمله، قال: فأقول له: يا أبا الخير إن هذا ينتن ثيابك، قال: فيقول: يا ابن أبي حبيب، أما إني لم أجد في البيت شيئًا أتصدق به غيره)[6].

وخرج الطبراني بإسناده: ((إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور, وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته))[7].

إن الناس يوم القيامة في زحامهم وشدة الحر ودنو الشمس منهم وتضايق الأنفاس، لكن هذا المتصدق لا يمسه من حر الشمس شيءٌ؛ لأنه في ظل صدقته يوم القيامة.

ولا يحقرن أحدنا من المعروف شيئًا ولو كسرة خبز أو كأس ماءٍ أو لقمة طعام.

نعم لا تحقرن من المعروف شيئًا، فرب مَبْلغ قليل تنفقه في سبيل الله مع إخلاصك لله, يتقبله الله عنده, فتأتي يوم القيامة وإذا هذه الصدقة مثل جبل أحد.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمنه ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم مُهره حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد, وتصديق ذلك في كتاب الله، أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَـٰتِ [التوبة:104])) البخاري ومسلم[8].

وليس ذلك فحسب؛ بل إن الصدقة يؤجر عليها كل من ساهم في توزيعها أو إصلاحها، فربما يجزي الله على الصدقة الواحدة ثلاثة نفر.

خرج الطبراني بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الله عز وجل ليدخل باللقمة من الخبز وقبضة التمر ومثله مما ينتفع به المسكين ثلاثة: رب البيت الآمر به, والزوجة تصلحه، والخادم الذي ينادي المسكين))[9].

عباد الله, إن الصدقة بمثابة البطانة التي يكون لك بها وقاءً من النار ونجاة من عذاب الله, وما من أحد منّا إلا سيوقف بين يدي الله وسيكلمه الله, فسوف يتمنى كل واحد منا أن لو تصدق بجميع ماله.

عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله يقول: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار, ولو بشق تمرة)) رواه البخاري ومسلم[10].

وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن ـ فذكر الحديث إلى أن قال ـ: آمركم بالصدقة, ومَثلُ ذلك كمثل رجلٍ أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقربوه ليضربوا عنقه فجعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم, وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه)) رواه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم[11].

وإن الصدقة يا عباد الله تطفئ لهب المعصية, فإن لكل معصية لهبًا.

فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((ألا أدلك على أبواب الخير؟))‍ قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح[12].

قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "الصلاة تبلغك نصف الطريق, والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه".

وقال يحيى بن معاذ: "ما أعرف حبةً تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة".

وأن أفضل الصدقات جهد المقلّ, وفي الحديث أن النبي سئل عن الصدقة، فقال: ((أن تتصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخاف الفقر وتأمل الغنى))[13]. فأفضل الصدقة يا عباد الله, ما إذا كانت من إنسان قليل المال, مع ذلك يتصدق.

وبالصدقة يفتح الله عليك ويبارك في مالك, فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان, فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً, ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)) رواه البخاري ومسلم[14].

عباد الله, إن أبواب الصدقة كثيرة جدًا, وليست محصورة في شيءٍ معين, بل إن الإنسان إذا احتسب الأجر فيما ينفق على نفسه وعلى عياله أُجِرَ عليه, قال تعالى: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلاِنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَاء وَجْهِ ٱللَّهِ [البقرة:272].

وقال رسول الله لسعد بن أبي وقاص: ((إنك لن تنفق نفقة تتقي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فِيْ امرأتك)) رواه البخاري[15].

فمن أبواب الصدقة:

1 – إخراج الزكاة طيبة بها النفس.

2 – من الصدقة أيضًا إطعام الطعام وكسوة الفقراء.

3 – ومنها أن تسقي الماء لمحتاجه من آدمي أو بهيمة بحفر بئر أو غيره.

4 – ومنها الإنفاق في وجوه الخير كالمَبَرَّات الخيرية، ومدارس تحفيظ القرآن والمدارس الخيرية.

5 – ومنها إنظار المعسر أو الوضع عنه.

6 – ومنها القرض.

وغير ذلك من أوجه البر.

ونحن ولله الحمد لا نجهل ثواب الصدقة, ولا نجهل مصارفها وأماكن إنفاقها, ولكن نخاف الفقر ونريد أن نؤمن مستقبل أولادنا وأنفسنا ـ كما نزعم ـ وننسى أن الله قد تكفل بالرزق لكل أحد على وجه الأرض، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم.

نعم, أنا لا أقول: اجعل أبناءك وأهلك عالة على الناس وفي حاجة وفقر، ولكن لا بد من الإنفاق ولو شيئاً قليلاً.

ولنكن أيها الأخوة صرحاء لا يجامل بعضنا بعضًا.

أسألكم بالله, كم ننفق في سبيل المتعة والفرح؟ وكم ننفق في أسفارنا وفي أكلنا وشربنا؟ وكم ننفق في تزيين سياراتنا وتجميل بيوتنا؟ كم ننفق في شراء الحاجيات لبيوتنا؟ كم ننفق في العزائم والولائم والأعراس؟ لكننا ننسى.

اللهم اغفر لنا تقصيرنا وزللنا وخطأنا وجهلنا وكل ذلك عندنا.

بارك الله لي ولكم..

 




[1] صحيح، صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم (2578).

[2] صحيح، صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو والتواضع (2588).

[3] صحيح، صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب الصدقة في المساكين (2984).

[4] صحيح، أخرجه البخاري كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة (1417)، ومسلم كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة (1016)، من حديث عديّ بن حاتم.

[5] صحيح، أخرجه الإمام أحمد بسند رجاله ثقات (4/147)، وصححه ابن خزيمة في صحيحه (4/94) رقم (2431)، وابن حبان في صحيحه (8/104) رقم (3310)، والحاكم في مستدركه (1/416)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.

[6] أثر مرثد صحيح،  أخرجه ابن خزيمة في صحيحه جماع أبواب صدقة التطوع، باب إظلال الصدقة صاحبها يوم القيامة إلى الفراغ من الحكم بين العباد (2432).

[7] صحيح، أخرجه الطبراني في الكبير (17/286) رقم (788)، وفي إسناده ابن لهيعة، وللحديث طرق أخرى، عند أحمد (4/147)، وابن خزيمة (4/94) رقم (2431)، وابن حبان (8/104) رقم (3310)، والحاكم في مستدركه (1/416).

[8] صحيح، أخرجه البخاري كتاب الزكاة، باب الصدقة من كسب طيب رقم (1410)، واللفظ له، ومسلم كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (1014).

[9] ضعيف، أخرجه الطبراني في الأوسط (5/278)، والحاكم في المستدرك (4/134)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي بقوله: "سويد بن عبد العزيز متروك"، وقال الهيثمي في المجمع (3/112): "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سويد بن عبد العزيز  ضعيف". وهو في ضعيف الترغيب والترهيب للألباني برقم (509).

[10] صحيح، أخرجه البخاري كتاب التوحيد، باب من كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء (7512)، ومسلم كتاب الزكاة، باب الحث على الزكاة ولو بشق ثمرة أو كلمة طيبة (1016).

[11] صحيح، أخرجه الترمذي كتاب الأمثال باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة (2863)، وأحمد في مسنده (4/130)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب". وصححه ابن خزيمة (3/195) رقم (1895)، وابن حبان (14/124) رقم (6233)، والحاكم في المستدرك (1/421)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، ولم يتعقبه الذهبي.

[12] صحيح، أخرجه الترمذي كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة (2616)، وابن ماجه كتاب الفتنة، باب كفّ اللسان في الفتنة، وأحمد في مسنده (5/231)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2110).

[13] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب فضل الصدقة (1419)، ومسلم (1032)، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح (1032).

[14] صحيح، أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: فأما من أعطى وأتقى (1442)، ومسلم كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك (1010).

[15] صحيح، أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة (56).

 

الخطبة الثانية

عباد الله, لقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في الإنفاق في سبيل الله.

لقد كان أبو بكر يأتي بماله كله لرسول الله , وكان عمر يأتي بشطر ماله.

وأحسن وأكثر منهم إنفاقاً رسول الله ، فكان يعطي عطاءَ من لا يخاف الفقر.

ولما نزل قوله تعالى: مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة:245, الحديد:11] قال أبو الدحداح: يا رسول الله، إن الله تعالى يريد منا القرض؟ قال: ((نعم، يا أبا الدحداح)). قال: أرني يدك، فناوله فقال: فإني أقرضت الله حائطاً فيه ستمائة نخلة. فقال له: ((إذاً يجزيك الله الجنة))[1].

فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول:

هداك ربي سبُــل الرشـاد              ثم إلى سبيل الخيــر والســداد

بينـي من الحائط بالــوداد             فقد مـضـى قرضـًا إلى التنـاد

أقرضه الله على اعتمــادي              بالطـوع لا مـنٍّ ولا ارتـــداد

إلا رجـاء الضعف في المعاد               فارتحـلـي بالنفـــس والأولاد

والبر لا شـك فخيـــر زاد           قـدمـه المـــرء إلى المعـاد

أبشرى يا أم الدحداح قد أقرضتها لله تعالى, فقالت أم الدحداح: ربح بيعك بارك الله لك فيما اشتريت ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها, تخرج من أفواههم الثمر وتنفض ما في أكمامهم، وتقول: قد أقرضناه الله.

فقال النبي : ((كم من عذق رداح ودار فياح لأبي الدحداح في الجنة))[2].

وعن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بئر  بَيَْرُحاء وكان مستقبلة المسجد، وكان رسول الله يدخل ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت: لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].

فقام أبو طلحة إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن أحب أموالي إليَّ بيرحاء وأنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله : ((بخ ذاك مال رابح، بخ ذاك مال رابح)) رواه البخاري ومسلم[3].

وبيرحاء: اسم لحديقة نخل كانت لأبي طلحة.

اللهم اهدنا....



[1] ضعيف، أخرجه البزار (5/402)، وأبو يعلى (8/404)، والطبراني في الكبير (22/301) دون ذكر للأبيات، وقال البزار: "وهذا الكلام لا نعلمه يُروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولا نعلم رواه عن حميد إلا خلف بن خليفة". وحميد هو الأعرج، ضعيف، قال البخاري: "حميد بن عبيد الأعرج: كوفيّ، روى عنه خلف بن خليفة، منكرُ الحديث"، انظر: الكامل في الضعفاء (2/272).

[2] الحديث السابق.

[3] صحيح، أخرجه البخاري كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً ولم يبيّن الحدود فهو جائز (2769)، ومسلم كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين (998).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً