.

اليوم م الموافق ‏26/‏ذو الحجة/‏1445هـ

 
 

 

العصبية القبلية والوطنية

2537

الإيمان

الولاء والبراء

حسين بن غنام الفريدي

حائل

28/1/1417

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- العصبية الجاهلية سبب لكثير من البغضاء والعداوات. 2- ذم العصبية الجاهلية على لسان النبي . 3- إن أكرمكم عند الله أتقاكم. 4- إساءة البعض وظلمهم للوافدين من إخوانهم المسلمين. 5- العصبية كيد الشيطان.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنما الخيرية بالتقوى يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـٰرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].

عباد الله، عقيدة التوحيد تجمعنا ودار الإسلام تؤوينا، لا فخر لنا إلا بطاعة الرحمن، ولا عزة ولا كرامة إلا بالإيمان، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.

معاشر المصلين، قضية اجتماعية، بسببها انتشرت البغضاء، ومنها نبعت الأحقاد، ولأجلها رفعت الشعارات الشيطانية، وتعددت الحزبيات العنصرية، ووجدت رواجاً عند ضعاف الإيمان واستغلها الأعداء أبشع استغلال.

لم تدخل في مجتمع إلا فرقته، ولا في صالح إلا أفسدته، ولا في كثير إلا قللته، ولا في قوي إلا أضعفته، ما نجح الشيطان في شيء مثلما نجح فيها داخل هذه البلاد، شب عليها الصغير وشاب عليها الكبير، وتبناها حُثالة المجتمع.

تتجسد من خلال فلتات اللسان وصفحات الوجوه وطاولات التلاميذ وجدران دورات المياه في المدارس والمساجد.

مجالس الدهماء تروجها، وأشعار الصعاليك ترددها، كلما خبت نارها جاء من يسعرها، ويحذر من نسيانها والغفلة عنها.

إنها العصبية القبلية المقيتة، إنها الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، إنها الفخر بالأرض والتراب، إنها الفخر بالعرق واللون.

إنها دعوى الجاهلية تأصلت فيمن رَقَّ إيمانه وضعف يقينه وطُمس على قلبه وغَفَل عن أًصله وحقيقته.

عباد الله، يقول الله تعالى ذاماً أهل الحمية لغير الدين: إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ [الفتح:26]، وجاء في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية))[1].

وجاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد)) أخرجه مسلم في صحيحه[2].

وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى))[3].

روى حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب، ولينتهين قومٌ يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجِعلان[4])) أخرجه البزار وصححه الألباني كما في صحيح الجامع[5].

عباد الله، قال المفسرون في قوله تعالى: وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ [الحجرات:13]، جعلناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا لا لتتفاخروا، فقد حسمت هذه الآية موضوع التفاخر بتأصيل ثلاث ركائز.

الأولى: أن أصل خلق الناس جميعاً واحد.

الثاني: أن ما يحتج به الناس بانتسابهم إلى شعب كذا أو قبيلة كذا مما لم يأذن به الله لأجل التفاخر، وإنما أذن به لأجل التعارف فحسب، لما يترتب عليه من حقوق وواجبات.

الثالث: أن التفاخر والتفاضل والتقدم إنما هو لأهل التقوى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ [الحجرات:13].

وما أجمل ما قاله أحد الدعاة المعاصرين في تفسيره لهذه الآية! حيث قال رحمه الله: وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس، ويظهر سبب ضخم للألفة والتعاون: ألوهية الله للجميع وخلقهم من أصل واحد، كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته: لواء التقوى في ظل الله.

وهذا هو اللواء الذي رفعه الإسلام لينقذ البشرية من العصبية للجنس والعصبة للأرض والعصبية للقبلية والعصبية للبيت، وكلّها من الجاهلية وإليها تتزيا بشتى الأزياء وتسمى بشتى الأسماء، وكلّها جاهلية عارية من الإسلام.

عباد الله، إن المسلم العاقل ليقف حائراً أمام هذه الجاهلية التي تستهدف أخوة الدين وتقدح بالاعتصام بالكتاب والسنة إما بإثارة النعرات القبلية أو تنقص الناس باسم الوطنية وهي الحث على أساس المواطنة، فمن كان من وطنك أحبه سواء كان مسلماً أو فاسقاً أو كافراً، في حين لا تحمل هذا الشعور تجاه أخ مسلم من غير بلادك ولو كان من أتقى الناس.

وإنه ليزداد العجب من إنسان يفخر بشيء لا جهد له فيه ولا كسب، ويسخر من إنسان في أمر لا حيلة له فيه.

كن ابن من شئت واكتسب أدباُ           تغنيك محموده عن النسـب

إن الغني من يقـول ها أنا ذا              ليس الفتى من يقول كان أبي

عباد الله، إن إخوة لنا من غير بلادنا يعيشون بيننا، ونعرف كثيراً منهم بصدقه وأمانته واستقامته يواجهون صلفاً في التعامل وغلظة في القول وهمزاً ولمزاً يغرس الحقد ويولّد البغضاء ويتسبب في الإيذاء.

شكى البعض منهم ذلك وآخرون صابرون محتسبون، فإلى متى نحقق أهداف أعدائنا وننفذ خططهم في تفريق شملنا وبث العداوة بيننا.

إن الأخوة الإسلامية تفوق جميع الصلات تتجاوز بذلك الحدود الجغرافية والروابط الأرضية إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، ((المؤمن للمؤمن كالبنيان))[6]، ((المسلم أخو المسلم))[7]، هذا هو الشعار الذي  يجب أن يرفع، ومن أجله يحب، ومن أجله يعادى.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، غضب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك غضباً شديداً فقال: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم))[8]" انتهى كلامه رحمه الله.

إخوة العقيدة، إن من يقيم بيننا من إخواننا من غير بلادنا ممن أعوزتهم الحاجة أو جاء بهم الحنين إلى منبع الرسالة أو جاء بهم الهرب من حياة مليئة بالعهر والفساد والحرب ضد أهل التدين والإرشاد، جاءوا إلى هنا وكلهم أمل أن يحيطهم إخوانهم بالحب والتقدير والكرم والاحترام، وهم والله حقيقون بذلك؛ لأنهم ضيوف تغربوا عن أوطانهم، وأصبحوا في كنف إخوانهم.

إن الغريب له حقٌّ لغربتـه                 على المقيمين في الأوطان والسكن

وحق الضيف لا يخفى على من تربوا على إكرام الضيوف في الجاهلية والإسلام ((فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا))[9].

عباد الله، يا أيها الآباء، يا أيها المربون، اتقوا الله في أنفسكم لا تُنْشِئُوْا صغاركم على التعصب والافتخار لغير الإسلام، بل ربّوهم على المبادئ الكريمة والخصال الحميدة التي دعانا إليها ديننا القويم، وحثوهم على الاتصاف بها.

لسنا وإن أحسابنا كرمت                  يوماً على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنـا                  تبني ونفعل مثلما فعلـوا

وذلك تحت مظلة الإسلام.

أما أنت، يا من تطعنُ في الأنساب وتفتخر بالأحساب، يا من حقّرت الناس وتنقصتهم، ألا تعلم حقيقتك؟! ألا تعلم أن أوّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وتحمل في جوفك العذرة؟!  أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ [المرسلات:20].

فعلام الكبرياء وعلام التعالي.

إن احتقار الآخرين والحمية لغير الدين توقع المرء في الغَيْرة لغير الإسلام والغضب لغير الله، وتؤدي إلى ظلم العباد ورد الحق ومنع الحقوق والانتصار للباطل وأهله كما قال أحدهم:

وهل أنا إلا من غزية إن غوت             غويت وإن ترشد غزية أرشد

أسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بين القلوب، وأن يجعلها متحابة في ذات الله، فلا نعمة بعد الإسلام أعظم من ذلك.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:102، 103].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين ...


 



[1] ضعيف، سنن أبي داود: كتاب الأدب – باب في العصبية، حديث (5121)، قال المنذري: ثم يسمع عبد الله (يعني ابن أبي سليمان) من جبير، قال المناوي: مراده أن الحديث منقطع، وفيه محمد بن عبد الرحمن المكي أو البكي قطرب أبو حاتم، مجهول. فيض القدير (5/386)، وانظر غاية المرام للألباني (304)، قلت: وفي صحيح مسلم: كتاب الإمارة – باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ... حديث (1850) عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله : ((من قُتل تحت راية عمّيّة يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلةٌ جاهلية)).

[2] صحيح، قطعة من حديد طويل، صحيح مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها – باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة، حديث (2865).

[3] صحيح، أخرجه الترمذي في كتاب التفسير – باب سورة الحجرات، حديث (3270).

[4] الجِعْلان: جمع (جُعَل) وهو دويبة معروفة كالخنفساء (القاموس، مادة جعل)، و(النهاية لابن الأثير، مادة جعل).

[5] صحيح، مسند البزار، رقم (2938)، وأخرجه أيضاً أحمد (2/361)، وأبو داود: كتاب الأدب – باب في التفاخر بالأحساب، حديث (5116)، وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد (8/86)، وحسنه السيوطي: الجامع الصغير (6368)، وصححه الألباني، صحيح الجامع الصغير (4444).

[6] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب الصلاة – باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، حديث (481)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب – باب تراحم المؤمنين .. حديث (2585).

[7] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب المظالم والغصب – باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، حديث (2442)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب – باب تحريم ظلم المسلم .. حديث (2564).

[8] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب المناقب – باب ما يُنهى من دعوة الجاهلية، حديث (3518)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب – باب نصر  الأخ ظالماً أو مظلوماً، حديث (2584)، دون قوله: ((وأنا بين أظهركم)). وأخرج هذه الزيادة، ابن إسحاق في السيرة (سيرة ابن هشام 3/94)، والطبري في تفسيره (4/23)، عند تفسير قوله تعالى: يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله.. [آل عمران:70]، في قصة بنحوها.

[9] صحيح، أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء – باب قول الله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلاً حديث (3353)، ومسلم: كتاب الفضائل – باب من فضائل يوسف عليه السلام، حديث (2378).

الخطبة الثانية

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا وساوس الشيطان، فإنه إياكم يكيد ولتفريق شملكم يريد، فقد صح بذلك الوعيد، أخبر به أنصح العبيد للعبيد عليه الصلاة والسلام فقال: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم)) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه[1].

نعم، والله إنك لتجد الرجل يقيم شعائر الدين، ويبكي من خشية الله، وفيه خير كثير، ثم تجده بعد ذلك قدْ ملئ قلبه بالعصبية، فلأجلها يحب ومن أجلها يعادي، ألا يعلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان))[2].

والحب من العبادات، فيجب علينا أن لا نحب إلا ما يحبه الله وأن لا نبغض إلا ما يبغضه، والله تبارك وتعالى يبغض العصبية والحمية لغير دينه.

إن الإسلام والتقى ليرفع وضيع النسب ويهبط رفيع الحسب، فهذا بلال عبد حبشي أعزه الله الإسلام وأصبح من سادات المسلمين.

خَذَلَتْ أبا جهل أصالتُه           وبلالُ عبدٌ جاوز السحبا

فلنتق الله عباد الله، ولنطلب العزة في مظانها، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

هذا، وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه..



[1] صحيح، أخرجه مسلم: كتاب صفة القيامة .. باب تحريش الشيطان .. حديث (2812).

[2] حسن، أخرجه الطيالسي في مسنده، رقم (378)، والطبراني في الكبير (10357)، والحاكم (2/480) وصححه، وتعقبه الذهبي لقوله: ليس بصحيح، فإن الصعق – وإن كان موثقاً – فإن شيخه منكر الحديث، قاله البخاري، وحسّنه الألباني بشواهده. انظر السلسلة الصحيحة (998، 1728).

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً