أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)).
أيها المسلمون، شريعة الإسلام جاءت لسدّ الذرائع، وإغلاق كل وسيلة تفضي إلى الشر، ولما كانت دماء المسلمين محترمة، وسفكها بغير حق من كبائر الذنوب توعَّد الله صاحبه بأعظم العقوبة: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]، هكذا حرمةُ دماء المسلمين، وهذه عقوبة من سفك دم مسلم بغير حق. إذاً فإغلاق كل السبل المفضية إلى هذه الجريمة وجعل الحواجز التي تمنع المسلم من الوقوع في هذه الجريمة النكراء أمرٌ مطلوب شرعاً، ولهذا نبينا قال لنا: ((لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح))، نهى أن تشير عليه بالسلاح، كنت مازحاً أو كنت جاداً، لا تشر عليه بالسلاح وتشهره في وجهه، لترعبه وتخيفه، ولو كنت مازحاً. والسبب: لعل الشيطان أن ينزع في يديك، فيقع أمر محذور، فلعل هذا السلاح أن يصوَّب إلى أخيك فيقتله، فتقع في حفرة من حفر النار بقتلك ذلك المسلم بغير حق.
إذا كانت الإشارة بالسلاح منهياً عنها، فكيف بالقتل؟! كل هذا احتراماً لدماء المسلمين، ونبينا حذرنا إذا حملنا السلاح أن لا نحمله إلا بعد التأكد من سلامته وإغلاقه حتى لا يتسرع إنسان فيقع في المشكل، فإن عدو الله إبليس يفرح بالمسلم حال غضبه، وحال خصومته، فيغطِّي على قلبه، ويعمي بصيرته، حتى يقع في الأمر العظيم، ويندم ولا ينفعه الندم، ولزوال الدنيا بأسرها أهون على الله من سفك دم مسلم بغير حق.
نبينا مرَّ بمجلس قوم، وهم يتعاطون السيف مُصلتًا بأيديهم، فقال لهم: ((أما زجرت عن هذا؟!)) أما زجرتكم عن هذا؟! ثم قال: ((لا يعطين أحدكم أخاه السيف مُصْلتًا حتى يضعه في غمده)) فنهى عن تعاطي السيف إلا بعد وضعه في غمده، خوفاً من أن يقع ضرر على إنسان قصدت ذلك أو لم تقصده.
ونبينا يحذرنا أيضاً من الإشارة بالسلاح على أخينا فيقول: ((من أشار على أخيه بالسلاح لعنته الملائكة حتى ينتهي، ولو كان أخاه من أبيه وأمه)).
ورسولنا نهى المسلم أن يحمل السلاح في المسجد أو في مجامع الناس إلا أن يكون متأكِّداً منه، أنه لا ضرر في حمله ولا يهدد مسلماً بأي سبيل، فيقول لما رأى رجلاً يحمل سهامه، وقد ظهرت نصالها فأمره بأن يمسك على نصالها، خوفاً من أن تخدش مسلماً، وقال: ((من أتى سوقنا أو مسجدنا ومعه نبلٌ فليمسك على نصاله، وليقبض بيده، حتى لا يصيب أحداً من المسلمين بسوء))، ففي المساجد والطرق يكون السلاح معك محكماً إغلاقه، متأكداً منه، حتى لا تضر مسلماً.
إن البعض من الناس في خصامه ونزاعه لا يبالي بذلك، فيحاول الانتقام من خصمه بأيِّ سبيل ممكن، فلو كان معه سلاح لوجَّهه على أخيه من غير مبالاة، لأن الغضب الشديد يحمله على كل سوء، وعدو الله إبليس يتربص به الدوائر ويغتنم الفرصة التي يزجّه بها في الهلكة من حيث لا يعلم.
أيها المسلمون، كل هذا حماية لدماء المسلمين، حماية لدمائهم من أن تسفك بغير حق، وحماية للمسلم من أن يتحمل الآثام والأوزار.
إن نبينا نهانا أن نروِّع إخواننا المسلمين، فقال: ((لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لا جاداً ولا هازلاً))، وفي بعض أسفاره : رجلٌ من الصحابة راكب فأصابه نعاس، فأخذ شخص سهامه من كنانته، فاستيقظ مُرتاعاً، فقال النبي : ((لا يحل لرجل أن يروّع مسلماً)).
أيها المسلم، إن الواجب عليك أن تتقي الله، وأن تحفظ كرامة المسلمين، وأن تبتعد عن كل وسيلة تؤدي إلى شر وضرر، فهذا النبي نهى عن الخذف بالحصى، وقال: ((إنه لا يقتل صيداً، ولا ينكأ عدواً، وإنما يفقأ عيناً أو يكسر سناً)).
أيها المسلمون، إن المزاح أحياناً قد يؤدي بالناس إلى الضرر، ففي مزاح المسلم يكون المسلم على بصيرة في مزاحه، فكم من مزاح سيئ أدى إلى الهلكة، كم فساد في مزاحٍ بأسلحة نارية أو بأمثالها، فيؤدي ذلك إلى أمر لا تحمد عقباه.
فالمسلم يحفظ لنفسه ولإخوانه كرامتهم، فلا يزجُّ بنفسه في أمور لا خير فيها، سواء كان من طريق المزاح، وسواء كان من طريق الجد. إن المسلم حينما يفكِّر في عواقب الأمور وما تنتهي إليه، عندها يفكر التفكير الجدي، يكون عنده توقٍ من الحرام، وحماية لنفسه من الوقوع في هذا الأمر السيئ.
أسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
|