أما بعد:
أيها المسلمون، حجاج بيت الله، ها أنتم تخطون خطواتكم المباركة في يوم الحج الأكبر في يوم النحر، تقبل الله حجكم وشكر سعيكم وأعطاكم سؤلكم وأتم لكم نسككم. ها أنتم تدرجون على ثرى هذه الأرض الطيبة المباركة الآمنة بأمان الله المحفوظة بحفظ الله، ثم هي بمن الله وكرمه محفوظةٌ بيقظة قادتها ورعاية مسئوليتها أعانهم الله وبارك في جهودهم وأجزل مثوبتهم وسدد خطاهم.
أرضٌ طيبة وتاريخٌ مجيد وحاضر زاهر وجوٌ عاتق تزدحم فيه هذه المناظر والمشاهد حيةً نابضة تختلط فيه مشاعر العبودية وأصوات التلبية ونداءات التكبير والإقبال على الرب الرحيم في هذه الأجواء الفواحة والأمواج المتدفقة يغمر قلب المتأمل شعورٌ فياض بإنتماء هذه الأمة إلى هدف واحد وغاية واحدة الرب واحد والنبي واحد والدين واحد والدستور واحد، إنه شعورٌ ومناسبة تستدعي من المؤمن وقفة تأمل وموقف نظر في سنن الله في التغير وأحوال الأمم.
أيها المسلمون، حجاج بيت الله، تمر الأمم في تقلبات بين الجزر والمد، وتعمل سنن الله عملها في الناس والأحداث والأشياء، ومن ثَمّ تكون الآثار والنتائج والجزاء العادل، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، والأيام بين الناس دول والزمن في أهله قُلب والحياة بإذن الله أدوار وأطوار، فالقوي فيها لا يستمر أبد الدهر قوياً، والضعيف فيها لا يدوم مدى الحياة ضعيفاً، وما هذه المداولة والأدوار وما تلك التقلبات والأطوار إلا ليجري الله حكمته ليبلوا وليمحص وليميز وليمحق وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَلِيُمَحّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَـٰفِرِينَ [آل عمران:140، 141].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمة الإسلام، حجاج بيت الله، وعلى ضوء سنن الله على هدي كتاب الله، فلننظر في أوضاع أمتنا، ولنتدبر مواطن ضعفنا وقوتنا، ولنراجع علاقتنا مع ديننا وأعدائنا.
إن الخطب لعظيم، وإن أمر الإصلاح لكبير ولكنه يسير على من صدق الله وأخلص لله، أمةٌ أصر الأعداء على تمزيقها ووضعوا خططا لتفريقها وتداعوا لنهب حقوقها وقتل روح الدين والعزة فيها، تسلطوا على الشعوب والديار منذ ما يزيد على قرنين من الزمن ومزقوا الأرض قطع وصيروا الأهل شيعا وفرضت مناهج من التربية والتعليم مسخت العقل والفكر، وسادت ثقافة أفسدت السلوك والخلق، فلا ديناً حفظت ولا دنيا أقامت، أعداءٌ تخرج حمم البركان من أفواههم وأقلامهم وإعلامهم، تخرج قذائف هائلة من الحقد المروع والبغض الدفين قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.
أيها المسلمون، لا يقال ذلك استعداءً ولا افتراءً ولكنه محفوظٌ موثق بل تحمله الصحف السيارة والمبثوثات الطيارة والمؤلفات المنشورة، فجر الآلاف والمئين من أبناء المسلمين، فجروا إلى غير مأوىً صالح ولا هدفٍ واضح، الغذاء غير موجود، والعمل غير ميسور، يعيشون بنفوس محطمة، وآمالٍ تائهة، فقدوا الآباء والأمهات والأبناء والأزواج والقريب والعشير.
تمد إليهم كسرٌ من الخبز وقطعٌ من كساء وجرعاتٌ من دواء، ملطخة بكثير من المن، ومغلفةٌ بغلاف المسخ من حقوق الإنسان.
قد نال ذلك دولاً مسلمة وأقليات مسلمة في الشيشان والبوسنة وكشمير وطاجيك وبورما وتايلند، وإياك أن تنسى فلسطين الحبيبة وأرضها السليبة وقدسها الشريفة، استولى اليهود وعبثوا واقتحموا وأحرقوا بل لقد داسوا المساجد والمقدسات وقتلوا الصائمين والمتعبدين والركع السجود، عدوانٌ على الجميع غاشم وظلم عليهم جاثم، إحراق الأراضي والقلوب، صار فيها الأخضر يبساً، والأمل يأساً، يقتلون ويعذبون على الطريقة الفرعونية سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـى نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـٰهِرُونَ [الأعراف:127]، لقد أصبح العدو يولوا بلا مواربة، ويصرخ بالعداء من غير دبلماسية، لم تعد الأخبار ولا وسائل الإعلام تحمل إلا أبناء الإسلام والصراع مع الإسلام ولو غيروا بالمصطلحات عبثاً وشوهوا الحقائق غبشاً، نفوسٌ مسعورة، وأقلام مأجورة دعايات مظلله، ترفع الباطل وتفرق الكلمة وتمزق الشمل أمةٌ مستضعفة تلصق بها التهم وهي بريئة وينزل عليها العقاب وهي غير مجرمة وتلصق بها الرزايا وهي بعيدة، هذا شيء من حالها مع أعدائها.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما واقعها مع نفسها فلقد أصاب الأمة في كثير من مواقعها خللٌ كبيرٌ في دينها واستمساكها بشرع ربها ضعف بدين الله الالتزام، واختلت مناهج التربية في الأمة، وحكمت في كثيرٍ من البلاد القوانين الوضعية وأقصيت الشريعة الإسلامية واعتاضوا عن إخوة الإسلام بقوميات ضيقة، وتقوقعوا في قطع من الأرض محدودة فتصدع البنيان المرصوص، وانتشرت فيهم أدواء الجاهلية، افتتن مفكروهم وأصحاب الرأي فيهم بنماذج من الشرق والغرب في الفكر والسلوك، ولاحت لهم خيارات براقة كما تلوح للغريق القشة من شيعية واشتراكية، وتقدميةٍ ووطنية زعموا مساكين أنها طريق التقدم وسبيل الوحدة، استعادة المغتصبات، ولكنها فشلت الفشل الذريع، ولم يجني منها أهل الإسلام إلا الذل والهوان والفرقة والشتات وألوان الإنحطاط والفساد والخذلان والهزائم.
وتحدث إن شئت عن ضعف التنمية وخلل الإقتصاد وتراجع الإنتاج، بل لقد أحكموا في أعناقهم ربقة التقليد والتشبه للعدو الكافر في آدابه وفنونه وغير المفيد من مناهجه وعلومه، فتبعوا سننهم حتى دخلوا جحر الضب الخرب، تقليدٌ واستخذاء، أفسدُ رجولة الرجال كما أفسدوا أنوثة النساء كل على حد سوء، وما درى هؤلاء المغفلون من أبناء قومنا أن هذا التقليد اللاهث ما هو إلا مشاكلةٌ تؤدي إلى اندماج الضعيف في القوي وضياع الحق وأهله، بل لقد أهلكتهم التبعية حتى أذهبوا أنفسهم وألغوا عقولهم، ووصل الحال في بعض البلاد أن اعتبر الانتساب إلى الإسلام والإستقامة عليه تهمة أو جريمة يؤاخذ عليها القانون، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الإخوة، ضيوف الرحمن، إنما توالى على الأجيال المتأخرة من رزايا وما ألمّ بها من آلام جعلهم لا يفرحون بما يفرح ولا يشعرون بنصرٍ ذي أثر، وكأنهم يرون الزمن لا يحمل لهم إلا مؤشرات حزن ومعالم خيبة وكل فجر يبزغ، فهو عندهم فجرٌ كاذب، حقاً ـ أيها الإخوة ـ إنها ظلمات حالكة ومشكلات متراكمة ليس لها من دون الله كاشفة.
نعم، ليس لها من دون الله كاشفة لا منجا ولا ملتجأ ولا ملجأ من الله إلا إليه، ومن هنا يكون المخرج بإذن الله ونحن نتحدث عن السنن والعبر، ونستلهم المنهج من هدي كتاب الله وسنة رسول الله .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها الإخوة، إن أمل المؤمن بربة متصلٌ غير منقطع، وأمل المؤمن ليس مبنياً على سراب، وليس أماني عجزة ولا تسالي يائسين، ولكنه حرص على ما ينفع واستعانة بالله، وبراءة من العجز والكسل وبعدٌ عن اللوم والتلاوم، إن الفأل الجميل والأمل العريق جزٌ من عقيدة المؤمن حتى إن نبيكم محمد حينما يخرج لحاجته ويسمع أسماء مثل: نجيح وراشد، يسر ويعظم أمله في ربه لينجح في مقصده، ويرشد في أمره، وكان يعجبه الفأل، ويكره الطيرة والتشائم، وهذا التفاؤل الذي يؤمن به المؤمن ويدعو إليه المخلص ليس تفاؤل التغافل، ولكنه تفاؤل مع إدراك واقع الأمة في ضعفها الحقيقي في نفسها وقوتها واقتصادها والتصارع الداخلي فيما بينها، وهو في ذات الوقت تفاؤل لا يعمى عن مكر الأعداء وسعي بني قومهم ضد هذه الأمة والتهوين من أمرها؛ ليملؤوا صدورهم على أمة الإسلام غيضاً وحقداً، إن تفاؤل المؤمن منطلق من عقيدته بأن الإسلام لا ينام وليس له أن ينام فهو دين الله الخالد، وهو دين الله المحفوظ، وإذا قصر فيه أقوام استبدل الله غيرهم وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم [محمد:38].
إن الأمة وقد مرت بمراحل الضعف والهون وذاقت من الذل ألوان وتجرعت من القهر كيزان أو جربت حلولاً ومخارج باءت بالفشل، وزادت من الهزائم والضياع، إن الأمة وقد مرت بكل ذلك لقد بدأت تعود لوعيها، وتوقن أن الحل في إسلامها، بل توقن عين اليقين وحق اليقين وعلم اليقين بأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فهذه المساجد التي كانت خاليةً في بعض البلاد إلا من شيخٍ هرم أو رجلٍ همل أو يائس قعيد، تعاظم روادها، وصلاة الجماعة تكاثر مقيميها، عمرت بيوت الله بالشباب والكهول والشيوخ في حرصٍ على السنة وفقه في العبادة وخشوع في الأداء واستمساك في أداء الحشمة والعفاف والحجاب وأوجدوا لهم مصليات حيث لا يوجد مساجد واستكثروا مراكز، إن المسجد موقع من مواقع العزة ومصدر من مصادر القوة ولكنه عند الأعداء مصدر خوف ومنبت إرهاب، ومن البشائر صيحات النداءات المتعالية لتطبيق شرع الله على عباد الله في شؤونهم كافة، والتخلص من تحكيم الدساتير البشرية، وإن واقع هذه البلاد بلاد الحرمين الشريفين ـ أدام الله عليها حفظه وعنايته ـ إن واقعها في تحكيم شرع الله والسير على أحكام دينه وما أفاء الله عليها من الأمن والأمان والفضل والبر لدليل شاهد وبرهان قائم لمن في قلبه ريب أوشك، وفي حديث الفأل والمبشرات لا تنسوا ما أنتجه وعي المسلمين بواقعهم حين أدركوا هيمنة الربا وخطره على الدين والاقتصاد والحياة، فتنادى مخلصون لإنشاء مصارف إسلامية، ومؤسسات مالية، تناما وجودها على الرغم من الصعوبات التي تواجهها والعثرات التي تصاحب مسيرتها، ومشقة العوم والسبح في محيط ملوث بأوحال الربا ومستنقعاته، ومن المبشرات انبعاث روح الجهاد في مواقع مضطهدة، كان الجهاد الأفغاني من روادها على الرغم مما أصابه من تشويه من قبل أهله بعد دحر عدوان الكافرين، وانتفاضة المسلمين في الأرض المحتلة، والكفاح المشروع في كشمير، ومواقف البطولة والبسالة في البوسنة والهرسك، ورجال الشيشان الأشاوس، والصابرين في الفلبين كل أولئك صورٌ من المبشرات ودواعي التفاؤل، وقبل ذلك وبعده فإن المسلمين رغم واقعهم الأليم، ورغم ضعفهم الظاهر فإنهم رقمٌ محسوب في السياسة الدولية. إن الحرب العسكرية والإعلامية على الإسلام ورجاله ودياره دليل كبير على تعاظم قوته وشعور الأعداء بخطره. إن كل قذيفة توجه وكل يدٍ تغتصب وكل جرحٍ ينزف مطارق وموقظات توقظ الأمة من غفلتها، وتوجهها نحو الصحيح من مساريها ومسيرتها.
الله أكبر، ما بال هذه الجماهير المسلمة التي تعرضت لكل أنواع المسخ وغسل المخ، ما بالها تعود إلى رياض دينها وتستعصي أن ترضى بالدنية من دينها، ما أثمر العنف الدولي إلا عنفاً أشد منه، ولم تزد شراسة الأعداء وعصية الغلاظ إلا استمساكاً بالدين وقناعة بالحق، لقد ظن الأعداء أنهم حينما نجحوا في وأد بعض النداءات القومية والشعارات الوطنية حين وأدوها وروضوها بأنواع الترويض المادي والمعنوي العنيف منه واللطيف ضنوا أن ذلك مجدٍ في أوساط المسلمين المخلصين ممن أراد الله والدار الآخرة ممن كانت الآخرة عنده خيراً من الأولى، ليعلم الكفار أن الحرب على أهل الإسلام ليست حرباً على أشخاص ولكنها حربٌ على سنة الله ودينه ويأبى الله إلا يمضي سنته ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.
الله أكبر الله أكبر لا إله الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
يا أهل الإيمان، يا حجاج بيت الله الحرام، يا ضيوف الرحمن يا أمة الإسلام، أما الفرج والنصر فاسمعوا إلى حديث القرآن عن خبركم وخبر من قبلكم، اقرؤوا في حال فرعون وملؤه: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِى ٱلأرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ [القصص:4-6]، واقرءوا ما جاء في خبر بني إسرائيل وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَآء وَعْدُ أُولَـٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلَـٰلَ ٱلدّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَـٰكُم بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَـٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لاِنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ حَصِيرًا [الإسراء:4-8]، أما في خبركم فاقرءوا هذه الأعجوبة لنبيكم محمد ولأتباع محمد انظروا، بشرى المؤمن وعواجل الخير له وتوارد المسرات عليه تصل إليه بيسرٍ لا يحتسبه وبسهولة لا يقدرها، وبعجلة لا ينتظرها، ولكنه الله العلي الحكيم يدني ما بُعد ويهول ما صعب، فهو سبحان إن شاء جعل الحزن سهلاً اقرءوا هُوَ ٱلَّذِى أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مِن دِيَـٰرِهِمْ لأَِوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ [الحشر:2]، سبحان الله لم تكونوا تتوقعون خروجهم فقد كانوا من القوة والمنعة في حصونهم بحيث لا تظنون خروجهم، وغرتهم المنعة فنسوا قوة الله التي لا تردها حصون وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مّنَ ٱللَّهِ فَأَتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ [الحشر:2]، أتاهم من داخل نفوسهم لا من داخل حصونهم وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِى ٱلأَبْصَـٰرِ [الحشر:2]، واقرءوا إن شئتم خبر الأحزاب حين زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وامتلئن بالقلوب الظنون وتحرك المرجفون وتخاذل المنافقون وزلزل المؤمنون زلزالاً شديداً وحين بلغ البلاء ذروته والامتحان قمته وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً [الأحزاب:25]، وماذا بعد وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَـٰهَرُوهُم مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَـٰرَهُمْ وَأَمولَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيراً [الأحزاب:26، 27]، ألا فاتقوا الله رحمكم الله، اقرءوا وتأملوا واعتبروا وبشروا واستمسكوا، فمهما تشبث أهل الغواية بغوايتهم وأصر أهل الباطل على باطلهم فإن أهل الحق أطول نفسا وأمضى عزيمة وأهنئ بالا وأفضل حالا، وخيرٌ عقبى وأحسن مآلاً والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأهل الكفر لن تغني عنهم فئتهم شيئاً ولو كثرة وإن الله مع المؤمنين.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
|