أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله حق تقواه وراقبوه ولا تعصوه.
أيها المسلمون، فقد قال عز من قائل: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلامَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء:58].
وقال عز من قائل: إِنَّا عَرَضْنَا ٱلاْمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].
أيها المسلمون، إن الأمانة مسئولية عظيمة وعبء ثقيل على سوى من خففه الله عليه.
أيها المسلمون، لقد أصاب مفهوم الأمانة ما أصاب غيره من المفاهيم من حيث سوء الفهم فانحصر مفهوم الأمانة عند كثير من الناس في حدود ضيقة، فأكثر الناس اليوم لا يعرف عن الأمانة إلا أنها أداء الودائع التي استودع إياها من قبل الناس، وهذا المفهوم هو جزء من مفهوم الأمانة الحقيقية، فالأمانة التزام الإنسان بالقيام بحق الله وعبادته على الوجه الذي شرعه الله مخلصاً له الدين.
إن الأمانة كذلك التزام الإنسان بالقيام بحقوق الناس من غير تقصير كما يجب أن يقوموا بحقوقه من غير تقصير.
أيها المسلمون، ليست الأمانة مقصورة على حفظ الودائع وردها إلى أصحابها كاملة بل ذلك أحد مظاهرها، والله تعالى قد أمرنا برد الأمانات وأداء الودائع إلى أصحابها.
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)).
فالأمانة ـ أيها المسلمون ـ مفهوم واسع ينطبق على كل عمل يوكل إلى المرء، فإنه مؤتمن عليه.
فالموظف وظيفته أمانة في عنقه يجب عليه أن يتقي الله عز وجل في ذلك، وأن يقوم بأداء ما أسند إليه من عمل على أكمل وجه وأتمه، فحرص الإنسان على أداء واجبه كاملاً في العمل الذي يوكل إليه مظهر من مظاهر الأمانة.
ومن الأمانة .. ألا يستغل الرجل منصبه الذي عين فيه لجر منافع شخصية له وألا يستخدم نفوذه لنفع قرابته وأصدقائه دون بقية الناس، فإن المساس بالمال العام جريمة.
أيها المسلمون، ومن الأمانة أيضاً حفظ العبد جوارحه وحواسه ومعرفته نعم الله عليه في نفسه وأهله وماله، ومن أدى هذه الأمانة فإنه لا يختار لنفسه إلا الأنفع، ومن الخيانة أن يستسلم المرء لشهواته ويخضع لكل رغباته ويقصر في شئون آخرته.
وأحوال البيت وأمور الأسرة أمانات محفوظة وحرمات مصونة يجب أن تحفظ بستر الله، والمرأة إذا حفظت نفسها وبرت زوجها وأدت حق ربها لم يكن بينها وبين الجنة إلا الأجل.
ومن الأمانة أيضاً: التجارة في البيع والشراء فلا يغش المسلمين في بيعه ولا يبخس منه شيئاً ولا يتاجر بما يضر المسلمين في دينهم ودنياهم.
فأين الأمانة ـ أيها المسلمون ـ من كثير من التجار اليوم، فكثير من التجار يتاجرون فيما يضر المسلمين في دينهم ودنياهم كالذي يبيع الدخان وغيره، مما يضر المسلمين ويفسد عليهم أخلاقهم كالمجلات الفاضحة والأفلام وأجهزة الاستقبال الفضائي.
ومن الأمانة أيضاً .. المحافظة على الأبناء وتربيتهم تربية سليمة وتنشئتهم على الأخلاق الفاضلة وتذكيرهم بثواب الله وتخويفهم من عقاب الله حتى ينشأ الفتى دائم المراقبة لله عز وجل.
فأين الأمانة من كثير من الأولياء اليوم.
أين الأمانة ممن ينصب في بيته أجهزة الاستقبال الفضائي التي تفسد الشيوخ فضلاً عن الشباب والتي تبث من البرامج ما يغضب الله عز وجل، ويسعى جاهداً لنقض عرى الإسلام عروة عروة، وغرس تقاليد الكفار وعاداتهم ومحاربة الفضائل الشرعية.
أين هذا من أمانة الأولاد، فليتق الله من هذا شأنه، ولينظر إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري ومسلم من حديثه معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت، هو غاش الرعية إلا حرم الله عليه الجنة)).
وأي غش أيها المسلمون أكبر من نصب الدش في المنزل وجعله متاحاً للقاصرين من الأطفال والنساء والمراهقين.
أيها الأولياء، إن الأبناء لا يعقلون شيئاً وإنك أيها الولي مسئول عنهم، إن الذي يجلب لهم ما يفسد عليهم أخلاقهم ويؤثر في فطرتهم وعباداتهم، إن من هذا شأنه فإنه غاش لرعيته خائن لأمانة الله فيهم.
فليتق الله من هذا شأنه، وليتق الله ذلك الولي الذي يخرج من بيته إلى الصلاة ولا يأمر أولاده بذلك. فليتق الله ذلك الولي الذي يعضل موليته فيرد عنها الخطاب الأكفاء، إن المرأة أمانة في يد الرجل فلا ينبغي له إذا أتاه من يرضى دينه وخلقه وكان كفأً لها، لا ينبغي له أن يرده لأجل المصالح الشخصية.
فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ وأدوا الأمانات إلى أهلها ولا تخونوا الله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون، وقد أخبر نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بأنه لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له.
بارك الله لي ولكم..
أقول ما تسمعون...
|