عباد الله، أوصيكم وإياي بتقوى الله، وأحذركم وإياي من عصيانه ومخالفة أوامره، لقوله تعالى: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت: 46].
أما بعد: فيقول الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ [القصص: 4, 5].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، إن هذا النص الكريم بكلماته الموجزة وصف مسيرتين مختلفتين في هذه الحياة.
أولاهما مسيرة العلو والطغيان والتجبر والظلم والفساد والإفساد في الأرض، وبين ذلك كله في السلطان الظالم الذي ظن أنه صاحب السلطة، ونسي أنه كباقي البشر سيواجه المصير المحتوم.
أما المسيرة الثانية فهي مسيرة المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة الطغيان والتسلط في جبروته وظلمه، ولكن أهل هذه المسيرة يستندون إلى قوة الله بإيمانهم به الذي ينصر عباده، ولا يرد لمقامه، وهو ناصر المستضعفين، وولي المسلمين الذين لا حول لهم ولا قوة، ويستندون عليه لا ترهبهم قوة الظالم، وذلك بإيمانهم لأنهم على يقين بأن الله مولى الذين آمنوا، وأن الكافرين لا مولى لهم.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، وهكذا تبين هذه الآيات صراعا بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، وبين الخير والشر، وبين العدل والظلم، وبين القوة المادية بظلمها وتجبرها وبين الأمة المتمسكة بدينها وقيمها وحقها في قوتها الإيمانية المتطلعة إلى تمكين دينها لتبني حضارة وتزيل الظلم عن الإنسان الذي كرمه الله بإنسانيته على باقي المخلوقات، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـٰهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء: 70].
أيها المسلمون، إن الظاهرة الفرعونية بما فيها من انحراف وشر وظلم واستخفاف بالحق وأهله هي صورة تاريخية التي أصرت على عدواتها أمام دعوة الإسلام التي جاء بها خير الأنام عليه الصلاة والسلام، الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهداية، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. وإن المتتبع لمسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يقف على ما عانى من ظلم واضطهاد في سبيل الله، وتمسكه مع صحابته بهذا الدين الحنيف، وصراع الكفر الذي فرض حصارا جائرا على المسلمين، الذي فرضه كفار مكة في شعب بني طالب على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أكل المسلمون ورق الشجر وحشائش الأرض من شدة الجوع، وذلك من جراء ثباتهم على دينهم، ولكن الله كان في عونهم فأعزهم الله بإيمانهم، ومكن لهم في الأرض، وأقام دولة الإسلام، ونشروا العدل والرحمة بين بني الإنسان.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، في هذا الزمان حيث الظاهرة الفرعونية وظلمها التي تقوم باضطهاد المؤمنين، باستخدام القوة والتحكم بمصائر الشعوب والدول المستضعفة، وتقود دول الظلم وعلى رأسها أمريكيا حملة استعمارية بشعة معتمدة على السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية، وتبني تحالفات دولية تحت شعارات مختلفة منها: محاربة الإرهاب العالمي، وهذا التحالف الذي يضم دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية جاء لمحاربة الإسلام، في الوقت الذي كانت فيه هذه الدول في زمن غير بعيد تنصب نفسها المدافعة عن حقوق الإنسان، ورعاية المواثيق الدولية، التي تحافظ على ذلك تقوم اليوم بانتهاكها.
أيها المسلمون، أمام الحملة الاستعمارية الظالمة التي تستهدف بلاد المسلمين وشعوبهم وقيمهم وحضارتهم لتحقيق مآربها، لا بد من وقفة إلزامية لتوحيد صفوفكم، وتكثيف طاقاتنا للذود عن شعوبنا، فلا يجوز أن نبقى أمة ضعيفة في وجه القوة المادية الظالمة التي رسمت معالم هذه المرحلة.
إن دينكم ـ أيها المسلمون ـ يعالج مشاكل الإنسانية، ويحافظ على حقه في الحياة، ويمنع الظلم عنه، فقد جاء في الحديث الشريف الذي يرويه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عن رب العالمين: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)) أو كما قال .
يا عباد الله، استغفروا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
|